الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 20:02

لا مستقبل للانتفاضة الاجتماعية بدون انتفاضة سياسية/نبيل عودة

كل العرب-الناصرة
نُشر: 06/11/11 11:27,  حُتلن: 12:23

نبيل عودة في مقاله:

لا يوجد مبدأ أخلاقي كلي والأخلاق مثل كل شيء هي نسبية وتتغير مع التغيرات التاريخية مع اتساع المعرفة وتطور العلوم وتطور المجتمع وتطور الإنسان نفسه

هل يدخل الجنة غير المسلمون؟ وهل يبيح الإسلام الجماع مع الجثة الجديدة؟ وهل على العاملة بين ذكور أن ترضعهم لتصبح محرمة عليهم (فتوى إرضاع الكبير)؟

هناك قيم أخلاقية تسمى في علم الأخلاق ب " العقلانية" (RATIONALISM) لها دورها في إدارة دفة الحكم والتخطيط وعدم ترك القرارات لعقلية منفردة

لكل شخص نمط حياة، نمط مكتسب عبر التربية والدراسة والعلاقات العامة وتطوير المعرفة والقدرات العقلية. ولكن حين يتبوأ شخص ما مركز سياسي، أو اجتماعي أو إداري، وله إسقاطاته المؤثرة على محيطه القريب والبعيد، على حياة مرؤوسيه وعائلاتهم، على حياة مجتمع كامل بكباره وصغاره، بقيمه، بأخلاقياته، بمستوى تعرضه للمشاكل المترتبة على النهج، وبمستوى التخطيط بعيد المدى لضمان استقراره ونموه،عندها من المنطق أنه لا بد من تقييم جديد لأثر النمط الذاتي على الشعب، أو مجموعة شعوب، أو على العالم بكامله. هنا يصبح نمط الحياة الخاص محكوما بعوامل مختلفة، أكثر امتدادا من الرغبات الشخصية، وأكثر عمقا من الرؤية المباشرة. وأكثر خطرا على الآخرين من القرارات الفردية. هكذا المنطق. ولكن المنطق لا يملك الوسائل لتمرير نفسه لدى بعض الأشخاص، المتحكمون بالقرارات والمصائر.. لذا ليس بالصدفة وجود مؤسسات ومعاهد ومسئولين متخصصين في جميع مجالات الحياة لإدارة الحكم بطريقة عقلانية، وليس حسب نمط شخصي، الذي كان المميز الذي ساد ويسود العالم العربي وحكامه.

الصعيد الاجتماعي
هناك قيم أخلاقية، تسمى في علم الأخلاق بـ "العقلانية" (RATIONALISM) لها دورها في إدارة دفة الحكم والتخطيط وعدم ترك القرارات لعقلية منفردة، لأن المسؤولية تشمل حيوات الجمهور ومصائره في دولهم ودول عديدة أخرى تتأثر بالقرارات والخطوات التي ينفذها نظام ما.
صحيح انه لا يوجد مبدأ أخلاقي كلي. والأخلاق مثل كل شيء هي نسبية وتتغير مع التغيرات التاريخية، مع اتساع المعرفة، وتطور العلوم، وتطور المجتمع، وتطور الإنسان نفسه.
فقط في الدين كل شيء ثابت غير متحول. وهنا تكمن إشكالية الدين، كل الأديان، في زمننا الراهن، عصر العلوم كما يطلق عليه، الذي لا يتوقف تسارعه وقفزاته التطويرية المذهلة في كل المقاييس. حتى لو لم يبرز الفرق بين الاتجاهين، الديني والعلمي على السطح، ولكن في لحظة مواتية سيكون فاصلا بين الدول في المستوى الأول، وبين نوعين من الناس على الصعيد الاجتماعي، نوع يعرف كيف يبني نمط حياة ملائم لعصره، وهذا لا يعني شرطا تخليه عن الإيمان الديني، ونمط يعيش حالة الاغتراب بكل ضغطها، لدرجة انعزاله عن واقعه، وبقائه غريبا عن مجتمعه وعن عصره.

تطور الإنسان العربي
في الفلسفة تسمى هذه الظاهرة بالظاهرة الإيمانية (fideism) وتعريفها الفلسفي أن الإيمان الديني يصبح أهم من المعارف العلمية، وله دوره في تحديد مسار الناس أو شعب ما. وهذا يبرز في تصرفات شخصية ومناهج عامة، بل وفي أنظمة دول. والمأساة حين يكون رئيس حكومة دولة متقدمة علميا وتكنولوجيا، متأثرا حتى النخاع بما نشأ عليه من نمط حياة وعقائد شكلت شخصيته، ولا يستطيع رغم مسئوليات السلطة، أن يتخلص مما نشأ عليه. وهذه الظاهرة الكلاسيكية يمثلها على أكمل وجه رئيس حكومة إسرائيل بيبي نتنياهو. أي يريد العالمان بنفس الوقت. وبالمقابل نجد أن العالم العربي ، وإيران كدولة تطرح سياسة معادية لإسرائيل وربما تشكل الخطر الأساسي عليها في الشرق الأوسط ، ينشغل قادتها ومواطنيها مثل قادة ومواطني العالم العربي، بأكثريتهم الساحقة، بمسائل "ايمانية" فوقية تماما، على حساب قضايا مصيرية. والمطلع على مواقع الانترنت العربية وما ينشر فيها من مواضيع، يجد أن ظاهرة "الإيمانية" تشكل عائقا بالغ الخطورة على مصير الثورات العربية، وعلى مستقبل المجتمعات العربية وشعوبها، وعلى تطور الإنسان العربي كفرد، وعلى العقل العربي عموما. وقبلها شكلت عاملا في استمرار سيطرة أنظمة الفساد التي سقطت والتي ستسقط لاحقا، ومن الواضح أن الاستبداد والفساد في أنظمة الحكم، يجد في "الإيمانية" غطاء ممتازا.بل يجعلها نبراسا لنظامه.

الخدمات الاجتماعية والطبية
هذا العامل يستحوذ حتى اليوم على حصة الأسد في التفكير الجماعي العربي. ومن هنا ضعف العالم العربي العلمي والتقني وانعكاساته السلبية على الواقع العربي برمته، سياسيا واجتماعيا وأمنيا وعسكريا. ومن أمثلة "الإيمانية" النقاشات المتواصلة حول أسئلة غيبية، مثل : هل يدخل الجنة غير المسلمون؟ وهل يبيح الإسلام الجماع مع الجثة الجديدة؟ وهل على العاملة بين ذكور أن ترضعهم لتصبح محرمة عليهم (فتوى إرضاع الكبير)؟ وغير ذلك الكثير من الغيبيات، بينما القضايا الملحة، عن مصير المجتمع ومصير المواطنين وحرياتهم الشخصية وتطور اقتصاد دولهم، وكرامتهم الوطنية والشخصية، والخدمات الاجتماعية والطبية والرفاهية .. الخ ، هي مسائل ثانوية لا تشغل المجتمعات العربية، بدرجة من الحماس والاتساع المشابه للحوار حول المواضيع الغيبية.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة