الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 09:02

انتخابات الرئاسة في مصر/ بقلم: زياد شليوط

كل العرب
نُشر: 31/05/12 19:55,  حُتلن: 15:30

زياد شليوط في مقاله:

المواطنون عبروا من خلال وسائل الاعلام عن آرائهم في الرئيس القادم ومواصفاته وظهر واضحا أن الخوف انقشع من قلوب المصريين بفضل ثورة يناير 2011

وسائل الاعلام وخاصة المصرية لعبت دورا كبيرا وأتقنت دورها في اللعبة الديمقراطية دلت على مهنية وحرفية لدى الاعلاميين المصريين والتي لم يكن يسمح لها بالظهور في ظل الحكم السابق

يمكن أن يقال الكثير عن تجاوزات حصلت في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة ويمكن تقديم الطعون من قبل بعض المرشحين والتي رفضت غالبيتها من قبل لجنة الانتخابات العليا ويمكن الاشارة الى مخالفات ورشاوى ترافق عادة الانتخابات في أي مكان

المحللون والاعلاميون واستطلاعات الرأي أخطأت في توقعاتها بالنسبة لترتيب المرشحين ففي البداية كانت التوقعات تقولإن أبو الفتوح سيكون في المرتبة الأولى ويليه عمرو موسى وتوقع الجميع أن يحل المرشح حمدين صباحي وهو وجه جديد في المكان الخامس

عاشت مصر وعلى مدار يومي 23 و24 أيار الماضي، ما أطلق عليه "عرس ديمقراطي" لأول مرة في تاريخها، تمثل في اجراء انتخابات حرة ومباشرة لرئيس جمهورية مصر العربية، وشوهدت طوابير الناخبين أمام صناديق الاقتراع، وعمليات الفرز التي تمت بشفافية وتحت مراقبة جمعيات مصرية ومراقبين دوليين. وعبر المواطنون من خلال وسائل الاعلام عن آرائهم في الرئيس القادم ومواصفاته، وظهر واضحا أن الخوف انقشع من قلوب المصريين بفضل ثورة يناير 2011. والجديد في الانتخابات أن مرشحي الرئاسة وقفوا في الطوابير مثلهم مثل أي مواطن بسيط، دون حراسة أو أي مظهر يدل على وجود شخصية هامة.
 

وسائل الاعلام
كما لعبت وسائل الاعلام وخاصة المصرية دورا كبيرا، وأتقنت دورها في اللعبة الديمقراطية دلت على مهنية وحرفية لدى الاعلاميين المصريين، والتي لم يكن يسمح لها بالظهور في ظل الحكم السابق، حيث استضافت الفضائيات المصرية مرشحي الرئاسة وأجرت معهم حوارات جدية، كما نقلت أسئلة الشعب بفئاته وطبقاته المختلفة الى المرشحين بكل حدة وقوة، وقام المرشحون بعرض برامجهم وطرح رؤاهم دون قيود. يمكن أن يقال الكثير عن تجاوزات حصلت في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة ويمكن تقديم الطعون من قبل بعض المرشحين والتي رفضت غالبيتها من قبل لجنة الانتخابات العليا، ويمكن الاشارة الى مخالفات ورشاوى ترافق عادة الانتخابات في أي مكان، لكن شهادات المراقبين الدوليين والمحليين وتقارير الاعلام المباشرة والمفتوحة، دلت وأثبتت أن الانتخابات كانت ناجحة وأجمع المراقبون والمحللون على نزاهة وشفافية الانتخابات، ولا ننسى أنها أول مرة تتم بهذا الشكل الديمقراطي.

المفاجآت بين مرشحي الرئاسة والاختيار المر
خاض انتخابات الرئاسة المصرية 13 مرشحا يمثلون مختلف التوجهات السياسية داخل مصر، معظمهم أعلن ترشيحه بشكل مستقل رغم انتمائه الحزبي والسياسي كي يضم الى حملته قطاعات شعبية أوسع. وفي الأيام الأخيرة القليلة قبل يوم الانتخاب تداولت وسائل الاعلام أسماء خمسة مرشحين سيحلون في المراتب الأولى وستنحصر المنافسة بينهم للانتقال للجولة الثانية من الانتخابات وفعلا فان أولئك الخمسة حصلوا على أعلى النتائج وهم: الدكتور محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة التابع لحركة الاخوان المسلمين، الفريق أحمد شفيق رئيس الحكومة السابق ومن أركان النظام السابق، حمدين صباحي صحفي ومناضل ناصري من قيادات ثورة 23 يناير، عبد المنعم أبو الفتوح من قيادات الاخوان المسلمين الذي انفصل عن الحركة وعمرو موسى وزير الخارجية الأسبق وأمين عام الجامعة العربية السابق. باستثناء د. مرسي فان سائر المرشحين الأربعة الآخرين خاضوا الانتخابات كمرشحين مستقلين.

اخفاق التوقعات
المفارقة في الموضوع أن المحللين والاعلاميين واستطلاعات الرأي أخطأت في توقعاتها بالنسبة لترتيب المرشحين. ففي البداية كانت التوقعات تقول أن أبو الفتوح سيكون في المرتبة الأولى ويليه عمرو موسى، وتوقع الجميع أن يحل المرشح حمدين صباحي وهو وجه جديد في المكان الخامس. وفي اليوم الأول للانتخابات تغيرت التوقعات وبدأت بعض المحطات الفضائية تشير الى تقدم مرسي وشفيق وصباحي وتقهقر موسى وأبو الفتوح. وبالفعل ومع ظهور النتائج الأولية تأكدت تلك التوقعات، بل أن احتمالات حمدين صباحي بالمنافسة في الجولة الثانية ارتفعت، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا. وبعد ظهور النتائج الرسمية تأكد أن المنافسة على الرئاسة ستنحصر بين مرشح الاخوان والتيارات الدينية المتشددة محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق الذي يعتبر مرشح النظام السابق وأركانه وخاصة بقايا الحزب الوطني الذي سيطر على الحكم في مصر طوال عقود أربعة ماضية. وهذه النتيجة لم ترض الملايين ورفعت من نسبة القلق بين صفوف الشعب والمراقبين، الذين رأوا أن شعارات الثورة بالتغيير لم تتحقق، وليس هذا ما اراده شباب الثورة حقا، فالخيار اليوم يقف بين اقامة دولة دينية أصولية وبين دولة تخضع لأساليب النظام السابق الفاسد.

تراجع المرشحين شعبيا
لقد فوجيء الكثيرون بهذه النتيجة وتمركزت التحليلات والآراء، على القول أن من أسباب تراجع أبو الفتوح وموسى هي المناظرة التي جرت بينهما على التلفزيون وشاهدها الملايين، وهي التي أدت الى تراجع المرشحين شعبيا وتقدم مرسي وشفيق عليهما. وتبين أن الشعب يريد كلاما واضحا وصريحا ومحددا، أما من تكلم بكلام عمومي ومبهم فتم اقصاؤه عن المراتب الأولى. من المعروف أن د. محمد مرسي وهو رئيس حزب العدالة لم يكن المرشح الرسمي والمختار للحزب، انما جيء به بعد الغاء ترشيح المهندس خيرت الشاطر من قبل لجنة الانتخابات العليا، ولهذا فان انتخاب مرسي جاء على خلفية عقائدية حزبية ومن قبل مؤيدي الاخوان المسلمين، ولا ننسى أن أبو الفتوح وهو من قيادات الاخوان سابقا والذي خاض الانتخابات بشكل مستقل، حصل على أصوات شريحة واسعة من مصوتي الاخوان والسلفيين اضافة الى شرائح من شباب الثورة، حيث عد أبو الفتوح من مرشحي الثورة لأنه شارك في مظاهرات ميدان التحرير أيام الثورة ولم يتخلف عن دعمها والانخراط في صفوفها، على عكس حركة الاخوان التي تأخرت في الاعلان عن تأييدها للثورة والانخراط في نشاطاتها.

مناصرو نظام مبارك
أما الفريق أحمد شفيق فقد حصل على تأييد مناصري نظام مبارك وكوادر الحزب الوطني المنحل، والذين ما زالوا في الساحة ولهم تأثيرهم وجمهورهم وقواعدهم لدى قطاعات كبيرة مثل رجال الأعمال والطبقة الوسطى، أضف الى ذلك ما اشيع عن التأييد الكبير الذي حصل عليه شفيق بين الأقباط المصريين وتوجههم للتصويت له، رغم ان الكنيسة القبطية أعلنت اكثر من مرة عن عدم تأييدها لأي مرشح وأنها تقف على نفس المسافة من جميع المرشحين. لكن كون شفيق من الجهاز العسكري حيث كان قائدا للطيران قبل أن يوليه مبارك رئاسة الحكومة، والذي أكثر من التصريحات الواضحة والعلنية عن اقامة دولة القانون والحفاظ على الأمن الداخلي أثر كثيرا على قطاعات كبيرة من الشعب الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار الداخلي، بعد فترة طويلة من التسيب الأمني الداخلي فاتجهوا لتأييد شفيق، علاوة على أن من يرفض الدولة الدينية كما يطرحها الاخوان رأوا في شفيق الشخصية القوية التي يمكن ان تتصدى للاخوان ومشاريعهم فأيدوه في الصناديق. واستنكر جميع المحللين والاعلاميين الذين ظهروا في وسائل الاعلام شبه التحريض على الأقباط أنهم جميعهم صوتوا لشفيق وفندوا هذه الفرية، مثبتين أن أصوات الأقباط توزعت بين المرشحين كما توزعت أصوات سائر المصريين، بل أن منهم من دعم وصوت لأبو الفتوح الاسلامي، وشاهدنا بعض الأقباط يصرحون بذلك علانية من خلال وسائل الاعلام، ناهيك عن تصويت أعداد كبيرة من الشباب القبطي لصالح حمدين.

حمدين صباحي "الحصان الأسود" في انتخابات الرئاسة
لا شك أن المرشح حمدين صباحي شكل المفاجأة الكبرى في انتخابات الرئاسة المصرية بكل المقاييس. حيث يعتبر صباحي وجها جديدا بالنسبة للغالبية وقليلون يعرفونه أو يعرفون نشاطاته، وقد اعتبر مرشحا غير رسمي لقوى ثورة يناير، حيث تواجد صباحي منذ اليوم الأول في ميدان التحرير وكان يوميا مع الثوار ومع الشباب يهتف ويعمل على اسقاط نظام مبارك. وكانت أفضل التوقعات أن يصل حمدين للمكان الخامس بين المرشحين، بل أنه في البداية لم يشر اليه كمرشح جدي وقوي. وقال الكاتب المصري بهاء طاهر أن الفائز الأول في الانتخابات بنظره، مع أنه لم يصل للجولة الثانية ولن يصبح رئيسا لمصر الآن، هو حمدين صباحي. وأطلق معظم المحللين والاعلاميين على صباحي لقب "الحصان الأسود" في الانتخابات، أي الحصان الذي يكون في الخلف في البداية وعند النهاية يتقدم على الجميع. وكثرت التحليلات وتعددت الآراء في الأسباب التي أدت الى هذه المفاجأة الكبيرة، ويمكن اجمال ذلك الى عدة أمور نلخصها فيما يلي: مع أن حمدين صباحي ناصري التوجهات ويرأس حزب "الكرامة" الناصري، إلا أنه حرص وبذكاء على أن يخوض الانتخابات كمرشح مستقل متوجها لكل الشعب ومشكلا حلقة كبيرة من النشيطين الشباب حوله. اختيار شعار دغدغ قلوب المصريين البسطاء وهو "حمدين صباحي واحد مننا"، شعار بسيط في مبناه كبير في معناه، كما توجه حمدين ببرنامجه للعمال والفلاحين بشكل خاص وأثبت أنه قريب منهم يعرف مشاكلهم الصغيرة وقضاياهم الكبيرة، وأنه يحس بهم ويعيش همومهم وذكرهم بالزعيم الذي افتقدوه مبكرا وكان قريبا منهم ألا وهو القائد جمال عبد الناصر، نصير العمال والفلاحين والفقراء. وهكذا ازداد الالتفاف الشعبي حول حمدين صباحي بشكل كبير جدا، وراهن البعض أنه لو أجريت الانتخابات بتأخير أسبوع واحد لفاز حمدين بالرئاسة.

واقع جديد وتحديات جديدة
هذه النتيجة أوجدت حمدين صباحي أمام واقع جديد وتحديات جديدة، واثبت صباحي أنه يتمتع بمميزات القيادة، وقد عمل وفق رؤاه القومية والثورية والتقدمية، حيث رفض تأييد مرشح الاخوان المسلمين لأن خطه يتعارض مع خط الاخوان ورؤيته المستقبلية لمصر تتعارض مع رؤيتهم، فلم يكن بالامكان تأييدهم بسرعة حتى ولو بحجة اغلاق الطريق على مرشح النظام السابق أحمد شفيق الذي عارض حمدين ترشيحه منذ البداية وطالب بالتصدي له. فالتحدي أمام حمدين اليوم أن يقود التيار الثالث في مصر الذي تبلور في الانتخابات وهو الخط العروبي التقدمي، خط ثورة يناير الذي يندمج مع خط ثورة 23 يوليو، وحمدين وهو الناصري، المصري، اليساري، بامكانه قيادة هذا التيار والانتخابات منحته هذه المهمة، وكما قال الأديب بهاء طاهر أن ثورة يناير بات لها قائد اليوم والانتخابات صنعته وهو حمدين صباحي. المهمة اليوم أن يقود حمدين صباحي تيار الثورة ويبلور هذا التيار بحركة سياسية شعبية واسعة، تعمل خلال الفترة القادمة لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة لتكون قوة رئيسية في قيادة مصر وايجاد الحلول لمشاكلها الداخلية والخارجية، خاصة في ظل التقاطب الحاد والخطير الذي نشأ عن نتائج الانتخابات الأخيرة، حيث يقف الشعب المصري امام خيارين أفضلهما مر وهو اما اختيار مرسي أو شفيق، لكن يبقى الأمل في الطريق الثالث الذي أعلن عن بداية تشكيله بالفعل صباحي في لقاء مع فضائية (ontv) المصرية فجر الأربعاء الماضي، على اثر لقاءاته مع مرشحي الرئاسة وعلى رأسهم د. أبو الفتوح الذين اتفقوا على أن تيارهم هو الأول والأكبر، وهذا التيار لن يختار أيا من المرشحين ويترك الحرية للمصوتين، لكن هذا التيار الذي يمثل حلم مصر وشباب مصر شعب مصر سيتبلور في حركة وطنية شعبية واسعة، لقيادة مصر بعد أن تكتمل الثورة وتحقق أهدافها.

(شفاعمرو/ الجليل)

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة