الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 00:01

د.سامي ميعاري: الإنسان الجائع عاجز عن الإبداع والتطور ولا يستطيع التقدم في الحياة

كل العرب
نُشر: 02/08/12 10:51,  حُتلن: 11:29

د. سامي ميعاري  في مقاله:

 نواة العجز المالي للحكومة وحزمة التغييرات الاقتصادية المقترحة من رئيس الحكومة هي نتيجة للاستثمار في المستوطنات التي تستنزف الرصيد الأكبر من المال

الاقتصاد يحظى بالاهتمام الأكبر والعناية الشديدة من البشر فإن الاهتمامات الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية هي على رأس أولويات الإنسانية التي تمس أمنه الحياتي بشكل مباشر

الإنسان الجائع والحائر والتائه هو إنسان عاجز عن الإنتاج والإبداع والتميز والعطاء ولا يستطيع التقدم في الحياة

رياح التغيير التي هبت على المنطقة ألقت بظلالها على البلاد وحفزت الكثيرين على المطالبة بكل ما يحقق لهم الرخاء والطمأنينة والعيش الكريم

جميع هذه الثورات نادت في البداية برغيف الخبز وتوفير السكن والتعليم والتطبيب والحرية بشكل عام انتهت بإحداث تغيير في المنظومة السياسية التي كانت سببا في بؤسهم وشقائهم وحرمانهم

مما يزيد الوضع تعقيدا هو التقليص في الإنفاق على الخدمات العامة التي تمس حياة جميع المواطنين وكذلك استحواذ ميزانية الأمن على القسط الأكبر والنسبة العليا من الميزانية وذلك كله طبعا على حساب الرفاه

يسعى الإنسان دائماً نحو حياة أكثر رخاءً وكرامة، ولا يثنيه عن هذا السعي شيءٌ ما دام حياً، والمطالبة بالتغيير هي في طبيعة البشر مهما كانت حياتهم، ومهما علا سقف عيشهم، لأن الإنسان مطبوع على الرغبة في التقدم والارتقاء وميّال بسجيته إلى تحقيق العيش الأفضل والحياة الكريمة ولا يتخلى عن هذه الرغبة لكنه يختار الفرصة المواتية لتحقيقها.

التقدم والتميز
وبما أن الاقتصاد يحظى بالاهتمام الأكبر والعناية الشديدة من البشر فإن الاهتمامات الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية هي على رأس أولويات الإنسانية التي تمس أمنه الحياتي بشكل مباشر وتحتل صدر اهتماماته المصيرية، فالإنسان الجائع والحائر والتائه هو إنسان عاجز عن الإنتاج والإبداع والتميز والعطاء ولا يستطيع التقدم في الحياة ما دام يفتقد إلى الأساس الذي يليق بإنسانيته. وقد شهدت المنطقة العربية في عدة دول حراكاً شعبياً أدى إلى سقوط نُظُم وتغيّر حكومات، وهذه الاحتجاجات أو الثورات العربية التي سميت الربيع العربي بدأت من الثورة الاقتصادية والمطالب المعيشية الحياتية وانتهت إلى قلب المشهد السياسي.

مطالب إقتصادية
فجميع هذه الثورات نادت في البداية برغيف الخبز وتوفير السكن والتعليم والتطبيب والحرية بشكل عام لكنها انتهت بإحداث تغيير في المنظومة السياسية التي كانت سببا في بؤسهم وشقائهم وحرمانهم عقوداً طويلة. ومع أن العوامل الغربية أسهمت في إسقاط تلك الأنظمة، غير أن العوامل الاقتصادية ظلت هي الغطاء الذي تغلفت واستندت إليه تلك الثورات، وهذا يؤكد أن المطالب الاقتصادية لها شرعية قوية لأنه لا يستطيع أحد أن ينكر حق الشعوب في رغيف الخبز والدواء والسكن والتعليم.

غلاء فاحش
وهنا في إسرائيل لم يكن الوضع بمنأى عن التأثر بتلك الاحتجاجات القائمة على تحسين الظروف المعيشية والحد من الغلاء الفاحش خاصة في قطاع السكن الذي يشكل ركيزة الإنسان الأولى في الاستقرار والإنتاج والعطاء. فرياح التغيير التي هبت على المنطقة ألقت بظلالها على البلاد وحفزت الكثيرين على المطالبة بكل ما يحقق لهم الرخاء والطمأنينة والعيش الكريم. ففي العام الماضي هبت الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل نتيجة لغلاء المعيشة وتقليصات الحكومة في تغطية نفقات الخدمات العامة. وقد انطلقت حناجر المتظاهرين المحتجين بالمطالبة بتغيير النهج الاقتصادي الاجتماعي في البلاد، والحد من هذا الغلاء الذي يجعل امتلاك شقة سكنية يحتاج لملايين الشواقل.

سحابة صيفية
اليوم تعود الذكرى السنوية لتلك الاحتجاجات الشعبية ويسعى المواطنون إلى إحياء التظاهرات في هذه الذكرى تحت سقف المطالب نفسها بعد مرور عام على توصيات لجنة (ترختنبرج). وقد توفي المتظاهر الإسرائيلي الذي أحرق نفسه احتجاجا على إمعان الحكومة في التنكر لتلك المطالب فيما تبعه آخرون في حرق أنفسهم وهذا يثبت أن الاحتجاجات في إسرائيل ليست مجرد خطوة عابرة أو سحابة صيفية خفيفة سرعان ما تنقضي بل يدل على أن الأمور اتخذت منحى خطيرا ودخلت في مرحلة سيكون لها تداعيات ولكن ليست بالسرعة المنتظرة. إن مثل هذه التحركات لها أثر عميق في تشكيل البنية السياسية والاجتماعية وطبعا الاقتصادية لأن ثورات مماثلة حدثت في التاريخ المعاصر كانت نقطة تحول في تاريخ بلدانها مثل ثورة العمال في فرنسا والثورة الاقتصادية في بريطانيا بحيث تجد بأنها ثورات غيرت مجرى تاريخهم.

التآكل في أجور الطبقة الوسطى
وعند النظر إلى المشهد هنا فلا بد من التساؤل:
ما الذي يجب أن يُعيد المُتظاهرين إلى الشارع؟
أول الدوافع هو عدم قيام الحكومة الإسرائيلية بالإصلاحات المفترض أن تقوم بها من أجل امتصاص غضب الشارع؟
وعدم تنفيذ بعض من تلك التوصيات التي قدمتها اللجنة؟
ولأن الشارع الإسرائيلي ليست لديه المقدرة على إحداث تغيير على المنظومة الحزبية اليمينية الموجودة اليوم، فلا بد من لجوئه إلى الشارع مجدداً تنفيساً لغضبه وإشهاراً لمطالبه التي يعدها عادلة وأقل ما يمكن؟
وكذلك عدم تطبيق الحكومة أياً من توصيات اللجنة.
ولأنه لم تحدث تغيرات في تركيبة الحكومة الإسرائيلية، بل على العكس من ذلك فالحكومة صرفت جل اهتماماتها على تشجيع الاستيطان وأمعنت في صرف المليارات على تلك المستوطنات – على الرغم من كل الضغوط الدولية والمحلية - بدلاً من إنفاقها على الاقتصاد الداخلي والخدمات العامة والمرافق الحيوية. كما أنه طالما لم يحدث في إسرائيل أي تغير على ميزانية الدولة أو على منظومتها الحزبية أو لم يستجد جديد بشأن توصيات اللجنة فإن الطبقة الوسطى بالطبع لم يتحسن حالها في العام المنصرم وبقيت المشاكل على حالها تراوح مكانها بدون رقيب أو حسيب.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ازداد التآكل في أجور الطبقة الوسطى، فيما أوغل الغلاء في الارتفاع ووصلت الأسعار حداً لا يُطاق يتجاوز في كثير من الأحيان الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وازداد الطلب على الشقق السكنية شراءً واستئجاراً في كل المدن خاصة في حيفا.
وهنا يعتقد بعض المحللين بأن تخفيض نسبة الفائدة لربما يُسهم في حل مشكلة أزمة السكن ولكن هذه السياسة مُضللة، وهذا التفكير خاطئ وسطحي... لأن انخفاض نسبة الفائدة المصرفية يؤدي إلى زيادة الطلب على القروض السكنية، أي زيادة الطلب على الشقق في حين أن عرض الشقق لم يحدث فيه تغيير وأسعارها في ارتفاع متزايد. هذا مؤداه أن المشكلة في عرض الشقق وليس في طلبها.
مما يستوجب على الحكومة في إسرائيل تخصيص أراض للمقاولين للبناء والمساهمة في البناء نفسه لحل المشكلة وليس تخفيض نسبة الفائدة هو الحل المرجو المنتظر.
ومما يزيد الوضع تعقيدا هو التقليص في الإنفاق على الخدمات العامة التي تمس حياة جميع المواطنين وكذلك استحواذ ميزانية الأمن على القسط الأكبر والنسبة العليا من الميزانية وذلك كله طبعا على حساب الرفاه.

نشاط استيطاني
أما زيادة النشاط الاستيطاني فهي معضلة أخرى يدفع معظم المواطنين ثمنها وهي تسحب الحظ الأوفر من المال الذي يفترض توجيهه نحو الناس لصالح النشاط الاستيطاني المثير للجدل. كما تشير دائرة الإحصاءات المركزية إلى ارتفاع كبير في الاستثمار في الاستيطان على حساب جملة من الأُمور الاقتصادية. هنالك من يعتقد أنه لربما ينجح هذا الحراك الشعبي في هذا العام في إحداث تغيير يرتجى، وأنا أختلف مع هذا الرأي لأنه من الصعب – في رأيي – إحداث تغيير في المنظومة الاقتصادية في إسرائيل ما دامت المنظومة الحزبية متماسكة وقائمة بهذا الشكل، واليوم بدل استجابة الحكومة للمطالب الشرعية للمتظاهرين أمعنت الحكومة في صلفها وردت بالزيت على النار حيث قررت رفع قيمة الضريبة المضافة من 16% إلى 17% بدءاً من أيلول (سبتمبر) المقبل. كما رفعت سعر الوقود بنسبة 6% إلى جانب رفع سعر الغاز والضرائب على السجائر، فأدى ذلك إلى ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ. في غضون هذا المشهد القاتم سوداوية يميل عدد من المحللين الاقتصاديين إلى اعتبار هذه الخطوات حلاً مؤقتاً للتباطؤ الاقتصادي الذي ربما يعصف بالبلاد.

إستمرار الغليان
لكنني أختلف مع هذا الرأي مع تأكيدي على أن نواة العجز المالي للحكومة وحزمة التغييرات الاقتصادية المقترحة من رئيس الحكومة هي نتيجة للاستثمار في المستوطنات التي تستنزف الرصيد الأكبر من المال. وهكذا تثبت هذه الحكومة يوماً بعد آخر عدم مبالاتها باحتجاجات الشارع ومطالبه وأوضاع الطبقة الوسطى. فالمجتمع الإسرائيلي يجب أن يعاقب الحكومة الحالية على نهجها الاقتصادي السيء للوصول إلى حكومات يسارية أفضل كالتي كانت في منتصف التسعينيات. كما يجب على إسرائيل أن تتخلص من الاعتقاد بأنها فوق الطبيعة البشرية وبأنها مختلفة عن كل البلاد المحيطة وبأنها استثناء في كل شيء، لأن الشعوب هي الشعوب والنفس الإنسانية متشابهة في أحلامها وطموحاتها ورغباتها وتطلعاتها ولا تكاد تنفصل عن بعضها بعضاً. إن الوضع الاقتصادي السيء في البلاد وتلاشي الطبقة الوسطى يجب أن يدفع إلى مزيد من الحراك الساعي للتغيير، فالاضطهاد الاقتصادي وسوء الإدارة الاقتصادية دافعان قويان لاستمرار الغليان والحراك والتظاهر والاحتجاج.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة