الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 18:01

الخدمة المدنية بين التهليل والمنطق/ بقلم: رامي خوري

كل العرب
نُشر: 25/07/12 11:58,  حُتلن: 14:30

رامي خوري في مقاله:

أرى أن غالبية من ينخرط في إطار التطوع للخدمة المدنية هو من لا يملك المؤهلات والمتطلبات لإستكمال التعليم الجامعي

الأحزاب العربية هي بمثابة الراعي الأعلى للوسط العربي في البلاد ويجب أن تحمل على عاتقها الصعوبات المختلفة مثل التعليمية والثقافية

الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سببه الأساسي هو إقامة دولة للشعب اليهودي على أرض فلسطين

إختلاط الرأسمالية في الإعلام يشكل أجندة عمل هادفة فيها الإهتمامات الربحية في الصف الأول ومن ثم الإهتمامات الأخرى والتي منها الهدف التوعوي وبناء الهوية

يواجه العرب في اسرائيل موجات تحريضية دائمة من اليمين الإسرائيلي منذ قيام الدولة الاسرائيلي كما يشدد ويشير اليمين الى الخطر الديمغرافي الذي يشكله العرب على الدولة

للإعلام دور كبير في توعية المجتمع أو تشويش الذوق العام يحوي الوسط العربي في الداخل الإسرائيلي وسائل إعلامية مختلفة فمنها المطبوعة والمسموعة والإلكترونية 

ما سيميز نقاشي هذا عن سائر النقاشات المطروحة حول الموضوع هو التوجه العقلاني للقضية مبتعداً كل الإبتعاد عن أية فكرة معارضة ومؤيدة وذلك كي لا أقع في الفخ ذاته من التسيير الحسي في معالجة ومناقشة مواضيع مهمة

التطوع في الخدمة المدنية يعني التبرع في هذا الإطار دون مقابل ودون إلزام الشخص على مثل هذا القرار في حال المصادقة على قانون إلزام العرب في الإنخراط في الخدمة المدنية يسقط تعبير التطوع ليحل مكانه تعبير الإلزام

كالعادة.. في كل عام تقريباً تتداول الصحافة الاسرائيلية بما فيها الصحافة العربية مواضيع تندرج في نطاق القرارات العنصرية (لمن يراها كذلك) للدولة الاسرائيلية، ولا بد بأن هنالك من يتكئ على مثل هذه القرارت أو الاقتراحات، هادفًا في ذلك إثبات فعاليته إن كانت في المسار الاجتماعي أو السياسي أو الأثنين على حد سواء. مجتمعنا العربي داخل اسرائيل لا يفتقد حسب رأيي للمؤسسات والجمعيات ذات العمل الجماهيري على مختلف أنواعها وأشكالها، كما ولا يفتقد للمؤسسات الحزبية باختلاف افكارها وتوجهاتها.

الإهتمام إلى المظهر الإعلامي
لقد اثبتت هذه المؤسسات وبالذات الحزبية بأنها فعالة بشكل جدي في الإهتمام إلى المظهر الإعلامي للمؤسسة، مما يثبت ذلك هو إهتمامها بشكل ملموس لإصدار البيانات وتعميمها على الصحف. لكن، ما هو ملموس أن مثل هذه المؤسسات تكتفي كما يبدو في التنديد الإعلامي وتفتقر بفعاليتها للعمل الميداني الناجع.
الصراع العربي الإسرائيلي، أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سببه الأساسي هو إقامة دولة للشعب اليهودي على أرض فلسطين. يرى المحللون السياسيون بأن هذا الصراع وبالرغم من أنه يحدث في منطقة جغرافية صغيرة الا أنه يلعب دوراً هاماً في أزمة وتوتر هذه المنطقة، فهو يحظى بإهتمام وتغطية إعلامية كبرى وكذلك باهتمام الدول العظمى بالموضوع وذلك بسبب حساسية وأهمية المنطقة وتعلقها بقضايا وأزمات عالمية. يواجه العرب في اسرائيل موجات تحريضية دائمة من اليمين الإسرائيلي منذ قيام الدولة الاسرائيلية، كما يشدد ويشير اليمين الى الخطر الديمغرافي الذي يشكله العرب على الدولة وذلك بسبب تزايدهم السريع والأسرع من نسبة التزايد السكاني في الوسط اليهودي. كما وأنهم يواجهون المضايقات في المجالات الثقافية والتعليمية وفرض القيود في ممارسة الحياة الطبيعية كمواطن اسرائيلي.

المنافسة بين الاحزاب العربية
نشأت الاحزاب العربية في الداخل الاسرائيلي بهدف التمثيل البرلماني للأقلية العربية المتبقية من بعد الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، هادفةً معالجة المشاكل التي تواجه المجتمع العربي والمطالبة بتوفير الخدمات والحقوق المستحقة للمواطن الإسرائيلي. جدير بالذكر أن التمثبل البرلماني من قبل عضو كنيست عربي جاء مع بداية دورات الكنيست منذ عام 1949. ومنذ ذلك الحين بدأت الأحزاب بالنشوء فمنها التي تعرف نفسها كأحزاب عربية يهودية (الجبهة)، والأحزاب التي تعرف نفسها كأحزاب عربية (التجمع والحركة الإسلامية) وبالطبع باشرت بالتنافس على أصوات الوسط العربي، لا شك بأن هنالك أحزاب صغيرة تلاشت او اندمجت او حتى اعتمدت الإئتلاف في كل دورة كنيست مثل الحركة العربية للتغيير.

مشروع الخدمة المدنية
قبل أن أبدأ في نقاش الموضوع الذي يحتل في الآونة الأخيرة حيزًا لا بأس به من صفحات الصحافة والذي أنوي نقاشه في مقالتي هذه، وهو موضوع إقتراح قانون إجبار المواطن العربي على التطوع لمشروع الخدمة المدنية في البلاد. أود بداية أن أبرز نقطة لمستها بشكل ملحوظ في النقاشات المقترحة حول الموضوع ذاته ،هو أنني أرى في الحجج المعارضة لفكرة القانون التسيير الحسي وليس العقلاني الذي برأيي يجب أن يكون هو نبراسنا في إتخاذ قرارت تصمم هويتنا وتوجهاتنا نحو الحاضر والمستقبل. كما في ذلك، لمست في نقاش المؤيد للفكرة والتي تعتمد الحجج التي يطرحها على فكرة المصلحة الشخصية والإبتعاد عن التأثر بالمصلحة العامة والتي هي برأيي أيضاً يجب أن تندرج في النقاش الموضوعي لإتخاذ قرارات بوسعها أن تبرمج توجهًا جديدًا للأقلية العربية في البلاد.
ما سيميز نقاشي هذا عن سائر النقاشات المطروحة حول الموضوع هو التوجه العقلاني للقضية، مبتعداً في ذلك كل الإبتعاد عن أية فكرة معارضة ومؤيدة وذلك كي لا أقع في الفخ ذاته من التسيير الحسي في معالجة ومناقشة مواضيع مهمة وحساسة بإمكانها التأثير سلباً علينا كأقلية عربية في البلاد. فأنني لن اتوجه لأنوب في مقالتي أيديولوجية حزبية، ما أنويه في مقالتي هذه هو طرح الموضوع في الصورة المناسبة والصحيحة التي تمكننا من نقاشها بشكل موضوعي وتمكننا كذلك من الوصول إلى الإستنتاجات المنطقية الإستدلالية، هذا هو التوجه الذي توقعنا من المؤسسات الحزبية والتي بدورها كانت من المفروض ان تمثل الراعي الأول لنا كأقلية عربية في البلاد.

الأحزاب العربية والواجب الإجتماعي
تختلف برأيي الأحزاب العربية في تعريفها عن الأحزاب في الدول الديمقراطية، حيث أن الأحزاب في الدول الديمقراطية تُعتبر تنظيمًا سياسيًا يسعى بدوره إلى بلوغ السلطة السياسية إما عن طريق البرلمان أو المشاركة في الحكومة، وهذا ما لا تسعى اليه الأحزاب العربية في الكنيست الإسرائيلي.كما يتبنى الحزب أيديولوجيات معينة ورؤى، ولكن يمكن أيضا أن تمثل التحالف بين المصالح المتباينة. تشكلت الأحزاب العربية في الداخل الإسرائيلي هادفة في ذلك الدفاع عن حقوق المواطن العربي ومنع المضايقات بمختلف أشكالها من قبل اليمين، كما وتحاول في ذلك تطوير المدن والقرى العربية بالذات وأن الأحزاب العربية تتنافس على رئاسة وإدارة البلديات والمجالس. نسبة لوضع الوسط العربي في الداخل الإسرائيلي وللهدف الرئيسي الذي أجده مقنعاً لتشكل تنظيمًا سياسيًا يمثل العرب في الكنيست الاسرائيلي، فإن الأحزاب العربية هي بمثابة الراعي الأعلى للوسط العربي في البلاد ويجب أن تحمل على عاتقها الصعوبات المختلفة مثل التعليمية والثقافية... وهذا ما يجب أن يقوم به الحزب لكي يلبي ما تنص عليه رسالته الأخلاقية تجاه الوسط العربي في البلاد.

الإعلام العربي في إسرائيل
للإعلام دور كبير في توعية المجتمع أو تشويش الذوق العام، يحوي الوسط العربي في الداخل الإسرائيلي وسائل إعلامية مختلفة فمنها المطبوعة والمسموعة والإلكترونية حتى أنه في الآونة الأخيرة دخل التلفزيون بشكل رسمي وقانوني بترخيص وزارة الإتصالات. تخضع الوسائل الإعلامية جميعها إلى أفراد يتبنون النظام الرآسمالي في إدارتهم لمؤسساتهم الإعلامية حيث أنهم لا يحاولون في ذلك بناء خطة توعوية مدروسة والتي بامكنها بناء العقل العربي من جديد والذي برأيي ينقص مجتمعنا في الأونة الأخيرة. إختلاط الرأسمالية في الإعلام يشكل أجندة عمل هادفة فيها الإهتمامات الربحية في الصف الأول ومن ثم الإهتمامات الأخرى والتي منها الهدف التوعوي وبناء الهوية، توجهت صحافتنا لتشكل غالبيتها الساحقة مؤسسات للصحافة الصفراء والتي تربي بنا برأيي روح النميمة غير المجدية. كما وأنها تشكل في أخبارها كمنظار ولا تحاول إدراج التحليلات وذلك لأنها تفتقد للقدرات والكفاءات الصحفية التي بامكانها فعل ذلك.

الخدمة المدنية والتصدي - توطئة
لقد جاءت فكرة الخدمة المدنية كبديل للخدمة العسكرية، الخطة جاءت لدمج كل من المجتمعين العربي واليهودي المتدين في الأطر الأجتماعية بهدف الإندماج في مؤسسات الدولة والتطوع لصالح المجتمع كما يقوم الشق الأخر في التطوع في الخدمة العسكرية وبما معناه حماية أمن الدولة. منذ ذلك ، حاز الوسط العربي أو بالأخص جمعياته ومؤسساته الحزبية على موضوع أخر يحاولون التسلق عليه لينالوا وسام الوطنية والدفاع عن العرب، اقتصرت المعارضة من جميع هذه الجهات المذكورة على ما يسمونه بالعمل التوعوي وبناء الهوية الفلسطينية، فاستهلكوا ما استهلكوا من الأوراق لطباعة الملصقات واليافطات ونددوا بشكل او بأخر إعلامياً بالموضوع. "وكي لا ننسى" فانهم أصدروا كمًّا هائِلا من البيانات، وطبعاً نظموا مهرجانات غنائية والخ. إذاً، كيف كان يجب أن يكون التصدي لمثل هذا المشروع إذا ؟ من بضعة أشهر قامت الجهة المسؤولة عن الخدمة المدنية بإعلان "بانرات" في المواقع العربية، تدعو فيها وتقوم بإعطاء المعلومات عن مشروع الخدمة المدنية، إعلامنا "الراقي" لم يعارض الفكرة، فقد قام بالدفاع عن نفسه عن طريق الإدعاء بأن هنالك ضغوطات لن يستطيعوا التصدي لها حيث أنها تشمل ضغوطات إقتصادية على المؤسسة الإعلامية ذاتها. الأحزاب بدورها عممت بأنها تفهم هذه الضغوطات وتعلم أنه لا محال من نشر مثل هذه الإعلانات، فقد قام كل من التجمع والجبهة بتنظيم شبه مظاهرة للتغطية الإعلامية على أنهم أهتموا بالموضوع.
في هذا السياق أود أن أرجع بذاكرتي لذلك اليوم الذي قام الحزبان فيه بتنظيم المظاهرتين (اعتقد انني اخطىء في تلقيب الحدثين كمظاهرتين فانها اقرب لتجمع بضعة شباب لا يتعدون الثلاثين فرداً) كوقفة معارضة لمشروع الخدمة المدنية، لتواجدي في المكان فقد لمست الإهتمام في الصف الأول للتغطية الإعلامية فقد كان عدد الصحفيين يزيد عن عدد المتظاهرين. وطبعا "زوبعة في فنجان".

الخدمة المدنية والإندماج الثقافي
يدعي معارضو فكرة التطوع في الخدمة المدنية بان موافقتنا على مثل هذا الموضوع هو بمثابة موافقة في الاندماج والانصهار في المجتمع الاسرائيلي الذي ينوي الغاء تاريخنا وهويتنا كاقلية عربية في البلاد، السؤال الذي يعلو في هذه النقطة هو: ما هو معنى الانصهار في ثقافة غير ثقافتنا؟ وهل حقاً من الخطر ان ننصهر في ثقافة اخرى؟ وهل حقا نحن لم ننصهر في ثقافة اخرى؟
اذا، البشرية في رايي تملك حضارة واحدة وهي الحضارة البشرية او الانسانية، من هذه الحضارة الواحدة تتفرع ثقافات متعددة التي تختلف كل منها بطريقة توجهاتها لبعض الامور وبالقدرة العقلية وتطور الذكاء، فهنالك الثقافات الأقرب لتعريف الحضارة البشرية والأخرى الأبعد منها. لقد إعتمد إدوارد سعيد في كتابه "الأنسنية والنقد الديمقراطي" تعبير "الأنسنية" للدلالة على المذهب الفكري الذي يقول أن الإنسان هو أعلى قيمة وذلك تبعاً لأفكار النهضة الإيطالية. "الأنسانيات" وهي المادة الجامعية التي تعنى بالفنون واللغات والآداب والتاريخ، أما "الأنسانوية" فهي الميل أو النزعة إلى الإنسانيات أو إدعائها.
إذاً ، أنسنتنا هي ميولنا إلى التعرف على الثقافات الآخرى وبما في ذلك نوع من الإندماج لأنه بما لا شك فيه بأن كل تعرف جديد على ثقافة له حيز من التأثير على المتعرِف، إحدى هذه التعرفات التي قمنا باقتباسها على حياتنا اليومية هي الديمقراطية فلا شك بأن الدول العربية المجاورة لا تتبنى الديمقراطية كنظام حكم، بما في ذلك بأن قبلولنا للعيش في ظل نظام بشكل او بأخر ديمقراطي، هو بمثابة اندماج، وقبولنا على دفع وتلقي المستحقات هو أيضاً إندماج، كما في ذلك النقطة الأهم، هي قبولنا بالتمثيل البرلماني الإسرائيلي والذي بموجبه يحلف العضو المنتخب يمين الولاء للدولة الإسرائيلية هو من أعلى سمات الندماج والموافقة على تعريف الدولة كدولة يهودية ديمقراطية.

محو ثقافتنا العربية الفلسطينية
فالتطوع في مؤسسات عمومية التي تخدم مجتمعنا العربي ليس هو الشيء الأكبر الذي يهدد ويشير إلى إندماجنا وإنصهارنا في المؤسسات الحكومية والمجتمع الإسرائيلي، والذي باعتقادي نحن جزءًا منه. كما انه ليس مقنعاً بأن ندعي بأن التطوع من هذا النوع هو انصهار ومحو لثقافتنا العربية الفلسطينية، لان الحفاظ على ثقافتنا يتطلب منا ولو لم نكن جزءًا من هذا التطوع عملًا دؤوبًا ومستمرًا في تطوير مؤسساتنا الثقافية والتربوية ودعم مواهبنا ورفع سطح الإبداع لدى أفراد مجتمعنا وهذا هو عمل البلديات والمجالس التي بدورها تدير وترتب عمل مثل هذه المؤسسات، وكي لا ننسى فبلديات ومجالس الوسط العربي في البلاد يمثلها افراد من تلك المؤسسات الحزبية التي ذكرتها سابقاً.

التطوع، واسطورة الشعب المعطاء
ذُكر في مُعجم لسان العرب لابن منظور عن التطوع من جذر طوع وهو ما تبرع به من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه، اذا التطوع في الخدمة المدنية يعني التبرع في هذا الإطار دون مقابل ودون إلزام الشخص على مثل هذا القرار، في حال المصادقة على قانون إلزام العرب في الإنخراط في الخدمة المدنية يسقط تعبير التطوع ليحل مكانه تعبير الإلزام. وهذا يعني بأنه لا يمكن كما يدعي البعض إلزامنا بالتطوع لجلادنا لأنه في حال الإلزام يسقط معنى التطوع. أما عن موضوع أننا شعب متطوع ومعطاء، فبنظري هذه هي إحدى أساطير القرن الواحد والعشرين، لا آرى بالوسط العربي في البلاد مجتمع مبني على سمات التطوع لصالح المجتمع، على سبيل المثال: من يحمل في يده زجاجة فارغة بدل من ان يتطوع برميها في سلة المهملات وذلك لصالح المصلحة العامة فانه يرميها على جانب الشارع وذلك لراحته الخاصة من استهلاك بعض السعرات الحرارية وبما فيها السعي وراء المصلحة الخاصة.
لا بد أن نمعن النظر في مؤسساتنا المحيطة من مؤسساتنا كبلديات ومستشفيات وملاجىء للعجزة ... ولا بد أن نرى نسبة المتطوعين الكبرى التي تملأها، أرجو من مدعي هذه النظرية دراسة الواقع بشكل أدق والعيش قليلاً بالواقع لمعرفة الحقائق الأدق والتي هي عكس ما يدعون.

نجاعة التطوع في الخدمة المدنية
كما نعلم لكل عمل حسناته وسيئاته، ناقشت أعلاه ما يسمونه بسيئات الإنخراط (الإندماج) في الخدمة المدنية وهنا سأطرح إدعاء المؤيدين للفكرة أي بما معناه حسناتها (أستعمل التعبيرين السلبي والإيجابي لغرض التسهيل في النقاش وذلك لأعني بالسلبيات حجج المعارضين وبالإيجابيات حج المؤيدين)، قمت بذكر أن المؤيدين يعتمدون في الحجج المقترحة المصلحة الشخصية وإبتعدوا عن الرؤية العامة التي يجب أن تكون معياراً فيه نحدد قراراتنا إلى جانب الأول.
في حوار لي مع بعض الأشخاص الذين انخرطوا في الخدمة المدنية وجدت في الحج التي حاولوا الدفاع عن نفسهم بها أولاً الإدعاء بانهم في مثل هذا العمل يحصلون على الحقوق المتساوية مع المواطن اليهودي أو أجر التعليم الجامعي، بداية موضوع الحقوق: تقسم الحكومة الحقوق الى فئات البعض منها حقًا يناله المتطوعين لكن البعض الأخر يبقون غافلين عنهم، أغلب حقوق المستحقات مثل التأمين الوطني لا تشمل بنود التي تميز بين المتطوعين وغير المتطوعين.
اما بالنسبة للأجر التعليمي الذي يحصلون عليه المتطوعون فبامكاننا القيام بعملية حسابية بسيطة جداً والتي بموجبها نرى أن التطوع صفقة خاسرة. الحجج ألتي يقترحها المؤيدون هي ضعيفة بشكل أو بأخر فلا تدل إلا على سطحية في التحليل وتهور في القرارت الغير معتمدة على أسس موثقة.

العمل التوعوي لا يكفي!
ذكرت سابقاً إن المؤسسات الحزبية والجمعيات التي تعارض فكرة الإنخراط بالخدمة المدنية يقتصر عملها على التنديد أو بما يسمونه الحملات التوعوية، العقل الإنساني يحوي بالشكل الطبيعي التوجه بالمصلحة الشخصية إلى جانب المصلحة العامة، أي بمعنى أن مثل هذه الجهات يجب أن تحاول دراسة البعدين الشخصي والعام للموضوع.
تبدأ فكرة الإبتعاد عن المصلحة العامة في حال تضارب المصالح بينها وبين المصلحة الخاصة، حين يتوقف التوجه العام عن خدمة التوجه الشخصي بالزمن أو البعيد على الأقل وحين يبدأ الفرد بفقدان الأمل من الفكر العام يتوجه للفكر الخاص الذي بموجبه يقوم بحماية نفسه من ما نسميه المستقبل الغامض. لذا في رايي مواجهة مثل هذه القضايا لا يجب أن تقتصر على العمل التوعوي فقط بل يجب أن تدفعنا إلى دراسة الأسباب التي تدفع مثل هذه الشباب إلى الانخراط في مثل هذه الأطر ومحاولة وضع حلول للمشاكل التي يواجهونها وهذا دور المؤسسات الحزبية بالذات في الوسط العربي في البلاد للأسباب التي ذكرتها سابقاً.

البدائل المتوفرة والمفروضة
سأطرح بعض المشاكل التي أراها تواجه الشاب الذي يقرر في مرحلة معينة الإنخراط في الخدمة المدنية والبدائل التي يجب أن توفرها المؤسسات الحزبية له (المؤسسات الحزبية هنا اقصد أيضاً البلديات والمجالس المحلية والجمعيات والتي جميها تنتمي إلى أحزاب إن كان علنا أو ستراً). ينهي الشاب (أعني الشاب والشابة على حد سواء) العربي تعليمه الثانوي ليخرج إلى العالم الخارجي الذي يتطلب منه إتخاذ قرارات مصيرية تصمم حياته المستقبلية، مثل هذه القرارات تطلب قدرة على الفهم واتخاذ القرار ما لا توفره مؤسساتنا التعليمية للطالب العربي، بما في ذلك من فهم اهتمامته وتوجهاته والقرار لأي موضوع جامعي ينوي الإلتحاق.
بعض الطلاب يلتحقون بسوق العمل ليتقادون أقل من الحد الأدنى المفروض قانونياً، نظام رأسمالي إستغلالي ملموس في وسطنا العربي فبعض العمال يتقاضون 1500 شاقل شهريا أي ما يقارب ثلث الحد الادنى للأجر المفروض، مثل هذه الأجور تؤثر وتزيد من نسبة العالئلات الفقيرة في الوسط العربي وتزيد من الفجوات بين الطبقات لتخلق في ذلك طبقة غنية وطبقة فقيرة، مؤسساتنا والتي تعلم بوجود مثل هذه الظاهرة لا تحاول حتى توعية مثل هؤلاء الشباب لحقوقهم في سوق العمل أو التصدي لمثل هذه الأنظمة الرأسمالية الإستغلالية بل أنها توجه أصبع الإتهام للحكومة التي تتهمها بإفقار الوسط العربي.

 تقليل نسبة العنف المتفشية
البعض الأخر الذي تربى على حب العطاء والتطوع، في حال انهائه الثانوية لا يجد أمامه أطر تطوع غير الأطر التي توفرها الخدمة المدنية، بإمكان مؤسساتنا الحزبية أن تبرمج وتهيء أطرًا لإستيعاب مثل هؤلاء الشباب وترتيب الأمور مع الحكومة ولأنها جسم حكومي يمثله أشخاص في الكنيست تكون الأمور أسهل في الترتيب، وبناء على إظهار نية الحكومة في دعم الإنخراط للمواطنين العرب في الخدمة المدنية فإنه من المنطق أنه من الصعب رفض إقتراحات كهذه.
أرى أن غالبية من ينخرط في إطار التطوع للخدمة المدنية هو من لا يملك المؤهلات والمتطلبات لإستكمال التعليم الجامعي، لذا بإعتقادي أنه يجب دراسة المؤسسات التعليمة من جديد ونجاعة عملها بما فيها المؤسسات التي بإمكانها تأهيل المعلمين لكي ننجح في ذلك بتطوير التحصيل العلمي لدى الطالب العربي، كما ونؤثر إيجاباً في تقليل نسبة العنف المتفشية في وسطنا مما يدل على فراغ مجتمعنا من الأطر الثقافية التربوية التي بإمكانها بناء العقل بالطريقة السليمة والنافعة للفرد وللمجتمع.

الإلتزام تجاه النفس
لقد أشار الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط في نقاشه حول موضوع الأخلاقيات الي تواجد الإلتزام بالأخلاقيات تجاه الأخر والإلتزام بالأخلاقيات تجاه الشخص نفسه، ليكون في ذلك أول الفلاسفة الذين طرحوا موضوع الإلتزام تجاه النفس، فإنني أرى في ذلك تشابها كبيرا مع وضع العرب في البلاد، فحقاً هنالك إلتزامات تجاه نفسنا بما معناه مجتمعنا، علنا نتعلم من أسلاف العقل ما يجب أن نتعلمه ونلمس من الحكماء ما لمسوا من قبلنا.
طبعاً كل البدائل التي ذكرتها أعلاه كانت من ثمر خيالي وتفكيري الدائم في القضية، تلك هي البدائل التي كنت أتمنى ان تتبناها مؤسساتنا الحزبية التي من المفروض أن ترعانا كأقلية عربية في البلاد. وبهذا قد أنهيت بداية نقاشي حول الموضوع علني نجحت بأن أوجه أنظار من يهمه الأمر إلى الإتجاهات الصحيحة التي من المفروض أن نبحث فيها كي نصل إلى ما يجب أن نصل إليه من قرارات في الموضوع ذاته أو في مواضيع آخرى لكي نكمل السير نحو بناء مجتمع متحضر، مفكر، راقٍ ومثقف.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة