الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 10:01

الشرق والغرب مقالة بقلم: عمر ابو جابر

كل العرب
نُشر: 08/10/11 08:19,  حُتلن: 14:19

أهم ما جاء بالمقالة:
اليوم.. قد بدأ الشرق يصحو وبدأت الدماء الحارة تجري في عروقه وتنساب في كيانه  وقد بدأت تباشير هذه الصحوة وانقشاع السحب عن افاقه

الحضارة مقبلة الينا وهي حضارة مطبوعة بطابع الشرق فيها حياة وفيها روح وفيها خير للشرق والغرب جميعا

ما كادت أضواء المعارف والفنون ترسل اول خيوطها على الافق الغربي حتى بدأت شمس المدنية الشرقية تنحدر نحو الغرب  وتخلف ورائها ظلاما لم يلبث ان تكاثف وتحول الى ليل دامس يغمر الافاق بينما اخذ الغرب شيئا فشيئا يستوفي حظه كاملا من مظاهر المدنية والعمران

العالم الانساني كله عالم واحد، تنتظمه خصائص وصفات تؤلف من افراده وجماعاته جنسا خاصا، له مميزاته بين سائر المخلوقات وحيث كان الانسان فهو فرد في هذه الاسرة الانسانية الكبيرة مهما اختلفت الالسن والالوان، ومهما تباعدت الازمان والاوطان.

وما الشرق والغرب الا اسمان متقابلان كما يتقابل الشمال والجنوب، والخط الذي يفصل بينهما خط وهمي –على حد تعبير الجغرافيين – ومع هذا فقد تعارف الناس وجرى التاريخ على ان العالم عالمان ، شرقي ، وغربي ، وان لكل عالم حسابه وتقديره الخاص في موازين الحياة.

عالمين مختلفين
فهناك اذن عالم شرقي وعالم غربي، وفي كل عالم من هذين العالمين مجموعة من الامم والشعوب تعيش فيه وتدور في فلكه , وتخضع لظروف البيئة السائدة في محيطه. والفروق التي يذكرها علماء الاجتماع بين الشرق والغرب كثيرة ومتعدده , ترجع الى اختلاف في المزاج والتفكير, والى تباين في الصفات النفسية والخلقية التي يعود الكثير منها الى الوراثات , والى ظروف الحياة واحوال البيئة , وذلك مما جعل الاختلاف واضحا بين الشرق والغرب , وجعل لكل تفكيره ومذهبه واسلوبه في الحياة,
ولعل اهم ما يذكر من فروق بين الشرق والغرب ان امم الشرق تعتمد على الخيال وتلون حياتها به, وتبني حاضرها ومستقبلها عليه , وان امم الغرب تؤمن بالواقع وتعمل له وتعيش فيه , وتقدر حاضرها ومستقبلها على قدره , ولا يعجز الباحثون عن ان يجدوا الدليل على هذا الرأي , فقد استقل الشرق وحده بالنبوات جميعها , والنبوات كما نعلم تعتمد اكثر ما تعتمد على ايقاظ الروح وتوجيهها الى السماء, ووصلها بالملأ الاعلى, ولفتها الى الحياة الاخرة وما يتصل بها من بعث وحساب وجنة ونار , وكلها امور تثير الفكر و وتغريه وبحق بالانطلاق الى تلك الاجواء الروحانية الشفيفة التي لا يستطيع العقل ان يرتفع اليها الا على اجنحة الخيال ,هذا الخيال الذي جعل العقلية الشرقية تتقبل كثيرا مما وراء المادة و وتؤمن بالصالح وغير الصالح, فكما امتلأت دنيا الشرق – من فيض هذه الروحانية وبفضل هذا الخيال –بالخفقات المتجه الى السماء النابضة بالإيمان , امتلأت كذلك اجواؤه بالوان السحر والشعوذه وباشباح الخرافات والاباطيل .

صراع طويل
اما الغرب الذي امن بالواقع ووثق بالمادة فلم يكن له من هذه الروحانيات ولا من هذا الخيال نصيب مذكور , ولهذا انصرف الى الحياة يعالجها بكل قواه , ويلقاها بكل ما عنده من حول وحيلة, ويشتبك مع واقعها في صراع عنيف طويل . هذا الخلاف الذي يذكره علماء الاجتماع في مظاهر التفكير بين الشرق والغرب هو الذي جعل الشرق شرقا والغرب غربا , وجعل لكل منهما دوره في الحياة وفلسفته التي يعالج بها شؤونها ويواجه مشكلاتها. ونحن لا نستطيع ان ننكر هذه الظاهرة , فان امم الشرق يغلب عليها حقا عنصر الروح الذي ينزع بها الى الخيال , والذي يجعل لها نظرات خاصة تمتد الى ما وراء المادة, وتنفذ الى عالم المجهول وتصل بها الى نتائج تدور في كيانها , وتؤثر في تفكيرها وتسيطر على سلوكها , فهذا العنصر الروحي قد كان له –ولا شك- دور هام في الامم الشرقية .. وايضا له الكثير من الحسنات كما اصبح له ايضا سيئات لا لشيء الا للتحليل الخاطئ من الناس لهذا العنصر , ونستطيع ان نذكر من حسناته انه قد اتاح للشرق بان يسبق في ميدان التقدم والعمران , وان يفتح له الخيال مغالق العلوم والفنون, ويفسح له الطريق الى مجالات الابتكار والاختراع .. فان عين الخيال احد بصرا واوسع افقا من عين الحقيقة والواقع .. ومن حسناته ايضا انه قد اوصل امم الشرق بأسباب السماء فملأ القلوب ايمانا وسكينة , واشاع في النفوس الثقة والطمأنينة بالاستناد الى اقوى الاقوياء .. كما اشاع فيها الامل والرجاء في الجزاء الطيب للعمل الطيب , وكل هذه ولا شك دعائم قوية في بناء الجماعات والامم , واشاعة المثل الفاضلة والاخلاق الكريمة فيها.

حضارات الشرق
ونستطيع ان نذكر في سيئات هذا العنصر الروحي انه قد غلب عليه الخيال المريض في كثير من الاحيان (هو لم يكن هكذا في الاصل) وبين كثير من الامم, فاصبح معول هدم مدمر, وجعل الحياة اوهاما وضلالات , فأقام الناس على محيط لا ساحل له من السراب الخادع والاماني الكواذب , حتى فرغت دنياهم من كل خير, وانتهى بهم الحال الى اسوأ حال من البؤس والشقاء.
هذا راي .. وأيا كان الامر فان هناك شرقا, وهناك غربا , وان ما بين الشرق والغرب ما بين كفتي الميزان من تعادل حينا, وتراجح حينا, والتاريخ يشهد ان كفة الشرق كانت الراجحة وان الحياة كلها كانت بيد الشرق من يوم ان استقبل العالم الحياة.. فما ان طلعت شمس الوجود على الانسانية حتى كان الشرق هو الذي استقبلها , فملأت دنياه دفئا وحرارة, وفتحت خياله على اسرار هذا العالم فصاغ منها اعظم حضارة عرفها التاريخ , فما عرف العالم الى اليوم حضارة تقف الى جانب حضارات الشرق ولا تبلغ من القوة والعمق ما بلغته هذه الحضارات في مختلف العلوم والفنون , ومنها الحضارة المصرية في اقدم العهود والحضارات العربية في اليمن وباقي مناطق الشرق وشواهدها الباقية تشهد لهذا وتقف الى الان متحدية علوم العصر ان تفك الغازها , وتكشف اسرارها , وتصل الى صميم الحقيقة فيها. وهذا الشأن كان ايضا في حضارات الهند والصين وبابل واشور وفارس وكلها حضارات قامت على عمد ثابته من العلم الصحيح وعلى اصول مقرره من الفن الرفيع , وبهذه الحضارة التي انفرد بها الشرق رجحت كفته , وخلا له وجه الحياة زمنا طويلا , على حين ان الغرب كان لا يزال يعيش عيش البداوة , ويأخذ من الحياة ما تسمح به دون ان يقدر على شيء مما تزويه عنه, وتحجبه دونه.

الروحانية الغربية
ما كادت أضواء المعارف والفنون ترسل اول خيوطها على الافق الغربي حتى بدأت شمس المدنية الشرقية تنحدر نحو الغرب , وتخلف ورائها ظلاما لم يلبث ان تكاثف وتحول الى ليل دامس يغمر الافاق , بينما اخذ الغرب شيئا فشيئا يستوفي حظه كاملا من مظاهر المدنية والعمران . ولو ذهبنا نعلل لهذا التحول في احوال الشرق والغرب , وغروب شمس الحضارة هنا وشروقها هناك , لوجدنا لذلك كثيرا من العلل والاسباب فهذا التحول الذي اتى على حضارة الشرق –مع انه سنة من سنن الحياة وان لكل حضارة اجلا وان الحضارة الشرقية قد استوفت عمرها وبلغت اجلها – هذا التحول له اسباب كثيرة لا يمكن اغفالها .  منها ان هذه الروحانية التي قلنا انها طبيعة غالبة في امم الشرق قد بعد بها العهد بينابيعها الاولى فاصابها الجفاف ولحقها العطن, وبدأ الجهل يزحف عليها في صور كثيرة من الخرافات والاباطيل التي تتحكم في حياة الناس, فتعزلهم عن الحياة وتلهيهم عنها بهذا السراب الذي يعيش عليه خيالهم المريض.

التفكير الغربي
ومنها ان الغرب حين اشتد ساعده وحين واتته الفرصة ارسل على الشرق جيوشا زاحفة احتلت ارضه واستعبدت اممه, وارهقتها بالوان العسف والاستبداد فزاد ذلك من بلاء الشرق وضاعف من محنته , واسرع بالقضاء على معالم علومه وفنونه,
كذلك كان الشأن في تحول احوال الغرب, وانتقاله من البداوة الى الحضارة ومن الهمجية الى المدنية فهذا التحول مع انه - امر طبيعي يجيئ في دورة الفلك بغروب الشمس عن افق وطلوعها على افق –الا ان له اسبابا مباشرة لا يمكن اغفاله ايضا .
منها ان الشرق قد أمد الغرب بكثير من المعارف, واطلعه على الكثير من معالم المدنية, ووضع بين يديه منها مثلا معنوية ومادية, فكان لذلك اثره في اثارة غريزة التقليد والمحاكاة فيه, وفي تقوية الرغبة عنده الى التفوق والتقدم . ومنها ان العقلية المادية التي غلبت على التفكير الغربي.. ان تكن قد أبطأت بالغرب عن مجال الحضارة زمنا طويلا .. الا انها وثقت الصلة بينه وبين الطبيعة وجعلته في مواجهتها دائما .. وذلك قد اتاح له فرصا كثيرة شاهد فيها – عن كثب وبعين الواقع – كثيرا من اسرارها وخفاياها وبهذا استطاع ان يقيم حياته على اسس سليمة راسخة خالية من طلاء الخيال , وزخارف الاوهام , وهكذا جرى القدر , وتمت دورة الفلك بان تذهب حضارة وتقوم حضارة , ويهوى الشرق ويرتفع الغرب , وصدق الله العظيم حيث يقول جل شأنه " وتلك الايام نداولها بين الناس " صدق الله العظيم.

صحوة الشرق
واليوم.. قد بدأ الشرق يصحو وبدأت الدماء الحارة تجري في عروقه وتنساب في كيانه , وقد بدأت تباشير هذه الصحوة وانقشاع السحب عن افاقه .. ثم ما يتبع ذلك من الالتفات الى تراث الماضي والاتجاه الى العناية بالعلوم والفنون ومزاحمة الغرب فيها ... هذه ظاهره واقعة لابست حياة الشرق , فأصبحت متجه اماله ومرمى اهدافه, فما هي النتائج التي نعلقها وننتظرها من ورائها؟  للكلام بقية...

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.

مقالات متعلقة