الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 15:02

كلام في الحب والسياسة!/ بقلم: إبراهيم خطيب- باحث سياسي - مركز الدراسات المعاصرة

كل العرب
نُشر: 16/10/12 11:36,  حُتلن: 07:40

إبراهيم خطيب في مقاله:

كان للفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم إضافة للرسوم الكاريكاتيرية الأثر الكبير على قلوب المسلمين وثارت لأجل ذلك ثائرة الكثير من الناس

مشاعر الحب هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن لا تكون مشاعر غير موجهة بل يجب توظيفها وتوجيهها كما يجب علينا التنبه إلى ثوابت هذه الأمة والتشديد على أولوياتها

ما حدث من بث الفيلم بحجة حرية التعبير وما تم من رفض لبثه بحجة عدم المس بالأديان والمقدسات يدل أن القيم الغربية - على الأقل الرسمية- للحريات مختلفة عن القيم الشرقية بشكل عام والقيم الإسلامية بشكل خاص

يبدو أن المشاعر الإنسانية ومشاعر الحب الفياضة، هي مشاعر لا إرادية والسيطرة عليها صعبة، هذا الحب اقصد به الحب لرسول الله صلى عليه وسلم والذب عنه، كما يمكن رؤية هذه المشاعر في الرد على الفيلم المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد كان للفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم إضافة للرسوم الكاريكاتيرية الأثر الكبير على قلوب المسلمين وثارت لأجل ذلك ثائرة الكثير من الناس وكانت الردود الصحيحة المباركة ، والخاطئة المدانة، ومع التشديد على موقفنا المدين لهذا النوع الرخيص من التحريض الممزوج بالكراهية إلا أن الفيلم وردود الفعل حوله يجب أن يقف عندها المحللون والباحثون لاستلهام العبر منها.

ثوابت الدين
سأحاول هنا تحليل ما حدث وفق إطار سياسي يسعى لمحاولة قراءة أثر هذا الحب ومعانيه وتبعاته.
في قراءة لما حدث وردود الفعل حول الفيلم المسيء يمكن استنتاج النقاط التالية:
1- الحب للدين: مع الاختلاف بين المسلمين في نسبة تدينهم وفي مدى التزامهم بالواجبات الدينية، إلّا أن ما أظهره هذا الفيلم وجود خطوط حمراء عند مجمل الناس وعند أبناء الأمة يمنع تجاوزها، تتمثل هذه الخطوط بثوابت عقدية دينية إضافة لأخرى سياسية، وكان من هذه الثوابت الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، المس به من خلال من أراد به سوءاً والنيل منه مع سبق الإصرار.
طبعاً لا يخفى علينا انه في بعض الأحيان نمس في ثوابت ديننا ولكن هذا المس لا يكون موضع رد فعل كبير لكونه يصدر في سياق داخلي غير مشبع بالتحريض والكراهية، ولا يصدر عن من نرى انه بشكل أو بآخر يعادينا لمجرد انتمائنا السياسي أو الديني (مع هذا فهو مس مدان ويجب علينا أن نقف ضده داخل مجتمعنا).

الحقل الدعوي الإسلامي
لكن بالأحداث الأخيرة يتضح حب الأمة لدينها وعقيدتها فالملتزم وغير الملتزم ثارت ثائرته لما حدث، وهذا إن دل فأنما يدل على حب الأمة المتأصل للدين والسعي للذود عنه بالغالي والنفيس. هذا الذب عن الدين واضح في السياق الإسلامي ولكنه غير واضح في السياق الغربي فهل المس بالدين المسيحي ورموزه كان سيؤثر في الشعوب الغربية، أشك في ذلك ويدعم ذلك الحقائق من الإساءات التي كانت للمسيح عليه السلام والتي لم يرد عليها بالشارع الغربي كما حدث مع الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وبالمناسبة رفض المسلمون الإساءات لعيسى عليه السلام وتظاهروا ضدها).
وهذه إشارة إلى العاملين في الحقل الدعوي الإسلامي لاستثمار مشاعر الناس المحبة للدين في تقريبهم من تعاليم الدين وفرائضه والالتزام به.

الكرامة العربية والإسلامية
2- الكرامة: يبدو أن الكرامة العربية والإسلامية هي بحد ذاتها قيمة يتمتع بها المسلم والعربي وهي ما تثيره وتستفزه. فالفيلم المسيء كان نوعا من المس بالكرامة الجمعية للأمة والشخصية للأفراد فقد كانت الإساءة لحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام بمثابة مس لكرامة الشخص الخاصة، هذه الكرامة التي يمثل امتهانها إنطلاقة لثورة على من قام بمسها، ويبدو أن هذه الكرامة والذب عنها غذّاها الإسلام إضافة للموروث الحضاري للأمة الذي لا يقبل امتهان الكرامة.
صحيح أن كرامتنا كأمة ممتهنة في كثير من الأمور ولكن يبدو أن سلم الأولويات ليس كما نتوقعه، كما وأن قدرة الرد على امتهان الكرامة مختلفة إضافة لكون استحلال واستمراء مس الكرامة له أثره، أي بمعنى آخر نستطيع أن نقول أن ما يحدث في سوريا هو امتهان لكرامة الفرد والأمة إلا أن المس بالثوابت الدينية يسبقه في سلم الأولويات كما يظهر، إضافة لعدم استمراء الاستهانة بالدين والرضا بها لعدم الاعتياد على ذلك ناهيك أن قدرة الرد كانت موجودة وإن كانت محدودة بالتظاهر، وهذه الأمور لم تكن موجودة بشكل قوي في وعي أبناء الأمة بالشأن السوري مع أهميته.

موضوع الحريات
3- حرية التعبير: يبدو أن حرية التعبير التي كانت حجة منتجي الفيلم المسيء هي موضوع جدلي شائك، ويجب أن تكون موضع مراجعة وكذلك مجمل موضوع الحريات، فما حدث من بث الفيلم بحجة حرية التعبير وما تم من رفض لبثه بحجة عدم المس بالأديان والمقدسات يدل أن القيم الغربية - على الأقل الرسمية- للحريات مختلفة عن القيم الشرقية بشكل عام والقيم الإسلامية بشكل خاص، وهنا تكمن الحاجة لتوضيح أن القيم الأخلاقية ليست مشتركة وليست عالمية كلها وإنما يضبطها السياق الداخلي وموروث المجتمع الديني والأخلاقي.
فليس كل ما يصح في الغرب يجب أن يكون صحيحاً في مجتمعنا وهذا يقودني للتأكيد على أن الديمقراطية بمفهومها العملي العام ومع قبولها إلا انه لا يجب أن تكون نفس الديمقراطية في الشرق والغرب، فالديمقراطية هي احترام رأي الأغلبية وليس فرض المعايير والقيم الغربية بحجة أنها هي المعايير المثالية، فالمعايير المثالية للمجتمع يحددها المجتمع نفسه ولا يحددها وصي عليه من الخارج، إلّا أن هذا لا يمنع وجود العديد من القيم الأساسية التي نتفق عليها عالمياُ وأن هناك في الديمقراطيات الغربية معايير وقوانين نقبلها كمجتمع مسلم ولا ضير في ذلك.

 بث الفيلم
4- الحركات العلمانية والإسلامية في العالم العربي: أظن أن بث الفيلم كان بمثابة اختبار وإشارة لأكثر من جهة، فهو اختبار للحركات العلمانية التي يجب أن تموضع نفسها إما في خانة حرية التعبير وأن تقف مع بث الفيلم أو أن تقف ضده بحجة عدم المس بالمقدس وهنا يقع التناقض في قيم هذه الحركات. ويكمن التساؤل هل حرية التعبير هي أمر غير قابل للتصرّف والتنازل أم أنها أمر قابل للتفاوض فإذا كانت الإجابة هي الأولى فهذا يضع الحركات العلمانية في موضع حرج مع شعوبنا العربية والإسلامية وأظن أن الحركات العلمانية لن تجرؤ على القول بهذه الإجابة وأما إذا كانت الإجابة هي أن الأمر قابل للتفاوض فإذاً الإسلاميون والعلمانيون متفقون أن حرية التعبير غير مطلقة ولا يحق للعلمانيين التبجح بأن الإسلاميين ضد حرية التعبير.
وهذا يقودنا لسؤال آخر ما هي الحدود العملية والواضحة لحرية التعبير ومن يقرر هذه الحدود والمعايير؟ هل الشعوب أم الأفراد أم الغرب أم الدين أم المجتمع أم الأهواء الشخصية أم المصالح.. وهنا أترك الإجابة للأحزاب والأمة لتجيب على ذلك.

نهضة الأمة والحفاظ على هويتها
بنفس الوقت إن ما حدث من أحداث عقب عرض الفيلم المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أثبت أن الأمة كما ذكرنا متشبثة ومحافظة على ثوابتها ودينها وهويتها وإن كان بالحد الأدنى وهنا يجب الإشارة أن الحركات الإسلامية يجب أن تسعى لتوظيف ذلك في سياق نهضة الأمة والحفاظ على هويتها واستقلالية هذه الأمة وعدم الخوف من الصدح بهوية الأمة الإسلامية والعمل وفق ذلك فهي تمثل الأمة وهي التي تقودها، مع الحفاظ على هامش التوافق مع شرائح المجتمع المختلفة.
وفي النهاية يجب التشديد على أن مشاعر الحب هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن لا تكون مشاعر غير موجهة بل يجب توظيفها وتوجيهها، كما يجب علينا التنبه إلى ثوابت هذه الأمة والتشديد على أولوياتها وترتيب هذه الأولويات وقبل هذا يجب علينا دراسة هذه الأولويات وهنا يكمن دور مراكز الأبحاث فيمكن لمراكز الدراسات والحركات السياسية معرفة ما يحرّك الأمة ويستنهضها وما هي الثوابت التي لن تتنازل عنها، ويبنى على ذلك سياسات. بنفس الوقت يجب التشديد على أن القيم الغربية ابداً لا يمكن أن تستنسخ في بلادنا العربية والإسلامية فهويتنا وقيمنا مختلفة، وإن كان هناك بعض القيم العالمية المشتركة المحمودة التي يجب الحفاظ عليها لحفظ السلم العالمي بين الأمم وتجنب الصدام مع الأمم الأخرى قدر الإمكان.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة