الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 00:02

بين الجامعة العربية والكلية الإسلامية/بقلم: محمد نضال محاميد

كل العرب
نُشر: 25/01/12 08:28,  حُتلن: 08:14

محمد نضال محاميد في مقاله:

الجامعة هي ثمار تلك الشجرة الخبيثة التي زرعها الغرب ويحصد حتى يومنا هذا محصولها الذي بللته دماء الأبرياء في شتى الأوطان الإسلامية وسائل النفط المكنوز في أراضينا

نحن كنا وما زلنا كما ربتنا المساجد وحلقات القرآن حينما نخاطب الناس نحترم عقولهم ولا نروج لهم السلع الفاسدة غير المنطقية وإن حتى تمنتها نفوسهم وإنما نخاطبهم وفق عقيدتنا الإسلامية

من رحم الذل والفرقة ولدت جامعة الدويلات العربية التي تجمع تحت سقفها سلاطين كل الدويلات الناطقة بالضاد الذين بمعظم الأحيان حازوا على سيادتهم بمباركة غربية أو بانقلابات شرقية وعلى حد سواء يفتقد سلطانهم للحد الأدنى من الشرعية الشعبية

شر البلية ما يضحك مقولة تثير عجبي واستغرابي توارثتها الأجيال وتبادلتها بأطراف حديثها ونواديها ولكني أعتقد أن شر البلية هو ما يُدمي القلب ويُدمع العين، وهذا هو حال ما يسمى بجامعة الدويلات العربية التي نشأت في ظل حالة الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين، وبعد الاتفاقيات التآمرية الخبيثة التي دارت في فلك أوروبا في أوائل القرن المنصرم "كسايكس- بيكو" وغيرها التي أخذت ترسم الحدود الجغرافية بين أبناء الأمة الواحدة وتقسمهم لأقطار مختلفة وتمنح كل قطر منها علما ذو ألوان مختلفة غالبا لا تعني ألوانه على تنوعها شيئا لتستبدل راية التوحيد التي جمعت هذه الشعوب تحت ظلها، ومن رحم الذل والفرقة ولدت جامعة الدويلات العربية التي تجمع تحت سقفها سلاطين كل الدويلات الناطقة بالضاد الذين بمعظم الأحيان حازوا على سيادتهم بمباركة غربية أو بانقلابات شرقية وعلى حد سواء يفتقد سلطانهم للحد الأدنى من الشرعية الشعبية.

تحقيق الوحدة الاقتصادية والثقافية والسياسية
فجامعة الدويلات العربية تكونت بوحي الخطاب الشهير لوزير الخارجية البريطاني "أنطوني أيدن" أمام مجلس العموم البريطاني في فبراير 1943م حيث صرح أيدن حينئذ: " بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين "العطف" إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية"، حيث لاقى هذا النداء صداه عند سفراء الاحتلال الغربي في بلاد المسلمين وشرعوا بتكوين ما يسمى بجامعة الدويلات العربية، ولا يخفى على عاقل أن خليفة آرثر بلفور لا يريد للأمة الإسلامية خيرا وما تنطلي حيلتهم إلا على غافل، فتكوين هذه الجامعة جاء ليحول دون تكوين أي اتحاد إسلامي لاحقا وليُخرس كل الألسنة الداعية للحمة والوحدة الإسلامية التي يخشاها الغرب بل ويخر مغشي عليه حينما يسمع الحديث عنها، وتحمل هذه المؤامرة أبعاد أكبر من ذلك حيث أنها قد استطاعت بذلك زرع النعرات العرقية بين المسلمين واختزلت العرب منهم والذين يشكلون نسبة الخُمس من المجموع الإسلامي في إطار القومية العربية، والعرب وهم أئمة الأمة الإسلامية ورأس حربتها ولا ننكر دور الأعاجم المبارك بالتاريخ الإسلامي كقطز وصلاح الدين الأيوبي.. والأئمة العلماء كالبخاري وغيره، وبالإضافة لذلك عملت على تحقيق وعد بلفور بقلب الجغرافيا الإسلامية لترسيخ هذا المخطط وللحيلولة دون إقامة أي تكتل إسلامي مرتقب.

حكاية الجامعة العربية
هذه هي حكاية الجامعة العربية التي لطالما اصطف الشارع العربي المسلم لترقب قراراتها في الأمور المصيرية والتي تهدد مستقبل الأمة ومصيرها ودائما جاءت القرارات مخيبة لآمال المتأملين، وكانت الوفود التي تحج إلى قاعة مؤتمراتها تخرج خالية الوفاض وتكتفي ببيان استنكار وبالحد الأقصى ممكن تحذير!، يعني كما لخص أحوالها تراثنا الشعبي في أكناف بيت المقدس بعبارة: "تيتي تيتي زيّ ما روحتي جيتي"، ودائما تساءلت العقول: لماذا لا تحرك هذه الجامعة ساكنا؟ ولا تنبس ببنت شفة؟، فالإجابة أوضح من فلق الشمس في كبد السماء، فهذه الجامعة هي ثمار تلك الشجرة الخبيثة التي زرعها الغرب ويحصد حتى يومنا هذا محصولها الذي بللته دماء الأبرياء في شتى الأوطان الإسلامية وسائل النفط المكنوز في أراضينا، وبالإضافة لذلك فإن هذه الجامعة عاجزة على اتخاذ أي قرار فعلي جريء لسبب بسيط يعود لعدم شرعيتها الشعبية فهي تفتقد إذا للحد الأدنى من المصداقية ولذلك لن تحظى بدعم الجماهير التي تمثلها عنوة وجبرا فحالها تماما كالرأس بلا جسد!، ولكن مآلها ككل شجرة خبيثة الزوال والرحيل فماذا تفعل شجرة متجردة من أوراق الشرف مقطوعة الأوصال لا جذور لها حينما تهب رياح الغضب؟!.

إرادة الشعب
وأما رياح الغضب التي بدأت تعصف بكيان هذه الجامعة بمركباتها المختلفة حيث بدأت تتساقط أوراقها كأوراق الخريف الواحدة تتلوا الأخرى، ستقذف بواقع الجامعة العربية المكبلة إلى مكان ما في صفحات التاريخ والتي لا يشرفنا الحديث عنها إلا للوعظ والعبر!، وستأتي تمهيديا وبشكل تلقائي بواقع جديد يحمل اسم (الكلية الإسلامية)، فحينما كنا نتحدث عن هذه الحالة المثالية كان وما زال يتهمنا البعض بأننا نعيش في أحلام وردية أو حتى إننا مصابين بمرض الخيال والوهم الذي عانى منه "دون كيشوت" ذاك الفارس المغامر الذي أعجب بقصص الفرسان ومآثرهم فانطلق ليحارب طواحين الهواء وقطعان الماشية في الرواية التي تحمل اسمه والتي تعتبر من روائع الأدب العالمي، فشتان بين قارئ روايات الفرسان وقارئ القرآن، فنحن كنا وما زلنا كما ربتنا المساجد وحلقات القرآن حينما نخاطب الناس نحترم عقولهم ولا نروج لهم السلع الفاسدة غير المنطقية وإن حتى تمنتها نفوسهم، وإنما نخاطبهم وفق عقيدتنا الإسلامية الخالصة من عند الله جل وعلا. وأما الكلية الإسلامية أو ما يصطلح عليه ويعرفه الناس بالخلافة الإسلامية، فهي ما يريده الشارع الإسلامي بسواده الأعظم والأمر ليس حكرا على الشارع العربي وحسب إنما تمتد هذه الأيدلوجية للعالم الإسلامي بأسره دون استثناء، فالشعوب التي تحررت حتى اللحظة من سطوة جلاديها أكددت أقوالي وترجمته لواقع فعلي في صناديق الاقتراع الحر في تركيا وتونس والمغرب ومصر حاليا وقبل ذلك في انتخابات السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967م عام 2006م وما يسبقها من انتخابات نزيهة تعبر عن توجهات وتطلعات شعوبنا كالتي كانت بالجزائر وما ستأتي به الأحداث في ليبيا وسورية واليمن فالأمر بات جليا للجميع ولا يحمل أكثر من تأويل، فقد يهاجمنا بعض المعارضين للمشروع الإسلامي بقولهم إن هذه الشعوب أمية ولا تفقه من الواقع شيئا متناسين أن هذه الشعوب نفسها التي تراقصوا بالأمس القريب على نغمات هتافاتها التحررية وأن هؤلاء منهم الطبيب والأديب ومنهم الحرفي والفلاح فهذا هو الشعب، وقد يقول آخر فوز الإسلاميين بالانتخابات التشريعية الشرعية لا يعني أن الشعوب تريد خلافة إسلامية مداعبا لروحه التي ترفض ذلك فأناشده أن يذهب ويطوف على هؤلاء الناخبين جميعهم وأن يتبيّن وجهة نظرهم فسيرى ما تحمله هذه السطور وإن لم يكن على مستوى الشعب فذلك على مستوى النخب التي تمثل الشعب وفق إرادة الشعب وإن لم تكن خلافة إسلامية فسيكون الحديث عن الائتلاف الإسلامي الذي تفتحت أزهاره بعد ربيع 2011م، فالعالم كله يعيش بتحالفات منها ما هو قائم كالإتحاد الأوروبي ومنها ما زال كالاتحاد السوفييتي، فماذا ينقصنا لتكوين تحالف إسلامي قوي يخدم مصالح الأمة؟!.

التحالف الاسلامي
وإن العالم بأسره بات يترقب ذلك التحالف الإسلامي فعقدوا له المؤتمرات ونظموا الندوات وملأوا المجلات بهذا الموضوع الذي سيغير مجرى التاريخ إن حدث وفق نظرياتهم وتطلعاتنا، فالأمة الإسلامية تمتلك كل المقدرات المطلوبة لإنشاء إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، فتعداد المسلمين هو خمس أهل الأرض ومنهم العلماء والعمال والفلاحين، ومساحة أراضيهم تمتد من المحيط الأطلسي غرب القارة الأفريقية مرورا بالمحيط الهندي حتى المحيط الهادي في الجزر الاندونيسية، وهكذا تشكل هذه المساحة الحزام الذي يتوسط العالم جغرافيا ويفصل بين أطرافه!، وبالإضافة لذلك أعداد المسلمين الآخذة النامية بالقارة العجوز حيث سيشكلون بالأعوام القريبة المرتقبة عامل ضغط على القرار السياسي الأوربي وذلك نتيجة للتغيرات الديموغرافية لنسب السكان التي ستحصل هناك وفق دراستهم هم وليست تمنياتنا!، بالإضافة لما تحمله بلاد المسلمين من أهمية إستراتيجية تحمل على سطحها الخيرات من الثروات الطبيعية كالمواشي والدواجن والنباتات، وفي باطنها الذهب الأسود الذي يضرب له العالم ألف حساب.

اليقظة من السبات
الأمة قد استيقظت من سباتها العميق وأدركت حجم المؤامرة التي حيكت بدهاء ضدها، وباتت على درجة كافية من الوعي والإدراك لتعلم أن هذا التحالف بالإضافة لكونه عقائدي فسيعود عليها بالخير الوفير والأمن الكثير، ومن الجانب النظري فالمسلم يعلم أن كل من ينطق بالتوحيد هو أخاه وإن اختلف عرقه أو لسانه أو لونه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى"، وقال أيضا : "لا فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى"، وإن هذه العقيدة قابلة للتطبيق وقد لمسناها في الرعيل الأول للمسلمين ومدى التآخي الذي كان بين الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف عروقهم فحمزة بن عبد المطلب كان عربي وسلمان كان فارسي وبلال ابن رباح كان حبشي وذاك صهيب بن سنان تربى عند الروم، وهذا الدليل القاطع أن المشروع الإسلامي بإمكانه توحيد المسلمين فكريا دون صعوبة وإن كانت الوحدة أصلا قائمة عاطفيا وعقلانيا فترى العربي يدعوا لأخيه في الأفغاني وذاك التركي يدعوا لأخيه في الشيشان..، وإن الكلية الإسلامية أمر قد حسم الله تبارك وتعالى أمرها وما هي إلا مسألة وقت حتى يأذن الله عز وجل للمارد المسلم أن ينهض، وأنا أكتب هذه الكلمات استحضرني قول الذي لا ينطق عن الهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن حذيفة بن اليمان:"ستكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها ما شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة… ثم تكون ملك عاضّاً ثم ملكاً جبرياً ثم تعود خلافة على منهاج النبوة ثم سكت". وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أختم رؤيتي للأمور، وألتمس منكم المعذرة إن طال حديثي وأخذت من وقتكم بعض الشيء، فالذي أؤتي جوامع الكلم هو سيدنا رسول الله فلا تمروا على أسمه دون الصلاة عليه، فعليه الصلاة والسلام.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة