الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 00:01

ميساء عمر منصور تكتب عبر منبر العرب: زهر اللوز

كل العرب
نُشر: 03/02/12 18:15,  حُتلن: 21:17

أمسكت القلم وأنا لا أدري أيُّ الأشياء أكتب.. أخذت أخطُ به على الورق دون أن أكتب شيئاً محدداً، فقط كانت مساحة الأبيض أمامي تغريني بالكتابة.. كانت تضرم في نفسي رغبةً مستترة لأعبر عن بعض أشياء أو بعض قناعات، كانت الرغبة تضرم في نفسي نار الكتابة ، نار الشهوة للقلم والأوراق.. لأكتب قصة واقع أو قصة حلم.. ليس بالضرورة ما أكتب، المهم أن أكتب..
جلست في المقعد الشمالي.. في الزاوية الشمالية للمقهى.. اعتقدت أني هناك أستطيع الهرب من النظرات الفضولية نحوي.. جلست أنتظر أحداً أو لا أنتظر.. جلست على الطاولة المباغتة للذاكرة.. على الطاولة المباغتة للأيام.. جلست في ذلك المقهى لأحاول أن أنسى شيئاً أو أعيش شيئاً.. كانت هنالك قصةً أريد أن أكتبها.. أو أعيشها.. المهم أني أريد أن أكسر صمتاً لازمني لأكثر من سنة فمنذ كتبت لحظة وداع لم أستطع أن أكتب قصةً أخرى..
حاولت في هذه اللحظات أن أستحضر الكتابة أمسكت القلم رغم اقتناعي أني لا أستطيع أن أكتب في مكانٍ عموميّ يرتاده الصحافيِّون عادةً لإصلاح وتنقيح مقالاتهم قبل النشر.. وأكثر ما كان يزعجني نظرات النادل الحقودة إليّ لأني امرأة وحيدة في مقهى لا يرتاده عادةً إلا الرجال.. ولكن لا بأس فقد كنت أريد أن أعيش قصةً مختلفة..
نظرت إلى الباب صدفةً ، رأيت شاباً في نهاية العقد الثالث من عمره يدخل المقهى وفي يده صحيفة وأوراق.. خمنت أنه صحفيّ ولكن أكثر ما لفت نظري ثيابه البيضاء التي يرتديها باستفزازية الفرح أي أنه يخفي حزناً وراء هذا الفرح الباذخ.. ولا أنسى أنني بنزعتي ككاتبة استفزني لأنه يرتدي نظارة سوداء يخفي خافها عينان بالتأكيد غريبتان.. لم أهتم كثيراً، أو بالأحرى ادعيت عدم الاهتمام.. إلا أن حضوره المربك أوقفني عن الكتابة.. دخل إلى المقهى مباغتاً وقتي وأفكاري أيضاً.. أنا التي هربت من البيت لأتصالح مع أوراقي وقلمي إلا أني لم أستطع بعد قدوم ذلك الشاب.. وأكثر ما أزعجني حقاً أنه لم يلتفت إليَّ أصلاً..
ثمة أقلام ودفاتر عندما تراها تدرك حقاً أنها ستعطيك روايةً جميلة.. أم أقل عندما اشتريت القلم والأوراق أني بالتأكيد سأكتب شيئاً ترى من أين حضر هذا الشاب ومن هو ليربكني.. جلس على الطاولة المقابلة لي.. أخذ قلمه وبدأ يكتب دون أن يرفع نظره عن الأوراق..استغربت منه كيف أنه يجلس في مقهى ويكتب دون أن ينزعج من الضجة حوله.. فجأةً توقف عن الكتابة، شعرت أنه ينظر إليَّ من خلف النظارة فحاولت أن أتصرف بلامبالاة إلا أن نظرته الخفية أربكتني.. أخذ رشفةً من فنجان القهوة وتابع كتابته..ألم يشعر مثلي أن ثمة حديثٌ بيني وبينه يقال صمتاً..
وأخيراً وصل فنجان القهوة الذي كنت قد طلبته منذ ساعة.. النادل لم يكلف نفسه عناء أن يقول تفضلي..شعرت أنه لم يرغب بوجودي هنا.. إلا أنني حتى لو كنت أريد أن أغادر المكان وجود ذلك الشاب أربكني حد لم أعد أرغب في مغادرة المكان.. حاولت أن أنشغل عنه وعن نظراته الخفية لأكتب قلياً فقد شعرت أني استعدت رغبةً بالكتابة.. خلع النظارات عن عينيه.. كان لهما لونٌ أزرق رائع.. لم أتوقع أنه يخفي خلف نظاراته عينين مربكتين كحضوره...
تلهيت عنه قليلاً فقد حاولت أن أطالب السكر إلا أني لم أتجرأ على ذلك فقد خفت من النادل أن يطلب مني الذهاب إلى بيتي وشرب القهوة فعدلت عن الفكرة فوراً.. أمسكت الفنجان لأشرب ففوجئت بذلك الشاب يقف أمامي ومعه السكرية وملعقة وضعها أمامي على الطاولة.. ألقى عليَّ تحيةً من عينيه وصَمَت.. لم أدرك إلى ما كان يرمي بتصرفه إلا أني أدركت حقاً أنه كان ينظر إليَّ من خلف النظارة..
جميلٌ أن تجلس في مقهى ترتاده للمرة الأولى.. ولوحدك.. وأن تتبادل أطراف حديثٍ يقال صمتاً مع شخصٍ تراه للمرة الأولى أيضاً.. وضعت السكر في فنجاني ثم قمت لأعيد له السكرية فقلت له منتقيةً كلمات عادية قدر الإمكان: "شكراً لك.." .. أجابني حتى دون أن يبتسم.." أبداً...".. عدت إلى مقعدي وقد أدهشتني طريقته في قطع حديثٍ كنا قد بدأناه صمتاً.. وأدهشتني طبعاً استخدامه لإحدى الكلمات القاطعة حتماً..
نظرت إلى ساعتي.. أدركت حقاً أني تأخرت في العودة إلى البيت، ولذا اضطرت إلى مغادرة ذلك المكان.. ودعته كما حيَّاني بنظرةٍ من عينيه وصَمت.. هو لم يكلف نفسه عناء أن يستبقيني بكلمه.. أو حتى نظرة..

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة