الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 18:02

طلاق الوالدين يسبب مشاكل وأزمات نفسية لدى الأطفال

أماني حصادية -
نُشر: 11/10/12 11:11,  حُتلن: 13:58

الأطفال لا يدركون إلا أنهم براعم أنْجَبَتْهُم آباؤُهُم وأمَّهاتُهم لم يختاروهُم كما لم يختاروا أصْلابَهُم ولا تَرائِبَهُم ولا الأرحامَ التي تَحْمِلهم

عقول الصغار لا تدرك تحوَّلُ هذا الطلاق إلى حالةٍ مرضية من العداء الإنساني والرغبة الملحة في الإنتقام من الآخر الذي يتصوَّرُه قد حرمه من سعادتِه واستقراره

إذا كان الطلاق بالنسبة للزوجين في حالات كثيرة حلا أمثل يخلصُهما من معاناتهما اليومية، ويحرِّرُهما من حياتِهِما الكئيبة المشحونة بحِمَم الغضب، وطوفانٍ من الثورة الجامحة، والانفعالات الصَّارخة، والهموم الجاثمة على الصدر فإن الطلاق بالنسبة لأطفالهم الصِّغار ليسَ إلا انفجارًا للظُّلمة عن صبحٍ كسيف، وريحًا عاصفةً فرَّقت جمْعَهُم بعد الْتِئام، وشتَّتَت صفحات تاريخهم المشرق الحافل بيومياتٍ تَرْفُلُ بأَوْبار العزِّ والترَّف، وكأنَّ الأرض انشقَّت فابتلعت أفراحَهُم وهَزْلهُم، ولفَظَتْهُم ونَبَذَتْهُم، ليتضوَّروا في أيامهم القابِلة أحزانًا لا تشبهها أحزان، وفي بعض نواحيها الأخرى محنًا لا تشبهها محن، إذا ما قيست بعواطفهم البريئة، وأحاسيسهم النَّاعمة، وعقولهم الفتيَّة، وتجاربهم البسيطة فأعينهُم لم تتفتَّح بعد على الحياة الزوجية في سِعَتِها ورحابتها، وما تضمره من أسرارِها، وما يكدِّر صفوها من همومٍ ومشاكلَ تستدعي الطلاق.


صورة توضيحية - تصوير: Thinkstock

الصغار لا يفكرون بعقول الكبار ممن أدركوا بعلمهم وبصيرتهم، أن الحياة لا تستقيم لأزواج حِزَان، نحيبُهُم لا يبخل على أيامِهِم بالدُّموع، فيبحثون عما هو أروع وأخف على الروح والجسم، وعن بعثٍ جديدٍ يكسو أيامَهُم بكساءٍ من نور الشمس، يضيء الوجوهَ بالبَسَمات فتشرقُ حُسْناً وبهاء،ً ولا يشعرون فيما يشعر به الكبار بعواطِفِهِم المَكْدودة، وأجسامِهِم التي نَمَت وشبَّ فيها الإتِّزان والإستقرار، فقلَّ فيها الهَزْلُ وحلَّ محلَّه الجِدُّ والحزم، فصارت اهْتِماماتُهُم عظيمة، وقضاياهُم جسيمة، ومسؤوليَّاتُهم مختلفة، ووظائِفُهم متعددة تحتمِّ عليهم أن يظفروا بلحظاتِ السعادة، وأن يتزوَّدوا خلال رحلةِ كِفاحِهِم وجِهادِهِم بقبَسٍ من نورٍ يتوهَّج، وبطاقَةٍ فواَّرة تجيشُ بها حياتُهُم الزوجية.

حضن مشترك
إنهم لا يدركون إلا أنهم براعم أنْجَبَتْهُم آباؤُهُم وأمَّهاتُهم، لم يختاروهُم كما لم يختاروا أصْلابَهُم ولا تَرائِبَهُم، ولا الأرحامَ التي تَحْمِلهم، ولا الدِّماء التي تتدَفَّق في شرايينِهِم وأعصابِهِم، ولا تصرُّفاتهِم، ولا حياتَهم، وبيئتهم، وواقعهم، فمِن حقِّهم الطبيعي أن يعيشوا حياة طبيعية لا تستدعي فيما تستدعيهِ حالاتُ الطلاق من الإنفصال عن آبائهم أو أمهاتهم، وعن مرافقتهم والاستئناس بصُحْبَتِهم وحديثِهم ومشاركتهِم في أحلامِهم وآمالِهم كما في اختياراتِهم واتِّخاذ قراراتِهم، وفي لحظاتِ الفرح والحزن، وساعاتِ الغضب والهدوء، وكل أطوار حياتهم بفصولها المختلفة، فهم ما زالوا في ملاطفة أحلام الصغار، يحملون بعواطفهم شغفاً لحضنٍ مشترك يحتويهم، هو قلب الأم الدافئ وقلب الأب الحاني.

عداء إنساني
عقول الصغار لا تدرك تحوَّلُ هذا الطلاق إلى حالةٍ مرضية من العداء الإنساني والرغبة الملحة في الإنتقام من الآخر، الذي يتصوَّرُه قد حرمه من سعادتِه واستقراره وأسرته وبيته وممتلكاته المادية والمعنوية، وحينما يتحوَّل هذا الطلاق إلى استغلال الآباء أو الأمهات للحضانة كورقةٍ قانونيَّةٍ وشرعيَّةٍ لإستعادة حقوقِهم والثَّأرِ لأنفُسِهِم على حساب الصِّحَّةِ النَّفسية لأبنائِهم، فيبدأ كلاهما يخترع لنفسه أسباباً ومبرِّرات تدعوه لينتقم من الآخر في أبنائه، أو استغلالهِم واسْتِمالتِهِم وكسْبِ وُدِّهِم ومحبَّتِهِم، حتى يرضوا عنهم أتَمَّ الرِّضا، ويَكِيلوا لهم المَديح كَيْلا، ويُهِيلوا عليهم الثَّناء هيلا، على حساب علاقتهم بالطرف الثاني.

الصحة النفسية
ماذا يقترف الآباء والأمهات ؟ إنهم ينتقمون من أنفسهم وفلذاتِ أكبادهم، ويلحقون الضَّرَر بصِحَّتِهم وصحَّةِ أبنائهم النفسية، ويسيؤون إليهم ولمستقبلهم ولذاكرتهم ولتاريخهم، فيعلمونهم كيف يعيشون أبْغَضَ العيش، وأبْشَع حياة، تخطف منهم النَّوائبُ والخُطوب أفراحَهُم ومسَرَّاتِهم، حتى لا يتبقَّى لهم إلا أن ينطلقوا ساهِين، لاهِين، عابثِين، ساخِطين على أنفسهم وغيرهم، يتقمَّصون أدوار البطولة كما تعلموها داخل مؤسَّسة الأسرة، حيث الأحداثُ لا تنام، وإنْ ناموا ملء جفونِهِم يُنْتِجون للدنيا قصَّةً مكرَّرة، ومأساةً جديدة، هي ضياعُ الأخلاقِ والضَّمائر، وضياعُ القيم الإنسانية، وكأنهَّم يعلنون بصوتِ الطفل الصَّارخِ بداخلِهِم "إنَّنا نسخةٌ مكرَّرةٌ منكم أمِّي وأبي، فقد حفظنا دروسكم كما تلقَّيناها عنكم وعن أياَّمكم التعَّيسة، وحياتكم المشحونة بالغضب، والآن نصفِّقُ لكم بحرارة ونعترف أمامكم أنكم قد نجحتم في أن تجعَلونا ضحايا ومسخاً إنسانيًّا، حين طمَسْتُم معالمَ شخصيتنا صغاراً".

موقع العرب يتيح لكم الفرصة بنشر صور أولادكم.. ما عليكم سوى ارسال صور بجودة عالية وحجم كبير مع تفاصيل الطفل ورقم هاتف الأهل للتأكد من صحة الأمور وارسال المواد على الميل التالي: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة