الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 20:02

هل المجتمع الإسرائيلي مهتم بالسلام مع الفلسطينيين؟ /بقلم: إبراهيم خطيب

كل العرب
نُشر: 20/02/13 18:13,  حُتلن: 07:58

إبراهيم خطيب – باحث سياسي في مركز الدراسات المعاصرة في مقاله:

الجمهور الإسرائيلي يرى أنه لا بدَّ من إجراء مفاوضات (مع السلطة الفلسطينية) ولكن هذه المفاوضات ليس بالضرورة أن تفضي هذه المفاوضات إلى قيام دولة فلسطينية

الجيل القادم من الإسرائيليين هو جيل سيكون أكثر راديكالية أو بأضعف الأحوال أقل تحمساً للعملية السلمية وهذا يدل على إتجاه أكثر تشدداً في تعاطيه مع العملية السلمية

المجتمع الإسرائيلي لا يرى أن العملية السلمية هي موضوع حارق بالنسبة له فقد فقدت هذه العملية زخمها ولا تهمه بقدر ما يهمه ويقض مضجعه الوضع الإسرائيلي الداخلي 

لا يمكن للمفاوض الفلسطيني الإعتماد والتعويل على المجتمع الإسرائيلي في تغيير أولويات المؤسسة الإسرائيلية التفاوضية فالمجتمع الإسرائيلي غير مبالٍ للعملية السلمية

هل الساسة الفلسطينيون مدركون لحقيقة أن الحكومات الإسرائيلية المتشددة هي نتاج لمجتمع إسرائيلي متشدد غير مؤمن أن المفاوضات ستكون هي الطريق لحل الصراع؟ وهل يطوّر الفلسطينيون وخصوصاً السلطة الفلسطينية طرق بديلة لحل الصراع!؟

عملية السلام كانت قميص "عثمان" الذي تدثرت به المؤسسة الإسرائيلية لتتوسع في الإستيطان وتحول الضفة الغربية والقدس إلى قطع أراضي مشتتة لا يمكن قيام دولة فلسطينية عليها، وحجم الإستيطان بعد أوسلو تضاعف بشكل كبير ضمنت من خلاله المؤسسة الإسرائيلية عدم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية.. الملفت للنظر في مسيرة التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي إلتصاق الطرف الإسرائيلي الدائم بالتفاصيل دون التطرق لأصل الصراع، وهي منهجية مضت عليها تل أبيب ورعتها واشنطن.

المجتمع الإسرائيلي والعملية السلمية
تقام العديد من إستطلاعات الرأي في المجتمع الإسرائيلي، ولعل من أشهر المعاهد والمراكز البحثية الإسرائيلية والتي تقع على الخط الفاصل بين السياسة والأبحاث يقع المركز الإسرائيلي للديمقراطية، هذا المركز الذي يهدف وفقاً لرؤيته لزرع قيم الديمقراطية في المجتمع الإسرائيلي. سنحاول من خلال هذه الورقة قراءة الإصدار الأخير للمعهد حول المجتمع الإسرائيلي والعملية السلمية والذي تلخص فيه كاتبة البحث "ايلا هيلر" (2012) توجهات الإسرائيليين (اليهود) فيما يخص عملية السلام من خلال مراجعة لإستطلاعات المركز على مدار عشرات السنوات.

ستعالج هذه الورقة المواضيع الثلاثة التي عالجتها مقالة المعهد وهي:
1- مركزية العملية السلمية في المجتمع الإسرائيلي.
2- الثقة بإمكانية التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودعمه.
3- معدلات الدعم بين الإسرائيليين للحلول المقترحة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وسنقوم بتحليل هذه المعطيات وتلخيصها في سياق يسعى لإستشراف نظرة المجتمع الإسرائيلي للعملية السلمية.

1- مركزية العملية السلمية في المجتمع الإسرائيلي:
العملية السلمية ليست من القضايا الحارقة التي تهم المواطنين الإسرائيليين، وإستطلاعات الرأي حول الموضوع تظهر أن العملية السلمية هي الموضوع الثالث في أهميته في صفوف الإسرائيليين على مدار سنوات طويلة، ولم تتجاوز نسبة المعتقدين أن العملية السلمية هي الموضوع الأهم للمؤسسة الإسرائيلية والقضية الأساس التي يجب معالجتها عتبة الـ 15-20% في معظم السنوات، وحتى أنه في السنة الأخيرة 2012 كانت النسبة 12-14% من المواطنين الإسرائيليين التي ترى أن العملية السلمية هي الموضوع الأهم الذي يجب معالجته. تظهر الإستطلاعات أيضاً أن مواضيع مثل الوضع الإقتصادي، الوضع الأمني، التصدعات في المجتمع الإسرائيلي والفساد السلطوي، هي مواضيع أساس نافست العملية السلمية وفاق قسم منها بأهميته العملية السلمية.

عام الإحتجاجات الإجتماعية
وعلى سبيل المثال لا الحصر تظهر المعطيات من سنة 2011 (عام الإحتجاجات الإجتماعية) أن تقليص الفوارق الإقتصادية والإجتماعية في المجتمع الإسرائيلي إحتل المرتبة الأولى في القضية المهمة بنسبة 40.2% في إستطلاع شهر أيلول / سبتمبر مقابل 24.9 % في شهر آذار/مارس من نفس العام (قبل الإحتجاجات)، ولكن المعطى الأهم أن نسبة الإسرائيليين التي رأت أن العملية السلمية يجب أن تكون في سلم الأولويات في شهر أيلول/سبتمبر كانت فقط 12% من مجمل الإسرائيليين، وفي نتائج شهر آذار/مارس (قبل الإحتجاجات الإجتماعية) كانت 14%! وفي كلا الحالتين كانت العملية السلمية محتلة للمكان الثالث. أي بمعنى آخر أن هناك إتجاهاً عاماً جارفاً في إسرائيل لم يتغير أصبح يرى عملية السلام ليست كقضية أولى في سلم أولوياته.

قضية وهدف أساسي
معطى آخر تُظهره الدراسة أن الجيل الناشئ في وسط الإسرائيليين، الذي يقل عن 35 عاما، أن السلام ليس قضية وهدف أساسي ومهم، فقط 4.7% ممن يرون بإتفاق سلام مع الفلسطينيين الهدف الأهم لهم تتراوح أعمارهم بين 18-34 عاما. ومما ذكر آنفاً ومما تظهره الدراسة في هذا الباب يمكن إستنتاج ما يلي:
- المجتمع الإسرائيلي لا يرى أن العملية السلمية هي موضوع حارق بالنسبة له، فقد فقدت هذه العملية زخمها ولا تهمه بقدر ما يهمه ويقض مضجعه الوضع الإسرائيلي الداخلي.
- لا يمكن للمفاوض الفلسطيني الإعتماد والتعويل على المجتمع الإسرائيلي في تغيير أولويات المؤسسة الإسرائيلية التفاوضية، فالمجتمع الإسرائيلي غير مبالٍ للعملية السلمية، وقد كشف قياس السلام الصادر في يناير/كانون ثاني من هذا العام 2013 عن المعهد أن الإسرائيليين لا يعتقدون أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة ستفضي الى سلام بين الجانبين، إذ أشار 6.4% من الإسرائيليين الى أن المفاوضات ستفضي إلى سلام، فيما أشار 36.2% الى أنهم جازمون أن المفاوضات لن تفضي الى أي سلام.
- الجيل القادم من الإسرائيليين هو جيل سيكون أكثر راديكالية أو بأضعف الأحوال أقل تحمساً للعملية السلمية، وهذا يدل على إتجاه أكثر تشدداً في تعاطيه مع العملية السلمية.

2- الثقة بإمكانية التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودعمه:
لقد كانت بداية العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكلها الرسمي عبر إتفاقية أوسلو، ولكن يبدو أن إتفاقية أوسلو فقدت بريقها، فقد أزال المعهد الإسرائيلي للديمقراطية قضية دعم إتفاق أوسلو والإيمان بنجاحه من أسئلته، وذلك لأن إتفاقية أوسلو مدموغة بصبغة سيئة بين الإسرائيليين كما تشير معدة التقرير! ويظهر التقرير أن آخر إحصاء أجري حول إيمان الإسرائيليين بأن إتفاق أوسلو ممكن أن يؤدي لسلام لما تتجاوز 23.5% وقد كان ذلك في عام 2008. معطى مثير للإهتمام هو أن الجمهور الإسرائيلي بغالبيته مع إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين ومع أن هذا الدعم للمفاوضات في تراجع، أنظر جدول رقم 1.

السنة مع إجراء مفاوضات المفاوضات ستقضي الى السلام
2009 64% 23.5%
2012 58% 20.9%
يناير 2013 36% 6.4%


جدول رقم -1- حول المفاوضات وما ستفضي إليه ،مقارنات.

مفوضات سلمية!
وصل سنة 2012 لـ 58% بعد أن كان 64.5% عام 2009 وواصل الهبوط هذا العام ليصل إلى 28.3% كما كشف القياس الصادر عن المركز ونشر على موقعه الالكتروني. رغم هذا فإن هذا المعطى لا يعني الكثير، إذ أشار 29% من الإسرائيليين فقط إلى أن هذه المفاوضات ستؤدي إلى سلام، ويمكن قراءة هذه المعطيات على النحو التالي:
- الجمهور الإسرائيلي يرى أنه لا بدَّ من إجراء مفاوضات (مع السلطة الفلسطينية) ولكن هذه المفاوضات ليس بالضرورة أن تفضي هذه المفاوضات إلى قيام دولة فلسطينية .. وكما يظهر لاحقاً فهي مفرغة المضمون ولذلك فهذه المفاوضات هي مفاوضات لأجل المفاوضات وليس لأجل إحلال السلام.
- يمكن الإستنتاج أن المجتمع الإسرائيلي لا يعول على العملية السلمية والتفاوض مع السلطة الفلسطينية كسبيل لإنهاء الصراع وإحلال السلام وإنما يرى أن المفاوضات هي أداة لإدارة الصراع لا أكثر ولا أقل .. وممكن أن يكون لها مكاسب معينة للمؤسسة الإسرائيلية ولكنها بالمحصلة لن تكون هي الأداة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما يؤكده الإستطلاع الذي نشر مؤخرا على الوقع الإلكتروني للمعهد، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، إذ يشير الإستطلاع إلى أن 66.6% من المستطلعين اليهود لا يعتقدون أن مفاوضات بين إسرائيل والسلطة ستفضي الى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، انظر جدول رقم 2. هل تعتقد أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة ستفضي الى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟

الجواب كل الجمهور اليهود العرب
أعتقد جازما 10.4 6.4 33.3
أعتقد ذلك 24.1 25.6 15.6
لا أعتقد 27.8 31.1 8.9
لا أعتقد مطلقا 36.2 35.5 40.
لا أعلم / أرفض الإجابة      

3- معدلات الدعم بين الإسرائيليين للحلول المقترحة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي:
حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية كحلول مقترحة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أثيرت أيضاً في إستطلاعات الرأي التي أجراها المركز الإسرائيلي للديمقراطية في إستطلاعاته. ويظهر الإستطلاع أن هناك دعماً لحل الدولتين أكثر من حل الدولة الواحدة، وظهر دعم واضح لحل الدولتين على حل الدولة الواحدة عندما طلب من المستطلعين الإختيار بين الحلين. النتائج تشير الى أن الدعم من قبل الجمهور الإسرائيلي لحل الدولتين يقل ليصل الى 41.2% في عام 2009 إذا كان هذا الحل مقرونا بتنازلات إسرائيلية، وإن كان الحل بدون ذكر التنازلات فيصل دعمه 63.8% على حساب حل الدولة الواحدة (مجدداً إذا كان هناك فقط خياران وحلان يجب أن يختار بينهما المستطلع). ومع عدم رضا المجتمع الإسرائيلي من حل الدولة الواحدة إلا أن هذا لا يعني بالقطع أن فشل حل الدولتين سيكون نتاجه الإجباري هو حل الدولة الواحدة، ففشل حل الدولتين لا يعني بالقطع أن الحل هو حل الدولة الواحدة، ويرى ذلك 65.3% من الإسرائيليين فيما يرى 24.6% أن فشل حل الدولتين يعني قطعاً التوجه لحل الدولة الواحدة.

حل الدولتين
مع هذه المعطيات يظهر أن أكثر من 57% من الإسرائيليين في سنة 2012 وفي سنة 2010 كان هنا أكثر من 72% من الإسرائيليين لا يؤمنون أن حل الدولتين معناه إنهاء الصراع بين الطرفين، وفقط 40% و20% سنة 2012 وسنة 2008 (على التوالي) يؤمنون أن حل الدولتين ممكن أن يؤدي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فيما تظهر معطيات 2012، أن من يعتقد بالسلام مع الفلسطينيين فهو يرى أنه لا يمكن أن يتحقق سلام في المدى المنظور، إذ تشير الإستطلاعات مع هذه المجموعة الى أن7% فقط يؤمنون بحلول سلام مع الجانب الفلسطيني في المدى المنظور. إذاً وفي قراءة لما يظهر من نتائج إستطلاعات الرأي التي أجريت يبدو أن التوجه الإسرائيلي في موضوع حل الدولتين كالتالي:
- تفضيل حل الدولتين جاء على حساب ما هو أسوأ وفق المنظور الإسرائيلي، وهو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، ويبدو أن الدعم لحل الدولتين جاء كمحصلة للمعارضة الشديدة لحل الدولة الواحدة.
- حتى حل الدولتين لا يرى به الإسرائيليون حلاً كلياً للصراع وممكن أن يضع حداً للصراع.
- الإسرائيليون يريدون حلولاً بدون تنازلات كما يظهر من الإستطلاعات، وقضية التنازلات جداً مهمة في عيون الإسرائيليين وعليها يقف مدى دعمهم لأي حل.
- النظرة التشاؤمية من مستقبل الصراع هي الحاضر الأول، إن كان بين المهتمين بالعملية السلمية وبين من لا يضعونها على سلم أولوياتهم، فمما يظهر من الإستطلاع أن إمكانية التوصل للسلام مع الفلسطينيين بعيدة المنال.

الخلاصات:
1- تشير هذه الإستطلاعات الى أن المجتمع الإسرائيلي ليس معنيا بالسلام مع الفلسطينيين.
2- القضايا الداخلية المطلبية باتت الحاضر القوي في الذهنية الإسرائيلية وتتقدم عما سواها.
4- التفكير الآن داخل المجتمع الإسرائيلي يدور حول كيفية إدارة الصراع من خلال تحقيق أكبر كم ممكن من الإنجازات غير القابلة للتغيير مستقبلا.
5- الحل على أساس المفاوضات هو إستنزاف للجهد الفلسطيني ورهان خاسر.
6- كما ويمكن إستقراء مستقبل أكثر تشددا إذ أننا مقبلون على جيل متشدد من حيث نظرته للصراع والتعامل معه.

والسؤال الأهم هنا، هل الساسة الفلسطينيون مدركون لحقيقة أن الحكومات الإسرائيلية المتشددة هي نتاج لمجتمع إسرائيلي متشدد غير مؤمن أن المفاوضات ستكون هي الطريق لحل الصراع؟ وهل يطوّر الفلسطينيون وخصوصاً السلطة الفلسطينية طرق بديلة لحل الصراع!؟

ملاحظة: الإستطلاعات كانت فقط في صفوف اليهود.
المصادر: هيلر، ايلا. (2012). الرأي العام في إسرائيل والعملية السلمية مع الفلسطينيين. المركز الإسرائيلي للديموقراطية (من العبرية) مع مقاربات لإستطلاع يناير 2013 الصادر عن جامعة تل أبيب –برنامج بحث النواعات وسبل تسويتها على أسم ع-ش أوفانس، وبمشاركة المعهد الإسرائيلي للديموقراطية.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة