الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 19:02

العربية ودورها في بناء المجتمع المعرفي العربي/بقلم : برفيسور محمد أمارة

كل العرب
نُشر: 09/11/12 10:38,  حُتلن: 07:36

محمد أمارة في مقالته:

قوة اللغة من قوة الأمة ووهنُها من وهنِها

اللغات الأجنبية تزاحم العربية في بعض المجالات

العالم العربي يمر بمرحلة مخاض سياسي-اجتماعي في ظل "الربيع العربي"

لا يمكن بناء مجتمع معرفي عربي أصيل أو القيام بتنمية بشرية جدية دون دور محوري للغة العربية

اللغة تخدم أيضا للتعبير عن المشاعر والاتجاهات والقيم لقول الأكاذيب وللمراوغات للشتم والإهانة للمديح والتوبيخ

كباحث في علوم اللسانيات الاجتماعية، قمت بالكثير من الدراسات التي تمحورت حول اللغة العربية: سياسات لغوية، تربية لغوية، التنوع والتغيير اللغوييْن، الاستعارة، والمشهد اللغوي، والعبرنة وإسقاطاتها، وموضوعات أخرى متداخلة. في ظل التحديات الجسام التي يواجهها العرب واللغة العربية في الوطن العربي وخارجه، رأيتُ حاجة ماسة لإلقاء الضوء على اللغة العربية من جوانب مختلفة وتفكيك مركباتها، من جهة، وتوضيح أهميتها في التمنية البشرية والشمولية العربية، من جهة أخرى. الهدف طرح القضية ليس فقط في المنصات الأكاديمية، وإنما مشاركة المثقف العربي بها، خاصة وأن العالم العربي يمر بمرحلة مخاض سياسي-اجتماعي في ظل "الربيع العربي". فللانتفاضات والثورات العربية انعكاسات على الأمدين القريب والبعيد محليا ودوليا.

دور اللغة في حياتنا
إن قضية اللغة العربية تمسنا جميعا. وأدعي في هذه السلسلة، أنه لا يمكن بناء مجتمع معرفي عربي أصيل أو القيام بتنمية بشرية جدية دون أن تلعب اللغة العربية دورا محوريا في جميع مناحي حياتنا ومجالاتها. في هذه السلسلة التي عنونتها اللغة العربية ودورها في بناء المجتمع المعرفي العربي: تحديات القرن 21، سأقوم بطرح العديد من القضايا ذات صلة باللغة العربية، وسأعكف على تفكيكها بقدر ما تسمحه مثل هذه المنصات من النشر (أقصد الحجم). أما الموضوعات التي سأطرحها في هذه السلسلة فستكون: العربية وتحدياتها الداخلية والخارجية، العربية وتحديات التكنولوجيا، هيمنة اللغات الأجنبية وإسقاطاتها على العربية والعرب، العربية وبناء المجتمع المعرفي العربي الأصيل. وسأنهي هذه السلسلة بطرح رؤيا خاصة وآليات واستراتجيات لتغيير الوضع القائم. بداية في هذه الحلقة، سأعطي مدخلا حول دور اللغة في حياتنا.

التعبير عن المشاعر
تضطلع اللغة بوظائف عديدة في حياتنا اليومية. ويصف الباحث الألماني هارمان الوظائف المتنوعة للغة بقوله: "بالإضافة إلى إنشاء شبكة للمعرفة حول العالم، فإنّ اللغة تخدم أيضا للتعبير عن المشاعر والاتجاهات والقيم، لقول الأكاذيب وللمراوغات، للشتم والإهانة، للمديح والتوبيخ. اللغة هي وسيلة تعمل أشياء للناس وتسبب ردود فعل إيجابية وسلبية. تمكّن اللغة الشخص بأن يجرب الفرح مثلاً سماع اعتراف بالحب أو إراحة باله أو بالها، مثلاً من خلال كلمات التعزية أو الصلاة. ويمكن أن تكون للكلمات تأثير مدمّر مثلاً عندما تكشف صحيفة عن إشاعة حول فضيحة مزعومة أو يمكن للكلمات أن تؤثر على وجود مجتمعات بكاملها كما هو الحال في الإعلان عن الحرب. إن اللغة وسيلة لنوايا الإنسان ويمكن أن تكون نوايا مستعمليها إيجابية ينتج عنها انسجاما في التفاعل أو سلبية ينتج عنها إنشاء التحيز والآراء الثقافية المسبقة". وعليه فإنّ للغة علاقة بجميع مناحي حياتنا، وفي مقدمتها التعبير عمّا يختلج في صدورنا. وفي الوقت ذاته، تمتاز هذه العلاقة بالتعقيد، والتركيب، والتنوع، والتشعب.

ذاكرة جمعية وحقول دلالية
اللغة ليست مجرد وسيلة اتصال وتواصل فحسب، وإنما هي منظومة من الإشارات والدلالات أيضا حيث تعدّ اللغة من أهم أدوات التنشئة الاجتماعية للفرد والمجموعة، ومن أهم مكوِّنات الهُوّية الفردية والجماعية، فهي ترسم الحدود الذهنية والثقافية والقومية بين الناطقين بها كلغة أم، وبين "الآخر". واللغة تمثل ذاكرة الأمة، وهي الوعاء الحاضن لمفاهيمها وقيمها. وللغة موقع ومكان في الحيّز العام، فكلما كانت مكانتها فيه عالية وبارزة، كلما كانت قيمتها الرمزية وحيويتها من حيث التعامل معها واستخدامها يكون أكبر. ومن أهم وظائف اللغة هي بناء شبكة المعرفة، إذ تلعب اللغة دورا مركزيا في تراص بناء معرفي تراكمي وجوهري. ولكي تكون اللغة قادرة على لعب مثل هذا الدور، يجب أن تكون مؤهلة بنيويا ووظائفيا لذلك، كما سنفسر ذلك في الحلقات القادمة.
اللغة مرآة عاكسة لنا ولما يدور حولنا، وترجمة لما يدور في الذهن من أفكار. وتساعدنا للغة على تحويل وإخراج الأفكار إلى حيز الوجود والتداول. وتلعب اللغة دورا أساسيا في نمو المجتمع وحراكه. فالحراك الاجتماعي في مجتمع ديناميكي، بحاجة للغة ديناميكية تواكب تطوّره وتشكّله.
 

اللغات الأجنبية تزاحم العربية
في عصرنا الراهن، في ظل العولمة، ثمة مكانة خاصة للكلمة والصورة، وتساهم في ذلك اللغة كآلية للتواصل بين المجتمعات والتعرف على الغير. وللحقيقة فإنّ اللغة ليست منسلخة عن الواقع، بل تتفاعل معه وتساعد على تشكيله. فهي التي تحمل العادات والتقاليد، والمعتقدات والقيم الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية. لذا نرى أنّ اللغة تتأثر وتؤثر في السياقات الداخلية والخارجية.
إذا للغة دور محوري في مجمل مناشط حياتنا. فلكي تقوم اللغة العربية بدورها، عليها أن تكون جاهزة من الناحية البنيوية (مفردات، مصطلحات، كتابة وإلخ)، وكذلك أن تستخدَم في المجالات المختلفة، بما فيها التعليم العالي والبحث والنشر العلمي. نعرف أنّ اللغات الأجنبية تزاحم العربية في بعض المجالات. والأسئلة المطروحة في هذا السياق، والتي سنحاول الإجابة عليها في الحلقات القادمة هي:
• كيف نجعل من اللغة العربية لغة الحياة على مجالاتها كافة، لغة قادرة على القيام بكل الوظائف المرجوّة، مثل التواصل والتعليم وتدريس العلوم وتحقيق النهوض والحداثة؟ ما هي الأدوات والوسائل المطلوبة لذلك؟ وهل تُتيح الظروف في عالمنا العربي مثل هذا التغيير؟
• كيف نجعل من اللغات الأجنبية، في عصر العولمة، لغات لغايات محددة وواضحة، وجعل اللغة العربية هي لغة العربي وحيّزه؟
• كيف لنا أن نجعل العربية لغة حاضرة في عالم ثورة المعلومات، لها حضور في العلوم المختلفة والفضائيات والحاسوب، لبناء قاعدة معلوماتية بالعربية؟ ما هي الاستراتيجيات والآليات المطلوبة لذلك؟
• هل العالم العربي قادر على تطوير تجاربه المشتركة في الأقطار العربية المختلفة التي عُنيت بتطوير اللغة العربية؟ هل هو قادر على تجميع الطاقات وإقامة أطر التعاون والتنسيق؟
• هل بالإمكان بناء مشروع عربي قومي مشترك بمقدوره التصدي لنزعات إحلال العاميّات محل العربية الفصيحة؟
• هل بالإمكان، بالإضافة للعامل الديني، دفع العربية قدما بدوافع قومية ونفعية وجعلها لغة الحياة اليومية؟
• هل يمكن المصالحة بين اللهجات - اللغة العاميّة - مع اللغة الفصحى من أجل التصدي للتحديات الخارجيّة؟
• ما هي الوسائل والموارد التي نحتاجها لكي نعزز اللغة العربية؟ وكيف يمكن تجنيد المؤسسات للقيام بدور أكبر فعالية؟

البروفيسور محمد أمارة: محاضر في الكلية الأكاديمية بيت بيرل وباحث في "دراسات" – المركز العربي للحقوق والسياسات

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة