الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 18:02

ما بدافع عن البلاد غير تضاريسها!/ بقلم: طارق بصول

كل العرب
نُشر: 08/02/12 15:00

(ماجستير في الجغرافيا والدّراسات البيئيّة)
بسم الله والحمد لله الذي أحصى جميع الأشياء ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء، والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد:
هنالك بعض الأمثال العربية الشعبية مثل "ما بحرث الأرض غير أهلها " الذي يعني أن لا يمكن لأحد إتقان عملة سوى الإنسان نفسه أو لا يمكن إتقان عمل الأرض والحفاظ عليها بشكل ناجع غير أهلها.يجب التنويه أن البعض يستعمل مكان أهلها عجولها.
بهذا المقال سوف نحاول ملائمة هذه الأمثال لجغرافية البلاد وبدلا من استعمال المثل "ما بحرث الأرض غير أهلها" نستعمل " ما بدافع عن البلاد غير تضاريسها".عرفت بلادنا عبر التاريخ بأنها ذات أهمية إستراتيجية مما جعلها محطة لأنظار العديد من الشعوب والدول التي حاولت احتلالها لتحقيق أهدافها المختلفة ,فبلادنا عبارة عن جسر يصل بين ثلاث قارات (أوروبا-أسيا-إفريقيا) ومهد الديانات السماوية الثلاثة مما جعلها مباركة, قال الله تعالى في كتابة " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (الإسراء-171).
نحاول فيما يلي أن نتطرق إلى فترة تاريخية في العصر الحديث وبالتحديد حملة نابليون على مصر (1798- 1801), آنذاك ازدادت مطامع الدول الأوروبية بالدولة العثمانية لذالك حاولت جاهدة لتحقيق تلك المطامع,ومنها فرنسا كانت إحدى الدول المباشرة التي حاولت تحقيق أهدافها,بحيث سعت للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط. كونها منطقة خصبة للزراعة.


عند احتلال البلاد من قبل الجيش الفرنسي لم تكن هنالك مقاومة تذكر,فقد استطاع نابليون احتلال الساحل بسهولة (العريش-غزة-يافا-حيفا) وعند وصولة لعكا التي كانت أنذالك عاصمة الشمال لم يستطع احتلالها بسبب مقاومة أهلها وتحصينها بالأسوار لهذا قرر الاتجاه نحو الشرق فاحتل شفا عمر والناصرة وعند وصولة لجبال السامرة ( نابلس وضواحيها ) فشل باحتلالها كونها تقع على تلال الأمر الذي مكن سكانها من تهيئة أنفسهم لمقاومة الجيش الفرنسي من أعلى الجبال ومنعة من احتلالها. وبالتالي انسحبت جيوش نابليون وعادت مرة أخرى إلى عكا. وبهذا كانت أول مساهمة من تضاريس البلاد للدفاع عن أهلها ومقاومة أعظم جيش في العالم في تلك الوقت.
عندما قرر نابليون العودة للعاصمة (عكا) من اجل احتلالها كان يعتقد بينة وبين نفسه أنة عند احتلال عكا يمكنه من العودة مرة أخرى إلى جبال السامرة واحتلالها من جديد . ولكن عدم معرفته الكافية عن جغرافية وتضاريس البلاد أدى لفشله بالاحتلال ولحقت بة هزيمة لم ينسها طوال حياته.
الاعتقاد السائد بفشل نابليون باحتلال عكا هو:
أ‌- وقوف بريطانيا بجانب الجزار والي عكا آنذاك وتقديم له المساعدة العسكرية.
ب‌- صعوبة احتلالها بسبب تحصينها بالأسوار العلية.
هذه العوامل بلا شك ساعدت في إيقاف الحملة الفرنسية,ولكن العامل الأهم كان تضاريس البلاد, حاصر نابليون وجيشه عكا ما يقارب ستة أشهر معتقدًا أنه سوف تنفد المواد الغذائية لدى السكان المحليين والاستسلام، ولكن أحمد باشا الجزار كان يستغل الأراضي الخصبة في سهل عكا، حيث قام بحفر قناة مياه باطنية من عين كابري إلى بئر مسجد الجزار. عبر هذه القناة يتم جريان المياه بشكل دائم من ينابيع الكابري إلى مدينة عكا طوال أيام السنة، الأمر الذي لم يعرفه نابليون، فحصاره لعكا كان دون جدوى (بئر هذه القناة مازال موجودًا تحت ساحات مسجد الجزار حتى أيامنا).


عامل جغرافي آخر أنقذ عكا والبلاد من حملة نابليون واحتلال الفرنسيين، هو المستنقعات القريبة من عكا والتي كانت خالية من الاستيطان بسبب انتشار الأمراض فيها كالملا ريا التي تفشت بين جيش نابليون وموت البعض منهم،الأمر الذي حتّم على نابليون مغادرة البلاد، ما أدى إلى الحفاظ على سلامة أهلها من الاستعمار، فسبحان الله! حتى البيئة الملوثة للبلاد لها دور فعال بالدفاع عن أهلها!!!
للختام: المثل الشعبي العريق " ما بحرث الأرض إلا أهلها" هو قول يستخدم من أجل حث الإنسان على القيام بعمله بنفسه لأنة لا يمكن لأحد أداء العمل على أكمل وجه غير الإنسان نفسه. .بهذا المقال تم عرض مدى أهمية تضاريس البلاد للدفاع عن مدنها وقراها وسكانها.
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il


 

مقالات متعلقة