الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 00:02

منع جمع الشمل الفلسطيني والابرتهايد الاسرائيلي- بقلم: المحامي ايهاب أبوغوش

كل العرب
نُشر: 19/10/11 11:24,  حُتلن: 13:19

المحامي ايهاب أبوغوش في مقاله:

قضية حظر جمع شمل العائلة الفلسطينية داخل اسرائيل هي قضية مأساوية بحد ذاتها ولها ابعادها ومقوماتها الخاصة بها

لا يزال عشرات الالاف من الفلسطينيين مشردين ومبعدين عن ذويهم او مهددين بالابعاد بسبب الحظر الاسرائيلي لجمع شمل العائلات الفلسطينية

المأساة المستمرة والمؤلمة هي نتاج للسياسة الاسرائيلية التي سرت منذ النكبة، وها هي في العقد الاخير تجلت بصورة رسمية وعلنية كسياسة تمييز وفصل عنصري تستهدف الفلسطينيين لكونهم فلسطينيين

(هذا المقال اهداء لكل فلسطيني قُيّد او مُنع من ممارسة حياته مع افراد عائلته بحرية وبكرامة)
في فترة تهب بها رياح الثورات العربية منادية ومشددة بالتأكيد على حريات الانسان مهما طال الجور واختلف وجه الظلم، وفي ايام تغمرها فرحة الافراج عن اسرى الحرية، وفي ظل الحراك المحلي والدولي بشان الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة وقبولها كعضو كامل في الامم المتحدة، في ظل هذه الاجواء نكتب لنذكر ولنتذكر ولنشدد على قضية ومأساة مؤلمة وبالغة الاهمية يعيشها ويعانيها شعبنا الفلسطيني اعواما طويلة وهي قضية الحظر الاسرائيلي لجمع شمل العائلات الفلسطينية داخل الحدود الاسرائيلية. في زماننا هذا لا يزال عشرات الالاف من الفلسطينيين مشردين ومبعدين عن ذويهم او مهددين بالابعاد بسبب الحظر الاسرائيلي لجمع شمل العائلات الفلسطينية، فكم من اب وام يعيشون في الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع بعيدا عن ازواجهم واولادهم وقد منعوا من لقائهم او ممارسة حياتهم العائلية معهم داخل اسرائيل، وكم من مولود يعيش مع ابيه دون امه او مع امه دون ابيه، لانهم حرموا من العيش الاسري في حضن عائلة واحدة، ومن احق منا بذلك. هذه المأساة المستمرة والمؤلمة هي نتاج للسياسة الاسرائيلية التي سرت منذ النكبة، وها هي في العقد الاخير تجلت بصورة رسمية وعلنية كسياسة تمييز وفصل عنصري تستهدف الفلسطينيين لكونهم فلسطينيين، شعبا وافرادا، وحطت اثارها وتاثيراتها المؤلمة والمريرة لتقطع اواصر عشرات الاف العائلات الفلسطينية. في الاسطر المقبلة نعرض اهم محطات هذه السياسة من قرارات وقوانين اسرائيلية صدرت في العقد الاخير، ونتطرق لكون قضية حظر جمع الشمل الفلسطيني لا تنحصر بقرار او بقانون لسلطة واحدة، بل لانها سياسة احتلال وتمييز عنصري متأصلة وجوهرية لدولة بكامل سلطاتها ولو تعددت السلطات، كما ونستعرض بالمقارنة موقف هذه السياسة بالنسبة لسياسة نظام الابرتهايد الجنوب افريقي التاريخي بشان ممارسة حق الحياة العائلية.

السلطة التنفيذية – الحكومة الاسرائيلية
في بداية عام 2002 عزم وزير الداخلية الاسرائيلي ايلي يشاي على اجراء تعديلات قانونية تهدف الى الحفاظ على الاغلبية اليهودية لاسرائيل ولتقليص اعداد العرب الذين يحصلون على المواطنة الاسرائيلية او الاقامة في اسرائيل من خلال معاملات جمع شمل العائلات وخاصة معاملات الفلسطينيين سكان الاراضي الفلسطينية المحتلة. لذلك ففي شهر اذار 2002 قام وزير الداخلية نفسه باصدار تعليمات تقضي بتجميد جميع معاملات جمع الشمل الخاصة بالمواطنين العرب اذا كان احد الزوجين من سكان الاراضي الفلسطينية المحتلة، متذرعا بحجة ضلوع فلسطيني، حصل على هوية اسرائيلية، بعملية تفجيرية في اسرائيل. بعد اقل من شهرين من قرار وزير الداخلية، في تاريخ 12 ايار 2002، اصدرت الحكومة الاسرائيلية القرار رقم 1813 وموضوعه "سياسة لم الشمل لعائلات احد افرادها من اصل فلسطيني او من الضفة الغربية والقطاع". جاء في نص القرار انه جراء الوضع الامني الراهن في اسرائيل فقد تقرر تجميد كافة اجراءات ومعاملات جمع الشمل المتعلقة بازواج يحملون الهوية الفلسطينية او من اصل فلسطيني.
ان قرار الحكومة الاسرائيلية المذكور كان بمثابة طامة كبرى لأكثر من 20,000 عائلة فلسطينية (بموجب للمعطيات الأسرائيلية)، حيث منع افراد العائلة الواحدة من العيش مع بقية افراد عائلتهم وممارسة حقهم بالحياة العائلية. لا شك ان سياسة الحكومة الاسرائيلية تمخضت منذ البداية عن اسباب ديموغرافية بحته تخدم حفظ وزيادة الاغلبية اليهودية في اسرائيل من جهة، وفي الوقت ذاته الحد من التكاثر العربي داخل اسرائيل من جهة اخرى.

السلطة التشريعية – الكنيست الاسرائيلي
فى تموز 2003 تمت قوننة سياسة الحكومة وايديولوجيتها المانعة لجمع الشمل الفلسطيني وذلك من خلال تشريع الكنيست لما يعرف بقانون المواطنة والدخول الى اسرائيل (امرمؤقت) 2003 (فيما يلي: "القانون/قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل"). نص جوهر القانون على حظر لم شمل العائلات اذا كان احد الزوجين فلسطينيا من سكان الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع، باستثناء حالات شاذة ونادرة، ومنع الفلسطينيون من الحصول على اية اقامة او مواطنة في اسرائيل وكذلك فقد منع كل من حصل على اقامة مؤقتة من ترفيعها لمرتبة اقامة دائمة. جاء هذا القانون الجائر ليضع الخاتم التشريعي على سياسة الحكومة الاسرائيلية لفصل وتشتيت العائلات الفلسطينية، ومنعهم من العيش والسكن معا كعائلة واحدة في اسرائيل.
بالرغم من المبررات المزعومة لولادة هذا القانون وكانها تستند وتعود لاوضاع ولحالة امنية سادت انذاك، وبالرغم من تسميته كقانون مؤقت يسري لمدة عام، الا انه كان ولا زال قابلاً للتجديد والتمديد. كما كان متوقعاً منذ البداية، فقد تم تمديد سريان مفعول القانون مرة تلو الاخرى. بمرور عاميين على الاكثر تكشفت حقيقة المبررات المزعومة كمبرارات زائفة، فقد زال الوضع الامني وحجته الا ان سريان هذا "القانون المؤقت" استمر بل واصبح قانونا دائما. يذكر انه في يوم 31 تموز 2011، تم المصادقة على تمديد سريان القانون لغاية شهر كانون الثاني للعام 2012.
في العام 2005 ادخل تعديل على القانون، واتيح امام الرجال الفلسطينيين ما فوق سن الخامسة والثلاثين عاما، وامام النساء الفلسطينيات ما فوق سن الخامسة والعشرين عاما، امكانية الحصول على تصاريح للدخول الى اسرائيل، بتوفر شروط معينة، لغرض العيش مع ازواجهم. الجدير ذكره في هذا السياق أن هذه التصاريح هي تصاريح مؤقتة وليست دائمة وتتراوح مدتها ما بين الستة اشهر والسنة، وعلى الرغم من انها تمنح حاملها امكانية العيش مع افراد عائلته داخل الحدود الاسرائيلية، الا انها تجرده في الوقت ذاته من حقوق وحريات اساسية مثل العمل ومزاولة المهن بحرية وقيادة المراكب وحرية التنقل ومن تلقي اعانات أو خدمات اجتماعية وغيرها. علاوة على ذلك، فإن هذه التصاريح لا تعتبر قانونيا وعمليا ذات اهمية قانونية عالية كتصاريح لم الشمل والاقامات الدائمة التي تمنح حاملها الحقوق والاعانات الاجتماعية والخدمات المختلفة، بل تنحصر اهمية هذه التصاريح ببساطة بكونها مجرد بطاقات تسمح لصاحبها بالدخول الى اسرائيل وتكون خاضعة لشروط معينة.
كذلك ففي عام 2007 ادخل تعديل آخر على القانون، وتم توسيع دائرة الدول التي يمنع مواطنيها من الحصول على لم الشمل والاقامة في اسرائيل، لتشمل ايضا كل من سوريا ولبنان وايران والعراق.

السلطة القضائية – المحكمة العليا الاسرائيلية
جراء قرار الحكومة الاسرائيلية رقم 1813 القاضي بتجميد كافة اجراءات جمع الشمل المتعلقة بازواج فلسطينيين، وفي اعقاب تشريع الكنيست الاسرائيلي لقانون المواطنة والدخول الى اسرائيل الذي قونن سياسة الحكومة الاسرائيلية انفة الذكر، ففي عام 2003 تم تقديم التماسات للمحكمة العليا الاسرائيلية ضد شرعية ودستورية القانون، وطالب الملتمسون من المحكمة العليا بالغاء وابطال القانون الذي يمس ويجرد الفلسطينيين من ممارستهم لحقوق ولحريات اساسية كثيرة، خاصة حقهم في الحياة العائلية الكريمة. من بين الملتمسين كانت جمعيات حقوقية منها جمعية عدالة وجمعية حقوق المواطن في اسرائيل، وكذلك التمست عائلات فلسطينية متضررة من القانون وايضا نواب كنيست عرب ويهود.
تمحورت الالتماسات حول قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل وشددت على عنصرية القانون وكونه مخالف للقانون الدستوري وانه يرتكز على سياسة تمييز وفصل عنصري ضد المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل وفي الضفة والقطاع. كذلك اجمعت الالتماسات بان القانون تم سنه لدافع ديموغرافي واضح ولهدف الحفاظ على اغلبية يهودية في اسرائيل وحصر المواطنين العرب كاقلية، وبالتالي فان النتيجة المباشرة لسريان القانون هي المساس بحقوق وبحريات اساسية للمواطنين العرب بل وتجريدهم منها، كحق الحياة العائلية والمساواة وكرامة الانسان وحقوق وحريات انسان اساسية اخرى. من جهتها قامت النيابة العامة الاسرائيلية بالدفاع عن شرعية ودستورية القانون وتذرعت بمبررات مزعومة وكأن الهدف الاساسي من سن القانون هو الحفاظ على امن اسرائيل وسلامة مواطنيها. فقد ادعت بردها على الالتماسات ان اجراءات جمع الشمل السابقة منحت الاقامة الاسرائيلية لفلسطينيين من الضفة والقطاع الذين ضلعوا وشاركوا بصورة او باخرى في عمليات تفجيرية ضد اسرائيل الامر الذي شكل خطرا على حياة المواطنين الاسرائيليين وسلامتهم. وفي هذا الصدد يذكر ان النيابة العامة الاسرائيلية لم تقدم للمحكمة العليا اية دليل واضح لاثبات هذا الادعاء المزعوم بل اقرت النيابة امام هيئة المحكمة بان هذا الادعاء ينبثق عن الاشتباه بستة وعشرين فلسطينيا ممن حصلوا على الاقامة الاسرائيلية بمساعدتهم لمن قاموا بتنفيذ عمليات ضد الاسرائيليين. الادهش من ذلك فان النيابة العامة اقرت ايضا بان هذه الاشتباهات بقيت مجرد ظنية ولم تتمخض عنها محاكمة او ادانة لاي من المشتبه بهم.
بحذو سابقاتها من سلطات الدولة، ففي يوم 14 ايار 2006 اصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية قرارها النهائي بهذه الالتماسات والذي أقر شرعية القانون ودستوريته، وتم رفض ورد الالتماسات. بقرارها المذكور تبنت المحكمة العليا الاسرائيلية موقف النيابة العامة وايدته، بل وعللت ذلك بقرارها وكأن القانون شُرع للحفاظ على امن اسرائيل وسلامة مواطنيها. فعلى الرغم من حقيقة مساس القانون وتجريده لحقوق وحريات اساسية للفلسطينيين، فقد اقرت المحكمة العليا بان القانون يخدم الحفاظ على الامن الاسرائيلي اكثر مما يضفي انتهاكا لحقوق الفلسطينيين. لا شك بان موقف السلطة القضائية ينعكس برمته من خلال قرار المحكمة العليا، وهو الموقف الجلي الذي اقر قضائيا بحرمان المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل وفي الضفة والقطاع من حقوق وحريات عدة، اولهم حقهم بالحياة العائلية. كذلك من المهم ذكره انه في عام 2007 وبعد تمديد فترة سريان القانون لفترة اخرى، تم تقديم التماسات للمحكمة العليا من قبل اطراف مختلفة منها جمعية عدالة وجمعية حقوق المواطن، والتي جددت المطالبة بالغاء قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل، والى حين كتابة هذه الاسطر لا زالت الالتماسات جارية ولم تصدر المحكمة قرارها النهائي فيها.
يجدر ذكره ايضا بان هناك من يجد متنفسا وبصيصا من النور في قرار المحكمة العليا المذكور من خلال الاشارة والتمسك بالانقسام الذي حصل بين قضاة المحكمة العليا بتوصلهم للقرار، ففي حين اقر ستة قضاة من اصل احد عشر، وهم الاغلبية، برد الالتماسات، فقد وافق خمسة قضاة، وهم الاقلية، على وجوب قبول الالتماسات والغاء القانون. الجواب الاكيد لكل من يعول على قرار الاقلية من القضاة يتمخض وينعكس من قرار المحكمة العليا ذاته، فقرار المحكمة الملزم قضائيا والمعمول بموجبه عمليا وواقعيا هو قرار الاغلبية، بصرف النظر عما اذا كان القرار يستند لاغلبية بفارق رأي قاض واحد ام اكثر. لذلك ما لم يتم الغاء القانون بالكنيست او بقرار جديد للمحكمة العليا، فان فارق الاراء بين اغلبية القضاة واقليتهم ليس من شانه حتميا ان يغييرالوضع القانوني والواقعي الاليم المؤكد والمقر لسيادة حظر جمع الشمل الفلسطيني.

"اجماع" سلطات الدولة الثلاث على سياسة واحدة وموحدة
بدءا بقرار الحكومة الاسرائيلية 1815 عام 2002، ومرورا بقانون الكنيست الاسرئيلي عام 2003، ووصولا الى قرار المحكمة العليا الاسرائيلية عام 2006، فقد اجمعت سلطات الدولة الثلاث على تطبيق سياسة واحدة وموحّدة، سياسة منع جمع شمل العائلة الفلسطينية الواحدة ومنع افراد العائلة او بعضهم من ممارسة كريمة وسليمة لحقهم بالحياة العائلية داخل حدود اسرائيل ما كان احد افراد العائلة من اصل فلسطيني او من حملة هوية الاراضي الفلسطينية المحتلة، او اذا كان مواطنا او يحمل جنسية احدى الدول التي شملها الحظر لاحقا. لذا يتجلى لنا انه لا فصل في سياسات السلطات الاسرائيلية الاساسية في قضية منع جمع شمل العائلة الفلسطينية على وجه الخصوص، بل اجمعن على مشروع سياسي واحد ومترابط يقر ويطبق سياسة اضطهاد وانتهاك فاضح للحقوق الاساسية للمواطنين العرب.
لا حاجة للتوسع بالقول إن الحكومة الاسرائيلية فضلا عن الكنيست الاسرائيلي، سياستهم تستند بالاساس الى الايدولوجية والفكر الصهيوني العنصري، ولا يعتبرون القانون الدولي اوالمحلي وما تنص عليه هذه القوانين من حقوق وحريات فردية وجماعية اساسية للانسان، كمرجعية اساسية وهامة في كل ما يخص بلورة سياساتهم او في اتخاذ قراراتهم. ولكن الامر يختلف، ولو لاول وهلة، بالنسبة للمحكمة العليا الاسرائيلية، فقد بتت المحكمة العليا في الالتماسات التي طالبت بالغاء قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل ك "محكمة عدل عليا" وفي تركيبة وهيئة موسعة من القضاة، وكان من المفروض والواجب ان يستد قرارها الى مرجعية قانونية واضحة من القانون الدولي والمحلي واللذان ينصان على المحافظة وتوفير الحماية لحقوق ولحريات المواطن والفرد من جور وتعسف السلطات، وتشمل هذه القوانين المحافظة على حق الفرد بالحياة العائلية. ولكن، بدلا من قيام المحكمة العليا كمحكمة عدل وكسلطة قضائية مستقلة وغير خاضعة لاملاءات الحكومة والبرلمان بتطبيق القوانين التي تحفظ وتحمي حقوق وحريات الانسان والفرد من التعسف السياسي، فبدلا من ذلك نجدها تحذو حذو الحكومة والبرلمان الاسرائيلي، من لا يختلف اثنان على عنصريتهم لصالح السكان اليهود وضد السكان العرب، وتتصرف كمكملة لسياساتهم بتطبيق سياسة تمييز وفصل عنصري ضد المواطنين العرب.

نظام الابرتهايد، جنوب افريقيا أم اسرائيل؟
يصف هذا المصطلح نظام حكم القائم على سياسة الفصل العنصري بين السكان ومعامتهم بتمييز عنصري. في عام 1948 فرض الحزب الحاكم في جنوب افريقيا نظام الابرتهايد وحكم بموجبها البلاد حتى انهاءه عام 1990. وفي هذه العقود شهدت جنوب افريقيا نظام حكم قائم على اسس الفصل العرقي العنصري. فقد قام نظام الابرتهايد بتصنيف سكان البلاد الى جماعات والفصل بينهم بناءً على الوانهم، كجماعة البيض وجماعة السود، وجماعة الملونين وجماعة الهنود. بالاضافة الى ذلك عزز هذا النظام من الحقوق والامتيازات الممنوحة لسكان الدولة البيض، وهم بالاصل اقلية هاجرت الى جنوب افريقيا وليسوا من السكان الاصليين. بالمقابل فان هذا النظام حرم وجرد سكان جنوب افريقيا الاصليين، وهم السكان سود البشرة، من الكثير من الحقوق والخدمات الاساسية.
النتيجة الحتمية لفرض نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا تجسدت من خلال تمييز عنصري وفاضح لصالح السكان البيض حيث كان واضحا انذاك بسيطرة السكان البيض على الدولة ومؤسساتها ونفوذها وقراراتها ومواردها الطبيعية واقتصادها. ومن الجهة الاخرى تشتت السكان السود في مناطق سكنية متفرقة ومنعزلة عن بعضها البعض، وافتقروا بل وحرموا من حقوق وحريات اساسية جماعية وفردية على حد سواء.
بكل ما يخص تعامل نظام الابرتهايد مع حق المواطنين بالحياة العائلية يذكر انه في اواخر سبعينات القرن العشرين، وفي ظل نظام الابرتهايد في دولة جنوب افريقيا وفي قمة تطبيق نظام التمييز والفصل العنصري بين البيض والسود، سادت انذاك تعليمات وأوامر قانونية فرضها نظام الابرتهايد بخصوص ممارسة الحياة العائلية في مدن البيض. فقد اقرت هذه التعليمات بتقييد الحياة العائلية للسكان السود في مدن البيض وذلك من خلال فرض الحظر على الاشخاص سود البشرة من السكن والعيش في مدن البيض مع ازواجهم الذين يحملون تصاريح تتيح لهم العمل في مدن البيض. على الرغم من سياسة الفصل العنصري الصارخة ضد السود حينذاك، ففي عام 1980 اصدرت المحكمة العليا في جنوب أفريقيا قرارها في قضية "كوماني" والغت من خلاله التعليمات التي تحظر على السود من العيش في مدن البيض مع ازواجهم.
قرار المحكمة العليا في دولة جنوب افريقيا في قضية كوماني اوضح للعالم باسره انه على الرغم من تجلي العنصرية في نظام الابرتهايد، الا ان النظام، بواسطة احدى سلطاته الرئيسة، وهو المحكمة العليا، رفض المس او تقييد الحياة العائلية والفصل بين الزوجين على اسس عنصرية، ورأى بذلك حدا لا يمكن تجوازه. كذلك فان قرار المحكمة العليا في قضية كوماني يثبت ايضا ويشدد على ان حق السكان باختيار ازواجهم وبممارسة حياتهم العائلية في اوطانهم ومع ازواجهم هو من حقوق الانسان الاساسية والفوقية والتي تعد اساساً في كل نظام حكم، فمهما بلغت عنصرية النظام الا انها لا تصل الى مستوى فرض الحظر على الزوجين من ممارسة حياتهما الزوجية معا لاي سبب او شكل من اشكال التمييز العنصري.
مما يستدل عليه من كل ما ذكر اعلاه انه اذا ما كان ال"ابرتهايد" مصطلح يطلق ليصف نظام حكم قائم على سياسة الفصل والتمييز العنصري بين سكان الدولة الواحدة، فبلا شك وفي قضية منع جمع شمل العائلة الفلسطينية كمثال واحد، فان نظام الحكم الاسرائيلي هو النظام الاحق بالتسمية والنعت ك"نظام الابرتهايد" او انه الاكثر تجسيدا لهذا الوصف دون التهاون مع نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا، لانه في حين امتنع النظام في جنوب افريقيا عن المس او تقييد الحق بالحياة العائلية، اقدم النظام الاسرائيلي وبقوة اجماع السلطات الثلاثة على فرض وتطبيق سياسة فصل وتمييز عنصري على اساس قومي، لينتج عن ذلك تشتيت العائلة الفلسطينية ومنع افرادها من ممارسة حقهم بالحياة العائلية في اسرائيل. احد الملتمسين للمحكمة العليا الاسرائيلية الذين طالبوا بالغاء قانون المواطنة والدخول الى اسرائيل، كانت النائبة زاهافا جالؤون وهي من حزب ميرتس، وفي اعقاب صدور قرار المحكمة العليا الذي اقر بدستورية القانون ورسخ قضائيا سياسة منع جمع الشمل، قالت في مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست: "انه كان بامكان المحكمة العليا اصدار قرار جريء وعدم ايصال اسرائيل لوضعية ابارتهايد".

سياسة دولة اسرائيل: سياسة فصل وتمييز عنصري
في دولة تزعم بالديموقراطية الوحيدة في المنطقة وتدعي بفصل السلطات وباحترام وبحفظ حقوق الانسان مهما كانت، وتحاول المن على ساكنيها العرب بمدى "حفظها" و"احترامها" لحقوقهم منوهة بزمن تسفك دماء اخوانهم العرب في اوطانهم وبايدي انظمتهم الحاكمة، في هذه الدولة نشهد تطبيق سياسة تمييز وفصل عنصري لا مثيل لها، بل وتمنحها الصدارة العالمية في هذا النطاق، لانها تجاوزت بسياستها هذه سياسة نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا، بل وان نظام الابرتهايد امتنع من الوصول لما آلت اليه وصادقت عليه اسرائيل كسياسة دولة برمتها وهي سياسة تمييز وفصل عنصري على اساس قومي ضد المواطنين العرب، بذلك وعلى الصعيد الدولي فانها تمتلك الحقوق الحصرية لهذه السياسة.
كذلك فاننا نشهد كيف تطورت وارتقت السياسة الاسرائيلية في التمييز والفصل العنصري في الاونة الاخيرة كسياسة دولة علنية ورسمية حتى انها اصبحت تستعمل بوتيرة عالية لتشريع مزيد من القوانين العنصرية الموجهة ضد السكان العرب في اسرائيل، وفقط لانهم عرب. ففي السنوات الاخيرة شكل القانون الذي يمنع جمع شمل العائلة الفلسطينية سابقة وركيزة هامة في طريق المصادقة على قوانين عنصرية أخرى ضد المواطنين العرب والمناهضة لحقوقهم ولحرياتهم الدستورية، الفردية والجماعية على حد سواء، ومن اهمها، كمثال وليس للحصر: قانون "لجان القبول"، والذي يمنح هذه اللجان صلاحية واضحة وشبه مطلقة بعدم قبول شخص للسكن في تجمع سكاني معين لعدم توفر "الملائمة الاجتماعية" لديه، والهدف من وراء ذلك هو منع العرب من الحصول على اراض اضافية داخل الحدود الاسرائيلية؛ وقانون "النكبة" والذي يهدف لمنع أي مؤسسة جماهيرية من احياء ذكرى النكبة، ومنع النشاط السياسي اذا كان هذا النشاط يعارض دولة اسرائيل كدولة يهودية؛ وقانون "المقاطعة"، والذي ينص على تجريم أي مشاركة أو أي تأييد لعمليات مقاطعة ضد اسرائيل وضد منتوجات داخل اسرائيل بما في ذلك منتوجات المستوطنات، ويلزم بدفع التعويضات لأية جهة إسرائيلية مورست المقاطعة ضدّها.

للختام ....
سياسة دولة جلية وعلنية ورسمية تتمثل من خلال اجماع السلطات الرئيسة الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، بتطبيق سياسة تمييز وفصل عنصري فاضحة وواضحة ضد الفلسطيني، شعبا وافرادا. هذه السياسة حطمت ارقاما قياسية تاريخية من التمييز والفصل العنصري القومي والعرقي وبالتحديد بخصوص منع الفلسطينيين من ممارسة حقهم بالحياة العائلية داخل اسرائيل لدوافع واهداف ديموغرافية بالاصل، وادت الى تشتيت والتهديد بتشتيت وقطع اواصر عشرات الالاف من العائلات الفلسطينية. بفرض وتطبيق هذه السياسة العنصرية من خلال كامل سلطات الدولة، تفوق النظام الاسرائيلي على النظام الجنوب افريقي في زمن الابرتهايد وقد كان الاخير آنها في اوج تطبيق الفصل العنصري بين البيض والسود، ليكون النظام الاسرائيلي هو الاحق بتسمية "نظام الابرتهايد"، او ليعتبر الاكثر تجسيدا لمعنى ومضمون الابرتهايد، او حتى ان عنصرية النظام الاسرائيلي تفوق التعريف المالوف للابرتهايد فتعجز هذه التسمية عن الوصف الصحيح لعنصرية النظام الاسرائيلي بل ولا تنصفه.
نهاية نشدد ونؤكد على أن قضية حظر جمع شمل العائلة الفلسطينية داخل اسرائيل هي قضية مأساوية بحد ذاتها ولها ابعادها ومقوماتها الخاصة بها، فهي لا تندرج ولا تنطوي أو تنصهر تحت مسألة أو قضية اخرى من القضايا الانسانية التي يعاني منها هذا الشعب الاعزل، بل تقف الى جنبهن ولها مكانتها وحيزها الخاصين بها في سياق القضية الام، قضية الشعب الفلسطيني. من هذا المنطلق وبعد أن نثمن جهود كل الجهات والمنظمات التي بذلت وتبذل الجهود ساعية نحو احقاق الحق وازالة الظلم وخاصة في قضية جمع شمل العائلة الفلسطينية، نرى أنه من الضروري الا تنحصر المطالبة بالغاء السياسة العنصرية الاسرائيلية المقيدة والمانعة لجمع شمل العائلة الفلسطينية بالتماسات حقوقية تقدم للمحكمة العليا الاسرائيلية فحسب، بل يتوجب ان تكون معركة قوية وصادقة وسلمية وكمشروع وطني شامل تمارس على كافة الاصعدة والمجالات ويشارك فيها مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وتستخدم فيها روح الثورات العربية النشطة كقوة رافعة لاحقاق الحق ودحر الظلم.
كما ويتحتم على الجهات الفلسطينية والعربية أن تنشط بتكريس الحيز الخاص لهذه القضية في كل خطاب وفي كل محفل وامام كل جهة محلية واقليمية ودولية، فتعيها الاذهان وتتناقلها الالسنة وتناقشها الندوات الثقافية والمؤتمرات المختلفة، وينادي بها السياسي والدبلوماسي والحقوقي والمربي ويحدثها الشيخ والطفل والشاب كل في موقعه، كما تتناولها شبكات التواصل الالكترونية كالفيسبوك وغيرها، وتتصدر الخطاب الاعلامي والسياسي والاجتماعي في الاراضي الفلسطينية وفي الدول العربية والغربية وفي المحافل الدولية، فيكون المطلب صارما وواحدا في هذه القضية، ينادي بابطال السياسة الاسرائيلية العنصرية المانعة لجمع شمل العائلة الفلسطينية، وباحترام حق الفلسطيني، كحق اي مواطن في العالم، بالعيش مع افراد عائلته وممارسة حقه بالحياة العائلية، لتجتمع العائلة الفلسطينية في بيت واحد، الزوج والزوجة، الاب والام، والابن والبنت والاخ والاخت، ويتمتعون وينعمون معا بحياة عائلية سليمة وكريمة دون اي تدخل او تقييد او حرمان. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة