الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 19:01

العربية وتحديات التكنولوجيا /بقلم: أ.د. محمد أمارة

كل العرب
نُشر: 11/12/12 08:03,  حُتلن: 08:50

أ.د. محمد أمارة - محاضر في الكلية الأكاديمية بيت بيرل وباحث في "دراسات" – المركز العربي للحقوق والسياسات

للغة بعدان، وظيفي وعاطفي. البعد العاطفي للغة هام جدًا لارتباطه بالمؤشرات القومية، والثقافية، والدينية، والعديد من العوامل الأخرى. وفي ذات الوقت، فللغة وظائف حياتية، إذ تنمو وتترعرع بالاستعمال. وإذا أردنا للغة أن تكون حيّة ونابضة، علينا أن نستخدمها بمستوياتها المختلفة في جميع مناحي حياتنا اليومية.

كانت الكتابة من أهم العوامل لحفظ وانتشار اللغات البشرية. وأصبح للغة دور محوري في بناء مجتمع المعرفة والتنمية البشرية. ومن ثمّ جاءت الطباعة لتزيد من حيويتها، واستعمالها وانتشارها الواسع. والتكنولوجيا الحديثة من حواسيب وانترنت وفضائيات وهواتف نقالة وغيرها، أحدثت ثورة اتصالية-تواصلية، وصارت اللغة تلعب دورًا مركزيًا فيها. فهنالك التواصل السهل، مثل، التعرّف على لغات ولهجات مختلفة، الانكشاف على نصوص لا تُعد ولا تُحصى بتقنيات لم نعهدها من قبل، عملية التوثيق وإلخ. هذا يعني أننا دخلنا عصرًا جديدًا من المعرفة تلعب فيه التقنيات الحديثة دورًا مختلفًا وهامًا.

لعبت الفروع المختلفة من علوم اللسانيات، النظرية منها والتطبيقية، دورًا أساسيًا في فهم اللغات وتطويرها لأهداف مختلفة. ولعلّ فرع اللسانيات الحاسوبية أحدث فروع اللسانيات، وأتى ليلعب دورًا هامًا في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا السمة الأبرز في حياتنا الاتصالية-التواصلية والمعرفية. والهدف من هذا المجال هو تهيئة اللغة الطبيعية لتصبح لغة تخاطُب وتحاوُر مع الحاسوب، وذلك ليقوم الحاسوب بالكثير من الأنشطة اللغوية التي يقوم بها الإنسان. الأفضلية هي سرعة القيام بالأنشطة وقلة كلفتها.

في زمن انفجار المعرفة، والتي أصبحت التكنولوجيا الحديثة أحد أدواته الهامة، تعاظم دور اللغة الإنجليزية لإنتاج المعرفة فيها، وأصبحت معظم الدول والشعوب غير القادرة على ملاحقة - عن طريق الترجمة - الانفجار المعرفي، عمليًا وماديًا، مضطرة لاستعمال الإنجليزية كلغة المعرفة. فكانت النتيجة أن بدأ الأفراد والمؤسسات بالتعامل والاستعمال المكثف للغة الإنجليزية.

كانت بدايات اللسانيات الحاسوبية العربية لأهداف تجارية خالصة وكانت المبادرات من قبل الأجانب ومؤسسات أجنبية. ففي مرحلة ما، وعلى وجه التحديد الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، كانت البلاد العربية سوقًا هامة وواسعة لتقنيات الحاسوب وبرامجه. ومنذ منتصف التسعينيات بدأت برمجة الحواسيب بالعربية تتحرَّر شيئًا فشيئًا من الأيدي الأجنبية، وبدأنا نرى مبادرات وخبرات عربية. فالاهتمام باللسانيات الحاسوبية وحوسبة العربية بدأ يتجلى باهتمام الحكومات والمؤسسات العربية وتشجيعه ماديًا، وبدأ التوجّه نحو التخصّص الأكاديمي في هذا المجال.

لا شك في أنّ الاهتمام المتزايد في اللسانيات الحاسوبية وحوسبة العربية له دور ايجابي على العربية واستعمالاتها. نرى أنّ هنالك تعريب للبرامج العربية، لوحة المفاتيح والطباعة في العربية. هذا إضافة إلى المواقع العربية والنصوص العربية التي تتدفق إلى الحواسيب عبر شبكة الانترنت بلا انقطاع؛ وفرة من النصوص لم يكن لها مثيل في العقود السابقة. فهذا من ناحية، يسهم الحاسوب في حيوية اللغة العربية، ويحد من هيمنة اللغة الإنجليزية، من الناحية الأخرى.

لا شك في أنّ التطبيقات الحاسوبية العربية أتت بثمار طيبة للغة العربية، منها: التعريب، التدقيق الإملائي والنحوي والصرفي، التعرف على الكلام المكتوب، تحويل المنطوق إلى مكتوب، التخاطب مع الآلة، والترجمة الآلية. رغم هذه الجهود، ما زالت اللسانيات الحاسوبية وتطبيقاتها اللغوية في العالم العربي في بداية الطريق قياسًا باللغات الأخرى، مثل الإنجليزية والفرنسية. هذه الإنجازات الطيبة والمتواضعة يجب أن تُعزّز وتُتخّذ كخيار استراتيجي لدعم اللغة العربية لزيادة حيويتها حتى تستطيع الوقوف أمام سطوة وسلطان الإنجليزية بثبات وجدارة.

(يُتبع – الحلقة القادمة: دور اللغة العربية في بناء مجتمع معرفي عربي)

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة