الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 12:02

محمد مرسي الشهيد المحتمل/ بقلم: عزت القمحاوي

كل العرب
نُشر: 07/07/12 08:55,  حُتلن: 08:59

عزت القمحاوي في مقاله:

ليست هناك نبوءة باغتيال حقيقي لمحمد مرسي فلست من المطلعين على الغيب وليس لدي من ثعالب عليمة توشوشني لكن الأمور تسير باتجاه التصفية المعنوية للرئيس المنتخب

التلاعب بنتيجة الانتخابات بدأ منذ اللحظة الأولى لتنحي مبارك حيث خطط الجنرالات جيدًا لاغتيال الثورة من خلال الإبقاء على المواجهة التاريخية بين الفساد العسكري المنشأ والخطل الديني المنشأ

سواء كان الزائر روبرت فيسك أو كان أصغر حامل كاميرا في طاقم تليفزيوني فالنتيجة صارت واحدة: فهم أقل لما يجري في مصر! يأتي المراسلون الغربيون إلى القاهرة ويعودون ليصفوا لقرائهم ومشاهديهم الشبر الذي لمسته أيديهم من الفيل. فيسك نفسه اعتمد طريقة ابن المقفع وجورج أورويل لوصف ما يجري ووضع معلوماته وتحليلاته على لسان الطير والحيوان، واختار في مقاله بالإندبنديت الثعلب لكي يسرب على لسانه شائعات وأسرار حول تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية وإعلان فوز مرسي بدلاً من شفيق، والأخير حسب معلومات الثعلب، هو الفائز الحقيقي في انتخابات الرئاسة المصرية.

مستودع الأسرار المصرية
وعلى الرغم من عجز فيسك وقلة حيلته، إزاء مستودع الأسرار المصرية، تعلق الإعلام المصري أثناء زيارته للقاهرة بأثوابه لتفسير ما يجري، ولم يزد ما قاله فيسك عما يفتي به غيره من مفكري التوك شو المصريين، ولكنه وفر للمشاهدين والقراء القليل من الطرب الذي لا يمكن أن يوفره زمار الحي. والحقيقة لا يعرفها إلا الله والمجلس العسكري الخانق. كل المقدمات التي سبقت إعلان فوز مرسي كانت تمهد لفوز شفيق، لكن هذا ليس كافيًا للتحقق من مصداقية خبر تغيير النتيجة. مع ذلك فإن التلاعب بنتيجة الانتخابات بدأ منذ اللحظة الأولى لتنحي مبارك، حيث خطط الجنرالات جيدًا لاغتيال الثورة من خلال الإبقاء على المواجهة التاريخية بين الفساد العسكري المنشأ والخطل الديني المنشأ، آملين من وراء ذلك إلى امتثال الثوار للأمر الواقع وتركهم السلطة خوفًا من الإخوان، وإلا فلتسقط البلاد في أيدي الإخوان لينعم المصريون بنوع جديد من الاستبداد.

تسميم الطبخة
ما أسميته هنا منذ أشهر عدة تسميم الطبخة بتشجيع الأحزاب الدينية حققه العسكر بامتياز. وكما أدى ممثلهم أمام الكاميرا التحية العسكرية لشهيد الثورة وهم ينوون استئناف إنتاج الشهداء، أدوا التحية لشهيد الإخوان المحتمل محمد مرسي الذي تسمى رئيسًا. هذه ليست نبوءة باغتيال حقيقي لمحمد مرسي، فلست من المطلعين على الغيب وليس لدي من ثعالب عليمة توشوشني، لكن الأمور تسير باتجاه التصفية المعنوية للرئيس المنتخب. ولن يحتاج العسكر هذه المرة إلى مدرعات طائشة تسهك الجسد ولا إلى جنود يتصرفون من تلقاء أنفسهم لأنهم لم يحتملوا الهتافات المسيئة للجيش، لكنهم سيدعون الرئيس وجماعته يعملون بطريقتهم، وفي هذا ما يكفي لإفشاله وتقويض مراهنة المصريين على حلم الانعتاق وتأديبهم على استعجالهم عودة العسكر إلى الثكنات.

كرسي الحكم
الرئيس من جهته لم يستقر على كرسي الحكم، ليدرس ويقرر ويعزل ويولي. لم يختبر صلاحياته في ترتيب البيت ولم يظهر نية بإعادة إنتاج دولة المؤسسات، لكنه لجأ إلى ما يلجأ إليه كل خليفة أو رئيس واحد أحد، وهو وضع كل المفاتيح في جيبه. قابل الرئيس الكثير من الجماعات والفئات الاجتماعية ووعدها بإعادة حقوقها، وأنشأ مكاتب للشكاوى في القصور الجمهورية ـ بالقاهرة فقط ـ باسم ديوان المظالم والتسمية لا تخلو من الحنين لتراث الحكم الإسلامي وتنبيء عن تبسيطية مهلكة، فهذه الطريقة أيًا كان اسمها تأخذ طريق الديكتاتور المهيمن الذي يغرق نفسه في مليون قرار بهدف حل مليون مشكلة فردية بدلاً من قرار واحد باحترام القانون الذي ينهي كل المشكلات. وفي الوقت الذي لم يختبر فيه الرئيس قدرته على التمكن من مؤسسة الرئاسة بدأت جماعة الإخوان مسيرتها للسيطرة على الرئيس وكل مؤسسات الدولة.

تكهنات
تنشر الصحف تكهنات عن اختيار شخصيات وطنية مستقلة لرئاسة الوزارة، طبقًا لتعهدات مرسي، ويصرح القائم بأعمال حزب الحرية والعدالة بعكس ذلك مؤكدًا بأن الوزارة ستكون إخوانية، لأن الرئيس ابن الحزب والجماعة ويجب أن يقدم برنامجهما. وفي الوقت نفسه فتح مجلس الشورى الذي يهيمن عليه الإخوان معركة مع الصحف المملوكة للدولة. وأعلن المجلس التشريعي، الذي يحمل داخله مبررات حله، عن قبول الترشيحات لمناصب رؤساء التحرير في تلك الصحف بصفته ممثل الشعب، وأتاح لكل من يجيد اللغة العربية من الصحافيين ويرى في نفسه الكفاءة التقدم إلى المجلس بسيرته الذاتية مع قصاصات من مواده المنشورة!

تطهير الصحف
ويعلن المجلس أن الإجراء يستهدف تطهير الصحف، بينما يبدو واضحًا أن الإجراء يستهدف تمكين الصحافيين الإخوانيين. وقد سبق للمجلس أن ندد بخسائر المؤسسات للضغط على رؤساء التحرير الذين كانوا أقرب إلى الهجوم على مرشح الإخوان وليس من أجل الإصلاح، لأنه سرعان ما سكت.
وقد تعدى المجلس الإخواني اليوم مرحلة اللوم والتقريع والتجريس إلى مرحلة الشروع في تغيير رؤساء التحرير من دون تغيير بنية الفساد في تلك الصحف. وكان الأولى به أن يعمل على تطهير تلك المؤسسات ومراجعة لوائحها الداخلية التي تم تعديلها مرارًا لكي تجعل من رئيس التحرير حاكمًا مطلقًا. والجماعة كما هو واضح ليست ضد الحكم المطلق من حيث المبدأ، ولكنها تريده في صفها. وهذه معركة أخرى من معارك استنزاف الجهد في سباق الجري الودي بين العسكر والإخوان. وهو سباق سريع ومتعدد الدروب المتعرجة بحيث يعجز أي ثعلب عن متابعته.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة