الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 10:01

مَشْروع الشَّرق الأوْسَطْ الكبير أو الجديد/بقلم: جريس بولس

كل العرب-الناصرة
نُشر: 02/12/11 13:36,  حُتلن: 13:24

أهم ما جاء في المقاله:

انا من الذين يعتقدون أن الادارة الاميركية نجحت في تحقيق أهدافها من الحرب على العراق للأسف الشديد

اسرائيل تحسب حساب القوة العسكرية العراقية في اية حرب عربية اسرائيلية شاملة يمكن أن تحصل وخاصة بعد حرب الخليج

مشروع التفتيت والشرذمة ما زال ناشطاً وفاعلاً على الجبهات: العراقية والفلسطينية واللبنانية والسورية والليبية والسودانية وغيرها

حاول الاحتلال الاميركيّ للعراق إشعال حرب اهليَّة فيه وتصديرها إلى سائر ارجاء المشرق العربيّ. ما كان في العراق أي تمايز مذهبيّ قبل الاحتلال، فإذا بالحرب المذهبيّة تطحن القطر الشقيق وشعبه. فلا ريب في ان الفتنة المذهبيّة هي من صنع الاحتلال وما كانت لتكون لولاه. ومن الفظائع التي تشهدها الساحة العراقية تفجير بيوت للعبادة، مساجد وكنائس وحسينيات وخلافها، من اجل استثارة الحفائظ الفئوية الرخيصة. والسؤال هو: من الذي ينفِّذ هذه التفجيرات؟ هل بيننا من يتصور ان مسلماً واحداً، سواء كان سنيَّاً ام شيعيَّاً، يستطيع ان ينسف داراً يعلوها ذكر الله ورسوله محمد؟ الجواب: قطعاً لا. فمن الذي يرتكب هذه الفظائع إذاً؟ من الطبيعي ان تتوجَّه الأنظار الى جهاز الموساد الاسرائيليّ الذي استطاع، على ما يقال، التغلغل على وجه ملحوظ داخل المنطقة الكرديَّة في العراق ببركة اميركية سافرة. انا من الذين يعتقدون ان الادارة الاميركية نجحت في تحقيق أهدافها من الحرب على العراق للأسف الشديد.

دمار شامل
كان لحرب اميركا على العراق ذريعتان مُعلنتان عند بداية الغزو، هما امتلاك العراق اسلحة دمار شامل وعلاقة النظام العراقيّ السابق بتنظيم القاعدة، على زعم الادارة الاميركية. وبعدما انجزت القوات الاميركية احتلالها العراق أجرت تحقيقاً في المزعميْن فتبيَّنَ ان كليهما باطل: فلا كان في حوزة الدولة العراقية اسلحة دمار شامل ولا كانت هناك اية علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة. فاستدارت الادارة الاميركية في حملتها الدعائية لتروِّج أنَّ الداعي لغزو العراق كان نشر الحرية والديموقراطية في بلد كان يتحكَّم به نظام استبداديّ. فعلَّقنا في حينه على هذه المقولة بالقول: إن هذا هراء. فكيف تكون الديموقراطية من دون حريّة، واين هي الحريّة في ظل الاحتلال؟ فكيف تعمد الدولة العظمى الى احتلال العراق، اي تسلبه حريته، وتزعم أنها تعتزم نشر الديموقراطية فيه؟ وسرعان ما تبيَّن ان مقولة الحرية والديموقراطية كانت بالفعل كلام حق يراد به باطل. فعندما أجريت انتخابات تشريعية في العراق وفاز التيار المحابي لإيران على التيار الموالي للولايات المتحدة الاميركية، قامت الدنيا ولم تقعد. ثم عندما أجريت انتخابات تشريعية في فلسطين شهد العالم أجمع بنزاهتها، قامت قائمة اميركا وحلفائها فقوطعت الحكومة المنتخبة ديموقراطياً لمجرَّد انها كانت من حركة حماس التي تصفها إسرائيل، المهيمنة على سياسة اميركا في الشرق الاوسط، بالارهاب. ومارست اميركا وحلفاؤها الحصار على السلطة الفلسطينيَّة المنتخبة بأقسى صورة فبلغ حدود الخنق الفعليّ لا بل والتجويع للشعب البائس.

دول المقاومة والممانعة
ويسأل هنا السؤال: لماذا لا تطالب اميركا دولاً مثل: السعودية وقطر وعُمان والبحرين وغيرها من دول الخليج باشاعة الديموقراطية هناك، وهذه الدول التي تقمع شعوبها بامتياز، بينما تهاجم دولاً اخرى، بنفس الحجَّة الواهية "الديموقراطية"، كسوريا ودول المقاومة والممانعة. والجواب مفهوم ضمناً: لان تلك الدول الاولى تدعم المشروع الصهيونيّ الاميركيّ في المنطقة. يبقى السؤال الكبير: ما هو مبرر اميركا لغزو العراق؟ إن لم تكن ذريعتا اسلحة الدمار الشامل وعلاقة مزعومة مع تنظيم القاعدة صحيحتين، وان لم تكن ذريعة نشر الحريَّة والديموقراطية صادقة، فما عسى السبب ان يكون؟ تبين لنا ان اميركا حقَّقت أهدافها في العراق على الرغم من كل مظاهر الفشل الآنفة الذكر. فنحن لا نميّز. بين اميركا واسرائيل في استراتيجيتهما حيال الشرق الاوسط. فاستراتيجيّة اميركا متطابقة، حتى في التفاصيل، مع الاستراتيجيّة الاسرائيليّة. وقد نجحت الادارة الاميركية في تحقيق مأرب استراتيجي اسرائيلي في العراق: كان العراق قبل الاحتلال يشكِّل قوة عربية خلفيّة (بمعنى إنها ليست من دول الطوق أو المواجهة) تهدد أمن اسرائيل.

التهديد الاسرائيلي
فكانت اسرائيل تحسب حساب القوة العسكرية العراقية في اية حرب عربية اسرائيلية شاملة يمكن ان تحصل، وخاصة بعد حرب الخليج. أما اليوم، بعد الاحتلال وتشرذم العراق فئوياً بفعل الاحتلال، يصح التساؤل: اين هي اليوم تلك القوَّة العربية الخلفية التي تهدد اسرائيل؟ ماذا حَلَّ بها؟ لقد تبخَّرت كلياً ولم يعد يحسب لها حِساب. وَلعل إيران هي التي حَلَّت محلها في الحسابات الاميركية الاسرائيلية. لذا هذا التوتر الشديد في العلاقة بين الادارة الاميركية وايران بدعوى إصرار إيران على المضي قدماً في تخصيب الاورانيوم لتطوير طاقتها النووية ولو السلميَّة. وإيران تصرّ على انها ليست في وارد تطوير قنبلة نووية وكل ما تتوخّاه تطوير قدراتها النوويّة الصناعية ومن نفس المنطلق يأتي التهديد الاسرائيلي على لسان رئيس الدولة شمعون بيرس لضرب منشآت إيران النووية. هكذا نجحت اميركا فعلياً حيث فشلت ظاهرياً. ونجحت أميركا في مفهوم آخر أبعد أثراً وأبلغ مغزى. فاميركا، ومن ورائها إسرائيل تبنّت ما سمِّي مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والطريق اليه هو ما سمته الادارة الاميركية الفوضى البناءة أو الخلاقة. بالله عليكم متى كانت الفوضى إلا هدَّامة اللهم إلا في مِنظار من يوظِّفها في تحقيق أهداف إستراتيجية معينة.

 تفتيت الشعوب
فالفوضى بنَّاءة وخلاقة في نظر الادارة الاميركية ومعها اسرائيل من حيث ان الفوضى تفضي الى تفتيت الشعوب والكيانات العربية جزيئات متنابذة ومتصارعة، كما في العراق، والسودان وليبيا وكما يراد لسوريا. وتبقى إسرائيل الكيان الوحيد غير المفتَّت، فيكون هو الأقوى والأمنع في المنطقة، وبالتالي يكون ذلك سبيلاً لاسرائيل للهيمنة على المنطقة برمّتها. هكذا تكون الادارة الاميركية قد حققت مأرباً اسرائيلياً استراتيجياً آخر. مرة اخرى نؤكد ان لا فارق بين الاستراتيجيتين الاميركية والاسرائيلية في المنطقة العربية، ولا حتى في التفاصيل. الى كل ذلك نجحت إسرائيل في السيطرة على الثروة النفطيّة العراقيّة الهائلة، فلم يعد يُعرف حجم الموارد النفطيّة ولا مآلها. وفي خضمّ هذا التحليل تتبادر الى الذهن المسألة السوريَّة، حيث ان اميركا وربيبتها اسرائيل ومعهم ألمعارضة الخارجية للنظام والعميلة، مع التأكيد منا ان هناك عناصر معارضة داخلية في سورية وطنية بامتياز، تريد كلها مجتمعة تفتيت سوريا الى أشلاء وهي الدولة التي تحوي على العديد من الطوائف، والمذاهب والأطياف والعشائر والاقليات وغيرها هذا من جهة ومن جهة أخرى هي الدولة الصامدة من دول الممانعة والتي تدعم المقاومات: العراقية واللبنانية والفلسطينية والأهم التي تتصدى للمشروع الاميركي الصهيوني ومدّهُ السرطاني في المنطقة.

إحياء الوحدة الوطنية
إذاً الصراع هو بين المشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة من جهة وبين المقاومة ودول الممانعة من جهة اخرى التي تقف صدَّاً منيعاً في وجه هذا المشروع الاميركي الصهيوني الأمبرياليّ الخطير. يطيب للعربيّ ان يقول إن اميركا فشلت في سياستها في المنطقة، وبخاصة في العراق وفلسطين ولبنان. ونحن نقول إنها في واقع الحال نجحت في تحقيق أهداف استراتيجيّة اميركيّة إسرائيليّة. ومشروع التفتيت والشرذمة ما زال ناشطاً وفاعلاً على الجبهات: العراقية والفلسطينية واللبنانية والسورية والليبية والسودانية وغيرها ولا تستغربوا قريباً ان تقوم اميركا ومعها اسرائيل في اثارة الاقليات في المنطقة مثل الاقليات: الأشورية والكلدانيَّة والكرديَّة والقبطيّة والفينيقية وغيرها. كي تضرب الامَّة العربية ومقاومتها. ألرد على هذا التحدِّي المصيريّ قوميّاً لا يكون إلا بإحياء الوحدة الوطنية في الأقطار العربية، وبعث مشروع اقامة اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوروبي ولو كره الحكام العرب المتشبثون بعروشهم وكراسيهم الركيكة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة