الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 16:02

من يوقف لصوص القسائم؟/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 10/09/12 09:33,  حُتلن: 11:20

وديع عواودة في مقاله:

بلدة البير المكسور لم يشفع لها خدمة كثر من أبنائها في الجيش الإسرائيلي وكانت المحطة الأخيرة في مسلسل تراجيدي

أهالي بير المكسور التفوا حول ابن قريتهم حسين غدير وحاولوا منع هدم منزله قبل أن تنهشها جرافات الكراهية المغلفة بالقانون

إسرائيل تبني لليهود وتهدم للعرب وأنها لم تسمح ببناء قرية عربية واحدة منذ 1948 بل هي بدأت مشوارها بهدم الآخر، الساكن الأصلي

لن تنفرج أزمة السكن ونبقى عالقين في دوامة البناء غير المرخص وداخل علب السردين طالما لم تستثمر طاقات النضال الشعبي والعمل الميداني والجماعي ضد التمييز الرسمي والفساد المؤسساتي

غداة عودة الراحل ياسر عرفات للوطن التقيناه في غزة وكان برفقتنا شخص من قرية البير المكسور. في إطار الترحيب والتعريف على الزائرين احتج أبو عمار بلكنته المصرية " الله إيه دا البير المكسور.. من النهار دا حيبقى البير المعمور". حاول بعضهم بسذاجته تصحيح أبو عمار بالقول هو بير " مقصور" من قصارة لا مكسور!. ابتسم أبو عمار وقال : لا ما ينفعش.. هو البير المعمور. حتى تكون الآبار عامرة في البير المكسور وشقيقاتها وتحفظ من الكسر والهدم لا مفر من العمل والمبادرة والعمل الجماعي.

جرافات الكراهية
الأسبوع التف أهالي بير المكسور حول ابن قريتهم حسين غدير وحاولوا منع هدم منزله قبل أن تنهشها جرافات الكراهية المغلفة بالقانون. بلدة البير المكسور لم يشفع لها خدمة كثر من أبنائها في الجيش الإسرائيلي وكانت المحطة الأخيرة في مسلسل تراجيدي . وفق معطيات جمعية التخطيط البديل هناك 45 ألف منزل عربي بلا ترخيص. يوما عن يوم تتحول المدن والقرى العربية لمدن صفيح أو معلبات سردين بشرية فيما تبقى المسطحات والخرائط الهيكلية متقادمة ولا تلبي حاجات الأهالي. ويقف عدد كبير من المواطنين العرب حيارى أمام محنة قاسية أين وكيف يحلون أزمة السكن فهم ليسوا بعيدين عن مثل الكعكة: " صحيح لا تقسم ومقسوم لا تأكل وكل حتى تشبع"! المسطحات والخرائط الهيكلية المتجمدة لا تتيح البناء داخل المجمعات السكنية العربية وتعرض " المخالفين" للهدم إما بأيديهم وإما بواسطة جرافات الداخلية وعلى نفقتهم! أما أولئك الفارين للمدن المختلطة فسرعان ما يتهمون بالسعي لتغيير الهوية اليهودية للمدينة ويكابدون مختلف صنوف التمييز.

السياسات الديموغرافية المهووسة
ومن أجل تطبيق السياسات الديموغرافية المهووسة الرامية للحد من نسبة المواطنين العرب تحاصر مجمعاتهم السكنية. في المرحلة التالية تهدم منازلهم غير المرخصة بالتقسيط وتؤكل ثيران أصحابها تباعا، يوم في العراقيب وعارة وتارة في اللد ومجد الكروم والحبل على الجرار. هذه القضية القديمة الحارقة تعالج حتى الآن بوسائل وأدوات بعضها ناجع ويحتاج لتطوير وبعضها الآخر متقادم وفارغ.
بموازاة المساعي القانونية والسياسية لتوسيع مساحات مسطحات البناء وزيادة نفوذ السلطات المحلية العربية لابد من إعادة الاعتبار للنضال الشعبي وتنظيمه.

التخطيط الديموغرافي
هذه المحنة المهدّدة للأرض والمأوى تحتاج لما يتعدى بيانات التنديد فالمجتمع العربي يدرك الحقيقة ولا يحتاج لمساعدة السياسيين والقياديين لاكتشاف التوجهات العنصرية وراء عمليات الهدم. يدرك كل طفل أن إسرائيل تبني لليهود وتهدم للعرب وأنها لم تسمح ببناء قرية عربية واحدة منذ 1948 بل هي بدأت مشوارها بهدم الآخر، الساكن الأصلي. ما يحتاجه ويريده ويتوقعه المواطن العربي من الطبقة السياسية المحلية والوطنية في هذا المضمار المساهمة في تنظيم صفوفهم وإيجاد السبل للتخفيف من معاناتهم. هذا يتأتى بتأسيس وتعزيز لجنة شعبية في كافة المدن والقرى العربية والتماثل العملي مع ضحايا سياسات الحصار الهندسي والتخطيط الديموغرافي.

التكافل والتضامن والعمل الجماعي
مثل هذه اللجان تعمل على تعبئة الشارع نحو التكافل والتضامن والعمل الجماعي في التصدي لعمليات هدم المنازل. القانون قيمة عليا في النظام الديموقراطي وبدونه يعود البشر للغابة وشريعتها ولكن حينما يستهدف المواطن بسبب هويته القومية فله الحق بل من واجبه الانتصار لحقه بالعيش بكرامة وبمأوى له ولأطفاله. ومقولة " عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه " لم تتقادم بعد من هذه الناحية. وبتنظيم الحراك الشعبي تتوفر مساعدة من يهدم بيته لبناء مأوى بديل في إطار التكافل ويمكن القيام بفعل احتجاجي رادع كما بينت تجربة هذا الأسبوع حينما تنادى الجميع فتراجعت بلدية بئر السبع عن الاستخفاف بمشاعر العرب والمسلمين.
وربما يكون الأهم من ذلك أن يخرج الناس عن لامبالاتهم حيال التلاعب بمصائرهم في موضوع تسويق قسائم البناء على يد " مديرية أراضي إسرائيل". " المديرية"(الحكومة) تسوق هذه القسائم في المناطق العربية بأسعار لا يقبلها عقل، قفزت من 140 شيكل لنصف الدونم حتى الـ 600-800 ألف شيكل في غضون سنوات قليلة. ويتم ذلك وسط صمت ولامبالاة من قبل رؤساء السلطات المحلية بل تواطؤ مهندسين فيها يتكسبون بالكسب غير المشروع مقابل صمتهم.

أزمة السكن
وهذا ليس غريبا فالفساد في الحكم المحلي ظاهرة أقدم ربما من المهنة الأقدم في العالم إنما الغريب هو صمت الضحايا ممن يحلبون بهدوء ويحرمون من قسائم البناء التي صارت حكرا على من في مقدورهم. سيبقى هنالك فاسدون ومفسدون يمرحون ويسرحون طالما لم تتصدى لهم اللجان الشعبية وجموع الناس.
لا يلوح بالأفق ما يشي بتغيير حقيقي في سياسات التخطيط الإسرائيلية تجاه العرب والمحنة مرشحة للتفاقم فوفق معطيات جمعية " الجليل" سيشهد العقد القادم 100 ألف شقة سكنية مفقودة لدى العرب.
لن تنفرج أزمة السكن ونبقى عالقين في دوامة البناء غير المرخص وداخل علب السردين طالما لم تستثمر طاقات النضال الشعبي والعمل الميداني والجماعي ضد التمييز الرسمي والفساد المؤسساتي وضد ممارسات السماسرة والمحتالين وتجار الأرض مصاصي الدماء.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة