الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 09:02

معاناة الامهات في ظل ظاهرة العنوسة وتأثيرها على الحالة النفسية

أماني حصادية -
نُشر: 15/01/13 12:41,  حُتلن: 12:54

كلما زاد عمر الابنة زادت عصبية الأم وخاصة إذا طرق الباب من يريد أن يتزوج ابنتها فهي تصر على الموافقة والترحيب أيًا كانت الظروف فتستخرج المزايا استخراجًا ولا تقف طويلا عند العيوب

تتعدد الأسباب والحل يكمن في العودة إلى الفطرة السليمة وإحياء الثقافة الإسلامية الصحيحة في تكوين الأسرة التي تعد النواة للمجتمع الإسلامي والعمل على بث ونشر النماذج الناجحة الموجودة

كانت في البداية حالات فردية أمر عليها مروراً عابراً، وأؤكد لنفسي أنها لا تحمل دلالات، فلكل حالة ظروفها، ومن السهل احتواءها وإيجاد الحلول لها، فتأخر الفتاة في اللحاق بركب المتزوجات، وبلوغها عتبة الثلاثين وهي آنسة قد يرجع لأمور عديدة، من بينها رفض من يتقدم لها لعدم شعورها بالتوافق، أو لانشغالها بأمور مهمة مثل الدراسة أو النجاح العملي، وأحيانا لمسؤوليات عائلية ولأمور أخرى ملأت حياتها في مقتبل الشباب وكانت تعتبر أن الزواج خطوة ستأتي فلماذا التعجل.. أما الأسرة من حولها فغالبًا ما تكون متوجسة وتخشى أن يفوت الابنة القطار، يحتار الأب ولكنه يحاول أن يبدو مقتنعا بقناعات ابنته. أما الأم فكان الله في عونها فهي وجلة منزعجة خاصة وهى ترى بنات العائلة من حولها تزوجن وأصبحت لهن حياتهن المستقلة وينعمن بالذرية.

 


 
كلما زاد عمر الابنة زادت عصبية الأم، وبخاصة إذا طرق الباب من يريد أن يتزوج ابنتها فهي تصر على الموافقة والترحيب أيًا كانت الظروف، تستخرج المزايا استخراجًا ولا تقف طويلا عند العيوب. كبير في السن لا يهم، قليل المال أيضا لا يهم، حتى وإن كان متزوجًا ولديه أولاد، ستجد لكل مشكلة مخرجًا، وستضع أمام كل عيب قائمة من المزايا!.. فلم يعد في ذهنها سوى هاجس التأخر وقلة الفرص.
هكذا كان الوضع لسنوات طويلة مضت.. أما في الآونة الأخيرة فقد بدأت الصورة تتغير كثيرا وتدريجيا، فقد أصبح الزواج المبكر هو الغريب، بل قد يُتندر على الفتاة التي تتزوج مبكرًا وتلمز بأنها "أكيد لم تكمل تعليمها ولا تحمل شهادة عالية"، وقد يبرر البعض زواجها المبكر – الذي أصبح هو الوضع الاستثنائي- بأنها "لا تجد من يصرف عليها"! حدثتني إحدى هؤلاء الأمهات وهى منزعجة تماما، قائلة: ابنتي على وشك بلوغ الثلاثين من العمر ولم تتزوج ولا استطيع أن اجبرها أن تتزوج.

أريد حلا!
وأخرى تبكى بحرقة: لدى ثلاث بنات، الكبرى تجاوزت الثلاثين ولم تتزوج، وأختاها على وشك اللحاق بها، ماذا أفعل؟..
وثالثة تقول وهى بائسة: تزوج ابني ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره وأخته الكبرى التي جاوزت الثلاثين لم يتقدم لها أحد، فهل من مغيث؟!..
ورابعة تبدو غير مبالية تتحدث عن ابنتها التي هي في الخامسة والثلاثين من عمرها قائلة: حياتها وهى حرة فيها. ومع ذلك تسعى هذه الأم من وراء ستار مع كل من تعرفه لتجد لها أي عريس.
وخامسة كلما جاءتها ابنتها تحمل شهادات تقدير من عملها لتسعدها تصرخ في وجهها: ليتني أعيش حتى أراكي تحملين طفلك.
وسادسة تقسم أنها رغم احتياجها إلى ابنتها لشدة مرضها، لكنها تتمنى أن تراها متزوجة، فهي قادرة على تحمل مرضها، لكن لا تتحمل أن تبقى ابنتها بلا زواج، بل إن هذا الوضع يزيد مرضها!

تناقض
هذه الروايات ومثلها الكثير يجعلنا نستطيع أن نرى حجم الظاهرة التي ألمت بالمجتمع في السنوات الأخيرة، ونظرا لمعرفتي ودرايتي بكثير من هؤلاء الفتيات، فأستطيع أن أشهد لهن بالخلق العالي، والمستوى الجيد من العلم والفهم، وأدعو الله تعالى أن يرزقهن الأزواج الصالحين.
وكلما اجتهدت في بحث هذه الظاهرة لمعرفة أسبابها ومحاولة المساعدة في إيجاد الحلول على أرض الواقع، وجدت أن من أهم أسبابها الواقع الاقتصادي والقناعات المتوارثة بأن البدايات لابد أن تكون على مستوى مادي مرتفع.
ويحضرني موقف من إحدى الأمهات التي كاد أن يقتلها تأخر ابنتها في الزواج، ثم تقدم لابنتها شاب يحمل شهادة عالية من إحدى الكليات المرموقة، وهو على حد قولها صاحب خلق ودين، ولكنها – ويا للعجب- بمجرد أن وجدت منه الجدية في الزواج إذا بها دون أي تفكير تضع الشروط المادية التي تعجز أي شاب في بداية حياته خاصة إذا كان من أسرة بسيطة ثم أخذت تبكى مرة أخرى حين ولَّى الشاب هاربًا من التعجيز المادي ولم يعقب!
وهذه أمثلة لأهم أسباب هذه الظاهرة، وعزوف كثير من الشباب عن الزواج، وانتكاس الفطر، والبعد عن فهم الحياة الأسرية الصحيحة، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأسباب ليست جميعها أخطاء، بل هي رصد للواقع المتغير:
ـ استقلال الكثير من الفتيات واعتمادهن على رواتبهن وشعورهن بالتحرر المادي.
ـ انتشار استخدام الشبكة العنكبوتية بصورة تخيف من يفكر في الزواج من أنه قد يحرم من هذا التمتع السهل المتاح ولو بالحوارات وتبادل التعليقات والتعارف السريع.
ـ تنشئة جيل من الشباب غير قادر ولا راغب في تحمل المسؤولية، بل إنه تربى وهو يرى أن من يتحمل هذه المسؤولية في الغالب هن النساء فاهتزت عنده صورة القوامة.
ـ طغيان صورة السعادة المادية على حساب الجوهر، فالأسرة لم يعد لها هذه المكانة البارزة في تحقيق الحياة السعيدة إلا إذا كانت مصحوبة بمظاهر الثراء.

الحل:
وتتعدد الأسباب والحل يكمن في العودة إلى الفطرة السليمة وإحياء الثقافة الإسلامية الصحيحة في تكوين الأسرة التي تعد النواة للمجتمع الإسلامي، والعمل على بث ونشر النماذج الناجحة الموجودة ولله الحمد بكثرة، ولكن أعداء هذا الدين يبذلون كل جهودهم لطمس معالمها والتشويش عليها.
وعلى الجادين والمخلصين العمل على تصحيح المفاهيم، وإعادة القيم الإسلامية، وبالاستغفار الكثير ننعم بفضل الله بما يفرح قلوب كثيرة وأفئدة متعطشة للمودة والرحمة.

مقالات متعلقة