الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 01:02

أيتها السمراء أية تفاحة أكلت لتحصدي كل هذا الحرام؟/ بقلم: زياد دياب

كل العرب
نُشر: 09/06/12 12:15,  حُتلن: 12:19

سكون، سكون مرعب، أباطرة افترشوا الحرير ووسائد الريش، ورعية افترشت يأسها وشقاؤها أسندت ظهرها إلى حجر، رعية نزفت نصف دمها ونصف عافيتها، أيقنت بعد اكثر من نصف قرن من الحلم والوهم أن ما جرى اكبر منها، وان ما يجري سوف يمر أمام أعينها حتى لو كانت اكبر من عمالقة الأساطير... لا شيء يقطع هذا السكون سوى هدير جنازير الدبابات في القرى والمدن السورية، سوى صراخ أمهاتنا وعويل أطفالنا، سوى أصوات القهر وسواد الأحلام في زنازين وأقبية السجون العربية التي أضحت اكثر من المدارس والحدائق، وسط مناخ عربي قابل لكل شيء سوى العافية...

سكون لا يقطعه سوى لحظة الهشاشة الثابتة للوعة الفرد المحكوم بحرية غالية الثمن، صوت الإنسان الضاحك الحر، الصعلوك الملكي في الزمن البائس، زمن تقارير أجهزة الأمن وأحذية البوليس، وخنق عفوية الإنسان، سكون يلونه إنسان عربي محتشد بالخوف والضياع والرغبة والاحتمالات، يقف في منتصف الطريق بين ألم اللحظة وحلم صغير لم يقبل بعد، يحاول استنبات زهرة لنفسه من ذاك الخراب، يسقيها بالبراءة حينا وبقليل من التمرد والأمل حينا...

سكون تهشمه دمعة صبية سمراء سالت حزنا على حمامات السلام، و أخرى كانت تهوى جمع الياسمين لكنها في زمن الثورة عشقت حجرا، سكون يقتحمه صراخ أطفال يتعلقون باللحم المشرح بعد أن صلبت أمهم في الحولة، صورة طفل يقاوم نيابة عن أمة، صوته مس شفاف القلب، تمنى ورحل، أو صوت أغنية لشاب عربي في مدينة عربية حدق في عروبته مرة واحدة نحو دائرة النور، فبصق على الرصيف لعله يبصق أشلائه....
ربما سمراء هي فتاة جامعية من الدار البيضاء، أو هي معلمة في القاهرة، ممرضة في المنامة، أو شهيدة في مخيم جنين، ربما هي زيتونة في تونس، أستاذ جامعي في السودان، أو ربما هي نخلة في البصرة، أو زهرة نبتت مكان شظية في الجزائر....

زمن ليس لهم، هو زمن الخريف يعلق على شجر الرصيف أشباحا تطرز في عيون السمراء أسماء المدن الجريحة التي هوت على الجفون حطام، زمن واحد لا يتغير إلا حين نضعه في جيوبنا ثم نقبض عليه بأكفنا الراجفة خوف أن ينزلق إلى قعر الذاكرة.

سمراء كان لها فوق هذا التراب فراشتان، طفولة ملت السؤال، وحلم يابس جعلوه زنزانة بداخلها جرح وعلى بابها فتات الخبز، سمراء كانت تحلم بالندى ينعقد بالونات شفافة على سيقان النعناع البري في ضيعة عربية جبلية...
هي الأرض المتفردة التي تأكل لحمها كلما مر فجر جميل، طيورها تغرق أعشاشها بالضفادع والحشرات، نساؤها مثل رمال البحر لا يجدن الرغيف، الموت فيها يتوضأ بالموت، جثث أطفالها تفترش الشوارع، جندها يجوبون الأزقة والميادين ببنادقهم وهراواتهم، سماؤها تقذف الشتائم، بحرها مقبرة لكن موتاها بلا قبور...

سكون ينمو وينتشر مع أمة ابيض شعرها واصبح كالثلج المنهار، ابيضت أعضاؤها وأصبحت كزهرة متشحة ببياض الموت لم يبق منها سوى بهجة الحمرة على الفم، فقتلت أحلامها وجاءت الساعة الصفراء فتبدد الوهم وكذبت الأسطورة ولم يبق إلا الأنقاض والخراب...
هو سيد الوقت لم يصحو من غفوته بعد، ربما يوقظ الحجر نوم المسيح، ربما ينضر وجه الشمس المخلوع بعد وقت أو يزيد لكن.. من ثقوب الذات هناك دوما بقايا متماسكة، فالسمراء تعرف الاتجاهات، كل المسافات جزء من نبضها، قدرها رغم آلامها أن تلد وجودها وتتلمسه، سمراء تشبه صخرة انغرست كوردة حمراء في السهل الواسع، هي جدار للجرح عند اشتداد النزف، هي لبنة الصمود الخلفي، أكاد اجزم أني اعرفها، اعرف اسمها وملامحها، عمرها واسم مدينتها، اعرف جميع السمراوات على امتداد الوطن العربي الكبير، اعرف أفراحهم القليلة وخيباتهم الكبيرة

أيتها السمراء، أين انتصبت وأين انكسرت، ماذا ابقوا لك وماذا ابقوا فيك، أيتها السمراء... أية تفاحة أكلت لتحصدي كل هذا الحرام.............. زياد دياب.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة