الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 19:02

مملكة الـ أنا حُرّ / بقلم : المربية فردوس حبيب الله

كل العرب
نُشر: 19/06/12 11:24,  حُتلن: 12:40

" أنا حُرّ..أنا هيك بدي.. من حقي.. هادا إشي بخصني لحالي.. ما دخلك.. "
وعشرات غيرها من العبارات التي تحمل في طياتها ذات الفكرة, عباراتٌ تُسمَع عشرات المرات , وتٌقال المئات منها , في البيت , في العمل, في الميادين السياسية , بين الاصدقاء , في الشارع وفي ميدان النفس الداخلي.
سأتطرق فيما يلي لميدانين: البيت والشارع.


يعتقد كل فردٍ من أفراد الأسرة داخل البيت الواحد، بانه محقٌ دائما, خاصة الاب، فالأب هو المُتملّك للقرارات بمجملها ، هو الذي يقرر ماذا، من ، متى وكيف. والام مؤمنة بحريتها ومُصدقة لقراراتها ، لأنها نابعةٌ من صميم العاطفة للجميع. الابن مقتنع تماما بأنه محقٌ فهو " الولد" المواكب لجميع التجديدات ،وهو العامل الذي يعود من عمله منهكاً ، وعلى الجميع ان يوفر له كل وسائل الراحة ، فواجبٌ على شقيقته " البنت " ان تحضر له الطعام حتى إن لم تُرِد ذلك . وهو إن فتح صوته ، لن يقول احدٌ عيبا, فبإمكانه الصراخ والضحك بصوتٍ مرتفعٍ .. وإن غضِب فيمكنه التعبير عن غضبه كيفما شاء.. حتى أن بإمكانه ضرْبَ شقيقته في حال تدخلت في اموره الخاصة.. هو رجل البيت الثاني والوصي على "البنات" في حال غياب الاب .. ابدا لا انسى ابتسامة الام العريضة، حين يتلقى ابنها اتصالا من "حبيبته".. لتبدأ الام بتبادل النظرات مع ابنتها ومع باقي أفراد الاسرة، وليحاور كلٌ منهم ذاته : هي تقول "الله يحميه كِبِر وصار يحب" ، البنت تقول" ليش انا لأ" ؟ والاخ يقول " وينتى دوري انا" ، وليس هذا فقط.. بل تنتظر الام عودة زوجها الى البيت لتبشره بقولها " اسكت ساكت . مش اتصلت كنتك اليوم" . أما هو، فالملك صاحب "التاج المجتمعي العريق" .. بربكم ! الا يكفيه كل ذلك ليبني لنفسه " مملكة ال - أنا حرّ"؟؟


أما الابنة فواثقةٌ بأنها محقة لأنها تطالب بما حصل عليه اخوها " الولد" ، هي تعتقد بأنها تتحدث من موقعٍ قويٍ ومنطقيِ أكثر .. موقع " الانسان مقابل الانسان" ، فتبدأ حينها بخطواتها الاولى في رحلتها الى عالم ال " أنا حر"، لتتسّم هذه الرحلة بالأنانية وبهمجية التفكير والتصرُّف.
في مركز هذه الدائرة الاجتماعية ( العائلة ) الذي يخرج منه ما لا يقل عن اربعةِ اسهمٍ , كل في اتجاهه الخاص المختلف، تقف كلمة الحرية ليترجمها كلٌ حسب معاييره الخاصة بحجة " انا حرّ" .
الشارع هو الميدان الامثل الذي يعكس عبارة " انا حرّ " على أتم وجه . فالرجل حرٌّ لانه رجل، والمرأة حرةٌ بعد أن اطّلعت على وثيقة حقوق المرأة وأدركتها ، وبعد أن اصبحت واحدا من المركبين الاساسيين المساهمين في اقتصاد البيت. فهي لم تنفك تقول " أنا حرة .. هذه نقودي .. أنا لا اختلف عنك بشيء.. لي كياني.." ومع مرور الوقت يتسع قاموسها اللغوي أكثر ليشمل بداخله عبارات إضافية لها ذات الملامح. الفتاة حُرةٌ في تصرفاتها، في مظهرها وهندامها، حرةٌ في اختيار صديقاتها وفي ساعة خروجها من البيت وساعة العودة اليه ، ففي الشارع جميعهم غير " مسؤولين عنها" .. منهن من تتسلّح برؤية والديها لها عند خروجها وبعلمهما بما تفعل ، ومنهن من تختبئ خلف حجابها لتُشرّع لنفسها ما حُرِّم على مكشوفة الرأس.


أما الشاب , فهو " بالتأكيد " حُرّ, هو رجل المستقبل ولا شيء "يُعيبه" أو "يخدش حياءه " ، فالدين يقول (الرجال "قوامون" على النساء) والمجتمع يقول " الشب ولا اشي بعيبه" .. فلا عيب في مظهره مهما كان، ولا عيب في تصرفاته مهما كانت.. لا عيب في أن يقود سيارة والده بدون شهادة قيادة، وان كانت لديه, فلا عيب في أن يقود بسرعةٍ " مجنونة" تثير جنون " البنات" .. لا عيب في أن يُسمِع جميع الناس تلك الموسيقى الصاخبة التي يسمعها, ولا عيب في أن يرافق الفتيات من والى المدرسة.. لا عيب باي شيء يقوم به . فالأب يقول " إن كِبِر إبنك خاويه" والام تقول ما حدا قدي ، ابني صار زلمة" ... وهو لا يقول شيئا غير " أنا حرّ".


لكني لا استغرب ابدا ، فما جعلني ألجأ الى قلمي, هي تلك الحادثة التي صادفتني أثناء تواجدي في احدى الجلسات النسائية المتعددة الالوان ، أحد هذه الالوان هو " ديوانة الجارات" . ذلك اللون الذي لا اتنازل عنه لسببين: الاول، ان هذا النوع من الجلسات يعلمني الكثير عن واقع الحياة الذي ربما يختلف بعض الشّيء عن واقع حياتي. والثاني هو الشعور الجارف داخلي بالتغيير قدر المُستطاع في حال تطلب الامر.  أثناء حديثنا الذي تناول امور " الشباب والبنات" , جمعت احداهن قواها وقالت بكل جرأة, بصوتِ يتميز بالضحكة المُقهقِهة : " انا شو بدي اكثر من انو ابني يكبر, يركب سيارة اخر موديل .. يلبس نظارات شمس.. يسمع موسيقى عالعالي ويمشي ورا البنات.. أنا بعمل اللي علي.. بعبيلو السيارة "فول" بنزين والباقي عليه" .


لا انكر انني ضحكت لطريقة حديثها المسّلي , لكنها استفزتني جدا, فبعد التمعن بكلامها الذي ربما جاء بهدف إضحاك باقي النساء , أيقنت أن هذا "الحلم" يعيش حقا في داخلها. كيف لذلك الشاب ان يفكر بطريقة عميقة ومختلفة , حين لا يرِث عن أهله سوى هذا "الميراث" السطحي؟ كيف له أن يفكر بثقافة الفكر والروح، حين يعيش هو ثقافة الاستهلاك في كل لحظة؟
كيف للبنت أن تنشغل بجوهر الامور, حين يكون جُل انشغالها بانتزاع حقوقها الاساسية , وبحربها المجتمعية الظالمة؟ .. متى ستنجح تلك الفتاة بان تسأل نفسها ماذا اريد أنا ؟ وماذا لا اريد؟ .. فكل ممنوعٍ مرغوبٍ.. وهي الان تقوم بالممنوع والمسموح في آنٍ واحدٍ.


ما يحدث هنا اذا ، هو محاولة تطبيق الحرية المطلقة، لكن لا شيء مُطلَق ، الا اننا نستطيع أن نقلّص من الفجوة بين الحرية المطلقة وبين الحرية الموجودة ، وذلك بالحل الوسط، الا وهو محاولة تطبيق الحرية المنشودة التي يسعى الانسان من خلالها الى ممارسة حريته كفرد مع الحفاظ على النظام الاجتماعي وجميع الانظمة الحياتية الاخرى.
ما أسعى اليه هو النجاح في ممارسة حرية الفرد وتطبيق قواعدها بشكلٍ سليم.. فعندما يفهم الفرد مِنّا ان حريته تنتهي عندما تبدأ حرية غيره من الافراد، وعندما يُدرِك ان تنفيذه لقوانين الأطر المختلفة التي ينتمي اليها , ما هي بتحديد لحريته كفرد , انما ضمانا لتطبيق مفهوم الحرية بالشكل الصحيح., قد نصل الى ما وصلت اليه بعض المجتمعات من المواقع الآمنة التي تضمن لنا النجاة المجتمعية والدينية.

لقد وصلنا الى مرحلة "متقدمة " جدا من الفوضى، وخلت بيوتنا من الحب والطمأنينة ، وأصبحت أرواحنا واجسادنا ملك ٌ لشهواتنا . لذا قبل ان "نتبنى " عنوان " الحرية الفردية" ، دعونا نفهم ما هي تلك الحرية الفردية ؟ ماذا تعني؟ ما المقصود بها ؟ أين باقي الافراد منها ؟ وما يُراد بها؟  دعونا أيضا نتجنب التفكير بقضايا ليست هي المحور، رجلٍ أو امرأة ،مسلم ، مسيحي أو يهودي، غني أم فقير، كبير أم صغير ، ونتمعن بالفرد وقيمته الانسانية .. نعم دعونا نفكر ب"مركز الانا" الخاص بنا، لكن مع الاخذ بعين الاعتبار وجود "مراكز انا اخرى" ، علَّنا نُدرِك بعض ما نتمنى.

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة