الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 08:02

أحلام السلام هل تتحقق؟/ بقلم: د. منعم حدّاد

كل العرب
نُشر: 29/01/12 19:23,  حُتلن: 07:52

د. منعم حدّاد:

السلام الذي يحلم به المرء "الموضوعي والمحايد" لا بدّ وأن يأخذ بالحسبان أولويات وأساسيات لا يمكن التغاضي عنها ولا تجاوزها

تحقّق السلام المنشود بقدرة قادر وبمعجزة عجائبية بعد عقود من الحرب والاقتتال وآلاف الضحايا من الجانبين واستحوذ على رضا "اللاعب" الرئيسي والإشبين الأول العرّاب الأمريكاني!

منذ أن جاء السيد المسيح، الذي عرف برسول السلام، إلى هذه الأرض، والناس يحلمون بالسلام، والسلام يبتعد عنهم سريعاً، وظلّ – حتى اليوم - مطلباً صعب المنال! وترنو غالبية خلق الله إلى حلول السلام في شتى بقاع المعمورة، ليتوقف القتل والتشريد، وما زالت هذه الأمنية تبتعد يوماً بعد يوم، ويبدو تحقيقها مستحيلاً! وفي حينه "دشّنت" مفاوضات السلام في أمريكا، لدى "المعزّب" أوباما، بحضور أقطاب الشرق الأوسط وفي مقدمتهم رئيس وزراء إسرائيل، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وفخامة الرئيس المصري (السابق) مبارك، رئيس أكبر دولة عربية (السابق)، وجلالة الملك عبدالله الثاني ملك الأردن!

أجواء تفاؤلية
وفي أجواء تفاؤلية كهذه، ورغم أن المرء لا يستطيع التكهن بما ستتمخّض عنه هذه المفاوضات، فمن حقّه الكامل أن يحلم بالسلام، وعلى الأقل أن يحقّق السلام في أحلامه! والسلام الذي يحلم به المرء "الموضوعي والمحايد" لا بدّ وأن يأخذ بالحسبان أولويات وأساسيات لا يمكن التغاضي عنها ولا تجاوزها، ومنها حقّ إسرائيل – قبل أي دولة أخرى – في الوجود، وحقّها في الأمن والأمان والسلام والاستقرار والهدوء! وعلى العرب، أصحاب النخوة والشهامة والأريحية والكرم الحاتمي، أن يحقّقوا هذا المطلب المتواضع جدّاً لأبناء عمومتهم أحفاد إسحق أخي إسماعيل أبيهم عليهما السلام!

الحلم...
ويجد المرء نفسه في هذه الأجواء الإيجابية التفاؤلية متأملاً "سارحاً" بفكره في دنيا الله الواسعة، فتأخذه سنة من النوم ويروح يحلم... ويرى في ما يراه النائم من أحلام أن السلام قد تحقّق فعلاً وشمل المنطقة بأسرها، وأن إسرائيل أكثر من العرب "مغرمة" بهذا السلام ومؤيدة له، ولا يكفّ أقطابها وربابنتها عن الإشادة به صباح مساء، وحتى غلاة المستوطنين رحّبوا بهذا السلام وهلّلوا له ومجّدوا...!

السلام المنشود
وتحقّق السلام المنشود بقدرة قادر وبمعجزة عجائبية بعد عقود من الحرب والاقتتال وآلاف الضحايا من الجانبين، واستحوذ على رضا "اللاعب" الرئيسي والإشبين الأول العرّاب الأمريكاني!
ويرى المرء في ما يراه النائم أن هذا السلام تحقّق وأنجز بعد أن تنازل العرب (البدو!) المقيمون في الأردن عن طيب خاطر عن الضفة الشرقية للأردن، فهذه الأرض ليست أرضهم، وجذورهم تعود للبدو الرحل، فلماذا يستقرّون في أرض لم يرثوها عن آبائهم وأجدادهم مثل أولاد عمّهم إسحق، خاصّة وأنّه نزل في بعض منازل ربوعها ومنذ القدم سبطان ونصف السبط من الأسباط الإثني عشر؟

أحرار الأمريكان
ونزح الأردنيون عن منازلهم التي سكنوها مؤقتاً لأنها ليست أرض آبائهم وأجدادهم وشرّقوا شرقاً مارّين بالعراق، التي حرّرها أحرار الأمريكان من طاغوت الظالم الطاغية صدّام حسين، ونشروا في ربوعها السلام والأمن والطمأنينة والاستقرار، وفكّر الأردنيون الراحلون أن يستقروا في بلاد ما بين النهرين، أرض الرافدين، لكنهم تذكروا في اللحظة الأخيرة وقبل فوات الأوان أن هذه البلاد هي مسقط رأس الجدّ إبراهيم خليل الرحمن، والد ابن العمّ إسحق، ولم ينس هؤلاء أن إسماعيل عليه السلام هو شقيق اسحق، لكنه يبقى ابن الجارية هاجر، بينما اسحق هو ابن السيدة سارة، فشرّقوا أكثر،إلى بلاد فارس! وبلاد فارس الواقعة شرقيّ العراق لعب فيها أجداد أولاد العمومة دوراً لا ينسى، فهنا فتنت استير الحسناء بسحرها الملك الطاغي الباغي أحشويروش وأنقذت بني قومها من أحكامه التعسفية الجائرة التي كادت تقضي عليهم!


هل ثمّ بقعة أهمّ من بقعة كهذه في التاريخ؟
إذن فليبحث الأردنيون – ولينضم لهم العراقيون أيضاً - عمّا هو شرق إيران، وربما طاب لهم المقام في صحراء غوبي...!
ويعترف السوريون "بعظمة لسانهم" أنهم ليسوا سكان البلاد الأصليين، ويؤكّد ذلك ما في بلادهم من آثار لا يصونونها كما يجب لأنها ليست آثار آبائهم وأجدادهم، ناهيك عن أن تارح والد إبراهيم خليل الله عليهما السلام سكن في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا ردحاً من الزمن، ولا ينكر أبوّة تارح وابراهيم عليهما السلام لبني إسرائيل غير البلهاء، لذا فسوريا من حقّ نسلهم، وعليه حمل السوريون عصا الترحال وراحوا يبحثون عن مستقرّ جديد لهم وراء الأفق!
ولا تحتمل الجهة الجنوبية أيّ نقاش، فسيّدنا يوسف الصديق بيع عبداً في مصر، وبفضل الله وعبقريته أصبح يوسف نائب الملك، ودعا أهله وعشيرته إليه وأنزلهم في أفضل بقعة من البلاد، وتكاثروا وتزايدوا وعمّروا وأثمروا وشيّدوا وجدّدوا وبنوا...
ويروي بعض الظرفاء أنه عندما زار رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن الأهرام أيام الرئيس الراحل السادات، قال له مداعباً أو جادّاً ما معناه إنه قد يفكّر في مطالبة مصر بتعويضات مجزية عمّا تعرّض له أجداده من عذاب ومعاناة يوم كانوا في مصر وقبل أن يخرجهم منها من بيت العبودية إلى "أرض الحليب والعسل" النبي موسى عليه السلام!

شد الرحال
لذا فمن المستحسن أن يشدّ المصريّون الرحال جنوباً صوب السودان وربما الحبشة ليبحثوا لهم عن مستقرّ جديد، لكن فليأخذوا بالحسبان أن ملوك الحبشة كانوا يعتبرون أنفسهم من سلالة النبي سليمان وبلقيس ملكة سبأ عليهما السلام، لذا فحقّهم في تلك البلاد فوق كلّ نقاش...
أما بلاد المغرب العربي فعاش فيها أولاد أبينا إبراهيم عليه السلام قروناً وقروناً، كما عاشوا قبل ذلك وبعده في بلاد الأندلس الإسبانية، وأبدعوا وتفتّقت قرائح عظمائهم عن أروع ما حفظته المدونات التاريخية للأجيال المختلفة عبر القرون، ومنهم ابن ميمون وأبي الحسن اللاوي وابن سهل وغيرهم وغيرهم، فالأندلس مسقط الرأس وأرض المهد واللحد للكثير من عظمائهم، أفلا يمنح هذا الأمر هؤلاء حقّ استملاك هذه الأرض أيضاً؟
وبعد مناقشة هذه الأمور كلها وإنهاء هذه التسويات الجغرافية الإقليمية المطلوبة التي لن يسود السلام بدونها يأتي دور مناقشة الترتيبات الأمنية التي من المفروض أن يلتزم بها أحد الجانبين تجاه الآخر للمحافظة على سلامته وأمنه...
والتأمت الاجتماعات لبحث هذه الأمور والترتيبات...
وفي تلك اللحظة هبّ النائم من نومه مذعوراً ليقرأ في أخبار "الإنترقرد" أن المفاوضات ما زالت تراوح مكانها وستستمر ما شاء الله لها أن تستمرّ...

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة