الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 11:02

فرصة لتشكيل الذات والمَسْكِ بالمستقبل بقلم:ابراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 10/11/11 11:28,  حُتلن: 14:42

ابراهيم صرصور في مقاله:

نحن نعيش أياما نورانية ستنتهي بعيد الأضحى والمتزامن مع أداء منسك من أعظم مناسك الإسلام الحنيف وهو الحج

إننا قادرون على تحقيق كم هائل من الإنجازات الروحية الحياتية خلال مدة قصيرة إن نحن عقدنا النية الصادقة والعزم الأكيد

نستطيع أن نحول حياتنا إلى مناسبات سعيدة بمعنى أن نعيش أجواءها باستمرار ونسعد بلذة فيوضاتها وبركاتها القرار بأيدينا بأيدينا فقط

التهديد بالعدوان على إيران يدعونا نحن أيضا إلى تلمس الطريق الذي سيأخذ بأيدينا إلى أن نكون جزءا من هذا القدر الذي بدا يرسم معالم المرحلة المقبلة

في هذه الفترة من الزمن التي نشهد فيها بداية الصعود العربي والإسلامي الذي سيعيد للأمة مكانها ومكانتها وكرامتها، ونلحظ فيه التصعيد الغربي والإسرائيلي، الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل، التعاون الغربي معها (التدريبات والمناورات الجوية في إيطاليا بالتعاون مع " النيتو " كمثال فقط)، والتهديد بالعدوان على إيران، يدعونا نحن أيضا إلى تلمس الطريق الذي سيأخذ بأيدينا إلى أن نكون جزءا من هذا القدر الذي بدا يرسم معالم المرحلة المقبلة ... أعني بذلك، العمل على تشكيل البنية التحتية النفسية والروحية التي ستمكننا من الالتحاق بركب التغيير... نحن نعيش أياما نورانية ستنتهي بعيد الأضحى والمتزامن مع أداء منسك من أعظم مناسك الإسلام الحنيف ، الحج ، فماذا عسانا فاعلين في هذا الشأن ؟!!

الإحاطة بالنعم
لقد اتفق السلف والخلف على أن الفرص التي تتيح للمؤمنين حياة مليئة بالسعادة، لا تُعد ولا تُحصى ... فلا يُتَصَوَّرُ مع هذه الحقيقة أن تزل قدمٌ ثم لا تجد من ينتشلها ... فنحن نتقلب بين نعمتين قد تغيبان عن أذهانٍ أدمنت الشرود، وأرواحٍ استمرأت التيه والضياع، وقلوبٍ انغمست في السواد فقست حتى كأنها الحجارة أو أشد قسوة... النعمة الأولى كثرة الطرق المؤدية إلى رضا الخالق، وهي كما قال أحد الصالحين بعدد أنفاس الخلائق، فهل يمكن لأحد أن يقدر على إحصاء عدد الأنفاس، وكذا بحر الأنوار الذي يحيط بالإنسان في نومه ويقظته ، في خلوته وجلوته ، في سره وفي علنه وفي كل أحواله... هذه النعمة لخصها الله سبحانه في قوله : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )، نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة التكليف والانتساب، وتحت كل نعمة منها عدد لا يمكن الإحاطة به من النعم... النعمة الثانية قرب الله من عبده وتلقيه له عند سقوطه، وتحننه عليه عند زلته وضعفه، وقد لخص ربنا هذه المسألة في قوله تعالى: ( قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم ) ... فإن هو عاد واستغفر قَبِلَهُ وَقَرَّبَهُ، وإن هو أصر وتمادى أمهله وواعده... النهاية من جنس ما اختار العبد لنفسه، فلا عذر له بعدها وقد نبهه الله إلى عظيم ثوابه إن هو تاب وأناب، وحذره من سوء المآل إن هو أصر على الغي والضلال ، فقال تعالى ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أُنْزِلَ إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون . أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كَرَّةً فأكون من المحسنين. بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين)...

 سنن الهدى
نحن في الأيام الأخيرة من عشر ذي الحجة وهي من أعظم الأيام وأجلها عند الله، وقد سن لنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام فيها سنن الهدى من أنواع الطاعات ما يشكل رصيدا إضافيا يأتي بعد مدة قصيرة من شهر رمضان المبارك... محطات تعتبر وبكل المعايير دورات تدريبية سنوية تسمو فيه النفس، وتشرق الروح، وينير القلب، وتنضبط الجوارح، وتستقيم حركة المجتمع أفرادا وجماعات... أو هكذا يجب أن يكون... المسلم الذي يعي هذه الحقيقة يبادر إلى تحقيق النقلة المميزة في واقعه، ويعمل على تحويلها إلى حالة مستديمة يحلق في فضاءاتها، ويستفيد من بركاتها إلى ابعد الحدود... فهو لا يمكن أن يرضى بوضع تنحط فيها نفسه بعد سمو، وتظلم روحه بعد إشراق، وَيَسْوَدُ قلبه بعد أن استنار، وتنفلت جوارحه بعد انضباط ، وترتبك حركته في الحياة بعد أن استقامت على الجادة ... حاجتنا إلى المحافظة على ما يتحقق من تغيير في مختلف مناحي حياتنا في هذه المناسبات التي لا تنتهي وإن كانت بنكهات مختلفة، بسبب ما اختصها الله تعالى من البركات والفضائل والميزات، هو في الحقيقة كحاجتنا إلى الماء والهواء... لا ينبغي لعاقل أن يفرط بما حققه من قفزات في طاعته وعبادته وذكره واستقامته وعلو همته، ثم هو يعود إلى سيرته الأولى ... هذا مخالف للمنطق كما انه مخالف للذوق السليم والعقل السوي... وهذا بالتحديد ما يجعلنا متخلفين بأشواط فلكية عن السلف الصالح الذين حرصوا دائما على تنمية إيمانهم وضبط سلوكهم وتعزيز يقينهم، فحقق الله سبحانه على أيديهم ما اعتبره المنصفون من علماء الشرق والغرب فتحا مبينا وشمسا أشرقت على البشرية بعد طول غياب، فجعلت للحياة معنى وللكرامة الإنسانية نكهة وللوجود طعما... لقد بلغوا منزلة لو كُشِفَ معها الحجابُ بينهم وبين الله ما ازدادوا يقينا، ولو رُفِعَ الحجاب فرأوا الجنة رأي العين، ما ازدادوا فيها حبا ولها طلبا، ولو رُفِعَ الغطاء فرأوا النار رأي العين ما ازدادوا منها خوفا وعنها هربا، ولو جاءهم مَلَكُ الموت في أية لحظة، ما ازدادوا بلقائه إلا حبا وسرورا وشوقا ... أتعرفون لماذا ؟؟!! لأنهم ببساطه ذاقوا طعم الإيمان فعرفوا الله حق المعرفة ، فاغترفوا من بحر حبه ما جعل هَمَّهُمْ هَمًا واحدا وهو الله والإسلام، فأصبحوا بهذا المعنى الماء التي انتظرته تربة الإنسانية العطشى ، فأعطوها ما لم تعط حضارةٌ على وجه الأرض، خُلُقاً وحضارة ومدنية وعلما ورفاهية وتقدما ورقيا، وسعادةً بسطت ظلالها الوارفة على الجميع بلا استثناء، فعاشت البشرية أزهى عصورها وأعظمها....

الأيام والليالي المباركة
هذا هو السر الذي ينقصنا ويجب أن نبحث عنه... وللحقيقة أقول: لقد وجدنا الطريق إلى هذا السر بفضل هذه ألأيام والليالي المباركة... أنا على يقين في أن من أقبل عليها بهمة عالية وإرادة جادة سيشعر حتما بتغيير ما في حياته، ربما لم يكن يتوقعه أبدا ... فهي تعلمنا أمورا ما أحوجنا إلى الالتفات إليها... الأول، أن في الواحد منا طاقات نائمة أو خاملة لو تحركت بالشكل الصحيح لحققت المعجزات، فهي تبحث عمن يعيدها إلى طبيعتها وفطرتها التي فطرها الله عليها، والثاني، أننا قادرون على تحقيق كم هائل من الإنجازات الروحية الحياتية خلال مدة قصيرة إن نحن عقدنا النية الصادقة والعزم الأكيد وشحذنا الهمة، والثالث، أن التغيير ليس أمرا مستحيلا ، وأن هنالك فرصا يجب ألا تُضَيَّع، وأن لله في دهره لنفحات دعانا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أن نتعرض لها حيثما هبت.

القرار بأيدينا
نستطيع أن نحول حياتنا إلى مناسبات سعيدة ، بمعنى أن نعيش أجواءها باستمرار ونسعد بلذة فيوضاتها وبركاتها... القرار بأيدينا، بأيدينا فقط... والمطلوب : قرار وإرادة وعزيمة... ما أعظم أن نسمع الزواجر حتى تنزاح عن قلوبنا كوابيس الغفلة، ومنها ما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : ( يا إخوة الغفلة تيقظوا، يا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا ، فبالله اخبروني : من أسوأ حالا ممن استعبده هواه ، أمَّن أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه؟ ما للغفلة قد شملت قلوبكم ، وما للجهالة قد سترت عنكم عيوبكم؟ أما ترون صوارم الموت بينكم لامعة وقوارعه بكم واقعة ، وطلائعه عليكم طالعة وفجائعه لعذركم قاطعة ، وسهامه فيكم نافذة، وأحكامه بنواصيكم آخذة؟؟ فحتى متى؟ والى متى؟ وعلام التخلف والمقام؟ أتطمعون في مقام الأبد ؟ كلا والواحد الصمد، أن الموت لبالمرصاد ، فلا يُبقى على والد ولا ولد ، فجدوا - رحمكم الله - في خدمة مولاكم واقلعوا عن الذنوب فلعله يتولاكم ).

لم يبق لنا بعد ذلك إلا أن نبكي على حالنا، ونبكي ثم نبكي، بكاء المتأمل لا اليائس والطامع لا القانط، لعل الله سبحانه ينظر إلينا نظرة ترفعنا ويرحمنا بها، فنفوز بسعادة الدارين....

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il
 

مقالات متعلقة