الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 13:02

المجتمع الواحد، وعمليّة بناء الذات الجمعيّة للعرب في حيفا/ بقلم: حسين إغبارية

كل العرب
نُشر: 13/01/12 13:27,  حُتلن: 18:53

حسين إغبارية في مقاله:

لدينا الرغبة والتطلّع إلى أن نكون مجتمعًا واحدًا يضمّ في ثناياه تنوّعًا وغنى وثراء

التأكيد على "المجتمع الواحد" يشكّل من ناحيتنا ضرورة في عمليّة بناء الذات الجمعيّة من جديد في مدينة حيفا وتعزيز قدراتها على مواجهة تحدّياتها

ليس كثيرًا علينا أن ننسق بيننا في مواجهتنا لسياسات لا تُنصفنا وليس مستحيلًا أن نخطّط سويّةً لعلاقات داخليّة تقوم على الحوار والتفاهم وعلى الاحترام وقبول الاختلاف والتّعدد

اخترنا لمشروعنا الجديد في جمعيّة التطوير الاجتماعيّ عنوان "المجتمع الواحد" لأمرين: للتأكيد على كوننا مجتمعًا، وللقول إنّ لهذا المجتمع ما يقوله حيال عوامل تفكيكه! حقيقة موضوعيّة وتاريخيّة أننا مجتمع عربيّ، هو امتداد لما كان عليه المجتمع العربيّ الفِلَسطينيّ في حيفا قبل النكبة. كما أنّنا - رغم التحوّلات والخصوصيّات الدينيّة والانتماءات المختلفة - لدينا الرغبة والتطلّع إلى أن نكون مجتمعًا واحدًا يضمّ في ثناياه تنوّعًا وغنى وثراء. نقول هذا استنادًا إلى قراءَتنا لتاريخ مجتمعنا العربيّ في حيفا، ونؤكّده كرؤيا وتطلّع في مواجهة عوامل التفريق والتفكيك التاريخيّة والسياسيّة، تلك الواقعة علينا بفعل الزمن ومتغيّراته، وتلك الّتي تُمارس بحقّنا.

مواجهة التحديات
ليس هذا فحسب، فالتأكيد على "المجتمع الواحد" يشكّل من ناحيتنا ضرورة في عمليّة بناء الذات الجمعيّة من جديد في مدينة حيفا، وتعزيز قدراتها على مواجهة تحدّياتها، لا سيّما ظواهر العنف الداخليّة وسياسات الهُويّات في الدولة، الّتي تستهوي أوساطًا بيننا تأخذها وتأخذنا إلى متاهات مُنهكة.
من هنا اعتقادنا بوجود عدم ترك النواحي الوجوديّة في حياتنا للصدفة أو لحركة الزمن أو لسياسات مفكّكة؛ يوازيه اعتقادنا بضرورة القيام بأفعال إراديّة، بالتدخّل لأجل تعزيز البنية الاجتماعيّة وتأسيسها على صيغة حيويّة من العلاقات الداخليّة، وعلى منظومة من القيم المتنوّرة. ومن هنا أهميّة ألّا يظلّ الحديث عن الأخوّة كلامًا دبلوماسيًا ومسايرة من واحدنا للآخر، ولا أن تظلّ الوحدة أمنية معلّقة في سماء مدينتنا بعيدة عنّا بُعد النجوم، ولا أن يظلّ تطلّع أهلنا للتنسيق والتشاور والتعاون مسدود الأفق.

المجتمع العربيّ الحيفاويّ
يُمكننا أن نتدخل لتطوير أفكارنا النبيلة إلى نوع من الممارسة الجماعيّة، إلى سلوكيّات في الحيّز العام. فليس كثيرًا علينا أن ننسق بيننا في مواجهتنا لسياسات لا تُنصفنا. وليس مستحيلًا أن نخطّط سويّةً لعلاقات داخليّة تقوم على الحوار والتفاهم وعلى الاحترام وقبول الاختلاف والتّعدد. وأمكننا أن نشير بارتياح إلى أن بشائر مثل هذه العلاقات تتطوّر في المجتمع العربيّ الحيفاويّ في العقدين الأخيرين، وما علينا سوى التأسيس عليها ومتابعة تطوّرها واتّساعها، بالاتّفاق ومن خلال وعي جماعيّ لهذه الحاجة.

أطر موحّدة
سنكون أكثر قدرة على تطوير منجزاتنا لو تشاورنا وعملنا معًا. سنكون أكثر تأثيرًا على صانعي السياسات والقرارات الّتي تؤثر على حياتنا كأفراد ومجتمع في حال عملنا من خلال رؤية عامّة متّفق عليها. سنكون قادرين أكثر على مواجهة العنف الداخليّ ومظاهره ونتائجه، في حال عملنا في أطر موحّدة. سنكون أكثر نجاعة في الأداء أثناء الأزمات. فلماذا لا نفعل ذلك بوعي تامّ وبصراحة ومكاشفة فيما بيننا؟ لماذا لا نضع أسس عامة لرؤيتنا ذاتنا الجمعيّة في سياقها وشروطها؟!

نقترح أن يقوم تدخّلنا الإراديّ على جملة من الفرضيّات القيمية والفكريّة؛ أهمّها:
- أنّ الخصوصيّات الدينيّة والفكريّة والطبقيّة في مجتمعنا هي مصدر غنى وثراء وتنوّع، لكننا لن نقبل أن تشكل "مجتمعات" هي في صراع ضدّ بعضها البعض.
- نعي إمكانيّات الضرر الذي تلحقه سياسات الهُويّة بالنسيج الاجتماعيّ العربيّ، وعلينا تداركها وصدّها حرصًا على السلم الداخليّ.
- مجتمعنا حيويّ ومُنفتح، يقوم على أسس التعدّدية والاختلاف والحوار.
- مجتمعنا قادر على إعادة إنتاج نفسه متنوّرًا وحداثيًا.
مثل هذه المبادئ العامة تشكّل محاور موحية ومؤشرة مساندة للأفراد والخصوصيّات وليست ثُقلًا مُعيقًا أو مُقيّدًا. فهي قد تؤسس لعلاقات تعاون وعمل مشترك بيننا، ولا نقصد بها أن تحوّلنا إلى نُسخ طبق الأصل عن بعضنا، ولا أن تمحو خصوصيّات الأفراد والمجموعات وحريّاتها في الحركة والعمل.
من شأن مثل هذه التفاهمات أن تعزّز مظاهر القوّة في مجتمعنا، وأن توفّر له متّسعًا أفضل للعيش في علاقاته بذاته وبالآخر. لقد استطاع مجتمعنا العربيّ في حيفا أن يحقّق مكاسب وإنجازات في نواحي كثيرة، حوّلته إلى مركز ثقافيّ للمجتمع العربيّ في إسرائيل. وما علينا سوى أن نتعاون ونتعاضد لنطوّرها ونعمّقها. وهي مهمّة لا نعتقدها سهلةً، لكنّها غير مستحيلة، أيضًا. علينا أن نبدأ من نقطة ما في إعداد مجتمعنا لذلك.
وها نحن في جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، نقترح بدايةً لعمل جماعيّ لوضع الفكرة قيد التنفيذ. فنحن في سبيلنا إلى لقاء اجتماعيّ لقيادات وشخصيّات اعتباريّة، ومرجعيّات وفعّاليّات يحمل مقولة واضحة للجميع في داخله وخارجه، مفادها أنّنا مجتمع واحد مصرّون على مواجهة شروط حياتنا بقامات مرفوعة وبثقة بالنفس.
وجهتنا الوقوف متعاضدين متفاهمين متآخين أمام ظواهر العنف والتفكّك. مقولة تعلنها القيادات مدوّيةً في الحيّز العام. مقولة نريد لها أن تلقى آذانًا صاغية في مؤسسات المجتمع وهيئاته، في المدرسة والشارع والنادي والكنيسة والجامع. تمنّياتنا على الجميع التعاون مع مبادرتنا هذه، لما فيه خير لمجتمعنا الواحد.
(مدير جمعيّة التطوير الاجتماعيّ - حيفا)
 
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة