الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 04:01

رمضان فرصة لصناعة استقامة مستديمة/ بقلم:ابراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 31/08/12 17:47,  حُتلن: 08:39

إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية/ الحركة الإسلامية في مقاله:

نحن قادرون على تحقيق كم هائل من الإنجازات الروحية الحياتية خلال مدة قصيرة إن نحن عقدنا النية الصادقة والعزم الأكيد وشحذنا الهمة

من أقبل على رمضان بهمة عالية وإرادة جادة قد شعر بتغيير ما في حياته ربما لم يكن يتوقعه أبدا فرمضان علمنا أمورا ما أحوجنا إلى الالتفات إليها

رمضان يعتبر وبكل المعايير دورة تدريبية سنوية تسمو فيه النفس وتشرق الروح وينير القلب وتنضبط الجوارح وتستقيم حركة المجتمع أفرادا وجماعات أو هكذا يجب أن يكون

حاجتنا إلى المحافظة على ما تحقق من تغيير في مختلف مناحي حياتنا في رمضان بسبب ما اختصه الله تعالى من البركات والفضائل والميزات هو في الحقيقة كحاجتنا إلى الماء والهواء

رأيت من المناسب ترك المواضيع السياسية على كثرتها وأشغل نفسي بسياسة القلوب والأرواح والتي هي الرافعة إن صَحَّتْ لكل أشواقنا الحضارية والمدنية والمدخل لصناعة الحياة بكل أبعادها وقيمها

وَدَّعْنَا رمضان منذ فترة قصيرة ... لا ندري إن كتب الله في الغيب أن نعيش لنبلغ رمضان القادم ... الأعمار بيد الله، ولا أحد يعرف كم بقي له من عمر مقدر .. لذلك رأيت من المناسب ترك المواضيع السياسية على كثرتها، وأشغل نفسي بسياسة القلوب والأرواح والتي هي الرافعة إن صَحَّتْ لكل أشواقنا الحضارية والمدنية، والمدخل لصناعة الحياة بكل أبعادها وقيمها ... أذكر في هذه المقام فلسفة الإمام أبي حامد الغزالي في الحياة ونظرته إلى مشروع التغيير والنهضة من خلال كتابه ( إحياء علوم الدين ) ... لقد عكف فيلسوف عصره على كتابة مؤلفه لسنوات، فخرج مرجعا لكل سالك درب النجاة ولكل باحث عن استقرار روحه ونفسه وقلبه وجسده، ولكل راغب في خلاص أمته من أوحال الفساد والانحطاط والغواية على المستويين السياسي والمجتمعي.

إعداد روحي وقلبي
من الملفت أن الغزالي لم يطرق باب الجهاد بمعناه العسكري في أربعة مجلدات كتابه رغم أنه عكف على تأليفه في ظل هجمات عاتية للتتار الهمجيين على ديار الإسلام، والذي عنى بالبديهة حاجة الأمة الملحة لتعبئتها عسكريا في مواجهة الأخطار ... لم يفعل ... ولما سؤل عن ذلك أجاب إجابة الواثق والعارف بما يشفي الأمة من أمراضها: أما الجهاد العسكري، فالكثير يتقنه، ولكن الأمة بحاجة إلى إعداد روحي وقلبي ونفسي يطلق فيها الملكات الربانية والمهارات الملكوتية، ويفجر بين جوانبها ينابيع العلوم اللدنية، ويرقيها في المنازل القربية، ويعزز فيها الخصائص الاصطفائية، فتلمع في سمائها اللطائف الأنسية التي تنسيها الكثائف الحسية، فتشرب من يد ربها شربة لا تظمأ بعدها نصرا وسيادة.

دورة تدريبية سنوية
اتفقنا على أن رمضان يعتبر وبكل المعايير دورة تدريبية سنوية تسمو فيه النفس، وتشرق الروح، وينير القلب، وتنضبط الجوارح، وتستقيم حركة المجتمع أفرادا وجماعات ... أو هكذا يجب أن يكون ... المسلم الذي يعي هذه الحقيقة يبادر إلى تحقيق النقلة المميزة في واقعه، ويعمل على تحويلها إلى حالة مستديمة يحلق في فضاءاتها، ويستفيد من بركاتها إلى ابعد الحدود ... فهو لا يمكن أن يرضى بوضع تنحط فيها نفسه بعد سمو، وتُظلم روحه بعد إشراق، وَيَسْوَدُ قلبه بعد أن استنار، وتنفلت جوارحه بعد انضباط، وترتبك حركته في الحياة بعد أن استقامت على الجادة.

الذوق السليم والعقل السوي
حاجتنا إلى المحافظة على ما تحقق من تغيير في مختلف مناحي حياتنا في رمضان بسبب ما اختصه الله تعالى من البركات والفضائل والميزات، هو في الحقيقة كحاجتنا إلى الماء والهواء ... لا ينبغي لعاقل أن يفرط بما حققه من قفزات في طاعته وعبادته وذكره واستقامته وعلو همته، ثم هو يعود إلى سيرته الأولى ... هذا مخالف للمنطق كما أنه مخالف للذوق السليم والعقل السوي ... وهذا بالتحديد ما يجعلنا متخلفين بأشواط فلكية عن السلف الصالح الذين حرصوا دائما على تنمية إيمانهم وضبط سلوكهم وتعزيز يقينهم، فحقق الله سبحانه على أيديهم ما اعتبره المنصفون من علماء الشرق والغرب فتحا مبينا وشمسا أشرقت على البشرية بعد طول غياب، فجعلت للحياة معنى وللكرامة الإنسانية نكهة وللوجود طعما.

تربة الإنسانية العطشى
لقد بلغوا منزلة لو كُشِفَ معها الحجاب بينهم وبين الله ما ازدادوا يقينا، ولو رُفِعَ الحجاب فرأوا الجنة رأي العين ما ازدادوا فيها حبا ولها طلبا ، ولو رُفِعَ الغطاء فرأوا النار رأي العين ما ازدادوا منها خوفا وعنها هربا، ولو جاءهم مَلَكُ الموت في أية لحظة ما ازدادوا بلقائه إلا حبا وسرورا وشوقا ... أتعرفون لماذا ؟؟!! لأنهم ببساطه ذاقوا طعم الإيمان فعرفوا الله حق المعرفة، فاغترفوا من بحر حبه ما جعل هَمَّهُمْ هَمًا واحدا وهو الله والإسلام، فأصبحوا بهذا المعنى الماء التي انتظرته تربة الإنسانية العطشى، فأعطوها ما لم تعط حضارةٌ على وجه الأرض خلقا وحضارة ومدنية وعلما ورفاهية وتقدما ورقيا، وسعادة بسطت ظلالها الوارفة على الجميع بلا استثناء، فعاشت البشرية أزهى عصورها وأعظمها.

إنجازات روحية حياتية
هذا هو السر الذي ينقصنا ويجب أن نبحث عنه ... وللحقيقة أقول: لقد وجدنا الطريق إلى هذا السر بفضل أيام وليالي رمضان المبارك ... أنا على يقين في أن من أقبل على رمضان بهمة عالية وإرادة جادة قد شعر بتغيير ما في حياته، ربما لم يكن يتوقعه أبدا ... فرمضان علمنا أمورا ما أحوجنا إلى الالتفات إليها ... الأول أن في الواحد منا طاقات نائمة أو خاملة لو تحركت بالشكل الصحيح لحققت المعجزات، فهي تبحث عمن يعيدها إلى طبيعتها وفطرتها التي فطرها الله عليها، والثاني أننا قادرون على تحقيق كم هائل من الإنجازات الروحية الحياتية خلال مدة قصيرة إن نحن عقدنا النية الصادقة والعزم الأكيد وشحذنا الهمة، والثالث أن التغيير ليس أمرا مستحيلا، وأن هنالك فرصا يجب ألا تُضَيَّع، وأن لله في دهره لنفحات دعانا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أن نتعرض لها حيثما هبت.
نستطيع أن نحول حياتنا إلى رمضان مستمر، بمعنى أن نعيش أجواءه باستمرار ونسعد بلذة فيوضاته وبركاته ... القرار بأيدينا وبأيدينا فقط ... والمطلوب: قرار وإرادة وعزيمة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة