الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 10:01

شوف تقلك وجميعة المنارة/ بقلم: محمد بيطار

كل العرب
نُشر: 22/10/12 12:21,  حُتلن: 12:26

محمد بيطار كاتب ومؤلف سلسلة نجاحات عزائم عربية في مقاله:

كل صاحب إعاقة إنسان عنده مشاعر وقدرات ولا يقبل ال "يا حرام" أو "المسكين" أو غيرها

الأمسية استوقفتني وقالت لي "لا يكفي" وأوضحت لي الكثير من الأمور وأهمها معنى وحجم الألم الذي يعيشه أصحاب الإعاقة وذووهم

أريد أن أقول شكرًا لكل من أوضح لي الرؤية وجعلني أسمع بوضوح نداء وصوت هذه الفئة من المجتمع، أقول لكم رسالتكم وصلت وشكرًا لأنكم أوقفتمونا "عشان تخلونا نشوف

حين يناديك أحدهم "شوف تقلك" تتوقع حديثًا فيه نوع من التنظير أو التعالي، أو التباهي بأحسن الأحوال، أو نوع من التهديد والوعيد بأسوأ الأحوال، لكن كما علمتنا الحياة لكل قاعدة شواذ، هذه المرة "شوف تقلك" من نوع آخر مختلف. قبل أسابيع دعتني جميعة المنارة لدعم أصحاب الإعاقات في المجتمع العربي، لحضور عرض فني اجتماعي بعنوان "شوف تقلك". شعرت أن العرض سيكون متواضعًا والسبب سقف توقعات منخفض، وذلك بشكل تلقائي وضمني وبدون تفكير استثنائي، فسقف التوقعات لعروض من هذه النوعية بحالة انحدار مستمر، حتى لمن هم ليسوا من أصحاب الإعاقات، فكم بالحال حين تعرف أن هنالك فقرات من العرض أبطالها من ذوي الاحتياجات الخاصة! لم أكن الوحيد الذي خفّض سقف توقعاته، فهذا حال الفكر الجماعي والأفكار المسبقة.

المختلف والآخر
قبول أصحاب الإعاقات ليس مفهومًا ضمنًا، بسبب الأفكار المسبقة وبسبب قلة الوعي الجماعي لحجم معاناة هذه الفئة من المجتمع. من باب محاولات التغيير والتوعية ابتدعت مقولة (قبل سنوات) "قمة الثقافة أن تقبل الآخر كما هو." (بدون بسبسات). وبدون أي تنظير أو استثناء، حين أقول آخر، أقصد المختلف، فقد يكون الاختلاف جندريًّا، أو حزبيًّا أو طائفيًّا أو فكريًّا أو عقائديًّا، أو صاحب إعاقة أو أي اختلاف آخر.

يا حرام
تخلل العرض عدة محطات "شوف تقلك"، المحطة الأولى كانت إنجازية، مع كلمة مدير جمعية المنارة المحامي عبّاس عباس، بكلمته المؤثرة التي استطاع من خلالها الحصول على تضامن الحضور مع أقواله، حول رغبة أصحاب الإعاقات بقبولهم كما هم، وحول إنجازاتهم، وأن أحدًا لن يقف مانعًا أمام تقدمهم، وأن كل صاحب إعاقة إنسان عنده مشاعر وقدرات، ولا يقبل ال "يا حرام" أو "المسكين" أو غيرها. للتوضيح ذكر عباس أنه حقق حلمه بحصوله على شهادة المحاماة، رغم إعاقته البصرية وبعكس كل التوقعات.

المقطوعات الموسيقية
المحطة الثانية "شوف تقلك" كانت موسيقية بعزف خاص على العود، جاءت من الطفل محمد حسن مبتور اليدين، الذي أبهر الحضور بعزفه على العود مستعملاً قدميه، وبذلك لم يسمح لإعاقته حرمانه حقه بالعزف، فألهب الجمهور حين عزف بعض المقطوعات الموسيقية الرائعة.
المحطة الثالثة من "شوف تقلك" كانت رياضية، جاءت من البطل الأولومبي الشاب إياد شلبي من مدينة شفاعمر، الذي شارك بالبارا اولومبياد لندن 2012 وحصد المركز الرابع. أجزاء من الثانية فصلت بينه وبين ميدالية أولومبية أولى لعربي بالعالم، في مجال السباحة لأصحاب الإعاقات.

باكورة أعمال
المحطة الرابعة "شوف تقلك"، كانت شعرية أدبية، لابنة قرية عرب الشبلي، الشابة لبنى شبلي بإصدارها باكورة أعمالها الشعرية، بعنوان كائن حي آخر، وقد اقشعر بدني وبدن الكثير من الحضور حين استمعنا إلى إحدى قصائدها بعنوان جدار، بصوت الإعلامية ربى ورور، حيث وصفت لبنى مشاعرها بحرمانها من الأمومة ومن أمور أخرى، تعتبر حقًّا طبيعيًّا لكل فتاة بمثل عمرها. المحطة الخامسة "شوف تقلك" كوميدية، كانت لمجموعة من أصحاب الإعاقات، التي قدمت مسرحية هزلية، تسلط الضوء على معاناة أصحاب الإعاقة من تعامل المجتمع بنظرات فوقية أو تهميش أو تجريح أو حتى إلغاء.

معاناة أصحاب الإعاقات
أعتبر نفسي ممن يفهمون ويعون حجم معاناة أصحاب الإعاقات، لا أقف عند التفهم، بل أتضامن معهم بشكل كلي وفعّال، لكن هذه الأمسية استوقفتني وقالت لي "لا يكفي" وأوضحت لي الكثير من الأمور، وأهمها معنى وحجم الألم الذي يعيشه أصحاب الإعاقة وذووهم. أوضحت لي أن الإقصاء والأفكار المسبقة تحول بينهم وبين قبولهم التام في المجتمع، وهذا شيء مؤلم جدًّا. كما أن هذه الأمسية أظهرت لي طاقات جبّارة رائعة تستحق كل التقدير والاحترام، فرغم إعاقتهم، يعزف محمد العود وينافس إياد على مركز رياضي عالمي، وتكتب لبنى وتعصف بمشاعر المستمعين، ويمثل العديد منهم ساخرين من قدرهم وممن هم ليسوا من أصحاب الإعاقات...

أنت تستحق أكبر قدر من الاحترام
من المتعارف عليه، حين يصفق الجمهور فهو يتضامن ويقول شكرًا، لكنه حين يقف على قدميه فهو يقول "أنت تستحق أكبر قدر من الاحترام". كنت أجلس بالمقعد الأمامي، وأذكر أنني بعد كل محطة من "شوف تقلك"، كنت أقف احترامًا وإجلالاً لهؤلاء الشباب، لم أكن الوحيد الذي وقف وقفة احترام وإكبار لهم. في نهاية الأمر، أريد أن أقول شكرًا لكل من أوضح لي الرؤية، وجعلني أسمع بوضوح نداء وصوت هذه الفئة من المجتمع، أقول لكم رسالتكم وصلت، وشكرًا لأنكم أوقفتمونا "عشان تخلونا نشوف وعشان تقولوا لنا"، هذه المرة ال"شوف تقلك" كانت أروع وأجمل "شوف تقلك" سمعتها في حياتي، شعب فيه طاقات مثلكم، شعب يستحق الحياة، وأفخر أن أكون من هذا الشعب ومنكم.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة