الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 18:01

النظام اللبناني ينتصر على الانتفاضات العربية/ بقلم: طلال سلمان

كل العرب
نُشر: 23/01/12 14:53,  حُتلن: 15:00

طلال سلمان في مقاله: 

تداعي أنظمة كانت تبدو جبارة لا يطاولها الخطر لا من داخلها ولا من خارجها، أكد أن النظام الفريد القائم في لبنان هو أقوى الأنظمة وأمنعها ليس في دنيا العرب فقط بل وفي العالم أجمع!

الأبناء البررة للنظام اللبناني يعرفون كيف يساعدون الثورة حيث نجحت إذ يرشدون عملية التغيير وبالمقابل فهم يملكون الخبرة اللازمة لمساعدة من نجحوا في القيام بانقلاب داخلي منعاً لنجاح الثورة

عبرت الثورات والانتفاضات العربية، أبعدها بالسياسة وأقربها بالجغرافيا، فضاء لبنان من دون أن تؤثر في نظامه الجبار برغم الأزمات الدورية التي تعصف بسلطته ودولته على مدار الساعة... بل لعل النتائج السياسية المباشرة لتلك الانتفاضات وانتصار التيارات والأحزاب ذات الشعار الديني في الانتخابات في تونس بداية، ثم في مصر، قد وفرت تزكية إضافية للنظام الطوائفي في لبنان بوصفه ضمانة للاستقرار وبوليصة تأمين ضد الحرب الأهلية!! ثم إن تهاوي أو تداعي أنظمة كانت تبدو جبارة لا يطاولها الخطر لا من داخلها ولا من خارجها، قد أكد ـ مرة أخرى ـ أن النظام الفريد القائم في لبنان هو أقوى الأنظمة وأمنعها ليس في دنيا العرب فقط بل وفي العالم أجمع!

نظام جبار
إنه نظام هشّ في ظاهره، مركّب من قطع عديدة مختلفة المساحات والأشكال والألوان، على طريقة «البازل»، بحيث إنه يحتوي فيلخص مجموع الأنظمة! لكنه نظام جبار في حقيقته، وسر قوته أنه يملك ليونة تمكّنه من احتواء الصدمات: يغطس ويتماوت متى جاءت الموجة عالية، ثم يعود إلى السطح وقد ازداد صلابة بعد النجاح في احتواء الموجة والتكيّف مع وجهتها من دون أن يغيّر موقعه وإن بدّل في موقفه: إذا كانت دمشق هي الأقوى فهو سوري بلكنة سعودية، وإذا كانت القاهرة هي الأفعل فهو مصري بلكنة أميركية، وإذا كانت بغداد هي الأفعل صار عراقياً بلكنة سورية... ودائماً من دون أن يتنازل عن «حصة ما» لأوروبا فيه، باعتبار أنها أعادت صياغته في لحظة انشقاق تركيا عن السلطنة العثمانية.

الأنظمة العربية
ولعل شعار «النأي بالنفس» عن تداعيات التحوّل التي عصفت بالنظام العربي خلال السنة الماضية، يلخص ذروة مبتكرات أهل السلطة في لبنان وهم يعتصمون في قلعة نظامهم الذي يستعصي على الإصلاح من داخله كما يستعصي على الإصلاح من خارجه. وليس من غير دلالة أن تسعى الدول جميعاً، الرأسمالية والتي كانت شيوعية، ومعها مختلف الأنظمة العربية، ملكية وجمهورية، سلطنات وإمارات ومشيخات، إلى حماية هذا النظام والاعتراف بفرادته وضرورته، ومن ثم إلى التعاون على «نصح» القيادات السياسية المعترضة عليه في الداخل بالتعقل والاعتدال والحرص على هذه «النعمة» التي خصهم بها «الاستعمار» فحماهم من جحيم الانقلابات التي عصفت بجوارهم القريب كما بأشقائهم في المحيط العربي.

النظام اللبناني
بالمقابل فإنه من حق النظام اللبناني التباهي بأنه طالما شكّل الملجأ والموئل ودار الضيافة للقادة السياسيين العرب الهاربين من جحيم أنظمتهم، ملكية وجمهورية، عسكرية أو حزبية، فإذا ما عادوا «منتصرين» إلى ديارهم طردوا إليه خصومهم ممّن كانوا في السلطة، إذا ما أخذتهم بهم الرحمة، أو تسامحوا معهم وهو يقبلهم لاجئين فيه وإليه. والحقيقة أن «مزايا» النظام في لبنان تفضح «خطايا» الأنظمة القائمة في سائر البلاد العربية، فالطائفية هنا ضمانة وفي الخارج فتنة، والفساد هنا شرط حياة وعند الغير سبب للتغيير.

أصحاب السوابق
.. وها إن مجموعات من «أصحاب السوابق» ممّن جنوا الثروات الحرام من مواقع نفوذهم وقربهم من مصالح صاحب القرار يتوافدون الآن على لبنان من مصر ما بعد «ثورة يناير» ومن تونس ما بعد انتفاضة البوعزيزي، وإن بنسبة أقل، ومن سوريا التي تعيش اضطراباً سياسياً وأمنياً وأزمة اقتصادية خطيرة، فضلاً عن الذين توافدوا من العراق تحت الاحتلال الأميركي والذين تزايدت أعدادهم بعد «جلائه»، وقد جاء الجميع بثرواتهم أو بكميات مؤثرة منها إلى مصارف لبنان، إن لم يكن كمستقر بالتوظيف والاستثمار فمن أجل أن يكون المعبر الآمن إلى المصارف والاستثمارات الأجنبية التي لا تهتم بالمطالبة القانونية للنظام البديل.

التجارب الثورية
بل إن بعض أقطاب السياسة في لبنان من أصحاب الخبرات في انفصال الجهات والطوائف عن المركز في ما يشبه الاستقلال الذاتي أخذوا يقصدون كردستان العراق فيستفيدون ـ بالمصالح ـ من تجربته ويفيدون قيادته بالنصائح المستخلصة من تجاربهم الغنية في مجال «منتهى الفصل يعادل منتهى الوصل». بالمقابل فإن أقطاباً آخرين من أصحاب «التجارب الثورية» في لبنان قد قصدوا تونس ومصر يعرضون خبراتهم أو يستكشفون مجالات توظيفهم في خدمة «النظام الجديد» مقدّرين أن الاختلافات بينه وبين «النظام السابق» محدودة، وبالتالي يمكنهم أن يفيدوا ويستفيدوا من عملية «التغيير».. فهم، على الأقل، يعرفون لماذا فشلوا في إحداثه في لبنان وبالتالي قد تفيد خبرتهم في حمايته لدى الغير، وللخبرة ثمنها. وهكذا فإن الأبناء البررة للنظام اللبناني يعرفون كيف يساعدون «الثورة» حيث نجحت إذ يرشدون عملية «التغيير»، وبالمقابل فهم يملكون الخبرة اللازمة لمساعدة من نجحوا في القيام بانقلاب داخلي منعاً لنجاح الثورة.

النظام السوري
في الوقت عينه هناك بين هؤلاء الأبناء البررة من يسعى لحماية النظام السوري وكشف المتآمرين عليه ومناهضيه بالسلاح المهرّب أو بالمال الذي لن يعدم السبل للوصول إلى العنوان المقصود، وبينهم ـ بالمقابل ـ من يساعد المعارضين والمعترضين بالمال والإعلام والسلاح والرجال، عبر الحدود الطويلة، مستفيداً من أن مشاركته في دعم «الثورة» سوف تأتيه بالثروة خصوصاً وأن المستعدين للدفع من أهل اليسر عندهم الأموال بالصناديق ثم إنهم أصحاب نفوذ دولي من شأنه أن يعبّد الطريق أمام هؤلاء المعاونين المخلصين إلى السلطة في بيروت بعدما أثبتوا أنهم أبناء شرعيون لهذا النظام الفريد القادر على إجهاض الثورات وتحويل المنتفضين إلى منتفعين.
وفي ظل تبرؤ قادة الانتفاضات من العروبة في الأقطار التي تمّ فيها إسقاط النظام يمكن لهؤلاء الخبراء اللبنانيين في رفع رايات التغيير بقصد منعه أن يبيعوا انعزاليتهم لهؤلاء المستجدين، وأن يزيدوهم علماً في كيفية جعل الإسلام السياسي بديلاً من العروبة، وأن يقنعوهم بأن تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية يسهل بل يفرض تحويل الدول العربية إلى دول إسلامية، وبالتالي يمكن اللجوء إلى تركيا ذات التجربة الفريدة أو إلى «حوار الأديان» لحل المشكلة الفلسطينية بدلاً من التورّط في حروب لا تنتهي بين المؤمنين بالله الواحد... خصوصاً وأن الأرض تتسع للمؤمنين جميعاً!

أبطال الانتفاضات
... هي خطوة على طريق لبننة الوطن الكبير الذي كان عربياً، والذي يهرب أبطال الانتفاضات، لا سيما الذين أُسقطوا عليها بالمظلات، من عروبته إلى الإسلام السياسي في حين أنهم لا يفعلون إلا شطب هويته ودوره وتحويله إلى ولاية في الإمبراطورية الأميركية ـ الإسرائيلية.
ومن يتابع محاكمة المخلوع حسني مبارك في القاهرة، ولا سيما طورها الأخير، سيكتشف كم أن إبداعات النظام اللبناني حاضرة في مرافعات الدفاع، لا سيما إذا ما استذكرنا اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة