أبو وهيب:

جاء الإسلام بالعبوديّة لله، وبالتيسير لا بالتعسير

فرض الله عليكم الحج مرّة في العمر، وذلك تيسيرا من الله تعالى وتخفيفا

لم يكلف الله أحداً أن يحج ماشياً على الأقدام بل يسافر راكبا إما بالحافلة أو الباخرة أو الطائرة كل حسب استطاعته

الحج شحنة أيمانيّة ومعايشة وتواصل مع الذكريات القديمة والحديثة مع الذكريات الإبراهيمية والمحمّدية عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم

لا تفوّت على نفسك هذه الفرصة من زيارات الأماكن المقدّسة والمساجد الأثريّة وغيرها والتي ربّما لا تتاح لك إلاّ مرّة واحدة بالعمر لذلك لا تضيّع وقتك في الأسواق لشراء الحاجيات والهدايا وغيرها

أيّها الحجاج أيّها الناس جميعا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يُسمّون الصلوات الخمس ميزان اليوم، والجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان السّنة، والحج ميزان العمر، ويُعرف الحج بأنّه عبادة ماليّة وبدنيّة عبادة جامعة بين الأمرين لذلك يجب على الحاج أن يجد ويجتهد ويكدح ليجمع المال ليسافر من وطنه إلى الديار المقدسة إلى مكّة المكرمة وزيارة المدينة المنوّرة كذلك.

الحياة البسيطة
هناك ليستشعر ويحيى حياة بسيطة تشبه حياة المتنقلين والكاشفين والمقيمين في الخيام، لينام على الأرض وعلى التراب ليتحرّك للوقوف بعرفة والمبيت في منى لرمي الجمرات ويطوف بالبيت العتيق ويسعى بين الصفا والمروة، وهذا كله يحتاج إلى جمع المال وتوفيره ليسافر إلى تلك الديار المقدّسة فلا بد للإنسان بأن يحتاج المال والجهد ليسافر إلى تلك الديار التي تهوي إليها أفئدة الناس.
(فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم )، لم يكلف الله أحداً أن يحج ماشياً على الأقدام بل يسافر راكبا إما بالحافلة أو الباخرة أو الطائرة كل حسب استطاعته، لذلك قال تعالى:(لمن استطاع إليه سبيلا )، أي من استطاع أن يملك الزاد والراحلة ويترك للأولاد والزوجة ما يكفيهم حتى يعود، ولا يتركهم دون شيء.

الحج... عبادة مُكلفة
ولأنّ الحج عبادة مُكلِفة لهذا الحد جعلها الله مرّة واحدة في العمر بينما الصلاة خمس مرات في اليوم، إذا استقامت الصلوات على وقتها وأُدّيت شروطها وآدابها وخشوعها استقام يومها، أمّا الزكاة حوليّة أي في الحول مرّة أو عندما يحصد الإنسان الحب أو الثمر (وآتوا حقه يوم حصاده).
أمّا الصيام مرّة في السنة وهو شهر رمضان المبارك، والحج مرّة واحدة في العمر قال عليه الصلاة والسلام: "أيّها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجّوا " فقال رجل: أو كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتّى قالها ثلاث، فقال عليه الصلاة والسلام: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم.

التيسير ولا التعسير
إنّما فرض الله عليكم الحج مرّة في العمر، وذلك تيسيرا من الله تعالى وتخفيفا، (يريد بكم الله اليسر ولا يريد بكم العسر) جاء الإسلام بالعبوديّة لله، وبالتيسير لا بالتعسير، يقول عزّ وجل في حديث قدسي: أمرت وحكمت، فيجيب العبد سمعت وأطعت، لذلك أيها الحاج الفاضل يا من نويت قصد الديار المقدسة أمرك الله أن تسمع وتطيع تطوف بالبيت سبعا لا خمساً ولا عشراً وكذلك السعي بين الصفا والمروة.
الحاج يطوف بالبيت امتثالاً لأمره سبحانه وتعالى ( أن طهر بيتي للطائفيين والعاكفين والركع السجود )، يطوف داعيا الله عزّ وجل وخصوصا بين الركن اليماني والحجر الأسود كما كان يدعوا عليه الصلاة والسلام: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

ركعتان...
وبعد الطواف يصلي ركعتين خفيفتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام إن أمكنه ذلك والمسجد كله مقام، يصلي دون أذى المسلمين أو التضييق عليهم يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يا أيّها الكافرون، والركعة الثانية قل هو الله أحد، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
ثمّ يشرب من ماء زمزم حتى يتضلّع أي يرتوي ويدعو الله عند شربه " اللهم إنّي أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء". بعدها يذهب إلى الصفا والمروة يقف هناك ويتلو قول الله تـعالى: (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما ومن تطوّع خيرا فإنّ الله شاكر عليم).

الحج شحنة أيمانيّة
والسعي تذكيراً وامتثالاً لأمّنا وأم إسماعيل عليهما السلام حينما كانت تسعى لطلب الماء لها ولطفلها الرضيع حتّى أن استجاب الله تعالى لطلبها وفجّر الماء من بين قدمي رضيعها إسماعيل عليه السلام وهي ماء زمزم.
الحج شحنة أيمانيّة ومعايشة وتواصل مع الذكريات القديمة والحديثة مع الذكريات الإبراهيمية والمحمّدية عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. ورمي الجمرات اقتدائا بنبينا إبراهيم عليه السلام حينما أراد الشيطان أن يوسوس له ويغريه بعدم الأمر بذبح ابنه وكان الأمر من الله تعالى ففداه الله بذبح سمين أي كبش أملح، وهذا رمز لمقاومة الشر ورجم الشيطان من خلال رمي الجمرات.


أخي الحاج الكريم
اعلم بأنّ الحج تجسيداً لمبدأ العبوديّة لله تعالى وامتثالاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا عنّي مناسككم" لذلك ما عليك إلاّ أن تقول سمعت وأطعت.
والحج يعلّمنا معنى التآخي والوحدة بين المسلمين يجتمع الحجاج في وقت واحد وبقعة واحدة طاهرة ومقدّسة مع اختلاف ألوانهم وأوطانهم ولغاتهم وطبقاتهم، لا فرق بين أسود أو أبيض، ولا فقير ولا غني، ولا عربي أو أعجمي إلاّ بالتقوى، جمعهم الدين الواحد، والعقيدة الواحدة، والمناسك الواحدة، والبقعة الواحدة من خلال الإسلام آتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام .
وليعظموا حرمات الله، (ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه) داعين الله المغفرة والرحمة والفوز بالجنة بإذنه تعالى إنّ رحلة الحج رحلة استسلام لأوامره الله سبحانه وتعالى وهي رحلة سلام أيضا يسالم من خلالها الحاج الناس جميعا فلا جدال ولا رفث ولا فسوق في الحج لذلك أخي الحاج الكريم والفاضل، كن سهلاً سمحاً مسالماً ومساعداً لمن أراد المساعدة حتّى ترجع كيوم ولدتك أمّك أوصيك ونفسي بتقوى الله تعالى واعمل بسنة نبيّنا محمد عليه الصلاة والسلام .

الفرصة الذهبية
لا تفوّت على نفسك هذه الفرصة من زيارات الأماكن المقدّسة والمساجد الأثريّة وغيرها والتي ربّما لا تتاح لك إلاّ مرّة واحدة بالعمر لذلك لا تضيّع وقتك في الأسواق لشراء الحاجيات والهدايا وغيرها بإمكانك أن تشتري حاجياتك في يوم واحد أو حتّى في ساعات قليلة لتتفرّغ للعبادة هناك وكما يعلم الجميع بأنّ الأجر مضاعف، والله يضاعف لمن يشاء اغتنم وقتك في طاعة الله في هذه الفرصة التي قد تكون الوحيدة من عمرك، لذلك كان الحج ميزان العمر.
نسأل الله أن يجعل حجّكم مبرورا وسعيكم مشكورا وذنبكم مغفورا وتجارة لن تبور آمين..آمين. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il