الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 20:01

بعد اتفاق فائض الأصوات ماذا ينفعنا الكسب البرلماني إذا خسرنا أنفسنا: سميح غنادري

كل العرب
نُشر: 20/12/12 20:13,  حُتلن: 08:54

سميح غنادري في مقاله:

لقد ملّ شعبنا بل استاء وقرف من تسعير الاختلافات بين التيارين الشيوعي – الجبهوي والقومي الديمقراطي وجعلها خلافات تناقضية عدائية

إضعاف الجبهة هو إضعاف للتجمع، وإضعاف التجمع هو إضعاف للجبهة والحلم بأن يزيل أحدهما الآخر و/أو يحل محلّه ويرثه أو يلحقه بنفسه ويحصره تحت إبطه – جناحه - تكشـّف عن وهم مريض أزاله واقع موجود 

الاسلامية هي التي تخرج نفسها من الدوائر القومية والوطنية وتغلق على ذاتها ضمن الدائرة الطائفية هي التي تـُسيّس وتـُطيّف (من طائفة) وتـُحزّب الدين فتحيل الدين إلى طائفة والطائفة إلى حزب وتمس بهويتنا القومية الجامعة والتقدمية

من الممكن ألا يفيد مجموع الفائض أيا منهما بزيادة التمثيل فاد أم لم يفد يبقى الرابح الأول من هذا الاتفاق هو شعبنا عموما وجمهور ناخبي الحزبين خصوصا إذ من المأمول أن يساهم في لجم الصراعات الحادة والتهجمات المنفلتة بين الجبهة والتجمع في مجتمعنا العربي وبلداتنا وداخل حتى العائلة الواحدة المتخاصمة بين تأييد هذه أو ذاك

وأخيرا، حدث الأمر الذي كان من المفروض أن يحدث قبل عقد. أقصد توقيع "الجبهة" و "التجمع" على اتفاق فائض الأصوات في ما بينهما، في الانتخابات البرلمانية القادمة بتاريخ 22.01.2013. لا يعني هذ الاتفاق بالضرورة تغيّرا جوهريا في موقف كل منهما من الآخر، تقييما وتعاملا، ولا تحالفا ولا قائمة ثنائية مشتركة. لكنه يحدّ من الصراعات والعداوات التي ميّزت علاقاتهما في الماضي. وقد – آمل ذلك – يكون خطوة هامة باتجاه التعاون والتنسيق وحتى التحالف في المستقبل. هذا عدا عن كونه ينقـّي الأجواء المتوترة المتبادلة وحتى العدائية التي تسربت من قياداتهما إلى قواعد أعضائهما والمقترعين عموما.

دعم القضايا الوطنية العامة لشعبنا
من الرابح الأكبر من هذا الاتفاق؟ يصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات منذ اليوم. فالرمال ما زالت متحركة، وهي مفتوحة على أكثر من احتمال. مثلا، في حال عبور "التجمع" لنسبة الحسم دون الحصول على العضو الثالث، سيكون هو الرابح، إذ سيضمن له اتفاق فائض الأصوات هذا. أما في حال حصوله على ثلاثة أعضاء فستكون الجبهة هي الرابحة، إذ ستضمن عندها فوزها بالعضو الخامس بفضل اتفاق فائض الأصوات. ومن الممكن ألا يفيد مجموع الفائض أيا منهما بزيادة التمثيل. فاد أم لم يفد، يبقى الرابح الأول من هذا الاتفاق هو شعبنا عموما وجمهور ناخبي الحزبين خصوصا. إذ من المأمول أن يساهم في لجم الصراعات الحادة والتهجمات المنفلتة بين الجبهة والتجمع في مجتمعنا العربي وبلداتنا، وداخل حتى العائلة الواحدة المتخاصمة بين تأييد هذه أو ذاك. قد يساهم الاتفاق بما يخلقه من أجواء – آمل ذلك – في إعداد وتعبيد الطريق للتعاون والتنسيق المشترك وفي دعم القضايا الوطنية العامة لشعبنا، بما فيها مسألة التعاون مع القوى الديمقراطية اليهودية. ولا أستبعد، بل آمل وأميل إلى أن هذا الأمر قد يقود إلى عمل وتنسيق مشتركين، وحتى إلى تحالفات في انتخابات السلطات المحلية العربية ولجان الطلاب في الجامعات وفي النقابات، وفي شتى مؤسساتنا وهيئاتنا وأطرنا التمثيلية والجماهيرية والمدنية الجامعة.

الهوية لا الكرسي
الشعب يريد هذا الاتفاق. الشعب يريد إسقاط النظام – النهج – القديم. وأشهد، عن معرفة داخلية، أنه تواجدَت دوما في قيادة الحزبين، وطبعا في قاعدتيهما، قوى أرادت هذا الاتفاق، بل والتحالف منذ زمان. لكن لم تكن أيديهما هي العليا. لقد ملّ شعبنا، بل استاء وقرف، من تسعير الاختلافات، بين التيارين الشيوعي – الجبهوي، والقومي الديمقراطي، وجعلها خلافات تناقضية عدائية. فالتناقض الأساسي كان وما زال مع السياسة الصهيونية الغاشمة لحكومات إسرائيل المتعاقبة، بكل ما يخص قضايا السلام العادل والمساواة القومية والمدنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.  ثم التناقض الأساسي الداخلي بخصوص وجه ووجهة مجتمعنا العربي يخص تعزيز وحدتنا الوطنية وهويتنا القومية على أسس تقدمية وديمقراطية وحضارية في مواجهة رجعيتنا وتخلفنا وشرذمتنا الداخلية. ومن واجبنا لصالح نجاعة معركتنا العامة ولصالح تحصين مجتمعنا العربي، أن تتصدى معا، كل القوى اليسارية والقومية والديمقراطية والتقدمية اجتماعيا والعلمانية– (وكل هذا يميّز الجبهة والتجمع ومتوفر فيهما) – للانحسار المتزايد لهذه القيَم بيننا كشعب. إذ يجري منذ عقود تشويه لهويتنا القومية التقدمية الجامعة، وعودة لقبلية الطوائف وللانقسامات والعداوات على أساس "ديني" أو عائلي، وعربدة للعنف الاجتماعي، وهجمة أصولية سلفية على حقوق المرأة ومساواتها. الكرسي الإضافي الذي قد يجلبه الاتفاق ليس أهم من الهوية. لقد أصابت الآفات الواردة أعلاه حتى أجيالنا الشابة الصاعدة، فمنها من سقط في أتونها وأصبح من دعاتها، ومنها من فقد حيويته الاجتماعية وانزوى في لامبالاته. أما من ما زال منها يقبض على جمرة وجذوة التقدمية والفعالية الاجتماعية، اخترقته، عقليا ونفسيةً، قبلية الأحزاب وحزبية القبائل.

سقف وحدتنا الوطنية
وكان للجبهة والتجمع قسط في هذا. فهل ينتبهان الآن إلى وجوب "توقيع اتفاق" لصيانة الهوية القومية التقدمية، لا الكراسي فقط؟ وصل الأمر بالجبهة والتجمع حتى أمس قريب، وهما الأقرب إلى بعضهما البعض، حد التعاون والتنسيق مع تيار "الإسلام السياسي" لضرب وإضعاف بعضهما. علما بأن هذا التيار يقصد التهامهما معا حين يتمكن. خذوا، مثلا لا حصرا، أوراق الوثائق الدراسية والأبحاث الجامعية بخصوص تشخيص وضع وتاريخ وتطلعات الفلسطينيين في إسرائيل – (مثلا "التصور المستقبلي" و "وثيقة حيفا"و... إلخ)- لقد شارك في وضعها جبهويون وتجمعيون وأكاديميون ومثقفون مستقلون. وحدهم قادة "الإسلام السياسي" لم يشاركوا وقاموا برفضها. هم يرفضون وثائق قاعدة وسقف وحدتنا الوطنية كشعب يجب أن يتصرف كشعب حتى يحقق حقوقه كشعب، وواضعو هذه الوثائق يتعاونون معهم لضرب وإضعاف بعضهما البعض! أريد أن أكون واضحا: أدعو ودَعَوْت إلى التعاون والتنسيق مع "التيار الإسلاموي" ضد السياسة الرسمية الإسرائيلية العامة. وفي أمس قريب دعوت لتشكيل قائمة مشتركة بين التيارات الثلاثة – الجبهة والتجمع والإسلامية – لخوض الانتخابات البرلمانية. لكن ليس هذا هو الحال بما يخصنا داخليا ويرتبط بهويتنا القومية الديمقراطية والتقدمية، اجتماعيا وثقافيا. فالإسلامية، بفكرها ونهجها وممارساتها باسم الدين، هي التي تستثني نفسها من هذا. إذ هي التي تخرج نفسها من الدوائر القومية والوطنية وتغلق على ذاتها ضمن الدائرة الطائفية. هي التي تـُسيّس وتـُطيّف (من طائفة) وتـُحزّب الدين، فتحيل الدين إلى طائفة والطائفة إلى حزب، وتمس بهويتنا القومية الجامعة والتقدمية.

الشعب بجناحيه يطير
لا أريد أن أحمّل اتفاق فائض الأصوات بين الجبهة والتجمع ما لا يحمل، وأذهب به إلى أبعد مما قد يكون قصده الموقـّعون عليه. وقد يكون مجرد اتفاق تقني. لكنني آمل وأحلم بأن يكون هذا الاتفاق قد أتى على خلفية بدء زعزعة مواقف قديمة خاطئة عندهم إزاء بعضهم البعض، وتعبيرا عن بدء تطوير لرؤية ورؤيا استراتيجية جديدة مشتركة في ما بينهما، لإنقاذ وتعزيز الوجه التقدمي والحضاري الذي ميّز الأقلية القومية الباقية في وطنها.  لا نريد لاتفاق فائض الأصوات أن يزيل الاختلافات بين الجبهة والتجمع، وإنما أن يقضي على قبلية الخلافات بينهما. وأن يكون فاتحة لنهج جديد وبدء شفاء من مرض قديم من تبادل اتهامات مغرضة وسلوكيات مرفوضة ومسيئة. فلا الجبهة متأسرلة ومتصهينة وخارجة عن إطار الحركة الوطنية. ولا التجمع قومجي ومتطرف ومعادٍ للعمل العربي – اليهودي المشترك. وإذا ما كان كل منهما يريد، كما يصرّحان، التعاون والعمل المشترك كلٌ مع الأقرب إليه أيديولوجياً وسياسياً، فلا يوجد بين أحزابنا السياسية من هو أقرب لكل منهما من كليهما.  جدلية "الطبقي" و "القومي" و "الأممي" ليست جدلية تناقضية عدائية، كما صوّرها ماركسيون شوّهوا الماركسية و"قومجيون" شوّهوا القومية. وإنما هي جدلية توافقية عموما، فكم بالحري لدى وبين قوى سياسية لأقلية قومية، تعاني من السياسة العنصرية والتمييز القومي والإقصاء والتهميش؟

تحصين شعبنا وهويته الديمقراطية
إضعاف الجبهة هو إضعاف للتجمع، وإضعاف التجمع هو إضعاف للجبهة. والحلم بأن يزيل أحدهما الآخر و/أو يحل محلّه ويرثه أو يلحقه بنفسه ويحصره تحت إبطه – جناحه - تكشـّف عن وهم مريض أزاله واقع موجود. وما الشعب إلا بجناحيه يطير... لا نحمّل اتفاقا تقنيا لفائض الأصوات أبعد من أهدافه. وحتى إن كان الدافع لتوقيعه مجرد الفوز بعضو برلماني إضافي، فلا بأس. لكن نأمل ونحلم بأن تقود أجواء وتداعيات هذا الاتفاق إلى ضرورة "تجميع" القول والفعل والتوصل إلى "فصل المقال" بوجوب "الاتحاد" لتعزيز "جبهة" الكفاح المشترك ضد السياسة الرسمية الغاشمة بحق شعبنا، ولنصرة هويتنا القومية الوطنية والتقدمية الجامعة. مبروك للجبهة. مبروك للتجمع. مبروك لشعبنا. ومبروك كذلك حصولنا على عضو إضافي، بغض النظر عن هوية الطرف الذي سيفوز به. لكن مع مباركتنا وأدعيتنا نضيف قليلا من القطران: أن اعملوا على تحصين شعبنا وهويته الديمقراطية، إذ ماذا ينفعنا إن كسبنا عضوا إضافيا في البرلمان، وخسرنا أنفسنا...؟!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة