الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 13:02

ماذا حدث معي يوم الانتخابات؟ انتخبت كرامتي وهويتي/ بقلم: سميح غنادري

كل العرب
نُشر: 16/01/13 09:20,  حُتلن: 11:59

سميح غنادري في مقاله:

انتخبت كرامتي وهويتي وحقي بالمساواة مارست مواطنتي رغما عنهم لقد انتصرت عليهم

صوتي أنا العربي الفلسطيني من أصحاب وأهل البلاد الأصليين في وطن جرت ترجمته للعبرية وصهينته يساوي بالضبط صوت أكبر مسؤول ممّن اغتصبوا بلادي وشعبي

كيف أتخلى أنا المحروم من المساواة ومن المواطنة المتساوية عن حقي في ممارستها وتأكيد كوني مواطنا رغم أنفهم ولوْ في لحظة انتخابات أمام الصندوق؟

سأحدثكم اليوم، بتاريخ 14 كانون الثاني، عمّا "حدث" معي بعد أسبوع، يوم الانتخابات البرلمانية بتاريخ 22.1.2013. نهضت نشطاً. استذكرت رقم ومكان صندوق الاقتراع الذي سأدلي بصوتي فيه، ورقمي التسلسلي الانتخابي في سجل الناخبين. تأكدت من وجود بطاقة هويتي الشخصية في جيبي. خرجت من بيتي باتجاه الصندوق.
غمرني شعور بالقوة. بل وبلذة الانتقام. أنا ذاهب للانتصار عليك يا إسرائيل. اليوم، أمام الصندوق الانتخابي، لن يكون حاكم ومحكوم ومواطن مالك وتابع مملوك. كل جيوشهم وحكامهم ووزرائهم وفنونهم العنصرية والأبرتهايدية والفاشية لإقصائي وتهميشي وتقزيمي... ستسقط، للحظة، أمام الصندوق.
صوتي أنا العربي الفلسطيني من أصحاب وأهل البلاد الأصليين في وطن جرت ترجمته للعبرية وصهينته... يساوي بالضبط صوت أكبر مسؤول ممّن اغتصبوا بلادي وشعبي. فكيف أتخلى، أنا المحروم من المساواة ومن المواطنة المتساوية، عن حقي في ممارستها وتأكيد كوني مواطنا رغم أنفهم، ولوْ في لحظة انتخابات أمام الصندوق؟ وبأي حق لا أقوم بواجبي بتجيير صوتي لصالح معركة السلام العادل والمساواة؟ بين خيار مقاطعة ذاتي الشخصية والجماعية وخيار منح صوتي لحملة السوط بحق شعبي، سأجعل من صوتي سوطا ضدهم... وأعلن انتصاري عليهم.

ماذا أخذت معي
إلى صندوق الاقتراع؟
أعرف أن قانون الانتخابات يمنعني من الدعاية الانتخابية في منطقة الصندوق، ومن إدخال مواد دعائية وراء ستار الانتخاب. لكنني انتصرتُ عليهم وعلى قوانينهم. إذ حين نهضت في صباح يوم الانتخابات، ملأت جيوبي وكل مخابئ ثيابي وجسدي وعقلي بذاكرة التاريخ وتاريخ الذاكرة. كتب وحقائق وأرقام وصور. وسجلُّ نكبة وجرائم وقتل وتشريد ولجوء. وحرب تتلو اجتياحا واجتياح يتمّم حربا. وغالبية تملك البلاد تستفيق لتجد نفسها بقية باقية لأقلية تطالب بأن تثبت شرعية ولادتها عربية فلسطينية في وطن كان اسمه فلسطين، ودخلته من أكثر الطرق شرعية، من أرحام أمهاتها.
حملت معي صور 478 قرية مدروسة ومهجّر أهلها، و780000 لاجئ طردوا من وطنهم. وصور 48 شهيدا في كفر قاسم 1956 وستة شهداء يوم الأرض – 1976، و13 شهيدا في هبّة أكتوبر 2000، وصور جرحى ومعتقلين، وسجل لأراضٍ كنا نملكها ومُنعنا من دخولها لفلاحتها، وقامت عليها مستوطنات. وقصاصات ورق تحوي معطيات وأرقاما عن سياسة التمييز القومي والمدني العنصري بحقنا، وعن كوننا في وطننا الأكثر فقرا وبطالة، والأقل ملكية وتحصيلا علميا ومعدّل عمر.
تفحّصني حراس الأمن حين دخلت غرفة صندوق الافتراع. لم يجدوا شيئا. فأية آلة وأية أشعة قادرة على اكتشاف مخزون تاريخي لذاكرة وذكريات تشبّعت بها خلايا الدماغ ودماء الشرايين؟! اجتزت حواجز وجدران أمنهم... انتصرت عليهم. وقفت وراء ستارٍ يخفي أوراق الاقتراع. سأمارس حقي في الاختيار... وسأختار خياري لا اختيارهم. لن أخون تاريخي، لن أخون وطني وشعبي وهويتي.

كيف "قاطعتُ" الانتخابات؟
في طريقي إلى ما وراء الستار الذي يخفي أوراق شارات الأحزاب والكتل التي تخوض الانتخابات، ناقـَشـَتْ نفسي... نفسي:
• لا تقترع. لا تمنح الشرعية لمن اغتصب وطنك وشعبك وميّز عنصرياً ضدك.
- هل اقتراعي هو الذي يمنحهم شرعيتهم؟ أنا أقترع ضد شرعنة سياستهم. أقترع لتأكيد شرعية بقائي وكوني مواطنا رغما عنهم. أقترع لنصرة قضية شعبي. أقترع دعما لكفاحي من أجل المساواة.
• باقتراعك تشرعن ديمقراطيتهم.
- ألم تجد إلا في ممارستي لحقي كمواطن ضد شرعنة سياستهم... شرعنةً لديمقراطيتهم؟ لماذا لا تجد هذه الشرعنة المدّعاة في حقك بتشكيل أحزابك وحركاتك السياسية، وبتصديك لسياستهم ومظاهراتك وإضراباتك وبحقك في التعبير وحتى بالمطالبة بإزالة دولتهم، وبإصدار صحفك وتشكيل جمعياتك وأطرك التمثيلية والمدنية والاجتماعية. هذا عدا عن حقك في العمل والعلم والتأمينات والخدمات والضمانات الاجتماعية وتبوؤ المراكز في مختلف مرافق العمل – القضائية والأكاديمية والإدارية والاقتصادية والخدماتية... إلخ؟
إذا كان حقي بالتصويت شرعنة لديمقراطيتهم، إذاً تعال نتنازل عن حقوقنا وعملنا في كل ما ذكرناه سابقا. لأن ممارسة أي حق منها "يشرعن" ديمقراطيتهم، وبإمكانهم استغلاله لتلميع وجههم أمام العالم. أو ما رأيك مثلا بأن نطالب بإعادة الحكم العسكري علينا؟ إذ حسب منطقك، كفاح آبائنا وأجدادنا لإلغائه ومن ثم إبطاله هو شرعنة لديمقراطيتهم.
• أراك تهلل لشرعنة السياسة الإسرائيلية وصهيونيتها وديمقراطيتها؟
- بل أكافح ضدها. فما من أوهام عندي بخصوص دولة يهودها وديمقراطية صهيونيتها وإثنيتها. بتصويتي أمارس حقي بالمواطنة المتساوية المنشودة وبالتأثير على مصير البلاد وشعبي وانتزاع حقوقي هنا في وطني. ففي نهاية المطاف أنا مواطن هنا.
هنا وُلدتُ وسأعيش، هنا آكل وأشرب وأرتدي وأتعلم وأعمل وأبني بيتا وأخلّف ذريّة و... أموت. هنا لي ماضٍ وحاضر ومستقبل. وما من وطنية ممكنة وأرقى هنا، بالنسبة لي، من وطنية البقاء وتأصيله وإفشال المشروع الصهيوني في عقر داره بإخلاء الأرض من أهلها. مهمتنا بناء حركتنا الوطنية هنا، في ظروف هنا. هذه هي المساهمة الوطنية الكبرى لنا لصالح شعبنا هنا وللقابعين تحت الاحتلال هناك وللمشردين اللاجئين في الشتات. وهذه أيضا هي مساهمتي الكبرى لصالح عموم المواطنين في هذه البلاد، بما فيه صالح الكفاح من أجل السلام العادل والمساواة التامة ومن أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ودحر العنصرية.
• لكن غالبية شعبك هنا تقاطع الانتخابات، مبدئياً!
- هذا غير صحيح. غالبية المقاطعين يقومون بهذا نتيجة يأس ولامبالاة وإحباط. ومن الخطأ نعتهم بالمقاطعين. الأصح نعتهم بالممتنعين و/أو اللامصوتين. المقاطعون عن مبدئية ولأسباب أيديولوجية هم أقلية. أحترم منطلقاتهم ولا أشكك بوطنيتهم. لكنني أعتقد أن المقاطعة لا تخدم شعبي وقضاياه، ما دامت لن تكون – وهي لن تكون – عامة ومطلقة وأشبه بالعصيان المدني، ونتاج قرار إجماعي لشعبنا بكل أحزابه وممثليه الوطنيين.
• هذا يعني أنك لن تقاطع؟
- من قال لك هذا؟ بل سأقاطع، المقاطعة المطلوبة!
وقفت وراء الستار الذي يخفي أوراق الاقتراع المختلفة – أحرف وشارات العشرات من القوائم الانتخابية. مرّت عيناي، للحظة وبلمح البصر، على شارات الأحزاب الصهيونية. انتصب التاريخ أمامي بذاكرته وبتأريخه للذاكرة. سخنت الدماء في شراييني وتسارع تدفق الدورة الدموية، فتغذّت خلايا دماغي بأكسجين نظيف. انتصبت قامتي. أصبحت الذاكرة طاقة، وإرادة صمود وتحدٍ وتصدٍ. أنطقني شعبي، فزعقت: "سأقاطعهم. ولا صوت للأحزاب الصهيونية".

ماذا حققت لنا
أحزابنا ونوابها؟
تركّز نظري على شارات ثلاث لقوائم ثلاث فاعلة وطنيا بين شعبي وتنشط بين عموم المواطنين، في العمل والتعبير عن مصلحة شعبي وصالح العموم. وإذ بعاطفتي وعقلي يناقشان عقلي وعاطفتي:
• لكن هل أنت راضٍ عن ممارساتهم وعن جميع مرشحيهم وعن كافة مواقفهم؟
- لست راضياً تماما حتى بخصوص بعض ممارساتي ومواقفي. الكمال... لله وحده. وجلّ من لا يخطئ. لا أبرر بهذا الخطأ عند أحزابنا الوطنية بالذات، ولكن الخطأ ليس بخطيئة مميتة. ثمّ من التجني حصر تاريخ أحزابنا بالأخطاء والخطايا، والتنكر لدورهم في تجذير بقائنا وبناء وتغذية كفاحيتنا وتثقيفنا وطنيا وصيانة هويتنا وتحقيق بعض مطالبنا.
• ماذا حققوا لك أصلا، من مطالب مدنية وقومية؟
- حققوا ما ذكرته لك سابقا. ولولاهم ولولا دعمنا لهم لكنا أضيع من الأيتام على موائد اللئام، ولتأسرلنا ولتصهينـّا سياسة وممارسة. وعلى صعيد المطالب والخدمات والحقوق المدنية، حققوا لنا الكثير بطروحاتهم وكفاحاتهم وبعملهم البرلماني أيضا.
• لقد قضوا جل وقتهم في البرلمان في الزعيق السياسي والقومي العام، وأهملوا مطالبنا المعيشية!
- هذا ليس صحيحا. وما هذه إلا فرية من اختراع الأحزاب الصهيونية الأكثر يمينية وعنصرية. قم بمراجعة أجندة اقتراحاتهم ومناقشاتهم واستجواباتهم ومقترحات قوانينهم في البرلمان، وستجد أن أكثر من 90% منها تخص قضايانا المدنية هنا. السلطة المعادية هي التي تزوّر هذه الحقيقة. والسلطة الحاكمة بغالبيتها البرلمانية الصهيونية هي التي تملك القرار والتمويل والتوظيف لتنفيذه. وهي، بسبب سياستها العنصرية، التي رفضت غالبية مقترحات ومطالب نوابنا بهذا الخصوص، وتتهم نوابنا بهذا لانشغالهم بالسياسة (؟!). أضف إلى هذا أنه ليس بالإمكان أصلا فصل القضايا المطلبية عن القضية السياسية والقومية العامة بحق شعبنا، وعن تحقيق السلام العادل والمساواة القومية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
• ألا يوجد لديك أي انتقاد عليهم، وألا يحق لنا معاقبتهم؟
- هذا لا يعني غياب انتقادي لبعض مواقف وتصريحات وممارسات وأسلوب عمل بعض نوابنا من مختلف أحزابنا، بما يخص جدلية القومي والمدني، وضرورة إجادة نوابنا لفن وأصول العمل البرلماني. لكن شتـّان ما بين النقد العقلاني لقصورات بعض نوابنا وبين النقض لهم ولدورهم. ولا يحق لنا وضعهم جميعا في خانة "الفاشلين" و"الجعجاعين" و"المنفـّرين"، دون الانتباه لكونهم يعملون في برلمان يتنافس غالبية عنصرييه مع غالبية فاشييه مع مجموع إجماعهم على التنكر لحقنا في المساواة القومية والمدنية.
وماذا يفيدنا عقابنا لأحزابنا على بعض قصوراتها وأخطائها وعلى، مثلا، عدم اتفاقها على خوض الانتخابات بقائمة مشتركة؟ هذا عقاب للذات، إذ نعاقب أنفسنا وقضيتنا حين نعاقبهم. ونخدم بهذا الأحزاب الصهيونية موضوعيا، مع أننا نريد كنسها من وسطنا.

مَن انتخبتُ، ولماذا؟
توقف عقلي عن مناقشة عقلي. امتدت يدي لشارة انتخابية من بين الثلاث، تمثل الأقرب إليّ فكريا وسياسيا ونهج ممارسة وعملا. وضعتها في المغلف. أحكمت إغلاقة وألقيته في صندوق الاقتراع. خرجت من غرفة الاقتراع مرفوع الرأس، موفور الكرامة، إلى الشارع. فإذا بالهواء النقي المنعش يلفح وجهي في الخارج. لكن نقاء هواء رئتي وانتعاش دماغي كان أكثر صفاءً وحيوية.
انتخبت كرامتي وهويتي وحقي بالمساواة. مارست مواطنتي رغما عنهم. لقد انتصرت عليهم. تحسّست جيوبي. أخرجت منها قوائم مليئة بأسماء وعناوين وأرقام هواتف لمعارف وجيران وأصدقاء وأقارب وأنسباء... من واجبي الوطني أن أحثهم وأستعجلهم للقدوم للاقتراع.
دخلت سيارتي. شغـّلت محركها. علا ضجيجه... فإذا بي أستفيق وأنهض من فراشي، من نومي و... حلمي. نظرت إلى شارة التاريخ في ساعتي. يا الله، لم يتبق لنا إلا سبعة أيام ليوم الانتخابات.
كفانا ثرثرة. كفانا تردداً. فلننهض من نومنا ولا مبالاتنا. ولنخرج للشارع لجلب الناخبين لصندوق الاقتراع، يحذونا أملنا بتحقيق حلمنا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة