الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 06:01

سنة ثورة يا عرب/ بقلم: عبد الحليم قنديل

كل العرب
نُشر: 03/01/12 12:56,  حُتلن: 13:04

عبد الحليم قنديل في مقاله:

كل النظم الديناصورية هي ذاتها عائلات تحكم وتشفط السلطة والثروة، ومن حولها دائرة من مليارديرات المال الحرام

شعلة الثورة ستنتقل من عاصمة إلى عاصمة وتهدد العروش والكروش جميعا وتخترق التحصينات والاستحكامات المصطنعة

لن ينجو أحد من هؤلاء ولا غيرهم وخوفهم يعجل بلحظة الثورة ولا يؤجلها وانتظروا ما سيحدث في 2012 وكل سنة وأنتم طيبون وحكامكم هالكون وكل سنة ثورة ـ بل ثورات ـ ياعرب

ايقاع الزمن هذه المرة مختلف، ننتقل من عام إلى عام، ومن ثورة إلى ثورة، ومن دراما إلى دراما في عاصفة سياسية متصلة، تقتلع الأوتاد الرواسي، ودون أن نصل إلى مشهد ختام لثورات 2011، وهو ما قد يغري بتوقع تلاحق الحوادث في 2012. فعبر حوالي أربعين سنة مضت، ومع نهاية حرب 1973 بالذات، كان تلاحق الأعوام في منطقتنا وعلى أمتنا العربية قد فقد معناه، فقد سيطر ركود وجمود، وخرجنا من سباق التاريخ ، وتردينا من سيء إلى أسوأ، وسقطنا في الثقب الأسود، كانت الأمم تنهض من حولنا، وعلى امتداد الخرائط من شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، كان الصغار يكبرون، والأمم المتخلفة تنهض، وتبنى عالما جديدا، يتجاوز هيمنة الغرب التاريخية.

التحرير الوطني
وفي سياق أكثر المراحل ثورية في تاريخ الدنيا الحديثة منذ سقوط غرناطة واكتشاف الأمريكتين، فقد كنا دائما في قلب العالم، ونتأثر بحوادثه ومراحله، وعانينا كغيرنا في مرحلة سيادة الغرب التي دامت قرونا، وحين ضعف مركز الاستعمار الأوروبي بإنهاك الحربين الأولى والثانية، كانت حركات التحرير الوطني عندنا ـ وعند غيرنا ـ تحرز انتصاراتها، وتحقق إنجازات كبرى في مرحلة تلت مرحلة سيادة الغرب، وهي مرحلة تحدي الغرب الذي انتقلت قيادته عبر المحيط الأطلنطي إلى واشنطن، وكان الوطن العربي ـ ومصر في قلبه ـ في مركز قيادة التحول، والذي جمع أحلام شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبدأت تجارب بناء مجتمعات من نوع مختلف، وبتصنيع واسع النطاق، يخلق مجتمعا جديدا من قلب المجتمع القديم، ويــــقدم مشاريع تنمية هائلة، وكانت مصر ـ مثلا ـ قد حققت أعلى معدلات التنمية في العالم الثالث كله وقتها، وبشهادة تقارير البنك الدولي، وصارت مصر ـ حتى حرب أكتوبر 1973 ـ رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التنمية والتقدم والاختراق التكنولوجي، ثم أصبحت بعد حوالي أربعين سنة رأسا برأس، أو قل ذيلا بذيل مع بوركينا فاسو على مؤشر الفساد الدولي، كانت تلك نتائج السقوط والخراب العظيم.

تطور الحوادث
وفي المرحلة ذاتها التي شهدت تطور الحوادث العالمية بصورة طفرية، وانتقالها من مرحلة تحدي الغرب إلى مرحلة تجاوز الغرب، وبامتلاك ذات القوة المادية والتقنية التي احتكرها الغرب، وزرعها في بيئات وأحواض ثقافية أخرى، ونهوض العمالقة من رماد، ونشأة أقطاب صناعية وعسكرية جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، وحتى على حواف عالمنا العربي في إيران وتركيا، بينما تحولنا نحن إلى الربع الخالي على خرائط الدنيا الموارة بالتحولات، وعلى رؤوسنا أنظمة ديناصورية، خضعت للاستعمار الأمريكي الإسرائيلي، واكتفت بدور الوكالة عنه في حكم وقهر شعوبها وتكريس تخلف أوطانها، وحتى كانت ثورات 2011 التي تقلب الموازين الآن، وتنقلنا من منطقة موات إلى منطقة الخطر، وأن نعيش في خطر أفضل من أن نموت، فالخطر يوقظ الحواس، ويذكى الهمم، ويطلق انتفاضات الروح .

معايير العصر
قبل ستين سنة، كانت ثورة 1952 في مصر، وتوالت بعدها ثورات الضباط الأحرار، وحركات التحرير الوطني، والتي جعلتنا في أول الصف على مدى يقل عن ربع قرن، كتبت فيه نهاية الإمبراطورية البريطانية التي كانت لاتغرب عنها الشمس، وعلى أراضينا بالذات في حرب السويس، ثم كانت نهاية فرنسا الاستعمارية في حرب الجزائر. ثم كانت نهاية أحلاف وقواعد الاستعمار الأمريكي الذي حل محل الاستعمار الأوروبي، ثم كانت حرب أكتوبر 1973 التي أعيد قبلها بناء جيوشنا بمعايير العصر، وعيا لدرس الهزيمة الخاطفة في 1967، كنا بصدد أمة تهزم وتنهض وتنتصر، وتختزن طاقة حيوية هائلة، ثم كانت نهاية الدراما مع انحسار المد القومي العربي، والانقلاب على اختياراته في مصر بالذات، وتحول المجتمعات إلى غبار بشرى، وسيادة البؤس واليأس، والعيش في الموات المقيم، وإلى أن خرجنا من أكفاننا مع ثورات 2011، والتي تتلاحق فصولها في 2012، فقد وعت الأمة غريزيا درس ثورات الضباط الأحرار القابلة للانتكاس والانقلاب عليها، وانتقلت إلى معنى جديد ومختلف وهو ثورات الناس الأحرار، بدت الأمة، وكأنها تثبت لنفسها مقدرتها على استئناف الحياة، وبروح استشهادية صنعت حركات المقاومة المسلحة في المشرق العربي، ثم بالروح نفسها في ثورات سلمية بدأت من المغرب العربي، من تونس مع واقعة استشهاد محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في لحظة يأس فائض، فأضاء سماء أمة بأكملها، وتحول بيأسنا إلى أمل عظيم، فلم يعد لدينا ما نفقده غير يأسنا وبؤسنا ومذلتنا وهواننا على الناس، وكانت مصر التي تدافعت فيها إشارات التغيير على مدى سنوات سبقت، كانت مصر هي الأكثر استعدادا لالتقاط معنى ثورة البوعزيزي التونسية، ومع انتقال فعل الثورة إلى مصر، كان تعريبها الشامل قد صار قدرا مقدورا، وعلى خطوط الحركة التاريخية ذاتها إلى اليمن وإلى سوريا، وتماما كما كان يحدث زمن الثورة الأولى في خمسينيات القرن العشرين وستينياته، ومع وعي تاريخي غالب بضرورة تجنب سوءات التدخل الأجنبي الاستعماري، وهو الوعي الذي لم يتوافر بدرجة كافية في حالة الاستثناء الليبي.

القصة لم تنته بعد
غير أن القصة لم تنته بعد، وحتى في ليبيا ذاتها، فسوف تنتقل شعلة الثورة من عاصمة إلى عاصمة، وتهدد العروش والكروش جميعا، وتخترق التحصينات والاستحكامات المصطنعة، فكل النظم الديناصورية هي ذاتها، عائلات تحكم، وتشفط السلطة والثروة، ومن حولها دائرة من مليارديرات المال الحرام، ومن تحتها خازوق أمني متضخم ومتورم، وبلا قواعد اجتماعية ولا سياسية كافية، كلها نظم معلقة على طريقة النبي سليمان حين مات، وهو يتكئ على عصا، فلم يلحظ أحد أنه مات إلا حين نخر النمل العصا، كلها نظم ماتت سياسيا من زمن، ولم تتبق سوى مراسم الدفن ومواسم تشييع الجنازات، ولا تبدو التحصينات التي يقيمونها مجدية، ولا الأبراج المشيدة، ولا استخدام فوائض القوة، ولا فوائض المال النفطي.

مكر التاريخ
فهم يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، ويمكر التاريخ أيضا، فقد جربت النظم الليبية والسورية واليمنية استخدام فوائض القوة المسلحة، وعلى ظن أن مبارك ـ وقبله بن على ـ أصابهما الذعر فهربا سريعا، ولم يدرك هؤلاء أنهم يعجلون بتقدم خطى الثورة، ولا يبطئون وتيرتها، ففي مصر وتونس كان هناك هامش ما من حريات الكلام أحيانا، سمح بذيوع نسبي لصيحات الثورة، وبدا إفراط القذافي والأسد وصالح في استخدام القوة، وكأنه يعوض غياب هامش الحريات المفقودة، ويذيع صيحات الثورة بإعلانات الدم الســـيال، إنه مكر التاريخ الذي يجعل الطغاة أدوات للثورة عليهم، وتماما كما هي مصائر استخدام نظم ـ كالملكية السعودية ـ لرشاوي الفوائض النفطية، وعلى ظن أنها تكفي لإغلاق الأفواه، أو استخدام نظم ـ كما في المغرب والجزائر والأردن ـ لمزيج من الرشاوي الاجتماعية والتحايلات السياسية والدستورية، فلن ينجو أحد من هؤلاء، ولا غيرهم، وخوفهم يعجل بلحظة الثورة ولا يؤجلها، وانتظروا ما سيحدث في 2012، وكل سنة وأنتم طيبون وحكامكم هالكون، وكل سنة ثورة ـ بل ثورات ـ ياعرب .

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.83
USD
4.10
EUR
4.78
GBP
241292.36
BTC
0.53
CNY