الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 03:02

حتى ننجح في مقاطعة المقاطعة/بقلم:سميح غنادري

كل العرب
نُشر: 16/11/12 13:19,  حُتلن: 16:29

سميح غنادري في مقاله:

وُجدت الأحزاب كطليعة سياسية وفكرية منظمة وقائدة لخدمة الجمهور لا ليخدمها الجمهور والجمهور على استعداد دائم لدعمها ما دامت تخدم أجندته وتطلعاته الحياتية العامة والمطلبية

 العدو الانتخابي الأكبر والأكثر منهما في قضم قوة الصوت العربي وحرمان أحزابنا منه ليس الأحزاب الصهيونية التي فقدت منذ عقود تصويت غالبية الناخبين العرب لها وإنما المقاطعة العربية للانتخابات من منطلقات غير مبدئية

 لستُ من الرافضين لمقاطعة الانتخابات في كل زمان ومكان وفي أي ظرف كان. فالظروف السياسية والاجتماعية والمهمات الكفاحية المطروحة على الأجندة الآنية واستعداد وقدرة الجماهير على قبولها وممارستها...هي التي يجب أن تحسم الموقف

الاعتماد الأول لإسرائيل من أجل إثبات ديمقراطيتها أمام العالم هو على مشاركة العرب في انتخابات الكنيست وأنه يجب استبدال العمل البرلماني بالعمل الكفاحي الميداني والجماهيري...الخ فأمر أصبح مُلاكا وممجوجا لكثرة ما جرى تكراره دون تقديم حجة واحدة تثبت صحته

لا تسمح طبيعة وظروف حياة هذه الأقلية-عدداً وعدة وإمكانيات اقتصادية واجتماعية وتواصلاً وامتداداً جغرافياً وسكناً وعملاً وعلماً وقدرة واستعداداً-على إعلان الانفصال والاستقلال الجغرافي أو حتى الذاتي الثقافي عن الدولة ومؤسساتها ومرافقها

لم يعرف تاريخ الحركات الثورية والتقدمية على مدى القرن العشرين الماضي بمن فيها حركات الأقلية القومية أو تلك المستعمرة، حركات اتبعت نهجاَ دائماَ في المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات

إن نجاحنا في معركة البقاء وفي معركة الحفاظ على هويتنا القومية والثقافية كجزء من شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية... هو الهزيمة الأولى والكبرى للمخطط الصهيوني إزاء شعبنا وفي عقر إسرائيل

لستُ من الرافضين لمقاطعة الانتخابات في كل زمان ومكان، وفي أي ظرف كان. فالظروف السياسية والاجتماعية والمهمات الكفاحية المطروحة على الأجندة الآنية واستعداد وقدرة الجماهير على قبولها وممارستها...هي التي يجب أن تحسم الموقف. فلا مقاطعة الانتخابات ولا المشاركة فيها مرفوضة أو مقبولة دوماً ومبدئياً. من العار مثلاَ المشاركة في الاقتراع إذا كان الظرف ظرف عصيان مدني وحراك للإطاحة بالنظام القائم. لكن من العبث أيضاَ المقاطعة دون نضوج الوضع واستعداد الجماهير، موضوعياً وذاتياً، لإجماع المقاطعة. مقاطعة القلة، لا الغالبية الساحقة، للانتخابات في هكذا ظرف تعني إضعاف الأحزاب والقوى الوطنية التي تخوض الانتخابات ضد سياسة النظام القائم. وهذا يعني خدمة المقاطعة، موضوعياَ، للسياسة القائمة التي تعاديها.

خدمة الحراك الثوري
لم يعرف تاريخ الحركات الثورية والتقدمية على مدى القرن العشرين الماضي، بمن فيها حركات الأقلية القومية أو تلك المستعمرة، حركات اتبعت نهجاَ دائماَ في المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات. بل هي قاطعت أحياناَ وشاركت في أحيان اخرى، من منطلق هدفها الواحد الوحيد، وهو خدمة الحراك الثوري والتقدمي في مواجهة السياسة الغاشمة الحاكمة في الظرف الموضوعي المعطى وجهوزية الاستعداد الذاتي له. وقاطعت دوماً في حال غياب الديمقراطية والتزوير المسبق لنتائج الانتخابات.

يفتقر هكذا منطق..إلى الكثير من المنطق
ما ورد أعلاه يخص أيضاَ الجماهير العربية الفلسطينية الباقية أقلية في وطنها. لم يقاطع شعبنا الانتخابات في العقود الأولى لقيام دولة إسرائيل إثر النكبة، بل اقترع بغالبيته الساحقة لصالح الأحزاب الصهيونية، بعد أن بقي منسياً حتى من ذوي القربى وأضيع من الأيتام على موائد اللئام. وأذكر أنه عندما أخذت تبرز في الثمانينات دعوات متزايدة للمقاطعة (من قبل "أبناء البلد" بالأساس) أني كتبت مقالاً بعنوان "المقاطعة المطلوبة". جاء فيه أن المطلوب هو مقاطعة الأحزاب الصهيونية وعدم منحها أي صوت، لا مقاطعة التصويت للقوى الوطنية المعادية للسياسة الصهيونية. ما زلتُ على موقفي رغم مرور ما يقارب عقود ثلاثة على نشر ذاك الموقف.
ما من اختلاف بين دعاة التصويت ودعاة المقاطعة في تحديد الوضع الخاص لنا- أقلية قومية في وطن جرى اغتصابه وتشريد أهله، وقامت على خرائبه دولة يهودها المتنكرة لحقوقنا كمواطنين ولحق شعبنا بالاستقلال والعودة، والتي تنتهج سياسة تمييز عنصري قومي ومدني بحقنا، بما فيها من تهميش وإقصاء، وترى فينا خطراً ديموغرافياً واستراتيجياً.

دعاة المقاطعة للانتخاب
لا تسمح طبيعة وظروف حياة هذه الأقلية-عدداً وعدة، وإمكانيات اقتصادية واجتماعية، وتواصلاً وامتداداً جغرافياً، وسكناً وعملاً وعلماً، وقدرة واستعداداً-على إعلان الانفصال والاستقلال الجغرافي، أو حتى الذاتي الثقافي، عن الدولة ومؤسساتها ومرافقها. ومثلنا مثل سائر البشر، ليس بإمكاننا العيش في مجتمع وأن نكون أحراراً منه. هنا نسكن ونولد ونلد ونتعلم ونعمل ونأكل ونرتدي. كل هذا شرعي وطنيا وحياتياً. أما اللاشرعي بنظر دعاة المقاطعة للانتخاب فهو أن ننتخب ونُنتخب لأحزابنا الوطنية المكافحة ضد السياسة الصهيونية الرسمية. لماذا؟ وماذا يفيد هذا قضيتنا، وبماذا يخدمها؟ لقد قاطع آخر ثلاث انتخابات برلمانية 35% إلى 50% من أصحاب حق الاقتراع (كلمة لم يقترعوا أصح من كلمة قاطعوا). وحبذا لو يذكر لنا أحد مكسباً واحداً حققناه جراء تلك "المقاطعة".
لقد اختار شعبنا الباقي في وطنه خيار الكفاح الوطني المدني والسلمي والجماهيري والبرلماني ليس عن جبن، ولا لأن النضال الأعنف مرفوض مبدئياً وفي أي ظرف كان. هذا ما اضطر له شعبنا بسبب واقعه الحياتي للبقاء وللحفاظ على هويته القومية الوطنية وتحقيق أكثر ما يمكن من المكاسب ببذل أقل ما يلزم من الخسائر.
كتبتُ في السابق وأكرر اليوم، إن نجاحنا في معركة البقاء وفي معركة الحفاظ على هويتنا القومية والثقافية كجزء من شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية... هو الهزيمة الأولى والكبرى للمخطط الصهيوني إزاء شعبنا، وفي عقر إسرائيل. لم نتشرد ونرحل ولم نتأسرل ولم نتصهين، رغم مساومات اضطررنا لإجرائها، بما فيها "مساومة" دخول البرلمان الصهيوني الإسرائيلي واستغلاله كمنبر لنا لطرح قضيتنا وإسماع صوتنا محلياً وعالمياً.
تصعب إلى حد التعذر مناقشة وإقناع دعاة المقاطعة المبدئية الأيديولوجية. فلهؤلاء قناعاتهم. ولا أشكك لا بمبدئيتهم ووطنيتهم ولا بنواياهم الحسنة. لكن أقول إن المعلبات والتأطيرات الفكرية مثلها مثل النوايا الحسنة...قد تقود إلى عكس أهدافها.

شرعنة الاعتراف بإسرائيل
أما الحديث عن أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية تعني شرعنة الاعتراف بإسرائيل وبمؤسساتها العنصرية، وأن الاعتماد الأول لإسرائيل من أجل إثبات ديمقراطيتها أمام العالم هو على مشاركة العرب في انتخابات الكنيست، وأنه يجب استبدال العمل البرلماني بالعمل الكفاحي الميداني والجماهيري...الخ، فأمر أصبح مُلاكا وممجوجا لكثرة ما جرى تكراره دون تقديم حجة واحدة تثبت صحته.
ومن الغريب العجيب أن نضع على عاتق بقية باقية في وطنها مهمة إزالة شرعية إسرائيل، في وقت تعترف فيه كل دول العالم تقريباً بوجودها، بما فيها الدول العربية بناءً على مقررات- مبادرة مؤتمر القمة في بيروت، وكذلك م.ت.ف. الفلسطنينيون في إسرائيل لا يمنحون الشرعية لدولة لم يهاجروا إليها بل هي إليهم، وقامت بتهويد وطنهم، وإنما يريدون تأصيل بقائهم وشرعنة وجودهم كأهل وأصحاب أصلانيين للبلاد. والمطلوب عربياً ودولياً الآن، ليس تحويل المعركة إلى معركة لإزالة إسرائيل-(هذا ما تتمناه إسرائيل أصلاً)- وإنما إلى إزالة الاحتلال، وإلى شرعنة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة لاجئيه وقيام دولته المستقلة.
ثم ما من حزب وطني يخوض الانتخابات البرلمانية يعتبر العمل البرلماني بديلاً عن العمل الكفاحي الميداني والجماهيري. بل تلك الأحزاب هي التي تمارس الفعل القومي الوطني أكثر من غيرها، بل وأكثر بكثير من بعض دعاة المقاطعة الذين لم نشهد ملأهم للميادين كفاحاً جماهيرياً مثابراً ومنظماً. والبرلمان بالنسبة لتلك الاحزاب منبر إضافي لعملنا الوطني من أجل إيصال كلمتنا للناس عموماً وإعلامياً، محلياً ودولياً.
أما غالبية دول وشعوب العالم فتعتبر إسرائيل دولة ديمقراطية، ليس لأنها تسمح للعربي بالانتخاب وبتمثيله في البرلمان. وإنما لأنها دولة ليست أوتوقراطية، ويتيح نظامها تداول السلطة، ويفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويضمن حرية الصحافة. والعرب ينتخبون ويُنتخبون ليس عن فائض إعجاب بالديمقراطية الإثنية والعنصرية بحقهم، وإنما لاستغلال أية فسحة يتيحها المجال الديمقراطي المتاح لمقاومة وفضح سياسة وديمقراطية هكذا دولة. لذلك نستغرب أن يرى البعض من دعاة المقاطعة في المشاركة العربية في الانتخابات شرعنة لديمقراطية إسرائيل العنصرية. أما دعوته للمقاطعة ولرفض وجود الدولة من على المنابر الإعلامية في إسرائيل، وسعيه الدائم كعربي ونجاحه في تبوء وظائف ومراكز عالية في شتى أعمال وزارات ومؤسسات وقطاعات الدولة وشركاتها ومجالات عملها- اقتصادياً وإدارياً وصحياً الخ...، فليس فيه بالنسبة له أي التباس ولا أية ورقة توت (حسب لغتهم) تستر عورة العنصرية والديمقراطية الإسرائيلية. يفتقر هكذا منطق إلى الكثير من المنطق!


الأحزاب كالفلاح...تحصد ما زرعت
لا يمارس الحق بالانتخاب 50% تقريباً من العرب أصحاب حق الاقتراع. بينما 65% وأكثر من الناخبين اليهود يمارسون هذا الحق. وأعجب لأقلية قومية تُضعف ذاتها بذاتها وتحد من إمكانية تأثيرها، علماً بأن الطبيعي أن تقترع بنسبة 80%، حتى تزيد من قوتها كما وتأثيراً كيفياً. الأقليات القومية لا تقاطع نفسها بنفسها، كذلك الرياضي... لا يطلق الرصاص على رجليه عند نزوله لحلبة السباق.
لم تول أحزابنا هذه المشكلة حقها التام. وحين أولتها فعلت هذا عشية الانتخابات وليس على مدار السنوات السابقة لموعد الاقتراع. ولن تحل أحزابنا هذه المسألة عن طريق الوعظ النظري فقط، وإنما بالممارسة السياسية، معاً وكل منها على حدة، وكذلك نوابها في نشاطهم البرلماني. ثم يجري توجيه النقد بالاساس لدعاة المقاطعة من منطلق مبدئي-أيديولوجي، علماً بأن المقاطعة لهذا الاعتبار تتراوح بين 15-20% من الذين لا ينتخبون، حسب مختلف الاستطلاعات والدراسات. واعتقد أن النسبة أقل، لأن الكثير من هؤلاء يفضلون التفاخر بالمقاطعة المبدئية عن ذكر الأسباب الحقيقية لمقاطعتهم.
أريد أن أقول أن العدو الانتخابي الأكبر والأكثر منهما في قضم قوة الصوت العربي وحرمان أحزابنا منه، ليس الأحزاب الصهيونية التي فقدت منذ عقود تصويت غالبية الناخبين العرب لها، وإنما المقاطعة العربية للانتخابات من منطلقات غير مبدئية. وأضيف أن المسبب الأساسي لهذه المقاطعة ليس فقط السلطة الصهيونية التي تقصي العربي عن التأثير وتهمش دوره. وإنما أيضاً أحزابنا العربية الوطنية نفسها بمواقفها وممارساتها ونشاط برلمانييها وبسلوكياتها إزاء بعضها البعض، وحتى داخل كل منها على حدة. وطبعاً تتفاوت هذه السلبية للأحزاب بين حزب آخر وبين عضو برلمان وآخر من الحزب أو القائمة الانتخابية نفسها.

تحقيق الإنجازات
صحيح أن أحزابنا العربية حققت بعض الإنجازات من خلال العمل البرلماني. وصحيح أن السلطة التنفيذية العنصرية هي المسؤول الأول عن مآسي الوسط العربي. كذلك صحيح أنه لا يمكن الفصل الكلي بين القضايا العربية المطلبية لردم هوة التمييز القومي والمدني للعرب في دولة يهودها لا دولة مواطنيها، وبين السياسة العامة-سياسة الاحتلال والاستيطان والتهويد والتمييز. ولا أحد يطالب نوابنا بعدم الانشغال في السياسة العامة والقضية الفلسطينية. لكن هنالك وجهاً آخر لهذا الصحيح، وقد يفوقه صحة. نحن انتخبنا نوابنا وأدخلناهم البرلمان متوخين ليس فقط إمطارهم لنا بالنشاط والخطاب الدعائي الصارخ وبالظهور الإعلامي والدولي، وأنما انشغالهم أكثر ويومياً في طرح قضايانا الحياتية والمطلبية وفي تحقيق إنجازات، ولو نصف، ثلث، ربع إنجازات. علماً بأن حل القضية الفلسطينية لن يتم من خلال البرلمان، وبالتأكيد ليس من خلال خطابات نارية لنواب عرب فيه.
أعرف أن صراحتي ستفتح نيران جهنم علي من قبل بعض المزاودين الذين سيقوّلوني بما لم أقله، وسيرمونني، زوراً وافتراءً، بأني اطالبهم بالتنكر للقضية الوطنية الأساسية لشعبنا الفلسطيني. فليلعبوا كما شاؤوا. وها أنا اطالبهم بالأكثر- بأن يتقنوا من العمل البرلماني وداخل لجانه أيضاً، وأن يطرحوا أكثر قضايانا المطلبية بشكل علمي ومدروس وأن يكثروا (نعم يكثروا) من الاجتماع مع الوزارات المختصة، وأن يحرصوا على تجميع مؤيدين لأي مطلب عيني عادل من شتى كتل الأغلبية البرلمانية اليهودية، وألا يضعوا الجميع في سلة صهيونية واحدة بخصوص كل قضية وقضية، وأن يرتبطوا بقضايا الناس وتحريكهم ميدانياً. أعرف أن هذا عمل أشبه بالنحت في الصخر. ويكاد يضاهي صعوبة سيزيف في إيصال الصخرة إلى قمة الجبل. لكن لا بدَّ منه، وإلا لماذا أرسلناهم إلى البرلمان؟

الحقوق القومية لشعبنا
أما الذي يريد أن يزاود في البرلمان وأن يقنعنا بأنه الأكثر راديكالية في خطابه السياسي والأنجح في تنفير البرلمانيين اليهود منه، والذي يتصرف بغباء ذاك المغني العربي الذي يتفاخر بأغنيته المتخلفة "يا بشرب من راس العين، يا ببقى عطشان. يا باخد وحدة شلبية يا بحلف على النسوان"، من الأجدى به أن يجد مكان عمل آخر له وأن يترك البرلمان لمن يجيد العمل البرلماني، دون التنازل طبعاً قيد أنمله عن الحقوق القومية لشعبنا. لقد قال 88% من أصحاب حق الاقتراع انهم يريدون أن يولي برلمانيوهم الاهتمام أولاً لقضايا الأرض والمسكن والعمل والبطالة والفقر والتعليم والعنف...الخ. ويريدون أن يحقق نوابهم بعض الإنجازات فيها، وأن يكون صوتهم مسموعاً ويلقي التأييد والقبول بين برلمانيين يهود، وأن يجيدوا التعامل مع وسائل الإعلام والوصول إلى الرأي العام.  تريد غالبية أصحاب حق الاقتراع قائمة انتخابية واحدة مشتركة لجميع أحزابنا، أو قائمتين متفقتين في ما بينهما على فائض الأصوات وعلى التعاون البناء. وحدها أحزابنا لم تنضج بعد لهذا. وما زالت قبلية الأحزاب وحزبية القبائل سيدة الموقف في تعاملها في ما بيننا وإزاءنا. هذا عدا عن أن هذه القبلية أخذت تنخر كل حزب على حدة أيضاً. والأفضل أن يصمت الإنسان عن الحديث عن المسببات الداخلية التي تضمن ترشيح هذا أو ذاك ضمن الأوائل المضمونين. أضف إلى هذا إنجاح أو إسقاط فلان أو علنتان ليس بناء على ملائمته للعمل البرلماني وقدراته، وإنما بناء على اعتبارات شخصية داخلية وعلى ما قد يحصل عليه قبليا من أصوات بلدته، عائلته، طائفته.
ويريد الناخبون وجوها شابة وأخرى نسائية، واستبدال وجوه قديمة استهلكت ذاتها وتآكلت طاقتها وكفت عن إبداعها وجاذبيتها ومن الصعب تسجيل إنجاز واحد لها- على الأقل في دورتها الأخيرة. وأيضاً استبدال نواب جدد قضوا الدورة الأخيرة-الحالية-للبرلمان وهم أشبه بالحاضر-غائب، عملاً وإبداعاً ونكهة خاصة. فلم نشعر بوجودهم ولن نشعر بغيابهم، وخجلنا من ذاتنا حين استمعنا لبعض خطاباتهم. وهي نادرة أيضاً. ويريد الناخبون أن تمنحهم أحزابهم ونوابهم أملاً، حلماً، أفقاً، بإمكانية التأثير وإتقان فن التعامل مع الآخر، وفرض ذاتهم وأجندتهم القومية والمدنية المطلبية على بساط البحث البرلماني. الناخبون بحاجة إلى إعادة الثقة لهم بالفعل السياسي وباحزابهم الوطنية، وإلى نهج عمل وتعامل جديدين لإخراجهم من دائرة ومتاهة اليأس واللامبالاة وفقدان الثقة بالفعل السياسي وبالأحزاب وبالنواب-(ولا نقصد المساواة بين الجميع، أحزاباً ونواباً فرادى، في هذا النقد).

مقاطعة الانتخابات
وُجدت الأحزاب، كطليعة سياسية وفكرية منظمة وقائدة، لخدمة الجمهور لا ليخدمها الجمهور. والجمهور على استعداد دائم لدعمها ما دامت تخدم أجندته وتطلعاته الحياتية العامة والمطلبية. أما أن تخدم الأحزاب أجندة صراعاتها القبلية في ما بينها وداخل كل منها على حدة وأن تكون عامل تفسيخ للحركة الوطنية لا رافعة لإعادة بنائها ولتوحيدها... فلا تلومنّ عندها الأحزاب إلا نفسها إذا ما انفضت الجماهير عنها وقاطعت الانتخابات. إذ أن الجمهور لا يرى بالبرلمان ودخوله أداة لدر الأموال والتمويل لاستمرار حياة تلك الاحزاب وجهاز موظفيها وصحافتها، ولا منصة لملء واشباع ذاتية نجومية هذا الفاشل أو ذاك وضمان رغد حياته الشخصية.
كل ما ورد أعلاه يؤثر على جاهزية الناس للتصويت، وأكثر بكثير مما تؤثر عليهم دعوات المقاطعة المبدئية. والأحزاب مثلها مثل الفلاح، تحصد ما زرعت. لذلك أشتمّ وأخشى أن تزداد نسبة المقاطعين العرب للانتخابات البرلمانية القادمة بتاريخ 22.1.2013. أما أنا شخصيا فسأدلي بصوتي وسأستمر بدعوة الناخبين للاقتراع. لكن حديث المقاطعة اقتحم حتى العديد ممن لم يقاطعوا الانتخابات في السابق ونشطوا فيها. وسيقاطعون الانتخابات القادمة ليس لأسباب مبدئية، بل غضباً منهم على أحزابهم وبعض نوابهم ونهج عملهم وتعاملهم.
فهل تتحرك الأحزاب الوطنية الفاعلة بين الجماهير العربية قبل فوات الأوان، أم أن الأوان قد فات؟! لقد آن الأوان ومنذ أوان لأن تقرأ أحزابنا التبدلات الحاصلة بين الجماهير الفلسطينية في إسرائيل، وتستمع لنبض الشارع وتجري التغيير المنشود- منهجاً وممارسةً. وذلك حتى لا تجني براقش على نفسها وعلينا... وحتى ننجح حقاً في مقاطعة المقاطعة للانتخابات.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة