الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 07:02

النائب محمد بركة: تصريحات نتنياهو مشينة وأفكاره منحطة ويحارب الفقراء وليس الفقر

كل العرب
نُشر: 07/04/12 07:56,  حُتلن: 12:00

 

النائب محمد بركة في مقاله:

نتنياهو بتصريحه المشين يعلن عمليا أن سياسته هي محاربة الفقراء وليس الفقر

نتنياهو بسياسته الاقتصادية النيوليبرالية المتطرفة جاء ليخدم شريحة ضيّقة من كبار الرأسماليين الذين يستأثرون بالاقتصاد

نتنياهو يخترع مصطلح "اللا سامية الاسلامية" للاندماج في الإسلاموفوبيا التي اجتاحت أميركا والغرب عموما في السنوات الاخيرة

المطلوب حركة احتجاج أكثر نضجا قادرة على قطع الطريق على الحكومة ورئيسها لتأليب فريق على آخر من المتضررين من سياسته

رئيس الحكومة تفوّق على نفسه في منسوب العنصري بتصريحه المشين لكن هذا التصريح ينسجم مع المنحدر الفاشي الذي يقود نتنياهو دولة اسرائيل اليه وفيه

تفوّقَ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على نفسه بتصريحه المقزز، وتجاوزَ المنسوبَ المعلن لعنصريته، حينما قال، "إن الطبقات الوسطى خرجت لتتظاهر(يعني الاحتجاج الاجتماعي في الصيف الماضي) لأنها (شعرت انها) تموّل العرب والمتدينين اليهود الأصوليين (الحريديم)". (هآرتس 5/4/2012). يحلو لنتنياهو في كل مناسبة تقريبا، أن يلوّح بالمعاناة الرهيبة التي كانت من نصيب اليهود إبّان الحقبة النازية، ويقوم هو بتسليعها، لتبرير هواجس الأمن الصهيونية، وبحجة أن اليهود لن يسمحوا، في أي ظرف، بأن يتحولوا إلى ضحية فاقدة الحيلة، يقوم هو بإطلاق المبررات لشن حرب على إيران، قد تحصد ارواحا- اسرائيلية أيضا- فوق الخيال، وهو يخترع هواجس الأمن والحق التوراتي لرفض حقوق الفلسطينيين وتكريس الاحتلال، وبذلك ينسج الاجماع القومي الصهيوني، ثم يخترع مصطلح "اللا سامية الاسلامية" للاندماج في الإسلاموفوبيا التي اجتاحت أميركا والغرب عموما في السنوات الاخيرة.

اللغة الفاشية
يعرف نتنياهو جيدا المقولات التأسيسية للفاشية الأوروبية التي وجهّت سهامها السامة إلى "الأعراق المنحطّة"، والى الساميين خصوصا، والى اليهود أكثر تخصيصا. هو يعرف اللغة الفاشية التي تحدثت عن اليهود كطفيليين وقذرين وجشعين، و"يطعنون الأمة في الظهر". والآن عشية الفصح العبري يأتي نتنياهو باحتفالية مشبوهة ليتحدث عن العرب كطفيليين يقتاتون على حساب غيرهم.
لقد وقع رئيس الحكومة بتصريحه إياه في المحظور، حتى وفق العُرف الاسرائيلي المألوف والمعلن، الذي يقضي بأن لا شيء يقارن بجرائم النازية الوحشية والرهيبة.


لقد تعلمنا في بدايات بلورة وعينا عن الملامح والمؤشرات التي تدلّل على تبلور النظام باتجاه الفاشية:
1- وجود أزمة اقتصادية اجتماعية وخلل فادح في العدالة الاجتماعية، وانتشار الفقر والتذمر، أو انتشار جيوب للفقر والتذمر.
وبدل أن يأخذ النظام ذو النزعة الفاشية دوره لتحقيق العدالة، يتبنى دعاية قومجية ويلوح بأخطار اخرى تبرر وضع الدولة والإجماع والنظام الحاكم ، فوق معاناة ومطالب الناس، وتبرر لاقتصاد الاستئثار لصالح الطبقات الحاكمة والعليا.
2- انتاج خطر خارجي لا يمكن مواجهته إلا بوحدة الأمة وقرع طبول الحرب وممارستها، "الحرب هي اصل كل شيء، هذه الفكرة تسيطر على الكون، هذا عالم تحدد نظامه القوة والعظمة"، (هتلر 1942).

وسائل الإعلام
3- محاولة اخضاع وسائل الإعلام لخطاب المؤسسة الحاكمة، وقد رأينا نماذج اسرائيلية طازجة بهذا الشأن، مثل جريدة نتنياهو (يسرائيل هيوم)، أو تعيين موالين لرئيس الحكومة في إدارة سلطة البث العامة، ومحاولة تدجين القناة العاشرة من خلال استغلال أزمتها المالية والتحريض الرسمي على صحفيين معارضين، أو على صحافة معارضة مثل حملة نتنياهو على جريدة "هآرتس" وغيرها.
4- محاولة اخضاع الجهاز القضائي ومؤسسة التشريع لأغراض الحكومة، وقد رأينا سياقا اسرائيليا واضحا في الفترة الأخيرة، الذي انعكس في التدخل السافر من قبل الحكومة في تعيين القضاة،وفي نقابة المحامين وهجوم منفلت تقوم به شخصيات سياسية يمينية على المحكمة العليا، وتشريع القوانين للالتفاف على قرارات وتوجيهات المحكمة العليا، مثل التعديل على قانون المواطنة سيء الصيت وغيرها.

غسيل دماغ
5- القيام بغسيل دماغ مبكّر وصياغة رواية قومجية متطرفة يجري صبّها في جهاز التعليم، ونفي أية رواية أخرى، الأمر الذي انعكس في وزارة التعليم بقيادة غدعون ساعر، بشأن رفع عدد ساعات التعليم لتعزيز الهوية اليهودية الصهيونية أو ترتيب "زيارات هوية" للمدارس إلى مدينة الخليل المحتلة، بوصفها "مدينة الآباء"، أو شطب أي ذكر للنكبة الفلسطينية من مناهج التعليم.
6- أخيرا وليس آخرا، التحريض على الأقليات القومية والدينية الذي مارسته الفاشية الأوروبية "بمهارة" دموية ضد اليهود والغجر وغيرهم، وتقوم به حكومات اسرائيل بشكل آخر ومنهجي ضد الشعب الفلسطيني، وضد الأقلية الفلسطينية في اسرائيل والتي ظلت متشبثة بوطنها بعد نكبة العام 1948، والتي يتهمها اقطاب الحكم في اسرائيل على أنها طابور خامس، وأنها لا تشارك في سوق العمل، وترتكب ضدها اعتداءات في أماكن العمل، وفي ملاعب كرة القدم، وتمارس الحكومات ومؤسسات الدولة التمييز والعنصرية ضدها في كل مناحي الحياة دون استثناء.
كما هو واضح، فإن الملامح التاريخية الكلاسيكية متوفرة في الحالة الاسرائيلية، بشكل مقلق للغاية ومذهل للغاية وسط تساوق المعارضة الاسرائيلية الصهيونية ووسط تسليم وصمت دوليين يثيران الريبة.


لكن هناك ثلاثة امور متعلقة بواقع الفلسطينيين في اسرائيل تتعارض مع النزعة الفاشية:
1- توفر هامش ديمقراطي مهم في اسرائيل، ولكنه آخذ بالتراجع بشكل متواصل.
2- عدم امكانية الاستفراد بالمواطنين العرب الفلسطينيين في ظل الفضاء الإعلامي والتكنولوجي المفتوح رغم صنوف الاضطهاد القومي والتمييز العنصري المستفحل.
3- والأهم الصيغة الكفاحية الواعية والحكيمة التي تتمسك بها الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، التي تزاوج بين الحقوق المدنية والحقوق القومية، والتي تتبنى بغالبيتها نهج النضال المثابر، وهو الأمر الذي فوّت على السلطة الاسرائيلية أن تتعامل مع هذه الجماهير كلقمة سائغة.
في أحد اللقاءات السياسية في تل ابيب عيّرني أحد الأشخاص بأننا- العرب- نرفل بالديمقراطية ولا نشكر اسرائيل على هذه النعمة ، فقلت له تعال نعمل صفقة معقولة، إذا كانت نعمة الديمقراطية غالية إلى هذا الحد، فأنا اقترح أن تأخذوا ديمقراطيتكم وتعيدوا لنا أرضنا، ونبدأ العلاقة من هناك.

***

وعوْدٌ على بدء...
تفوّق رئيس الحكومة على نفسه في منسوب العنصري بتصريحه المشين، لكن هذا التصريح ينسجم مع المنحدر الفاشي الذي يقود نتنياهو دولة اسرائيل اليه وفيه.
ورغم ذلك لا بد من قول ما يجب أن يقال رداً على ما قيل:
1- نتنياهو هو رئيس الحكومة، وهو الذي يتحكم بالأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأزمة الطبقات الوسطى هي من انتاج حكومته، التي تصرف الميزانيات بالأساس على الاحتلال والاستيطان والعسكرة. ونتنياهو بسياسته الاقتصادية النيوليبرالية المتطرفة، جاء ليخدم شريحة ضيّقة من كبار الرأسماليين الذين يستأثرون بالاقتصاد، فحسب أبحاث سابقة فإن حوالي 20 عائلة اسرائيلية تسيطر على 40% من الاقتصاد واقلّ من 50 عائلة تسيطر على 70% من الاقتصاد، وهذا ما يساهم في تعميق الفجوات الاجتماعية، ونرى كيف أن الفقراء يزداد فقرهم، وكيف أن الكثير ممن هم ضمن الشرائح الوسطى يتساقطون في دائرة الفقر.
2- نتنياهو بتصريحه المشين يعلن عمليا أن سياسته هي محاربة الفقراء وليس الفقر.
3- الفقر عند العرب هو بفعل فاعل وهو حكومات اسرائيل، التي تمارس التمييز العنصري، وتمتنع عن اقامة مناطق صناعية وتشغيلية في القرى والمدن العربية. والحقيقة الثابتة التي خبرناها على مدار عقود طويلة بأن العرب في اسرائيل هم آخر من يستفيد من النمو الاقتصادي، وأول من يدفع ثمن الأزمات الاقتصادية. والحقيقة الثابتة الأخرى، هي ان العربي هو آخر من يتم استيعابه في سوق العمل، وأول من يجري تسريحه إلى سوق البطالة.
والحقيقة الثابتة الثالثة، أنه في الموضوع الاقتصادي الاجتماعي هناك دولتان لشعبين مختلفين في داخل اسرائيل.
ففي دولة اليهود يبلغ معدل البطالة 3,8%، ونسبة الفقر حوالي 15%، ومن دون الاصوليين اليهود الذين يختارون نمط حياة تقشفي يهبط الفقر إلى نسبة 11%، وبين اليهود الغربيين وحدهم في حدود 8%، ومعدل الرواتب حوالي 125% من معدل الرواتب العام.
وفي دولة العرب في اسرائيل، تصل نسبة البطالة إلى 18% ونسبة الفقر 54% وبين الأطفال العرب وحدهم 63%، ومعدل الرواتب لديهم 67% من معدل الرواتب العام، والبطالة بين النساء العرب 78%، ومعدل رواتب النساء العربيات 45% من معدل الرواتب العام.

سوق العمل
4- الفقر والبطالة بين العرب هي نتاج سياسات حكومات اسرائيل التي صادرت الارض وتتحكم بسوق العمل، أما الفقر والبطالة في أوساط اليهود الاصوليين (الحريديم)، فهي ايضا تعود الى السياسة الرسمية ولكنها تحمل خيارا طوعيا كونهم يتبعون نمط حياة تقشفي، ويستندون في البطالة إلى عقيدة دينية متزمتة، تقضي بتفرغ الشباب في هذه الأوساط الدينية للدين والعبادة وعدم الانخراط في سوق العمل.
5- يعمد نتنياهو إلى ضرب الطبقات والمجتمعات التي تعاني من سياسته ببعضها البعض، والتي في واقع الحال تحمل مصالح مشتركة، حتى وإن اختلفت أرضيات معاناتها، بين الطبقي والقومي والديني أو المزج بينهم. لذلك ثمة ظروف لصياغة أرضية نضالية مشتركة، لكل المتضررين من سياسة نتنياهو العنصرية والحربية النيوليبرالية. المطلوب حركة احتجاج أكثر نضجا قادرة على قطع الطريق على الحكومة ورئيسها لتأليب فريق على آخر من المتضررين من سياسته.

اغتراب كامل
ومن ناحية أخرى فإن صياغة هذه الارضية يجب أن تتجاوز الأفكار المسبقة لدى قيادات في حركات الاحتجاج في الصيف الماضي، والتي كانت تعاني من الحرج المرفوض، عند مزج السياسي بالاقتصادي الاجتماعي، أو عند نقطة العمل والتعاون مع العرب، رغم انهم الأكثر معاناة من الظلم والاضطهاد، وبالمقابل يجب تجاوز الأفكار المتخلفة في بعض أوساط السياسية الجماهير العربية في اسرائيل التي تعاني من اغتراب كامل عن المعاناة اليومية للإنسان العامل وللأزواج الشابة، وتستعيض عن النضال المضني والشاق والشائك بتوزيع جرعات لفظية لا تسمن ولا تغني عن جوع. في مقابل تصريح نتنياهو غير العابر، يجب صياغة أفق نضالي ضد الفاشية لا يكون عابرا، وصياغة أفق نضالي يوّحد المضطَهدين والمتضررين من سياسات نتنياهو الاقتصادية لا يكون هو الآخر عابرا.

*عضو الكنيست ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة