الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 11:02

الاهل:التربية السياسية للابناء في عصر الربيع العربي

أماني حصادية -
نُشر: 31/01/13 11:30,  حُتلن: 13:48

من المهم أن يدرك الطفل أن الإسلام يقبل الآخر ويتعايش معه ونحن أمة لا تسعى للصدام ومن الضروري أن يعرف الطفل شيئا عن دستور المدينة

ينبغي أن يفهم الطفل أنه لا يمكن للحياة أن تقوم بدون العدل فبه قامت السماوات والأرض وما البعث والنشور والحساب والجنة والنار إلا من أجل تحقيق هذا العدل ولذلك أمر به الله

الشعب يريد إسقاط النظام " لم يكن هذا هو الشعار الأساسي والمحوري في ثورات الربيع العربي فقط، ولكنه كان الشعار المفضل لدى الأطفال الذين تحمسوا له وكانوا يرددوه كالأناشيد ..يقيناً فإن الأطفال لا يحملون الهم السياسي الحقيقي ولكنهم يكونون القاعدة الأساسية التي سيتشكل عليها الهم السياسي فيما بعد، وإذا كانت السياسة جزء من الدين حتى يتحقق الدين في حياة الناس فإن التربية السياسية وتصحيح المفاهيم لدى الطفل تعد مسألة بالغة الأهمية من أجل بناء جيل مؤمن قوي.



تجربة شخصية
ابني الصغير الذي لم يدخل المدرسة بعد مولع بحفظ الهتافات، فهو يردد دائما ثوار أحرار هنكمل المشوار، وايد واحدة وارفع راسك فوق انت مصري ..وكثيرا ما يحلو له أن يقف وينظر من النافذة ويردد هذه الهتافات بحماس منقطع الصغير .
ابنتي ذات الثمان سنوات كثيرا ما تسألني عن معنى هذه الهتافات، أما من يرد عليها فهو ابني الكبير الذي هو في آخر المرحلة الابتدائية والذي يدهشني بمتابعته لآخر الأخبار والمستجدات ويدهشني أكثر بتحليله لمجريات الأحداث. فلابد إذن من حسن استغلال سؤال الطفل وتقديم الإجابة المناسبة لعمره وربط ذلك بالقواعد والمبادئ الإسلامية وترسيخ عدد من المفاهيم ذات الأولوية.

مفهوم الشورى
وهو العمود الفقري للتربية السياسية، فلابد أن يفهم الطفل معنى الشورى وكيف أنها أمر إلهي من قبل أن يتطور العقل البشري ويدرك أهميتها ومحوريتها في العمران البشري، تلك الشورى التي أمر الله عز وجل نبيه بتحقيقها داخل الجماعة المؤمنة ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )آل عمران : 159. وهي ركيزة من ركائز المؤمنين (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى: 38‏ .

مفهوم العدل

ينبغي أن يفهم الطفل أنه لا يمكن للحياة أن تقوم بدون العدل فبه قامت السماوات والأرض وما البعث والنشور والحساب والجنة والنار إلا من أجل تحقيق هذا العدل ولذلك أمر به الله تعالى (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
وبالتالي يفهم الطفل أن العدل هو سر نهضة الأمم ويطمح للحياة في ظلال دولة العدل.

مفهوم الحرية
لا شئ أجمل من الحرية المسؤولة، وليس هناك ما هو أسوء من الحياة في سجن كبير ..ينبغي للطفل أن يعرف كيف كانت درجة الحرية التي يتمتع بها الصحابة، وكيف كانوا يتحدثون مع النبي صلى الله عليه وسلم بكل حرية وبكل أدب، وذلك في كافة المجالات فزوجاته يراجعنه في أمر البيت، والصحابة يتناقشون معه في الأمور العامة، ولو أخذنا مثلا الحباب بن المنذر يوم بدر "ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وقال لهم: سيروا على بركة الله، فإنه قد وعدنى إحدى الطائفتين، فكأنى أنظر إلى مصارع القوم. ثم مضى يبادر قريشاً إلى الماء إذا جاء أدنى من ماء بدر نزل به، فقال حباب بن المنذر بن الجموح أحد بنى سلمة: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولانتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الحرب والرأي والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل فانهض حتى نأتي أدنى قليب القوم فنزله ثم نغور ما سواه من القلب، ثم نبني حوضاً فنملأه ثم نقاتل فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أشرت بالرأي ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل وبنى حوضاً على القليب وقذفوا فيه الآنية ثم أمر بالقلب فغورت...".
فلا حرية عندما يتعلق الأمر بأمر أو نهي من الله عز وجل أما في أمور الحياة الأخرى فالأمر واسع ..مثلا تفهم الابنة ان ارتداء ملابس ضيقة أو شفافة ليس من الحرية الشخصية في شيء لأنه ضد الدين ثم لا مانع من التعرف على بعض الأسباب التي حرمت على الفتاة هذه النوعية من الملابس حتى تشمئز من هذا الفعل وتشعر أنه مناف للذوق السليم .
ويكفي في هذا السياق أن يعرف الطفل أن الإسلام قد كفل حرية العقيدة وأنه لا إكراه في الدين وأنه لم يحدث على الإطلاق أن أجبر إنسان على اعتناق الإسلام.

سلمية المعارضة
لابد أن نربي أطفالنا على نبذ العنف والتنابز بالألقاب، وأن ندربهم على أسس الحوار الفعال بحيث يفهم الطفل أن العنف حتى لو كان لأخذ الحق مرفوض وغير مقبول ويعد تخريبا وتقويضا للنظام.

مفهوم المواطنة
من المهم أن يدرك الطفل أن الإسلام يقبل الآخر ويتعايش معه ونحن أمة لا تسعى للصدام ومن الضروري أن يعرف الطفل شيئا عن دستور المدينة (وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.وأن ليهود بني النجار والحارث وساعدة وبني جشم وبني الأوس الخ، مثل ما ليهود بني عوف. وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة. وأن بينهم النصح والنصيحة والبر، دون الإثم. وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم ).

تطبيقات عملية
لا يمكن للطفل إدراك هذه المعاني المجردة دون أن يعايشها في حياته الأسرية فمهما تحدث الوالدان عن مفهوم الشورى وأهميته لن يشعر به الطفل إلا إذا كان بيته يعلي من شأن الشورى فيرى بعينيه والديه يتناقشان ويتشاوران ويتحاوران بهدوء ويطلبان رأيه فيما يخصه ويستمعان له باهتمام ثم يتناقشان معه باحترام قبل أن يصدر القرار. ولا مانع من الاستمتاع معه وإشباع تطلعاته السياسية الصغيرة عن طريق اللعب فمثلا من الممكن أن نلعب مع الطفل لعبة البرلمان ونطرح موضوع يخص الطفل ونجري تصويت عليه في قالب مرح وممتع ولكنه مؤثر.
والطفل إذا لم يشعر بالعدالة فلا جدوى من حديثا عن العدل معه وقد يكون الموقف واضح في نظر الوالدين ولكنه ليس كذلك في عقل الطفل الذي يحتاج لإيضاح حتى يشعر بتحقق العدالة. وفي البيت بتعلم الطفل المفهوم الصحيح للحرية وكيف أن تعاليم الدين هي خط أحمر وماهية الحرية المسئولة فنقول للطفل عندما تأخذ لعبة أخيك دون إذنه أن هذه ليست حرية وإنما اعتداء وهو أمر غير مسموح به .
وفي البيت يتعلم الطفل أن من حقه الاعتراض ولكن بأدب وقواعد فلا يستخدم ألفاظ وإيماءات سيئة ولا يخرب وهكذا فإن بذور التربية السياسية للأبناء تبدأ من المنزل.

مقالات متعلقة