الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 16 / مايو 17:02

الأم في عيدها - بقلم: فؤاد خوري


نُشر: 22/03/08 12:49

  لطالما اغتنت روايات الزمن بتاريخ الأم، بحبها، بتضحيتها التي تفوق كلَّ تصورٍ، هي ومَن غيرها يستطيع أن يزرع البسمة والفرح على وجه طفلٍ يتوق لحنان الأم، يحتاج للحب، فتعطيه ولا تضنّ عليه بما يحويه إناء قلبها من حبٍ وتضحية، من أمانٍ وطمأنينة.
الأم، هي المدرسة التي تواكب كافة الأجيال، من الطفولة حتّى الشباب وما بعد، الأم هي الدفء الذي نشعر به تارة نبثُ لها همومنا وأعباء قلوبنا، الأم هي الأفق الذي لا يعرف إلاّ أن يتطلع إلى ما وراء الحدود، هي من تبقى وحدها في ليلٍ يسكنه القلق ويساوره الخوف..... من المستقبل.
وإنِ اشتاق القمر لنسمات العليل العذبة، وإن تاق الربيع لرائحة الورود النضرة، سيفوح العطر من قلب الأم، ويتلوّن كيانها به، للورد فيه ألف ألف معنى، للعطر فيه أعذب وأبهى الروائح، للحب فيه أسمى وأنبل المشاعر.
الأم أبدًا ما عرفت أن تقول لا، فهي معطاء يفوق كل الحدود، هي نبعٌ دونما أيِّ قيود، هي بحرٌ لا تسعه حدود.
  إن يومًا أبحرت بنا الحياة في دروبها، وعبر بواخرها، سنجد الأم واقفة تنتظر، لا بين جموع البشر، نظرها سيتعدى غيوم السماء، سيبلغ رحاب الأمومة والعطاء.
كيف ستنسى الأم من لها، وهي من حملت في أحشائها قلبًا، الأم ومع كلِّ ما تحمل في قلبها من متاعب، استطاع الصبر أن يجد بينها منفذًا، فالحِلم محلقٌ في سماء حياتها، وهو من يجعلها تعطي، ولا تعرف إلاّ الحبَّ والتضحية.
القلب سيحب نعم... لكنّه لن يجد حبًا يفوق محبة الأم، لن يجد من يبذل، يسهر، ينتظر كما الأم.
الأم لا تعرف للقنوط سبيلاً، هي البيت الذي لا يحوي أبوابًا، في كل حين سنجدها مستعدة، مُصغية، متفهّمة وإلى أبعد الحدود.
مهما سار الزمن، وأخذت الحياة أبناءها في رحلتها السرمدية، ونسوا أنَّ لهم أمًا كانت ومنذ الصغر الإناء الذي يحويهم، هي أبدًا لا تنسى، سيتألم قلبها، نعم، ولكنّها ستنتظر حتّى يعود ذلك القلب، حتّى يمتلئ ذاك الإناء، وإن كُسر، وإن وقع، وإن تلونَّ بألوان السنين المُعتّقة، ستبقى الرائحة ذاتها ولن تتبدّل.
في عالمٍ مُفعمٍ بالمغامرات، زاخرٍ بالتطورات، مليءٍ بالإغراءات، ربّما تُهمَّش الأم وتُوضع في خانة النسيان، على رفٍ طوت السنين منه صفحات....
لا تفوق سعادةٌ سعادة أمٍ بنجاح ابنها، بتحقيق رغباته، أمنياته وأحلامِه، ومع الزمن، زواجه، ولكنَّ الحزن سيُولد في عينيها عندما ينسى الابن هذه الأم، التي أمضت سنيها وهي تُضحي وتُربي، وفي النهاية لا تجد سوى الجفاء والابتعاد، لن تحظى إلاّ بدموع القهر والألم، لا لأنها تنتظر الثناء من ابنها، بل لأنَّ من كانوا لها وبعد أن وجدوا كلَّ ما تبتغيه نفوسهم لم يتوانوا مطلقًا عن الرحيل..... والغياب، ويبقى وحده قلب الأم يتعذّب، فمَن كانوا لها ابتعدوا، واجتذبتهم أهواء الحياة، لكنَّ قلوبهم مَن رضخت، مَن نسيت، مَن أضنت على فؤادٍ وهب جُلَّ ما يملك.
الأم شمعة لا تنطفئ، أملٌ لا ينتهي، الأم تحمل قلبًا يشعر بما يجول وخاطر كلِّ ابنٍ، وتبقى عيونها ساهدة مهما بلغ من الليل ساعات، لا يغمض لها جفنٌ.... وهي تنتظر.
الأم، ومهما أسهبتُ في الحديث عنها، فإنَّ هذا قليلٌ إزاء كلِّ ما تصنعه، ضئيلٌ إزاء الفرح الذي يلوّنُ محياها بألوان الربيع الزاهية تارة تسمع بتفوقٍ أحرزه ابنها، بحلم حققه وأضحى بهجةً.
الأم دائمًا تسعى وبكلِّ ما أوُتيت من همةٍ ونشاط أن ترسم السعادة على وجوه أبنائها، هي وإن اشتدّت بها أعباء الحياة، مطلقًا لا تٌحسس أبناءها بالألم الذي يكتنفها، الأم هي الحب في الوقت الذي غاب عنّا من نحب، هي الفأل في اللحظة التي يراودنا فيها التشاؤم.
الأم، ولو قدمّنا لها في يومها أثمن الهدايا وأغلاها، فلن نفيها حقّها، أمام  كلِّ ما تُقدم، عطاء الأم لا يقتصر على وقتٍ معين، مرحلة زمنية، بل إنّه أبديٌ وسرمديّ.
في لحظات صمتها تُراها تحسب للغد وما بعده، جميعنا، وإن دارت بنا الأيام سوف لن نجد من ينتظرنا كما الأم، من يُرشدنا وينصحنا لأنه يحبنا، ويُبعد الغيوم عن ليلنا المُتجهّم. 
  محبة الأم لا تلبث أن تتبخر، فهي ومع مرور السنوات، ستتبدل إلى الأجمل، إلى الأسمى والأبهى لتكتسي من البرقوق والياسمين والزّمرد أبهى الحُلل..... وأعذبها.
الأم رفيقةٌ على مدى الدروب، وإن كنّا بعيدين عنها، فالصور مخلدةٌ في الذاكرة عميقًا، ولن تٌمحى وتزول.
  ما أشّده من عذابٍ تارة تفقد الأم ولدًا، حتّى وإن كان عندها غيره أولادٌ كُثر، فالحزن سوف يخيمُّ على حياتها، وإن أبدت ابتسامة، فمن يُدرك كم عانى قلب الأم إلاّ من ذاق طعم الفقدان ولون الحرمان.
  والأم التي تعيش في البوم الذكريات، لكنها غائبةٌ في الحاضر، لأبنائها في هذا اليوم من الحزن نصيب.
  وألام التي يُسدل الستار عليها وتُنسى وتصبح من الماضي لمجّرد أنّها سألت عن حال ابنٍ هي مَن جعلته، وعلمته أغلى ما لديها، نصيبها أن تصبح عبئًا على ولدها.... وعائلته.
  وبعدْ، أيُتيح الزمن لأمٍ أن تسهر على طفلها الصغير، ويكبر هذا الطفل، ومع الأيام يتجاهل الماضي بحجة أنّه يُذكر بالبؤس والشقاء، ألا يستطيع أن يتذكر الماضي لأجل أم طمحت وحلمت؟ أكثيرٌ عليها نظرةٌ والتفاتة.
  الأم لا تطلب الكثير، بل لا تكاد تطلب شيئًا، ولكن يا للحزن الذي نرسمه على وجهها إن تعرفنا على الغريب ونسينا مَن لنا، وتجاهلنا أصلنا، فأيُّ معنًى لتذكرنا بها في يومها إظهارًا لحبٍ لحظي، وهي في الحقيقة مجّرد غيمة نسعى لزوالها أمام حاضرٍ متناقض، أمام زوجة تدرك أنَّ  القلوب تنصاع لها، ليس الجميع، بل من جعلوا الوردة تذبل وهي في ريعان شبابها.


لإرسال مواد أدبية وشعرية وخواطر لزاوية منتدى العرب الرجاء تحويلها إلى البريد الالكتروني التالي، وهو البريد الخاص بالمنتدى:
montada@alarab.co.il

مقالات متعلقة