الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 15:01

السفر إلى الذات/ بقلم:زياد دياب

كل العرب
نُشر: 06/07/12 15:47,  حُتلن: 12:38

منا من يمضي به العمر ولايواجه مرآة ذاته، يفتش عن عثرات الأخرين ليبني بها مرآة مشوهة يلوذ بها، ( السفر إلى الذات يأكل أفراحاً كثيرة ولكنه يبني سعادة حقيقية)...ردا على السؤال الذى طرحته عليه فى محاولتى معرفة شخصية هذا الرجل.. قال:
(من يسأل عن حال غير حاله يضيع عليه حاله)، داهمت الحيره نفسى وجرف تيار البحث عقلى ليس عن الأخر الذى بدد من الوقت والعمر كثيرا، ولكن بحثا عن حالى ونفسى.
كان دائما هناك سؤال يؤرقنى أراه فى عيون الأخرين وكأنه الجحيم كما قال سارتر، لماذا يبحث ويفتش كلّ منا فى الأخر ويحصى خطواته ونزواته وعيوبه ومزاياه ان وجدت؟، لماذا نفرح بكشف هويّة الأخر ونحاول أن نخلق من أنفسنا ملائكه تمنح وتعطى؟، لماذا لم نحاول مرة واحده أن نبحث عنّا ونعرف حالنا ونكشف مالدينا من أسرار أودعها الله فينا وتجاهلناها عن جهل؟، كيف أعطيك وانا مفلس، مثلى مثل نافخ الكير؟..
انشغل عنك بى حتى اعرف مابى وأقرأ المكتوب بى لحظتها اصبح قادرا على العطاء، حائر بينى وبينى لاأنشغل بك أنت ولا تشغل نفسك بى ابحث عن حالك، استثمر وقتك، عمرك، كى لا تخرج من رحلتك خالى الوفاض.
-----
المئات من الكتب قرأت، صادقت كثيرا من روّاد الكلمة وحرّاس القلم، أعجبنى هذا، وهذا يوما أو بعض يوم، وهربت يوما من هذا وذاك الى نبع جديد وفكر جديد يشدّنى اليه بعضا من الوقت لأكمل فرارى بحثا عن جديد فى رحلة هروب طويله وثقيله..
لم أبلغ بعد حد الفطام، هل أمضى العمر، رضيع ؟، أتجوّل فوق صفحات الاّخرين وأرتوى من خمر أفكارهم وأنطلق أثرثر وأكتب وأقول وأصبح فى نظر الأغبياء فقيه! ، أسطوانة مشروخه، كاسبت معبأ يحذف ماعليه ويعبأ من جديد، وفقا للطلب.
مئات من الكتب قرأت، هل تفرغت يوما وقرأت كتابيا؟، هل انصرفت عن الرضاعه من فكر الاّخرين، وأدركت الفطام وبحثت عن كنز معرفتى الثمين كى أنهل منه، وأقول لمن يبحث، وأكون فى قولى صادقا وأمين.
------
هل أبصرت الشمس تشرق يوما بين حناياك وسهرت وحدك فى ضوء القمر يضىء خلاياك؟، أم مازلت مثلى مفتونا بسحر القمر ودفء الشمس وانت جالسا فى العراء تستجدى العطاء
نغفل عن مابنا و هو جميل ونهوى التسكع فى انتظار أن يشرق مابخارجنا أو يضىء، تشدنا حواسنا حيث تهوى وترغب وتعشق فى اقتناء المؤقت والمحدود، متى نكبر ونعبر و ونحقق هذا الاكتفاء الذاتى بنا ونرى ونعرف وننهل ونعطى؟.
-----
كل الحكماء كانوا يوما مثلى ومثلك حتى عرفوا طريق المروى على يد خبير، وانت تقرأ عنهم، تكتبب عنهم، تشرح فى اعجاب كل معانى الكلمات فى بهجه، تعلن عن نفسك أنك دارس من العلم كذا و كذا وتحمل على كاهلك كل الأسفار، هذا فلان ..وهذا فلان ..حكماء ...نتعلم منهم العلم والحكمه ...وأنت..أين أنت؟، تبقى أنت تدور وتلف فى فلك الحكماء، تحمل رايتهم ولا راية لك، انشغلت بهم عنك، وماعرفت ان الحكمة لك كى تتعلم منها كيف تسلك الطريق الى المروى ويكون لك مشرب؟.
------
أول الطريق هو منتهاه، يبدأ منك أنت، وينتهى فيك أنت، مابين البداية والنهاية تكون رحلتك مشوارك فيك أنت، هل حاولت فهم وادراك ذلك، أم تبقى كما تحب أن تكون أنت، أعمى هنا وهناك؟.
------
تنشد الحرية وتنادى بالديمقراطيه وأنت سجين نفسك، انت واهم فى ظنك وسعيك الى حرية زائفه وديمقراطيه لن تتحقق ابدا .. الحريّه هى حرية القلب والعقل، هل حققت ذلك؟، انت تئن تحت وطأة الجسد وتختفى فـى ظلمته وتخضع الى سطوته وسيطرته وخادم أمين لتحتقيق كل مايرغب، ومايرغبه مؤقت وزائل لذا أنت فى حالة جوع دائم ونهم، وصراع دون راحه أو رضا، هل حاولت مرة واحده أن تعلن الثورة الحقيقيه حتى تحرر روحك وعقلك وقلبك من الأسر وسجن الحواس وتحظى حقا بالحرية الكبرى ...؟.
------
هل حاولت يوما إعلان الثورة وإشهار سيفك فى وجه نفسك؟، أم بقيت كما أنت مغوار فى إقتحام نفوس الاّخرين وتزكية نفسك؟، وصب وبال غضبك على هذا وفكر هذا وغباء هذا وتبقى وحدك أنت سيد العارفين؟.
هل عرفت يوما عارفا واحدا حتى تكون يوما سيدا حقا؟، كيف تكون سيدا وأنت ترزح تحت أثقال هذا الفانى وتتفنن فى أن تنال رضاه لعله يرضى؟، كيف تكون سيدا وأنت تلهث من أجل تحقيق رغباتك والفوز بما يزيدك قوه وسطوه وعدوان؟، كيف ترى مالا يرى من الحقيقه وأنت أعمى أسير أحمالك؟، ألا تعلم أنك خالى الوفاض رغم ماتملك من ذهب وفضّه وأنك هش خرب ؟، إن لم تعلن الثورة وتموت قبل أن تموت وتعرف أن فى الموت حياة، تبقى كما أنت جاهلا بك أنت.
فاقد الشىء لا يعطيه ...إذا انشغل بما فيه
حتما يستطيع تقديم مايفيد الناس
وإذا انشغل بالناس ..كان فى إفلاس
------

الجنة، هى النجاة من نيران النفس ورغبات الجسد، يوم تفوز بالمصالحه وتحقق التعادليه فى داخلك، فى هذه اللحظة فقط وعندها، تكون حقا إنســــان
عندما تجتاز العقبه وتتحقق لك الغلبة، يراك الناس الذين بهم ظلام مؤقت أنك تختلف عنهم، وأنك غريب الأطوار، لأنك أبصرت وهم عميانا بعد لم يبصرون، الظلام لا يعشق النور، ومابك من نور يصيبهم منك بالخوف والقلق لأن الظلام قائم فى داخلهم، ربما تكون تصرفاتهم رغما عنهم طائشه وغير مدركة وجارحه، ولكن لأنك مدرك وتعلم، عليك المحاولة تلو المحاوله فى صبر ودون كلل، ولكن لا ترد السيئه بالسيئه، ولكن كن كالبحر، ابتلع قاذوراتهم وامنحهم الماء النظيف، ليس على الأعمى حرج ولا على الجاهل حرج، أنت ترى مالايراه هو وتعلم مالايعلمه هو، انه محدود بحواسه وفكرة الضئيل، وانت واسع بادراكك وعقلك الغير محدود، فهل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟، القوة المدركة فى داخلك الواسع تخشاها اجسادهم الحبيسة فى قبضة الحواس، لذا لابد أن تستوعب ضعفهم وقلة حيلتهم حتى يكتب لهم يوما _ ان كانت بهم رغبة _ النجاة
------

أنت لم تعرف نفسك بعد، كل الوقت يضيع والعمر يضيع وأنت تنبش فى الاّخر، ولأنك قاصر لن ترى فى الاّخر غير النقائص، وتحسب - وهذا جهل منك - أن ماتراه فى الاّخر نتاج جهد منك ونظرة ثاقبه فاحصه مدرّبة على قراءة نفس الاّخر.
ان ماتراه من قبح وسوء لا جدال فيه، ولكن الذى لا تعرفه وجاهل به تماما، ان ماتراه فى الاّخر هو أنت !، لأنك تراه بما فى داخلك الذى لا سلطان لك عليه، وله السلطان عليك، ولأنك لعبة بين يديه، وخادم له.
ترى الاّخر بعيون قبيحه لأن فى داخلك نفس لم تدرّب بعد وتهيم فى كل واد وفقا لهواها وارادتها وليس أنت!.
تسب هذا وتكفّر هذا، وتشعر بالنشوة عقب كل تجريح وتأنيب، فأنت وقود النار التى بداخلك، لك مثل الاّخر الحق فى المعرفة، معرفة ذاتك، وربما يسبقك الاّخر وهنا تختلف الرؤيا.
هو يقول وفقا لما يعلم وانت لا علم لك به، وهو حليم بك لأنه يراك ويعلم أنك فى مأزق ويمنحك برفق النصيحه، وأنت لأنك جاهل به وبنفسك تراه وفقا لهوى نفسك الجامحه ولا تفهم من قوله شيئا لأنك كما قلت لك ..أعمى.
-------
الانسان حتى يكون انسانا حقيقيا لابد أن يعرف الطريق الذى يسلكه على يد معلّم خبير بالطريق، ولكن مانراه اليوم أن الخبراء صار لاحصر لهم يصرخون ويهددون ويتوعدون ولايفقهون شيئا، كيف تجالس نافخ الكير؟، تشم منه رائحة كريهه أو يحرق ثيابك، كل فرد صار معلّم ويحمل عصاه ويحمّر عينيه ويقول مايحلو له من خلال الاذاعات المرئيه والصحف، والمساجد التى يتصارع عليها فئة ضد فئة لتكون لهم الامامه والرأى الراجح، متاهات أودت بعقل الفرد البسيط الى مجالات ربما تؤدى به الى الشطط طالما لم يجد ضالته.
سؤال يزعجنى دائما ويحيرنى، هل يملكنا الله..أم نحن من نملكه ؟، ان الله مالك الملك ...وطالما نعرف ذلك لماذا نتصرف فى ملكه دون ارادته ونفرض ارادتنا المزيفه؟، كيف تقرر أنت لفلان أنه يدخل الجنه ولفلان يدخل النار وانت ذاتك لاتعرف الى أى منهما ستنزلق؟، لماذا لانخفف من نبرة التهديد ونحاول أن نعلّم على علم وليس على جهل
لو كان من يدعون معرفة الله وينتمون الى الديانات ويقيمون الصلاة، لو يعرفون الله بعد سلوك الطريق، ومعرفة كل منهم حقيقته وانسانيته، ماوجدنا على الأرض هذه المذابح والكم الهائل من الكراهيه
والطمع والجشع والتشبث بالدنيا، وهذا دليل أن الأصنام مازالت قائمه، وهؤلاء عبّادها
-------
ودائما للحديث بقية ..طالما مازال فى العمر بقيّة
فى القديم كانت الناس تصنع الألهة وتتعبّد لها
وقالوا أنما نتخذها الى الله زلفى ( وسيله )
وهذا دليل على معرفتهم بوجود الله...
واليوم فى عصر العلم والتكنولوجيا مازال الانسان هو الانسان
يصنع الألهه ويتعبّد لها كلّ وفق هواه
ولكن فى الماضى كانت وسيله ..واليوم صارت غايه
من الذى صار أشد كفرا ونفاقا ؟
انسان الأمس أم انسان اليوم!!.

وللحديث بقية 

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة