الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 16:02

شعب الثرثرة/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 11/02/12 08:56,  حُتلن: 16:04

وديع عواودة في مقاله:

الأحزاب باتت تعوّل على بيانات إعلامية وخطابات برلمانية تعتمد المبالغة أداة لمنافسة الخصوم وتغطي غيابها عن الشارع

السياسيون العرب في بلادنا باتوا يؤثرون مصلحة الحزب على الوطن وبعضهم مستعد لحرق بيدر البلدة طمعا بكيلوغرام قمح أو شعير

يبدو أن رد الفعل العربي اللفظي على قانون المواطنة العنصري يجّسد عارضا لورم خبيث في جسد الفعاليات الأهلية والسياسية وهو لا يقل خطورة عن التهديد. الحالة المعتلة وليدة مسيرة متراكمة ومنذ قتلت قوات الأمن وجرحت العشرات من المواطنين العرب في هبة القدس والأقصى عام 2000 انتقلت إسرائيل بشكل سافر من سياسة الاحتواء للاستعداء محاولة إخضاع المجتمع العربي وتطويعه. لا يمكن القول إنها فشلت بالكامل في تدجينه فالعالم من حولنا يثور ونحن نيام.

ضغوط إسرائيل
وازدادت ضغوط إسرائيل، بالمستويين الرسمي والشعبي، على المواطنين العرب في السنوات الأخيرة نتيجة تفاقم التوجهات العنصرية – الفاشية فيها. تجلى ذلك في تشريعات وتخطيطات واعتداءات متواترة وجاء رد فعل المجتمع العربي بشكل عام ضعيفا، مرتبكا وعقيما رغم الصراخ.
يكمن ويبدأ الخلل بقيادات الفعاليات السياسية العربية في المرحلة الراهنة فهذه باتت تعبد بمعظمها البرلمان وترتوي من حليب ميزانياته الشهرية وتهمل الميدان.
"البرلمان مكان للثرثرة"، قال لينين فيما اعترف الراحل توفيق زياد مرة أن مظاهرة شعبية ضخمة أكثر تأثيرا من عام برلماني واحد والكنيست أكثر من أي وقت مضى مفيد لنوابه العرب أكثر مما لجمهورهم ومع ذلك احتل صدارة النضال.

الأحزاب الأيديولوجية
يشهد العالم بشكل عام تراجعا في قوة ومكانة الأحزاب الأيديولوجية لكن هذا لا يبرر الحالة المعتلة للأحزاب العربية- فاعليتها، قدرتها على اجتذاب وقيادة الجماهير،صورتها وثقة الناس بها وسلم أولوياتها ونتائج نضالها. الأحزاب، بخلاف عقود مضت، باتت تعوّل على بيانات إعلامية وخطابات برلمانية، تعتمد المبالغة أداة لمنافسة الخصوم وتغطي غيابها عن الشارع بتصريحات نارية وبالمغالاة ،بالقليل من فعاليات شعبية ميدانية في معظمها لإسقاط واجب.

غياب المثابرة
يستدل هذا من غياب المثابرة، ضعف الاحتجاج والنضال وطغيان الثرثرة ومن النظرة السلبية في الشارع للسياسة والسياسيين وفي سيل البيانات التي تستغل ضعف وقلة مهنية الإعلام العربي المحلي. لم تبتعد الأحزاب عن الناس فحسب بل ابتعدت عن بعضها وحرب البسوس الحزبية مستمرة بين الأخضر،الأحمر والبرتقالي والأصفر والمتعدد الألوان .. والحركات الإسلامية تحشد عشرات الآلاف من أجل مهرجان الأقصى، لا القدس، وتبعث بعشرة أشخاص فقط لمظاهرة تدعو لها المتابعة. " المتابعة" لم ترتق لتكون قيادة عربية وطنية موحدة وما زالت مظلة ولجنة تنسيق مواقف تبحث عن حلول توافقية وما يزيد طينتها بلّة أدواتها المتهالكة وعدم تطبيق قراراتها وإفلاسها وهذه علل لا شفاء منها إلا بانتخابات مباشرة.

ضعف الحركة الطلابية
تنسحب أزمة الأحزاب على حركات الشبيبة فيها وعلى ضعف الحركة الطلابية في ظل فقدان التعبئة والتثقيف والقدوة الحسنة لصالح الجعجعة والانشغال بالذات والتناحرية. باتت السياسيون العرب في بلادنا يؤثرون مصلحة الحزب على الوطن وبعضهم مستعد لحرق بيدر البلدة طمعا بكيلوغرام قمح أو شعير وهذا يعود كيدا مرتدا عليهم وعلينا جميعا. نتيجة ما ذكر وغيره صارت القيادات العربية تنشغل بالمرافعة،التأليب،الخطابات والمسارات القضائية لا لجانب الكفاح الشعبي الحقيقي بل بدلا منه.
في ظل فقدان قيادة وطنية جامعة وموحدة تعمل وفق خطة إستراتيجية واحدة وإزاء تراجع السياسة التي ساهمت السلطات الإسرائيلية بشيطنتها، وانحسار العمل الشعبي دخلت على الخط الجمعيات الأهلية على حساب الأحزاب لكنها لم تحقق اختراقا رغم نجاحات عينية.

سهل ومريح
تدريجيا أخذ المجتمع العربي يبحث عما هو سهل ومريح (المسار القضائي) رغم خدعته ومضرته( كالمديح) ويضع معظم بيضاته في سلة محكمة العدل العليا متجاهلا خطورة ذلك. " عدالة" التي أحرزت نجاحات عينية في مسيرتها فشلت في درء مخاطر القانون كما فشلت من قبل بمقاضاة المسؤولين عن القتل في هبة القدس والأقصى وفي قضايا مبدأية أخرى تسهم في بناء أساس لمواطنة حقيقية لنا. على الأقل، كان ينبغي على الفعاليات السياسية والأهلية أن تنظم المظاهرات الاحتجاجية قبالة الكنيست ومقر المحكمة العليا خلال التداول بقانون منع لم الشمل وسط تعاون العائلات المتضررة المحتاجة لمن ينظّمها ويقود نضالها.

تطبيق التهديد
رغم التأخير ما زالت هناك فرصة لمنع تطبيق التهديد وهذا يتم فقط من خلال تنظيم وحشد العائلات المتضررة من قانون منع لم الشمل وكل المجتمع العربي وتجنيد المؤيدين بالشارع اليهودي، ضمن نموذج نضالي جديد يعيد للسياسة هيبتها،أخلاقياتها وجدواها كي لا يبقى أصحاب القضايا العدالة عالقين بخطاب المحقين مكتفين ببيانات صماء مراهنين على "عدالة" وأخواتها فقط.
القضايا المبدئية والوجودية لا تحتمل مثل هذه الطريق، فهي سهلة ومريحة لكنها محفوفة المخاطر ونتائجها في المرحلة المقبلة وهمية بالذات بعد تحييد " العليا". بعدما سجلنا نماذج مشرفة في النضال الشعبي ومن قبل يوم الأرض الأول باتت القيادات تهرول لقاعات المحاكم علها تفوز بابتسامة كاميرا. ولنا في النضال ضد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية(بلعين ونعلين وغيرهما) عبرة .كما لنا في هبة الإثيوبيين ضد تجليات العنصرية عبرة. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة