الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 22:01

لا تعاقبوا أحزابنا الوطنية حتى لا تعاقبوا ذاتنا كشعب/ بقلم: سميح غنادري

كل العرب
نُشر: 11/12/12 11:02,  حُتلن: 13:17

سميح غنادري في مقاله:

"الجبهة" كانت صادقة وصريحة إزاء ذاتها وذواتنا حين بدأت منذ أسابيع بإبداء تحفظاتها من جدوى الشراكة التحالفية

ستتكالب كل الأحزاب الصهيونية على نهش كل صوت عربي ممكن لذلك علينا عدم الاستخفاف بخطر عودة الأحزاب الصهيونية للوسط العربي واقتناصها للأصوات

تحمل أحزابنا الوطنية مساءً بنداءات "القائمة الموحدة" و "القائمة المشتركة" و"التحالف الثنائي" وتوقظنا صباحا عاقرة وعاقرين من حَمْل ومن حلم دفـّأنا ليلاً وأيقظنا فجرا بردانين

لا أعتقد أن الصراع على الكراسي هو الذي منع تشكيل "قائمة مشتركة" فكراسي الجميع كانت محفوظة ومصونة في هكذا قائمة يجري تشكيلها وفق مفتاح نتائج الانتخابات السابقة

المسألة الأساسية في هذه الانتخابات هي التصدي المشترك لخطر تشكيل حكومة يمينية مغالية في تطرفها وعنصريتها وهجمتها المسعورة على متطلبات السلام العادل والمساواة القومية والمدنية والديمقراطية

الجبهة (بما فيها الحزب الشيوعي) تتحمل المسؤولية الأولى عن فشل تشكيل قائمة مشتركة أو تحالفا ثنائيا. علما بأنها هي المطالـَبة أكثر من غيرها بالإحساس بنبض الشارع ومتطلباته وبالمبادرة لطرح دعوة المشاركة

كما حدث عشية آخر ثلاث انتخابات برلمانية في إسرائيل (2003، 2006، و2009)، بخصوص حديث الوحدة والتحالفات بين الأحزاب الفاعلة بين الجماهير الفلسطينية، هذا هو الحاصل عشية الانتخابات القريبة (2013-01-22). تحمل أحزابنا الوطنية مساءً بنداءات "القائمة الموحدة" و "القائمة المشتركة" و"التحالف الثنائي"، وتوقظنا صباحا عاقرة وعاقرين من حَمْل ومن حلم دفـّأنا ليلاً وأيقظنا فجرا بردانين.

كأننا يا بدور...
الأمر الجديد هذه المرة هو أن كل أحزابنا وكتلنا البرلمانية –(الجبهة والتجمع والإسلامية الجنوبية وتحالفها)- أجمعت، عشية ظهور إمكانية تقديم موعد الانتخابات، على نداء التحالفات والمشاركة، وكتب قادتها مقالات الدعوة والترويج لها. لدرجة أننا كدنا نصدق أنه "لن يعلو صوت فوق صوت المعركة" في هذه المرة. وللحقيقة أن "الجبهة" كانت صادقة وصريحة إزاء ذاتها وذواتنا حين بدأت منذ أسابيع بإبداء تحفظاتها من جدوى الشراكة التحالفية. وهذا لا يعني عدم تحفظنا من تحفظاتها.
أبدعت أحزابنا في تأكيد أن ما يجمعها من قضايا مركزية أوسع وأهم مما يفرقها. وأن المسألة الأساسية في هذه الانتخابات هي التصدي المشترك لخطر تشكيل حكومة يمينية مغالية في تطرفها وعنصريتها وهجمتها المسعورة على متطلبات السلام العادل والمساواة القومية والمدنية والديمقراطية وحقوق العاملين والمستضعفين. وهي خطيرة جدا بحق المواطنين العرب وحقوقهم. ولهذا، فالمطلوب هو تحالف القوى الوطنية العربية وبمشاركة القوى الديمقراطية اليهودية، ورفع نسبة التصويت بين العرب وزيادة تمثيلهم البرلماني، في دولة تنحدر فيها أحزاب الوسط الصهيوني نحو اليمين، وأحزاب اليمين المتطرف نحو الأبرتهايد المـُقـَوْنـَن ونحو الفاشية.

حديث التحالف
شمخوا وأبدعوا كلاما إنشائيا وسقطوا ممارسة. وأسفر التضخم في حديث التحالف عن شحّة الفعل لتحقيقه. وبقدر شموخ ورطوبة حلمنا كان جفاف خيبتنا وعمق هوّة أملنا. لدرجة أنه ليس من المستبعد أن يختفي حديث وحلم التحالفات في الانتخابات ما بعد القادمة. تغيّرت جماهيرنا العربية في العقدين الأخيرين، كمّاً وكيفاً وتعاملاً، وتركيبة اجتماعية وفكرية سياسية وتطلعات ومتطلبات. وازداد حجم ووزن الفئات والشرائح الشابة والأكاديمية والمثقفة التي لم تعش تجربة الماضي وترفض أن تعيش في الماضي. وانخفضت وتآكلت إلى حد بعيد الهيمنة الثقافية والسياسية للطليعة الحزبية المنظمة والقائدة. ولم يعد يقتصر مطلب التجديد على تغيير الأشخاص الممثلين لهذه الأقلية القومية، وإنما طال مطلب تغيير النهج والممارسة.
وحدها أحزابنا (الطليعة؟!) لا ترى بعمق وبمسؤولية كافية هذا التغيير الحاصل، ولا تريد أن تتغيّر لتلائم نفسها للتغيير الحاصل. ويواصل كل منها التغني بخصوصيته، مردّداً: "كنـّا..." و"نحن أول من طرحنا...". هذا بدلا من أن تعي أن "كان" هو فعل ماض ناقص، وأن المطلوب اليوم استحداث إبداعها السابق في "كنـّا" و "أول من طرحنا" وتطويره وتجديده ليلائم خصوصية الحاضر. إذ لا يعقل استمرار البحث في الماضي عن أجوبة لأسئلة الحاضر – فكراً وسياسة ونهجا.
آن الأوان، ومنذ أوان، لأن تفتح أحزابنا شبابيك مقراتها الحزبية علّها تنتعش وتشفى من شابلونات أكل الدهر عليها وشرب، بدلا من أن تعيش في واد والشعب على قمة أخرى. لقد بيّنت استطلاعات الرأي أن 80% من الناخبين لدى شعبنا يريدون قائمة مشتركة أو تحالفا ثنائيا بين مختلف القوائم مع اتفاق على فائض الأصوات بين التحالفين. وأن هذا قد يرفع نسبة التصويت بـ 15%، وسيجعل نصف الممتنعين المحتملين عن الاقتراع يدلون بأصواتهم. وبناء عليه، سيزداد مجموع تمثيل أحزابنا في البرلمان بـ 3-5 أعضاء على الأقل، وسيزيد من إمكانية قيام كتلة عددية تقنية، من أحزاب الوسط ومن كل من هو على يسارها ومن ممثلي أحزابنا الوطنية، تحدّ من إمكانية اليمين المتطرف وشبه الفاشي على تشكيل الحكومة القادمة.
تعرف أحزابنا هذا وتدعونا له، ولكنها تقودنا إلى ضده بعدم إبرامها اتفاق التحالف والمشاركة. هي تتصرف كالرياضي الذي يخرج لمسار السباق بعد أن يكون قد أطلق الرصاص على رجليه. لكن بفرق أنها أطلقته على نفسها وذواتنا. هذا سلاح بوميرانغ من نوع خاص يصيب مطلقه والمطلق عليه. اتفقت أحزابنا على أن لا تتفق. ولم تـُضع الفرصة لإضاعة أية فرصة. فتأوه بدر: "كأننا يا بدور لا رحنا ولا جينا". أجابته بدور: "بل رحنا وجينا، لكن نحو الأسوأ".

تريدون أن تأكلوا
من ثمر الزيتون...؟
تتحمل الجبهة (بما فيها الحزب الشيوعي) المسؤولية الأولى عن فشل تشكيل قائمة مشتركة أو تحالفا ثنائيا. علما بأنها هي المطالـَبة أكثر من غيرها بالإحساس بنبض الشارع ومتطلباته وبالمبادرة لطرح دعوة المشاركة. وذلك بحكم تاريخها وحجمها ومسؤوليتها وتجربتها الغنية المتميزة بقدرتها على استشفاف الجديد والمسك بتلابيبه وتطوير مواقفها وطروحاتها وممارساتها.
لكن رغم ما ورد أعلاه لا أحمّل الجبهة وحدها مسؤولية إفشال المشاركة والتحالف الانتخابي. فلكل أحزابنا قسط في هذا الإفشال، حتى تلك الداعية بحماس للقائمة المشتركة. إذ لا يعقل أن "تفقـّس" كل أحزابنا دعاة وحدة عشية الانتخابات، بينما فكرها ونهجها وممارساتها ومواقفها من بعضها البعض وبحق بعضها البعض تنضح بالعداوات وتسعيرها، على مدى كل السنوات بين انتخابات وأخرى. لقد خلّف هذا بين كوادر الأحزاب نفسها وبين مؤيديها والمصوتين لها مخزونا كبيرا من ترسبات وأحقاد ومرارات تعيق إمكانية التحالف وضرورته. كان على من يريد أن يتغذى اليوم على ثمر الزيتون وزيته الصحي والنقي، أن يحرص على غرس أشتاله قبل سنوات حتى يثمر اليوم. لم يفعلوا هذا. لذلك بقي حقلنا شوكيا وجافا وعاقرا من شجرة زيتون نتفيأ تحت أغصانها وفي دفئ ظلالها، ونأكل من ثمرها وزيتها.

يا لبؤس هكذا أيديولوجيا...
بعكس الرأي السائد، لا أعتقد أن الصراع على الكراسي هو الذي منع تشكيل "قائمة مشتركة". فكراسي الجميع كانت محفوظة ومصونة في هكذا قائمة يجري تشكيلها وفق مفتاح نتائج الانتخابات السابقة. بل ويوجد احتمال شبه مؤكد بأن تزيد كراسي كل من الأحزاب كرسيا واحدا أو أكثر، على اعتبار أن "المشتركة" سترفع نسبة التصويت وتزيد من تمثيلهم. أما كرسي رئاسة القائمة، فأعلنت الأحزاب أنها لا تمانع أن يكون للجبهة.
وإذا كان لا بد من الحديث عن "الكرسيلوجيا" كعامل في إفشال التحالف المشترك، يجب عندها ربطه بعامل "حزبية القبائل وقبلية الأحزاب" والصراعات على الكرسي داخل كل منها على حدة. كل يريد أن يحافظ على نوابه ويفضل أن يزيد تمثيله عضوا إضافيا يحلم بتحصيله من خلال التصويت لقائمته المستقلة لا من "خلال المشتركة". وكل عضو مرشح في قائمته المستقلة، أو موعود بالتناوب ضمنها، يحسب حساباته إذا كانت التركيبة المشتركة تضمن له هذا. وكل حزب يريد أن يحتوي قبليا المجموعة التي ستصوت له بالذات، إذ "ستختفي" هذه، أو يتعذر تحديدها، في ظل التصويت للمشتركة. وتفضـّل أحزابنا المتصارعة، خصوصا الأقوى، أن يتم تقسيم "كعكة" البرلمان في ما بينها حتى على حساب حرمان شعبنا من "كعكة" الوحدة. ثم من المعروف أن هنالك عداوات بين حزب وآخر، وبين حزب وعضو تحالفي في قائمة أخرى.
لكن الأيديولوجيا المعطوبة هي العامل الأساسي في إفشال القائمة المشتركة، لا الكرسيولوجيا. يقول هؤلاء "المفكرون" أنه توجد اختلافات وخلافات أيديولوجية واجتماعية وثقافية بين الأحزاب، ونحن مختلفون ومتنوعون وفي التنوع والتعددية قوة، ومن الخطأ والعار أن نتصرف كقبيلة عربية واحدة ضد اليهود... إلخ.
يؤسفنا أن نضطر لشرح دحضنا لهكذا بؤس "فلسفة". أولا، لا تقوم التحالفات على أساس وقاعدة الوحدة الأيديولوجية، وإنما على أساس برنامج سياسي مشترك يقوم على القواسم السياسية الأساسية المشتركة بين الجميع. ثانيا، التحالفات والائتلافات تكون بين مختلفين. إذ لو كنا متشابهين إلى حد التطابق الأيديولوجي، نكون عندها كلنا أعضاء حزب واحد. وغني عن البيان أن الحزب الواحد لا يأتلف مع نفسه. ثالثا، القائمة المشتركة والتحالفية لا تلغي الأحزاب واستقلاليتها وعملها والترويج لأفكارها. رابعا، التحالف لا يلغي التنوع ولا التعددية في الأحزاب والمواقف. خامسا، التحالف يزيد القوة في حالة جماهيرنا العربية، وهو ليس بقبلية، بل عدو لها وانتصار عليها بين أحزابنا وداخل مجتمعنا وإزاء الآخر اليهودي. وتحالفنا الذي كان منشودا لا يتعارض مطلقا مع الشراكة العربية – اليهودية من أجل السلام والمساواة والعدل الاجتماعي. وهو يضمن ترشيح يهود داخله ويدعو إلى تعزيز العمل مع القوى اليهودية اليسارية والتقدمية.

سرير لاكوست...
تحضرني في ظل هذا النقاش، أعلاه، مع هكذا عطب أيديولوجي، قصة لاكوست وسريره في الميثولوجيا اليونانية القديمة. كان لاكوست هذا لصا، وكان يمدّد من يسرقهم على سريره العجيب... فإذا ما طالت رؤوسهم وأرجلهم طرفي السرير، اكتفى بسرقتهم وأطلق سراحهم. أما إذا تعدى طول أجسادهم أو قصر عن حجم السرير، قام بقطع أجسامهم من جهة الرأس والرجلين في حالة التعدي، أو بشدّها حتى الخلع في حالة القصور. وفي الحالتين ماتت الضحايا وسُرقت طبعا.
لقد وصل الأمر ببعضنا من رافضي "القائمة المشتركة" إلى حد تمديد الأيديولوجيا على سرير لاكوست وتشويهها وقصقصتها وتفصيلها وفق مقاس مصلحته. وهنالك مَن صرّح أن مجموع الكسور قد تكون أكثر من واحد صحيح. وكان يقصد أن تعدد القوائم والتنافس في ما بينها على تجنيد الأصوات يرفع من تمثيل أحزابنا الوطنية.
وسمعت عن استطلاع متوفر لدى أحد الأحزاب يدل على أن القائمة المشتركة ستؤدي إلى هبوط نسبة التصويت، أما الثنائية فتشكل خطرا على عبور القائمة الثالثة لنسبة الحسم. وبناءً عليه التحالف غير مجدٍ! أشكك في سلامة هكذا استطلاع يتناقض مع معطيات كل الاستطلاعات الأخرى ومع المنطق السليم. مجموع الكسور العشرية قد يكون أيضا أقل من واحد صحيح. ثم تثبت الاستطلاعات أن "المشتركة" سترفع من نسبة تصويت العرب وستزيد من تمثيلهم في البرلمان. وما من حاجة إلى الاستطلاعات أصلا، إذ بينت الممارسة والتطبيق في آخر أربع انتخابات أن نسبة تصويت العرب كانت تتناقص بشكل مقلق وكبير عن كل انتخابات سابقة، في ظل تعدد القوائم وتنافسها. كانت نسبة تصويتنا 75% في انتخابات سنة 1999، وأخذت بالتناقص الجدي في انتخابات 2003، و2006، وانحدرت في الانتخابات الأخيرة سنة 2009 إلى 53%.

القائمة المشتركة
ولنفترض جدلا وبطلانا أن "القائمة المشتركة" لن ترفع من تمثيلنا في البرلمان، لكنها لا تنقصه بالتأكيد. وتبقى القضية الأساس بالنسبة لي ليس فقط زيادة تمثيلنا. وإنما أيضا وأولا الأثر الإيجابي للتحالف، اجتماعيا وثقافيا ومعنويا ووطنيا، على هويتنا القومية والوطنية. وتخليصها من تراكمات ونفسيات حروبنا الحزبية القبلية ضد بعضنا البعض. وتداعيات ذلك على وحدتنا الوطنية وتنشئة أجيالنا الصاعدة، بصفتنا أقلية قومية مهدّدة ومميز ضدها في دولة يهودها لا مواطنيها.
ثم لنفترض أن نسبة الحسم لدخول أية كتلة إلى البرلمان ستتضاعف، عندها سنرى كل أحزابنا تتراكض لتشكيل قائمة مشتركة حتى تحظى بعضوية البرلمان. أي ستختفي بلمح البصر كل المبررات الأيديولوجية لرفض تشكيلها. ثمّ من لا يريد قائمة مشتركة حقا وفعلا، كان بإمكانه أن يطرح قائمة تقنية لشأن الانتخابات فقط.
ومن غرائبنا وعجائبنا أن تصدر شخصيات ديمقراطية يهودية عرائض موقعة تناشدنا فيها بتشكيل قائمة مشتركة لزيادة تمثيلنا ووزننا وأثرنا في هذه البلاد، بينما بعضنا يعارض هذا "أيديولوجياً". علما أنه أدلج في السابق لوحدة الصف واعتبرها أقدس من "البقرة المقدسة" بالنسبة للأقلية القومية. وللمعلومية كان البروفيسور والمفكر الديمقراطي الكبير "يشيعياهو لايفوفيتش" قد دعانا لتشكيل هكذا قائمة في أواسط الثمانينات، مستغربا عدم لجوئنا لهذا رغم معاناتنا من العنصرية والتهميش والإقصاء في دولة إسرائيل.

عن الاستياء... وجلد الذات
ستغمرنا أحزابنا مع اشتداد حرارة الحملة الانتخابية بنداءات تنظيف الوسط العربي من الأحزاب الصهيونية والاقتراع لها، ولرفع نسبة تصويتنا. وستصدر "ميثاق شرف" لخوض الحملة في ما بيننا بشكل حضاري ودون عنف واحتراب وتسعير للعداوات. وقد تشكل لجنة تنسيق عليا من ممثلي الأحزاب لضمان ذلك. لا بأس بهذا. لكن هذا ما فعلناه عشية كل انتخابات سابقة دون تحصيل نتائج مرضية، لا انتخابيا ولا بخصوص تسعير الخلافات إلى حد الاحتراب أحيانا. وسيصدر كل حزب وقائمة من المتنافسين نداءً خاصا لنا يناشدنا أن ارجموهم واصفعوهم بالواوات والضاضات والعين ميم (الشارات الانتخابية للقوائم). فكيف يصفع ويرجم المصفوع والمرجوم بالشرذمة من قبل أهل البيت وذوي القربى؟
لم تمدنا أحزابنا بنهجها وشرذمتها لا بالأمل ولا بالمعنويات ولا بأفق كوننا قادرين ومؤثرين، بل هدتنا وحطت من شأننا ولم تلب نداءنا أن توحدوا، بل واصلت انتهاج نهجها القديم حتى في تشكيل قوائمها. لم يستبدلوا أعضاء برلمان قدماء استنفذوا قدرتهم الإبداعية في العمل. وأعادوا ترشيح أعضاء أثبتوا في الدورة الأخيرة للبرلمان أنهم فاشلون ولا يستحقون هذا المكان. ورشحوا جددا وقدماء أثبتوا جدارتهم في شتى مراكزهم أنهم يتقنون استغلال مواقعهم لخدمة ذواتهم لا لخدمة الناس. وائتلفوا داخل قوائمهم مع أعضاء برلمان سابقين، والدفع نقدا وتمويلا سخيا لسنوات قادمة. أما العناصر الشابة الواعدة والنقية والوجوه النسائية، فأقصوها إلى الخلف مع وعد بعضها بالتناوب خلال الدورة القادمة... ولم يتورع البعض حتى عن ترشيح متخلفين اجتماعيا وساقطين سلوكيا. هذا لا ينفي وجود مرشحين ممتازين في كل القوائم، لكن اختيار الأفضل والأصلح والأنجع للعمل البرلماني لم يكن هو المعيار دوما.

لا تشخصنوا القضية
لا تبحثوا عن الأسماء التي تظنون أني أرمز إليها أعلاه. لا تشخصنوا القضية، فأنا أتحدث عن مرض يعم أحزابنا، وإن كان بتفاوت. ولا أقصد أشخاصا معينين. وأسأل باسم آلاف الناخبين المتسائلين، كل أحزابنا معا وكل حزب على حدة: لناذا علينا أن نصوّت لإنجاح بعض المرشحين غير المناسبين، وبأي ذنب تحملونا وزر صراعاتكم الفئوية والشخصانية والقبلية، واعتباراتكم المناطقية الجغرافية والطائفية والعائلية، وتآمراتكم وتكتلاتكم الحزبية الذاتية، في صفقات الانتخابات الداخلية لمرشحيكم؟ وما ذنبنا حتى نصوت لهؤلاء الذين جرى ترشيح بعضهم نتيجة صراعات حزبية داخلية لا لكونهم الأحق والأفضل؟! وهل نحن خدم للحزب أم الحزب خادم لشعبه؟ ومتى يعلو شأن الشعب والوطن والمرشح الممتاز والناجح، على الصراع والفساد الداخلي وعلى قبلية أحزابنا وحزبية قبائلنا إزاء بعضها البعض، وداخل كل منها على حدة؟
تؤكد كل أحزابنا أنها ذاهبة نحو الانتصار وزيادة تمثيلها. نأمل ذلك. لكن لن تنتصر أحزاب لا تنتصر لنداء ورغبة شعبها... ناخبيها. وكنت قد ذكرت في مقال سابق بعنوان "حتى لا تجني براقش الانتخابات على نفسها وعلينا" أن عدم تشكيل قائمة مشتركة أو تحالفا ثنائياً، وعدم ترشيح وجوه تستحق وتجيد العمل البرلماني، وعدم طرح أجندة مدنية اجتماعية ومطلبية تخص حياة وقضايا الجماهير العربية في هذه البلاد... سيقود حتما إلى هبوط نسبة التصويت. والنجاح سيكون لمن يستطيع بشق النفس الاحتفاظ بقوته. خصوصا أن صناديق الاقتراع ستكون هذه المرة تحت الحراسة والمراقبة، ولن يخلو الميدان لحميدان.
وسيتنافس بحدة في البلاد معسكران مركزيان – أحزاب اليمين المتطرف من جهة، وأحزاب الوسط ومن على يسارها، بمن فيها 14 قائمة جديدة. ستتكالب كل هذه الأحزاب الصهيونية على نهش كل صوت عربي ممكن. لذلك علينا عدم الاستخفاف بخطر عودة الأحزاب الصهيونية للوسط العربي واقتناصها للأصوات. عدا عن هذا، تؤكد الاستطلاعات أنه من المتوقع ارتفاع نسبة تصويت اليهود وانخفاض نسبة تصويت العرب إلى ما دون الـ 50%. وتبيّن الإحصاءات أن نسبة الناخبين العرب هي 14% فقط من عموم الناخبين، مع أن نسبة العرب عموما هي 20% من مجمل المواطنين. لا يصب كل هذا في مصلحة زيادة وزن الصوت العربي وتمثيلنا البرلماني. بل قد يهدد حزبا ما بملامسة نسبة الحسم دون عبورها.

الغضب والاستياء
وأخيرا، اختتمت مقالين سابقين لي عن الانتخابات ("حتى لا تجني براقش الانتخابات على نفسها وعلينا"، و"حتى ننجح في مقاطعة المقاطعة") بأني سأنتخب وسأدعو الآخرين للانتخاب. وها أنا أكرر هذا الوعد – الالتزام، رغم غضبي واستيائي الشديدين من نهج أحزابنا، ومن عدم تشكيل قائمة مشتركة أو ثنائية، ومن بعض مرشحي قوائمها. الغضب والاستياء لا يمكن أن يكون برنامج عمل وموقفا مبدئيا، فكريا وسياسيا. وجلد الذات ليس مخرجا وحلا سليما. والدعوة لمعاقبة أحزابنا على أخطائها بالامتناع عن التصويت لها، هي عقاب لذاتنا الجماعية كشعب. علما أنه علينا أن نتصرف كشعب حتى نحقق حقوقنا كشعب، حتى لو لم تتصرف أحزابنا هكذا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة