الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 02:02

لأحلام سعيدة .. تعالوا نقرأ قصتنا الشيقة قبل النوم

كل العرب
نُشر: 20/01/12 22:14,  حُتلن: 08:18

كان احتفالاً عظيماً ذلك الذي أقامته المدينة بمناسبة يوم الفرح.. وهو يوم تحتفل به المدينة كلّ عام.. تُعلي لأجله الزينات، وتشعل المصابيح، وتلوّن أبواب المنازل ونوافذها.. ويهئُ الكبار والصغار أنفسهم للمسرّة في هذا اليوم المشهود. فيرتدون الثياب الجديدة، ويخرجون إلى الساحات يرقصون ويغنون.
قبل الإحتفال، وقفت مجموعة الآلات الموسيقية تستعدّ للسير وسط الشوارع، والتجوّل في الطرقات، لتقدم استعراضها الفني الجميل، ومعزوفاتها الرائعة التي تحرّك الأحاسيس، وتزيد الحماسة.
قال الطبل:
- من الطبيعي أن أقف في المقدمة.. إن صوتي الجهوري، وضرباتي المجلجلة، تشد الناس، وتجعلهم يأتون من كل حدب وصوب للمشاركة في هذا الاحتفال الجماهيري.


صورة توضيحية

قال الدُّف:
- وأنا.. أين سأقف؟..
أجاب الطبل:
- ستقف أنت والطبلة الصغيرة والمزهر ورائي مباشرة، فأنتم أولادي، ولا أستطيع الإبتعاد عنكم.. أما بقيّة الآلات.
- فليرتّبوا أنفسهم كيفما يريدون.
تمشّى الكمان ببطء، ووضع نفسه خلف الطبل والدُّف والطبلة والمزهر.. ثم تلاه العود، ذو الخطوات الرصينة.. أما الناي فقد أصبح في مؤخرة الفرقة، ولم يكترث أحد لوجوده.
حزن الناي على نفسه حزناً شديداً.. وقال:
- "أشكو أمري للطبل عله يرأف لحالي"
- يا رئيس الفرقة الموسيقية.. أيها الطبل المبجل.. هل يرضيك أن أقف في آخر القوم، ويقف الآخرون أَمامي.. أرجو أن تنصفني وتحكم بالعدل.
ضحك الطبل ملء شدقيه:
- بم.. بم.. بم.. كلامك غريب أيها المزمار الهزيل.. لا بدّ أنّك نسيت نفسك، ومن تكون، حين فكرت بالمجيئ إليّ،
- لماذا...؟
سأل الناي مستغرباً.
- انظر إلى شكلك.. ألا ترى أن طولك لا يتعدى السنتيمترات.. وأن قامتك الضعيفة لا تليق بالمقّدمات.. اذهب من هنا.. عُدْ إلى مكانك، فالأولويّة تكون لأصحاب الأحجام الكبيرة، والأصوات القوية.. وما أنت سوى عود من القصب المثقوب جلبوه من الحقل.
زاد حزن الناي، وانكفأ على نفسه يحدّثها بصوت شجيّ:
- صحيح أنني عود قصب.. وصحيح أن حجمي ليس كبيراً، وصوتي ليس بقوّة الرعد.. لكنّ الإحساس الذي أبثّه في ألحاني، والرقة التي تخرج من ثقوب قامتي تجعل أقسى القلوب ترقّ، وتفيض حناناً.
وقف الناي -كما أريد له- في آخر الصف، وانطلق مع بقيّة زملائه يصدحون بأداء مميز، لتشكل أصواتهم انسجاماً صمّم خصيصاً لذلك الاحتفال.. لكنّه الوحيد ضجيج الطبل كان طاغياً على بقيّة الأصوات التي تحاول إثبات حضورها وجدارتها.. فالعود بعد أن دوزنوا أوتاره أصدر أنغاماً شرقيّة أصيلة. والكمان اتخّذ طريقة متفرّدة في العزف لا تشبه أيّة طريقة أخرى، أمّا آلات الإيقاع فتتبّعت أباها الطبل في كلّ حركاته وسكناته.. المجموعة كلّها كانت تؤدي أدوارها بإتقان وصدق أكيدين، فتنجح نجاحاً باهراً.
تجمّع الناس على جانبي الطريق.. رافقوا مسيرة الفرقة الموسيقيّة إلى كلّ مكان اتجهت إليه، وحيثما تتحرك كانت هناك عبارات من المديح والثناء تقال:


- أحسنتَ.. بارك اللَّه فيك.
- إنَّك تستحق مكافأة على أدائكَ الرائع.
- تُرى.. من علمكَ هذا العزف الرقيق.؟!
- إنَّ صوتكَ الشجي يشفي قلب العليل.
- لقد مللنا الصخب والضجيج، ونريد أن نرتاح.
- قلوبنا لا تسعد إلا بسماع همسك.
شنّف الطبل أذنيه الكبيرتين وهو يسمع إطراء لا أبدع ولا أجمل، وظنّه موجهاً إليه، فزاد من قوة ضرباته أكثر وأكثر... صاح:
- بم.. بم.. بم.. أنا هنا.. ووجودي يلغي وجود الباقين.

ضحك الناس منه، تغامزوا فيما بينهم.. سخروا قائلين:
- نحن لا نقصدك أنتَ أيّها الطبل الفارغ.. إن قلبكَ الأجوف، وصوتكَ المزعج، قد جعلنا نفر منك، ونبعد عنك.
- بم.. بم.. بم.. ومن تقصدون بمديحكم إذاً؟...
سأل الطبل منزعجاً.
- إن ثناءنا كلّه موجه لذلك الذي نعتّه بالقصبة المثقّبة.
- هل تقصدون الناي؟..
سأل الطبل من جديد.
- نعم.. ومن سواه يريح أعصابنا، ويهدّئ مزاجنا، ويجعل حياتنا تصفو.

- لكنه ضعيف، وصغير، وهزيل، و.. و.. و.. و.. لم يستطع الطبل أن يكمل كلماته، فانفجر غيظاً.. وتمزّق.
أما الناس فكانوا جميعاً واقفين في الخلف، يصغون إلى الناي وهو يشدو بأعذب الألحان.

موقع العرب يتيح لكم الفرصة بنشر صور أولادكم.. ما عليكم سوى ارسال صور بجودة عالية وحجم كبير مع تفاصيل الطفل ورقم هاتف الأهل للتأكد من صحة الأمور وارسال المواد على الميل التالي: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة