الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 01:02

روى حلاق تكتب على موقع العرب.نت الفن العاري والمقاييس المُخذلة

كل العرب
نُشر: 02/02/12 21:00,  حُتلن: 16:15

روى حلاق:

الظاهرة مقلقة لمجتمعاتنا لا سيّما أنها تسوق أفكاراً وقيماً تطفو على سطح مستنقع الإهانة العربية

مئات الأرواح تُفارقنا يومياً في الدول النامية وتموت جوعاً وحسرة وخاصةً أن الأم الصومالية تحتار أيهم تطعم من أبناءها ليموت الآخر

لا ننسى انفاق شركات الفن الأموال الطائلة على ما يدعى "الفيديو كليب" ليكوّن من نفسه وسيلة تسليه للمشاهد للترويج لهذهِ الأغاني الساقطة وتقريبها للمشاهد

هؤلاء الفنانون هم الذين يشكلونَ مثالاً أعلى لجيلٍ جديد وكامل لا يزال يفتح مقلتاه على الدنيا وبدلاً من إصغاء هذا الجيل للفن الأصيل كأم كلثوم العندليب اسمهان وفيروز

في غياب الذاكرة الأصلية نسترجع بعضاً من أشلائها، وفي حنيننا للماضي وضجيج الحاضر العبثي من هنا وهناك نسمع أصواتاً محشوةً بكسل الأحبال الصوتية الثقيلة، يرهقنا سماعها بقدر ما هو مسل مشاهدتها، معادلةٌ صعبةٌ ولربما الأكثر صعوبة فهم مكنونات النفس نحوها فالفن في هذه الأيام بات مهزلة وبافتخارٍ تام يكتسون العري لباساً لما يسمونهُ "فن" لتحقيق الشهرة والمال والأدهى من ذلك تشجيع الجماهير والإقبال المخيف على هذا النوع الساقط من الفن، فن العُري - التعبير الأصح.

الفن العربي... كانَ !
فننا العربي الذي كان أصيلاً في الأمس أصبحَ مجرد الكرامة في الانحطاط والعجز المهين اليوم، وصدق من قال أن "الفن غذاء الروح" ولكن أيّ فن هذا الذي هو منافٍ لكل التقاليد والعادات العربية بدايةً، ففننا هو فن التعري والإغراء وثقافة صورة الجسد المتمثلة في عدة فنانات (الإناث بشكل خاص) يقدمن أنفسهن كسلعة تجارية على الشاشات ووسائل الإعلام المرئية خاصةً لجذب الجماهير واكتساب الشهرة العلنية والمال، هؤلاء هم الذين يدعون "فنانون" وكأن الفن هو مذلة يُمسَحُ بها الغبار لتلميع سمعة هؤلاء الفنانين الذين اتخذوا سياسة "خلع الهدوم" لهم سبيلاً ليكونوا وقورين في مجتمع لا يقبل بهذه السياسة في مجتمعه وحياته اليومية ولكن يفضل رؤيتها على الشاشات كوسيلة للتسلية ولربما يراها تقليداً لحرية الغرب كما يرونها هؤلاء الفنانات.
 
الأموال الطائلة لأجل "الفيديو كليب"
ولا ننسى انفاق شركات الفن الأموال الطائلة على ما يدعى "الفيديو كليب" ليكوّن من نفسه وسيلة تسليه للمشاهد للترويج لهذهِ الأغاني الساقطة وتقريبها للمشاهد، فهم يخلقون للأغنية قصة تكون "الفنانة" بطلتها ويصورها في وضعيات مخزية مختلفة مثل وضعيها في حوض الحمام المليء بالحليب والكورنفلكس! هذا ليس إلا استخفاف بالضمير الإنساني.
 
من سيموت أولاً؟!
فبينما مئات الأرواح تُفارقنا يومياً في الدول النامية وتموت جوعاً وحسرة وخاصةً أن الأم الصومالية تحتار أيهم تطعم من أبناءها ليموت الآخر فالأمر المثير للاهتمام هنا هو أنهم يعيشونُ عراة مع الذل بسبب الفقر المهين وبالمقابل هناك ناسٌ تعروا بإرادتهم ويكسبون جراء ذلك المال ويسمونهم "فنانون"، وإن المصيبة الأكبر تفضيل شركات الفن ذرف الاموال الطائلة على هذهِ السخافات بدلاً من مساندة القضايا الانسانية البحتة أو حتى النظر لها !

مقاييس الجمال
هؤلاء الفنانون هم الذين يشكلونَ مثالاً أعلى لجيلٍ جديد وكامل لا يزال يفتح مقلتاه على الدنيا وبدلاً من إصغاء هذا الجيل للفن الأصيل كأم كلثوم، العندليب، اسمهان وفيروز... يتم اشباعهم بأغنية "ليك الواوا" واتباعها من الأغاني الخالية من المعنى ومن المقومات الصوتية، كذلك فقد أصبح الغناء في متناول الجميع كوسيلة للشهرة والمال والمجد وبهذا فإن الجيل الجديد اعتاد على هذا النوع من الفن المتدني ونتيجةً لذلك فإن اسقاطات هذا النوع من الفن على المفاهيم في المجتمع العربي كبيرة ووخيمة وخاصةً مفاهيم الحرية والجمال وغيرها الكثير، بحيث أصبحت الحرية تتمثل لدى البعض وخاصةً شريحة المراهقين في العري، تقليد الغرب الأعمى والانسلاخ عن العادات العربية والجذور فهناك حالة قائمة من النفور منها وكأنها لا تتناسب مع مبادئ الحرية والديمقراطية، معتقدين أن الحرية تقتصر على اللباس والشكل الخارجي متناسين ماهية الديمقراطية والحرية الشخصية التي تنادي بالقيم الفردية والآراء المعبرة عن حرية الفكر لبناء مجتمع افضل، إضافة الى الاسقاطات الأخرى كمفاهيم الجمال التي أصبحت تقاس بهيفاء ونانسي وكل جمال ليس بمقياسهما هو قباحة، فإن من نواة الاسقاطات هو التركيز على الجمال كقيمة أساسية في الإنسان وجعله عنصر أساس في الحياة اليومية وتعميق النظرة العامة على هامشيات الأمور وقشورها بدلاً من التطلع نحو المضمون وجوهره الأساسي.

التبعية والهيمنة
لا شك أن هذه الظاهرة مقلقة لمجتمعاتنا لا سيّما أنها تسوق أفكاراً وقيماً تطفو على سطح مستنقع الإهانة العربية، هذه الظاهرة تعكس وضع العالم العربي من تكريس التبعية لهيمنة المركز وانسلاخ عن الجذور والقيم ولكننا شعبٌ له حضارة وتاريخ وجذور عميقة وبحاجةٍ ماسة للوعي الكافي وعدم الإنسياق الأعمى وراء الركب الذي يسلك طريق الجهل وعدم الانصياع لجميع الأمور التي تحد من شأن هذهِ الحضارة العريقة وتقلل من قيمتها الثقافية والحضارية بحجة التنكر بزي الحداثة والتطور والرقي.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة