الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 16:02

ثرثرنا كثيرا..فإلى العمل /بقلم:سميح غنادري

كل العرب
نُشر: 10/01/13 10:34,  حُتلن: 11:06

سميح غنادري في مقاله:

الاستقالة من عضوية الأحزاب لا تعني الاستقالة من المسؤولية الوطنية والعمل الوطني

زيادة تمثيل قوائمنا الوطنية بثلاثة إلى خمسة أعضاء قد يكون سنداً إضافيا لمنع تشكيل تلك الحكومة

يجب تركيز كل جهودنا في ما تبقى لنا من وقت على رفع نسبة التصويت والحد من اللامبالاة والسلبية الاجتماعية

توافق كل أحزابنا على أن المهمة الأساسية في هذه الانتخابات هي منع تشكيل حكومة ائتلافية من غلاة اليمين المتطرف وشبه الفاشي ومَن هو على يمين يمينه

تحسن أحزابنا صنعا إن استبدلت المهرجانات والاجتماعات الانتخابية "الجماهيرية" والتي لا يحضرها في هذه الانتخابات إلا أعضاؤها وأقرب مؤيديها بالحلقات البيتية واللقاءات في الأحياء والزيارات الشخصية والتواصل المباشر

تنكر الحكومات الصهيونية المتعاقبة وأحزابها لمطالب العرب العادلة وإقصاءهم عن موقع القرار هو الذي أقصى العرب وجعل نصف ناخبيهم يفقدون حتى الأمل بإمكانية تأثير أحزابهم وجدوى التصويت لها

أعود وأؤكد، قبل أسبوعين من موعد الانتخابات البرلمانية، ما كنت قد كتبته قبل أكثر من شهر من أن الأحزاب العربية والحركات الوطنية الفاعلة بين الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل لن تزيد من تمثيلها البرلماني وعليها أن تخوض حملة شاملة للحفاظ عليه ودرء خطر هبوطه.
وأعود وأؤكد أنه لا تجوز مقارنة هذه الانتخابات بالانتخابات الماضية لسنة 2009. كانت تلك انتخابات إثر الاجتياح الإجرامي لغزة والغضب الصارخ لجماهيرنا بناء عليه، والغياب شبه الكلي للأحزاب الصهيونية عن الوسط العربي، بما فيه غياب الرقابة عن صناديق الاقتراع وما جرّه من "تصويت" مَنْ لم يقترع. رغم هذا وصلت نسبة المقترعين العرب يومها إلى 53% فقط. أما في الانتخابات القادمة فسيزداد تصويت العرب للأحزاب الصهيونية وستهبط نسبة تصويتهم إلى 50%، كما تؤكد شتى الاستطلاعات.

مطرقة السلطة وسندان أحزابنا
أسبوعان فقط يفصلاننا عن موعد الانتخابات، بينما الحملة الانتخابية ما زالت أبرد من الطقس الشتائي البارد. لم يحدث مثل هذا في أية انتخابات سابقة. الانتخابات في واد والناس في واد آخر. اللامبالاة والفتور والإحباط والعزوف عن الفعالية الاجتماعية الوطنية... سيد الموقف. وبدلاً من أن تحيي الطليعة الحزبية حرارة الشارع، نلاحظ أن برود الشارع أخذ يترك أثره على العديد من نشطاء الطليعة، وخصوصا على الأصدقاء والمؤيدين من شخصيات اجتماعية مستقلة وأجيال شابة داعمة ومتحمسة عادة.
يبقى المسؤول الأول عن هذا الجرم السياسة الصهيونية العنصرية، بشتى أحزابها، والتي دأبت على إخراج 20% من مواطني البلاد الأصليين – العرب – خارج إطار المواطنة المتساوية. وانتهجت ضدهم سياسة تمييز قومي ومدني وتهميش وإقصاء وتنكّر مثابر لمطالبهم، مما جعلهم ييأسون من إمكانية التأثير والتغيير ويعزفون حتى عن حقهم الديمقراطي بالانتخاب.
لذلك نقول إن تنكر الحكومات الصهيونية المتعاقبة وأحزابها لمطالب العرب العادلة، وإقصاءهم عن موقع القرار، وجعل الدولة دولة يهودها، والديمقراطية ديمقراطية لعنصرييها، هو الذي أقصى العرب وجعل نصف ناخبيهم يفقدون حتى الأمل بإمكانية تأثير أحزابهم وجدوى التصويت لها، ومن ثم ارتفاع نسبة المقاطعة للانتخابات.
هذه هي الحقيقة الأساس. ولكنها ليست كل الحقيقة. إذ من المعروف تاريخيا، وفي شتى بقاع الأرض ودولها، أن الأقليات القومية والإثنية والدينية المُميّز ضدها تسعى دوما لرفع نسبة تصويتها وتمثيلها حتى تغطي أكثر هوّة ضعفها العددي كأقلية، فتضاعف تأثيرها. أما نحن فحالنا أشبه بحال الذي يخرج للسباق بعد أن يطلق الرصاص على رجليه. إذ تصل نسبة تصويتنا إلى 53% فقط، مقابل 64% بين اليهود.
ويأتينا من يدعونا لمقاطعة الانتخابات ويفلسف هذا أيديولوجيا وقومية راديكالية وإسلاموياً. ويأتينا، في كل انتخابات، مَنْ يخوضها وهو يعرف مسبقا أن خوضه لها محكوم بالفشل وسيقود إلى حرق عشرات آلاف الأصوات (حركة "دعم" أدمنت على هذا في انتخابات بعد الأخرى، دون أن تعلمنا "دعماً" لمن ولماذا تقوم بهذه المحرقة).
لا نغسل أيدي أحزابنا وقوائمنا الوطنية من مساهمتها في صب الزيت على هكذا محرقة. تغيّر شعبنا كماً وكيفا وتركيبة اجتماعية. ونمت أجيال شابة مثقفة وأكاديمية، وتقلصت بما لا يقاس عضوية أحزابنا وشبيبتها وهيمنتها الثقافية على الشارع. وتعاظمت وتنوعت المطالبة بالتركيز على القضايا المطلبية الحياتية والمدنية للناس، وبعدم البحث في الماضي عن أجوبة لأسئلة الحاضر... إلخ
لكن كما يظهر، وحدها أحزابنا لم ولا تريد أن تتغير. هي لم تتفق حتى على خوض الانتخابات في قائمة مشتركة أو قائمتين على الأكثر، ولشأن الانتخابات فقط. لم تتجدد ولم تـُجدد وجوه قوائم مرشحيها. وعقدت "صفقات" وخاضت صراعات حزبية داخلية حادة لإسقاط هذا ولإنجاح ذاك، وللتحالف مع فلان وعلنتان وشراء الذمم والدفع نقدا. وأعادت ترشيح الفاشل ومَن لا يتقن ويجيد العمل البرلماني. فزادت الإحباط إحباطا.
غني عن البيان أني لا أساوي في السلبيات أعلاه بين جميع أحزابنا وقوائمنا الانتخابية، ولا حتى بين الأعضاء المرشحين في كل قائمة على حدة. لكن لا أبرئها جميعا، وإن كان بتفاوت، من "دم هذا الصديق" ولا أمنح أيا منها الحق "برمي الزانية بحجر" على اعتبار كونه نظيفا من الخطأ والخطيئة.
وبعيدا عن المساواتية بين مسؤولية – جريمة – السياسة الصهيونية بحقنا ومسؤولية أحزابنا، تبقى الحقيقة أنه بين مطرقة تلك وسندان هذه يجري طحن معنوياتنا وأملنا بالتغيير وبالتأثير. لذا يلجأ بعضنا للاحتجاج السلبي عن طريق مقاطعة الانتخابات، وبعض آخر إلى العودة إلى حظيرة الأحزاب الصهيونية يحذوه الأمل الانتهازي بمكسب شخصي دون أن يعي أن مَن يفقد هويته القومية وكرامته الوطنية طمعاً بالخدمات... سيخسر الأمرين. وتفقد أعداد متزايدة منـّا الحماس للتجند وللتجنيد الانتخابي. والانتخابات، أية انتخابات، تفتقر لحماس الشارع وقراره بالتحدي لا تبشر بنجاح مضمون، عداك عن انتصار مأمول.

بين "الكم" و "الكيف"
توافق كل أحزابنا على أن المهمة الأساسية في هذه الانتخابات هي منع تشكيل حكومة ائتلافية من غلاة اليمين المتطرف وشبه الفاشي ومَن هو على يمين يمينه. إذ أن حكومة كهذه ستكون كارثة ستسعّر الهجمة المنفلتة لسد ولقبر أي أفق وأمل بالسلام العادل والمساواة القومية والمدنية والديمقراطية ولقمة العيش وحقوق العاملين والمستضعَفين والفئات الوسطى.
وحين ألمحتُ في كتاباتي وصرّحت للإذاعة بأن الرمال الانتخابية ما زالت متحركة، وأنه بالإمكان منع تشكيل حكومة كهذه، وأنه لا واشنطن ولا أوروبا معنية بهكذا حكومة، وأن خروج الكتلة الموحدة لنتنياهو وليبرمان من الانتخابات (الليكود بيتنا) كأكبر كتلة لا يعني ضمان تشكيلها للحكومة القادمة بالائتلاف مع مَنْ هو على يمينها، وأن المطلوب تشكيل قائمة مشتركة لشأن الانتخابات للأحزاب الفاعلة في الوسط العربي وزيادة تمثيلها لتكون جسما مانعا إضافيا في وجه تشكيل هكذا حكومة كارثية... سخر البعض مني واستهزأ، مباشرة وتورية أحيانا.
لم تمر حتى اليوم إلا ثلاثة أسابيع على ذاك النقاش. وها هي استطلاعات الرأي المختلفة تؤكد تناقص تمثيل "الليكود بيتنا" من 42 عضوا إلى 33 عضوا، وأن عدد النواب المتوقع لمجموع أحزاب اليمين المتطرف كلها قد يصل إلى 47 نائبا فقط، وأن الأحزاب الدينية "شاس" و "يهدوت هتوراة" و "عام شليم" والتي من المتوقع أن يكون عدد نوابها 19 عضوا، لا تلتزم بالائتلاف فقط مع معسكر الليكود بيتنا، وهي منفتحة عموما على قبول ائتلافات أخرى.
يعني كل هذا أن زيادة تمثيل قوائمنا الوطنية بثلاثة إلى خمسة أعضاء، قد يكون سنداً إضافيا لمنع تشكيل تلك الحكومة. وعندها قد يندفع حزب أو أكثر من الذين لم يلتزموا بالائتلاف فقط مع الليكود – بيتنا، إلى الائتلاف مع مجموعة أحزاب الوسط ومَن هو على يسارها. علما بأن أحزاب الوسط هذه - ("العمل" و "يش عتيد" و"تنوعا") – أخذت تشتمّ هذه الرائحة وتتجه نحو التفاهم على هذا. نعم، غالبا ما سيكون نتنياهو رئيسا للحكومة القادمة، لكن ليس من المستبعد أن يضطر حزبه لتشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب الوسط.
أحزابنا وعت هذه الإمكانية نظريا، لكنها بقيت "مصابة بالرشح" وفقدان حاسة الشم. تخيلوا للحظة لو أن أحزابنا خرجت علينا ببيان أوضح من واضح تعلن فيه تشكيل قائمة انتخابية مشتركة في ما بينها، وتدعو فيه الناخبين لرفع نسبة تصويتهم وزيادة تمثيلهم كمّاً، وتبيّن لهم أنه بإمكان مساهمتهم أن تكون سدّاً كميا يحدّ من خطر اليمين المتطرف، وأن يؤسس لـ"كيف" جديد يفتح آفاقا أوسع لتحصيل المزيد من حقوقهم المدنية والمطلبية والمعيشية اليومية وكبح جماح العنصرية والهجمة على الديمقراطية، وفتح الآفاق نحو السلام...
خطاب كهذا، حتى لو لم يقد لدحر اليمين المتطرف، إلا أنه يعزز من مسار تصرفنا كشعب على درب تحقيق حقوقنا كشعب، عداك عن وحدتنا الوطنية والاجتماعية وتضييق الطريق على خطاب المقاطعة للانتخابات، وهزيمة ما ميّزنا على مدى عقد ونيّف سابق من حزبية قبائلنا وقبلية أحزابنا، وإحياء وتنشيط الحراك الانتخابي ورفع نسبة تصويت العرب.
لكننا كغيرنا من العرب، لا نضيّع أية فرصة في إضاعة الفرصة. بل وأسوأ منهم. فهؤلاء العرب يحكمون دولا يملكونها، وأما نحن فبقية باقية في وطن كانت تملكه، جرت ترجمته للعبرية واستحالت فيه إلى أقلية. لكن يتفنن بعض قادتها في قضم "كم" قوتها العددية ومنع تحويلها إلى "كيف" جديد.

عن الشوكولاطة والحامض...
لا يفيد البكاء على حليب مسكوب. وليس من حقنا كأقلية في وطن تهوّد وتصهين، أن نعاقب أحزابنا على أخطائها فنحرمها من أصواتنا. وتبرير أنه "على نفسها جنت براقش" أسوأ من سلاح البوميرانغ في حالتنا، إذ لأنفسنا نعاقب حين نعاقب أحزابنا.
لكن، ورغم أنه لا يفصلنا عن موعد الانتخابات إلا أسبوعان، من المطلوب فورا اتخاذ مواقف وممارسات "تسخـّن" الحملة الانتخابية وتحييها. ولا يعقل مواصلة الخطاب الحماسي، بدون معطيات واقعية مادية وممارسات تدعمه. لأن هذا قد يقود إلى ضده وإلى المزيد من لامبالاة الناخب وعزوفه عن الحراك الانتخابي، واتهامه للطليعة بأنها منسلخة عن الواقع أو محصورة ومحاصرة في مكاتب واجتماعات مغلقة لمؤيديها وناخبيها التقليديين الدائمين، علما بأنه حتى هؤلاء تتناقص أعدادهم.
حضرتُ قبل أسابيع مهرجانا انتخابيا قطريا لأحد الأحزاب، وتبادلت الحديث خلاله مع زملاء من قادة الحزب ومناطقه كانوا في نشوة "هاي". تحدثوا عن "مهرجان الألوف..."، وعن "حماس يفجّر القاعة"، وعن "جيل شاب يملؤها، الأمر الذي يؤكد أن الحزب هو القوة الأولى بين الشباب"، وعن "التفاف الجماهير حول الحزب"... إلخ. شعرت بالانقباض الحزين، إذ أني لم أشاهد هذا، مع أننا في القاعة نفسها للمهرجان نفسه. وكأننا نرى بعيون مختلفة قاعة مختلفة.
يوجد مثل روسي يقول: "ما أحلى الحياة – تقول حبّة الشوكولاطة، ما أحمض الحياة – تقول حبّة الحامض". فهل يعقل أن تكون ذاتيتنا هي مَنْ تشوّه الرؤية؟ اتفقنا على دراسة القاعة وحضورها، ميدانيا وموضوعيا وعلميا. أحصينا الحضور فإذا بالألوف ما هي إلا "ألف"، والأنكى أن غالبيتهم الساحقة جدا من أعضاء الحزب وعائلاتهم من النقب جنوبا حتى قرى أعالي الجليل. وأن الشبيبة الحاضرة هي من شبيبة الحزب وبعض واسع منها من أبناء تلك العائلات، بل ونصفها على الأقل تلاميذ صغار لم يبلغوا سن حق الاقتراع. وتكاد تغيب عن القاعة كلّيا شخصيات اجتماعية ذات وظائف ومراكز جماهيرية مؤثرة قطريا أو في مدنها وقراها – من مثقفين وأكاديميين وفئات وسطى وأصحاب مصالح خاصة ورؤساء وأعضاء سلطات محلية وكتاب وفنانين ورياضيين ورؤساء جمعيات وأطر اجتماعية... إلخ. أما الحماس فيقتصر على مجموعات شباب تطلق هتافات لا ترددها القاعة، ولم تكن عيون الحاضرين تقدح شرارا ولمعانا يبشر بانتصار.
وكان قد اتصل بي مسؤول حزبي في حزب آخر صارحني القول إن كل اجتماعاتهم ومهرجاناتهم وحلقاتهم الانتخابية، هم الآخرون، لا تشير إلى انتصار مؤكد. قال: "الشارع نائم ونوادي الحزب لا تعج بالنشطاء والمتطوعين للانتخابات". وأضاف: "بدلا من أن تحمّس كوادرنا الشارع وتحرّكه، انعكس ركوده على كوادرنا". وفي قيادة ذاك الحزب من يراهن على الحصول على خمسة مقاعد، ومن يتخوّف من الهبوط إلى ثلاثة!

هل أعددتم قوائمكم... ؟!
لا يحق لنا كشعب أن نقول : على نفسها جنت براقش (الأحزاب). ولا يحق حتى لنقاد أحزابنا، من منطلق وطني، أن يتشفوا بالحاصل وأن يتلذذوا بمعاقبة أحزابهم التي تمثل تطلعاتهم الوطنية، القومية والمدنية. إذ لأنفسهم يعاقبون عندها.
الاحتمال القائم الآن ليس تزايد تمثيلنا، ولا حتى الضمان الأكيد بالحفاظ على تمثيل 11 عضو برلمان، وإنما ورود إمكانية التراجع عنه. وهناك من يعتقد بوجود خطر عبور قائمة ما لنسبة الحسم، أو حصولها على عضوين فقط.
العدو والخصم الانتخابي الأكبر والأخطر في هذه الانتخابات ليس الأحزاب الصهيونية التي ستزيد من أصواتها بين العرب، وإنما هبوط نسبة تصويت العرب من 53% إلى 50%، وأجواء الإهمال واللامبالاة واليأس المنتشرة. وعلى أحزابنا التي أدت إلى هذا الوضع لأخطاء في ممارساتها، ولتعاملها مع بعض في داخل كل منها، ولعدم تشكيلها قائمة مشتركة، ولعطب في تشكيل قوائمها، ولعدم إبداعها في العمل البرلماني، وعدم إقناعها لفئات واسعة من الناس بأنها حقا تهتم بالأساس بقضاياهم المدنية والمعيشية... أن تتحمل مسؤولية هذا الإحباط الحاصل ومسؤولية الخروج والإخراج منه.
لم يبق إلا أسبوعان ليوم الانتخابات. لذا أشك بإمكانية تغيير الصورة جذريا، وزرع الحماس من جديد. فالأجواء الاجتماعية لا تتغيّر بكبسة زر كهرباء فيعمّ النور. لكن بالإمكان تحسين الأوضاع. لذلك اسمحوا لكاتب هذه السطور الذي يدّعي، بتواضع، أنه صاحب خبرة غنية في العمل السياسي والانتخابي، بما فيه الحزبي، بأن يقدّم هذه التوصيات لأحزابنا مجتمعة، علما بأني لست عضوا في أي منها.
• أولا: يجب تركيز كل جهودنا، في ما تبقى لنا من وقت، على رفع نسبة التصويت والحد من اللامبالاة والسلبية الاجتماعية. لا يتم ولا يتحقق هذا عن طريق وعظات الإرشاد، وإنما عن طريق حراك الأحزاب كلها معا، وإصدار بيان وتوزيعه معا، والقيام باتصالات وزيارات وجولات انتخابية معا. وكذلك بالتعهد معا للناخبين بالتصرف في البرلمان القادم وخارجه على أساس كونهم أشبه بكتلة برلمانية مشتركة تعلي شأن التنسيق والتعاون بين مركباتها، والتركيز على القضايا المطلبية والخدماتية. أي قوموا بخطوات تقنع الناس أن نهجكم تغيّر، فيتغير موقف الناخبين منكم... ويدعمونكم.
• ثانيا: تعلّمنا جدلية "الفكرة" و "التنظيم" أن أعظم الأفكار والبرامج قد تتعثر إن لم يسندها تنظيم فاعل وفعال يقود إلى هيمنتها. وغني عن البيان أن التنظيم السليم يعجز أيضا عن إنجاح فكرة معطوبة وخاطئة.
وتتضاعف أهمية التنظيم طرديا كلما كانت الفكرة أقل انتشارا وهيمنة، والأجواء والنفسيات الجماهيرية أكثر ركودا. التنظيم قادر على مضاعفة قوة الفكرة وانتشارها... مرة وعشر مرات، بل مائة مرة.
تحسن أحزابنا صنعا إن استبدلت المهرجانات والاجتماعات الانتخابية "الجماهيرية"، والتي لا يحضرها في هذه الانتخابات إلا أعضاؤها وأقرب مؤيديها، بالحلقات البيتية واللقاءات في الأحياء والزيارات الشخصية والتواصل المباشر. ومهم إجادة فن الاستماع للناس وتقديم الأجوبة المقنعة، لا الإسماع والتلقين. تنظيم حلقات لإقناع المقتنعين مضيعة للوقت وحرقا للجهد. ويجب تركيز الجهد الانتخابي الآن على المدن والبلدات العربية الكبرى، إذ هناك تتركز غالبية الناخبين.
ومن المهم الاهتمام الخاص بكسب تأييد وتفعيل شخصيات جماهيرية تتمتع باحترام اجتماعي في بلداتها، أحيائها، بيئتها الاجتماعية – بما فيها العائلية والدينية – ومن شتى مجالات التخصص والمهن والانتماء الاجتماعي والأجيال – إداريا واقتصاديا ومهنيا وتعليميا وأكاديميا وثقافيا وشبابيا ونسويا.
لا تصدقوا أوتوماتيكيا، يا أيها المسؤولون عن تنظيم العمل الانتخابي ويوم الانتخابات، أي عضو ونشيط في حزبكم يؤكد لكم أنه نجح في تجنيد مائة صوت مثلا، إن لم يخرج من جيبه قائمة بأسمائهم. وعلى القائمة أن تشمل الأسماء الثلاثية للمائة، وعناوينهم وهواتفهم، ومتى زارهم وماذا يطلبون، ورقم ومكان صندوق اقتراعهم ورقمهم التسلسلي، ومن منهم بحاجة إلى سيارة لنقله إلى مكان التصويت، وفي أية ساعة ومن هو سائق السيارة، وهل جرى إبلاغه بهذا... إلخ. وعموما من سيضمن كل هذا، وهل صاحب قائمة المائة سيتفرغ كليا حقا يوم الانتخابات لهذا الأمر، أم أنه كعادة "نشطاء الانتخابات" – مثل أم العروس مشغولة في مائة قضية ولا تنفذ أية قضية.
أغرقتكم بالتفاصيل. لكن هكذا تدار الانتخابات تنظيميا. والانتخابات في نهاية المطاف هي عدد الأصوات التي ستكون لصالح حزبك في الصندوق. وكل قائمة مقترعين محتملين عند أي نشيط لا تجيب على كل أسئلة وظروف الزمان والمكان – مَنْ، متى، أين، كيف، لماذا؟ لا يجوز التعويل عليها كأصوات أكيدة.
وبعد، قد يتهمني بعضكم "بالتفلسف" و"التنظير" الانتخابي، دون بذل أي جهد انتخابي عملي من قبلي. أجيبكم، لقد بذلت وأبذل، منذ شهر ونصف، جهدا يوميا بين معارفي، عدا عن الجهد الإعلامي بكتابة المقالات. وأضيف، أنا الملدوغ من جحر الأحزاب مرتين... وغير المنتمي لأي حزب منذ سنوات، أن اعتبروني منذ أسابيع وحتى ساعة ظهور النتائج، متفرغا متطوعا ومتبرعا، تجنـّداً وتجنيداً، لدعم الجهد الانتخابي وتحقيق النجاح لقوائمنا.
الاستقالة من عضوية الأحزاب لا تعني الاستقالة من المسؤولية الوطنية والعمل الوطني. والمرارات الشخصية لا يجوز أن تكون الخلفية والبرنامج والنهج للموقف الوطني. إما أن نتصرف كشعب، وإما نفقد هويتنا وحقوقنا وكرامتنا كشعب. هذا ما أعمل على بثـّه والإقناع به للكثيرين من المستائين أمثالي من بعض مواقف وممارسات أحزابنا.
ثرثرنا كثيرا. لم يتبق لنا إلا أسبوعان... فإلى العمل. إما أن ننتصر لقضيتنا ولأحزابنا، رغم نقدنا لها، أو ينتصر عدوّنا علينا وعليها.

ملاحظة: هذا هو مقالي الأخير عن الانتخابات. من المفضل قراءته بالارتباط مع مقالاتي الأربعة السابقة عن الموضوع: "حتى لا تجني براقش الانتخابات على نفسها وعلينا" و "حتى ننجح في مقاطعة المقاطعة" و "لا تعاقبوا أحزابنا الوطنية، حتى لا تعاقبوا ذاتنا كشعب"، و "بعد اتفاق فائض الأصوات، ماذا ينفعنا الكسب الانتخابي إذا خسرنا أنفسنا...؟". 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة