الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 30 / أبريل 18:02

الانقسام العربي الكبير!/ بقلم: أنطون سابيلا- استراليا

كل العرب
نُشر: 09/11/11 13:04,  حُتلن: 13:16

أنطون سابيلا في مقاله:

القوميون يرون أن ثمن الديمقراطية الغربية باهظ التكاليف وأنه لا يمكن الوثوق بالوعود الغربية

اذا لم يتوصل الجميع الى قواسم مشتركة فإن خريف ما قبل "الثورة" سوف يبدو وكأنه هو الربيع الحقيقي

نحن على ثقة أن بين قادة الإسلاميين من هم يدركون حجم "سايكوس-بيكو" الجديد وهؤلاء يجب أن يمدوا الجسور مع القوى القومية واليسارية والليبرالية والعلمانية والاشتراكية

لم تعد القضية في الشرق الاوسط هي قضية الربيع العربي أو الاطاحة بهذا الزعيم أو ذاك وانما أخذت تدريجيا تتحول إلى انقسام كبير وعميق داخل المجتمعات العربية بحيث اذا لم يتوصل الجميع الى قواسم مشتركة فإن خريف ما قبل "الثورة" سوف يبدو وكأنه هو الربيع الحقيقي.

التدخل العسكري
ولنبدأ من مسألة دعوة "الثوار" للدول الغربية إلى التدخل العسكري في الدول العربية ونتساءل ما هي نسبة المؤيدين لهذا الاتجاه في العالم العربي وما هو الهدف من وراءها؟ إذا ألقينا نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي نجد أن المعارضين لهذه الدعوة يتساوون تقريباً مع المؤيدين لها، ولكن المشكلة ليست في التعادل النسبي أو الإستقواء بالخارج فقط وإنما بالموافقة الضمنية على الانتقال إلى معسكر ناتو، وبالتالي المعسكر الغربي، فقط لمجرد التخلص من أنظمة سياسية بحاجة إلى الإصلاح والتغيير.
وهذا الانقسام هو في الواقع بين القوميين والأصوليين الذين يعتقد الغرب هذه الأيام انه يستطيع استرضائهم عبر "إعطائهم" المجال لحكم بلادهم مقابل شروط وفترات زمنية معينة عليهم خلالها أن يثبتوا لمن مكّنهم من الحكم أنهم أهل للثقة الغربية. وللأمانة التاريخية فإن الغرب فعل نفس الشيء مع أنظمة قومية مثل العراق ومصر وليبيا ثم أطاح بها عندما وجد أنها تمارس القرار المستقل ذات السيادة. وليس بالشيء الجديد القول أن الدول الغربية تتعامل مع الدول العربية على نحو أسواء من تعاملها مع أفقر دولة افريقية.

التعامل الغربي
والسبب في أسلوب التعامل الغربي هذا هو أن المستشرقين والمخابراتيين أدخلوا في ذهنية صناع القرار في الغرب أن العرب "مهما فعلنا لهم فإنهم أصوليون بأغلبيتهم وعلينا التعامل معهم من هذا المنطلق، فإذا أرادوا دولا ثيوقراطية فلا بأس شريطة أن يلتزموا بالحفاظ على مصالحنا وعلى إسرائيل وإلا فإن العصا لمن عصى!"
 بالمقابل يرى القوميون أن ثمن الديمقراطية الغربية باهظ التكاليف وأنه لا يمكن الوثوق بالوعود الغربية، مثلما فعل الصحافي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي وصف "الربيع العربي" بأنه "سايكوس-بيكو" جديد. والحقيقة أن الأستاذ هيكل كان يقول بشكل غير مباشر للثوار العرب أن عليهم عدم تصديق الوعود الغربية التي أدت إلى تقسيم الدول العربية وضياع فلسطين. ومن المدهش أن صحيفة فلسطينية بارزة كانت الأولى التي هاجمت الأستاذ هيكل بدلاً من أن تلاحظ ما كان يهدف إليه من تحليله المنطقي والصريح.

دفعة واحدة
ويعتب القوميون والعلمانيون على الأصوليين "تنازلهم دفعة واحدة" عن الانجازات التي حققها القوميون واليساريون والليبراليون العرب منذ الخمسينات من القرن الماضي وأبرزها التصدي للهيمنة الغربية في الشرق الأوسط والتشديد على القرار العربي المستقل والمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، والتي تحققت بشكل نسبي في الدول النفطية بينما تم ترك الدول الفقيرة تحارب من اجل العرب وتمانع من اجل العرب وتضحي من اجل العرب وعندما جاءت الأوامر من الباب العالي تخلت الدول العربية الغنية عن الدول الفقيرة وصارت تنفق الأموال على "الربيع العربي" وتطالب الدول الفقيرة أن تكون ديمقراطية وكأن أنظمتها (أي أنظمة الدول الغنية) قمة في الديمقراطية.

الثورة الليبية
ومثالا على ذلك ما يفعله قادة "الثورة" الليبية الآن من تقديم خيرات ببلادهم على طبق من ذهب للدول التي قصفت قوات القذافي ثم أعدمته. ثم وفي محاولة لدرء تهمة التواطىء مع الغرب فإن زعيم المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل في "يوم التحرير" وقف في بنغازي ليعلن عن إسلامية ليبيا (وكأن ليبيا كانت دولة هندوسية) وعن الحق في الزواج المتعدد (وكأن هذا هو الهدف من الثورة) وعن الشريعة (وكأن ليبيا كانت تعيش تحت شريعة بوذية). كل هذا الكلام هو لتجييش العامل الديني في خدمة مخططات لا علاقة لها بالدين إطلاقاً.
نحن على ثقة أن بين قادة الإسلاميين من هم يدركون حجم "سايكوس-بيكو" الجديد، وهؤلاء يجب أن يمدوا الجسور مع القوى القومية واليسارية والليبرالية والعلمانية والاشتراكية ومع الأنظمة التي أعلنت استعدادها للإصلاح من اجل حقن الدماء وتأسيس نظام سياسي حضاري جديد ينقل الأمة العربية إلى القرن الواحد والعشرين، لأن البديل داحس والغبراء.
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة