الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 14:02

حين صارت الفراشة ذئبا /بقلم: حنان زعبي-نين

كل العرب
نُشر: 14/06/12 20:08,  حُتلن: 22:22

اذكر الان "لعبة الكراسي". تلك اللعبة التي لم احبّها يوما والتي طالما اجبرت على ان العبها دون ان اشعر برغبة فيها ابدا. كانت معلمة "البستان" ترتّب ستّ كراس صفراء صغيرة وسط الصف ومن ثم تقوم باختيار خمسة مشتركين. وعلى ما يبدو فان عملية اختيار خمسة طلاب من اصل ثلاثين لم تكن بالعملية السهلة, خاصة اذا قررت المعلمة ان تكون اللعبة في العشر دقائق الاخيرة من الدوام المدرسي ولا بد ان تكون اللعبة عبارة عن شوط واحد لا اكثر.فكانت المعلمة تدور بعينيها حائرة لتختار الخمسة مشتركين . اما انا فقد كنت اتمنى بقرارة نفسي ان لا يتم اختياري ابدا, فكنت احني راسي واغرز عينيّ في السجادة الزرقاء الناعمة التي كانت تغطي ارضية الصف. ولكن اذا ما "شاءت الاقدار" واختارتني المعلمة , كنت اقفز من مكاني مصطنعة السرور.فهذا ما كان يفعله بقية "اولاد صفي" اذا ما اختارتهم المعلمة.يثبون من اماكنهم بنوع من النصر مرددين كلمة "يييش".وكنت انا افعل هذا ايضا مقلدة اياهم,مع ان كل ما كان يملا صدري حينها هو السخط وخيبة الامل الشديدين. وحين تبدا اللعبة تمسك المعلمة دفها البني الصغير وتدق عليه بيدها الطويلة اللامعة ذات الاظافر الطويلة والانيقة, بينما ندور نحن حول الكراسي الصفراء كفراشات رقيقة .ندور وندور حتى اذا ما توقف قرع الدف نجلس جميعا الا واحد يكون هو الخاسر, فيخرج من اللعبة وتقوم المعلمة باخراج كرسي واحد ايضا.وتستمر اللعبة هكذا الى ان تنتهي بخسارة اربعة مشتركين وفوز واحد فقط.وكنت انا الخاسرة الاولى وفي الجولة الاولى اذا ما تم اختياري كاحد المشتركين طبعا.فلم تكن لي النية في الفوز اصلا, فكنت ادور حول الكراسي دون ان انظر اليها او دون ان احاول تحين الفرصة لاكون قريبة من احدها لاجلس عليها بسرعة اذا ما باغت الدف بالتوقف عن القرع.كل ما كنت اقوم به هو الدوران. وكنت ادور كمن يدور حول نفسه دون هدف ,فاذا ما حانت لحظة التوقف عن الدوران و "الهجوم" على الكراسي كنت اقف مكاني مسالمة لاخرج من اللعبة متظاهرة بالضيق مقلدة بذلك ايضا "اولاد صفي" حين يرجعون الى اماكنهم خاسرين.وتكون بذلك قد انتهت المهمة, فاجلس مكاني متنفسة الصعداء كما لو ان هما كبيرا ازيل عن صدري بعد ان جثم طويلا, ولاكون متفرجة لا اكثر على بقية اللعبة.
واما لما كرهت "لعبة الكراسي" تلك فلا ادري. ربما لانني لم احب الجزء الاخير منها حين "يتربع" الفائز على الكرسي الاصفر تملؤه وتكسي وجهه نشوة الانتصار .فكنت لا اكنّ بقرارة نفسي التقدير والاعجاب للفائز كما كنت اكنهما للفائزين عادة ببقية الالعاب, كلعبة "الحزازير" او غيرها . كنت اشعر عوضا عن التقدير والاعجاب, ودون ان ادري او دون ان استطع ترجمة شعوري حينها على نحو او اخر, ان الفائز في "لعبة الكراسي" تلك هو كالملك القاهر الذي تربع على عرشه غصبا وعنوة بغيره. فلم يكن هناك اصلا ما يستحق ان يثير اعجابي وتقديري له.
والان تمر الحوادث سريعة وكثيرة في حياتي خاصة وفي الدنيا عامة. وفي احيان عدة لا استطيع الا الرجوع بذاكرتي بعيدا عشرين سنة اكثر بقليل او اقل بقليل, لاسترجع ذكرى تلك اللعبة.فلا ابتسم كما افعل عادة عندما تلوح لي ذكرى حلوة كانت او مرة من زمن الطفولة.بل اجد نفسي مقطبة جبيني متسائلة " كيف للفراشات ان تصير ذئابا؟". فانبش جادة عن اجابة لاجد نفسي ناقمة اذ لم ارغب بتلك اللعبة ولم اجد فنّها!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة