الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 07:02

سعيد الشيخ يكتب على العرب: طغاة الثقافة وشبّيحتها

كل العرب-الناصرة
نُشر: 16/09/11 12:04,  حُتلن: 07:31

سعيد الشيخ في مقالة:

أحسبُ قصائدي من ضمن قصائد الرداءة لأنه ما كان للمحرّر الثقافي أن يعطّل نشرها لو لم تكن كذلك

علينا إعادة سلطته إلى مجال الحرّية وبما تحوي الحرّية من دور رائد في تطوّر الشعوب في حياة من الإنتاج

متى نمتلك ثورة ثقافية تُنهي عهوداً طويلة من استبداد دعاة الثقافة بالجسد الثقافي وتحرّر الإبداع من سجون المحرّر الثقافي الذي ما عادت صنعتُه إلا البطش بالمبدعين

ماذا يفعل الشاعر أمام تعنُّت المحرّر الثقافي في تغييب قصيدته؟ وإلى أين تذهب قصائد الشعراء أمام طغيان المحرّر الثقافي الذي يعلن: أن لا شاعر سواي؟ شخصياً، ومنذ زمن ضوئي، تراودني نفسي الكف عن كتابة القصيدة من أجل عين المحرّر الثقافي، التي أقرّر أن أشفق عليها وأعفيها من قراءة ما أكتبه من رداءة. وأحسبُ قصائدي من ضمن قصائد الرداءة لأنه ما كان للمحرّر الثقافي أن يعطّل نشرها لو لم تكن كذلك! أليس دور المحرّر الثقافي أن يقرّر ويميّز بين الحداثة والرداءة؟ولكن هل قام بهذا الدور لمصلحة ثقافة تنعم بالعافية وخالية من التشوّهات؟ ثقافة جلية بلا التباسات؟منذ زمن ضوئي ونفسي تراودني... والمحرّر الضوئي ذاته على كرسي التحرير: لا كانت قصيدتي تتطوّر حسب مذاقه، ولا هو يريد تغيير ذائقته أو امتلاك ذائقة شاملة كالناقد الحر والمستقل. وأنا لا يهمني إن كان هذا المحرّر شاعراً أو روائياً أو حتى أنه مجرّد مدير علاقات عامة.

ثقافة وفنون
كل ما يهمّني، كما كل شاعر، أن تمضي قصيدتي بسلام في فضاء ثقافي حيوي، ولكنها كانت دائماً تقف عند أبوابه وحواجزه بلا رجاء. وشخصياً لا أحب أن أرجو لقضاء مصلحة، ومصلحة القصيدة - والإبداع عموماً - هي النشر تحت شمس دافئة. ! للمحرّر الثقافي أبوابه العالية وحواجزه المسنّنة. ولقد كتبت قبل سنتَين مقالةً في هذا الخصوص تحت عنوان «المحرّر الثقافي مستبداً» حمَّلتها الشكوى نفسها عن الطراز نفسه من هؤلاء المحرّرين الذين ينتشرون كالفقع عبر مساحات واسعة في الصحافة العربية، ساقتهم صدفة عمياء للجلوس على قبّة عالية، تجيز لهم سلطة يؤدُّونها لذاتهم كي تبدو هذه الذات في العلو، وما عداها يظل هامشاً لاكتمال القبّة. والمشكلة ما زالت عالقة رغم مرور الزمن (الضوئي). ومشكلة المحرّر الثقافي مع تغييرات المشهد العربي السياسي والاجتماعي المنعطف نحو الحرّية برغبة عارمة لإسقاط الدكتاتور الحاكم، ما عادت تُجيز له أن يظل يلعب على الثقافة وجمهورها. عليه أن يكف عن اعتبار نفسه جزءاً من حركة التغيير أو تقديم نفسه كرائد من روّادها.على التغيير أن يسريَ عليه كصاحب سلطة. علينا إعادة سلطته إلى مجال الحرّية وبما تحوي الحرّية من دور رائد في تطوّر الشعوب في حياة من الإنتاج، ولتصير وارفة المع! اني تظلل في آنٍ واحد السياسة وما يدور حولها من ثقافة وفنون.

صرخة المبدع
شاخت قصيدتي وشختُ أنا، وطبعاً شاخ المحرّر الثقافي الذي ما زال ممسكاً بكرسيه مثل الحاكم العربي بكل أضراسه وأنيابه وقواه المكشوفة والمستترة، وينظر إلى قصيدتي على أنها ما زالت طفلة تلعب بالماء والطين... ولا بأس إن وقعت أرضاً وبانَ شيءٌ من لحمها البض... فهي طفلة!يقيني أنها ليست طفلة في شيخوختها، وقد مرّت عليها أسئلة الخصب والابتكار واقتربت من أماكن الاشتعال في فرادتها وحداثتها وغاصت في التجربة بما لا تشبه أحداً. لا تشبه المحرّر الثقافي، ولا تريد أن تشبهه، ولا تريد أن تصطبغ بصبغته، لا بمقاهيه ولا بمفردات صحرائه... القصائد تشبه أصحابها، كما هي كصنف أدبي ابنة شرعية لبيئته! ا.أما أن يتعنّت المحرّر الثقافي في عطبها من خلال تغييبها... حينذاك لا تصبح المسألة ثقافية، بل كيدية تطفو على جوهر الفن. إنها مرض خاص يخص المحرّر الثقافي دون سواه، إنها الاستبداد الذي لا نكف عن التحذير منه على المستويات كافة. كمبدعين، هل يحق لنا التدخّل في عمل المحرّر الثقافي؟ هو سؤال يشبه سؤال: هل يحق للمواطنين التدخّل في عمل السلطات التشريعية والتنفيذية؟عندما يطغى الفساد، وتصبح الثقافة أيضاً في متناول «الشبّيحة»، أو يتحوّل المحرّر الثقافي إلى «شبّيح» وله آليات عمل العصابا! ت، فإن صرخة المبدع تصبح أكثر من ضرورية وحاجة ملحّة لإسقاط التمادي في اللعب على الأيديولوجيا والقضية.

الأجيال الأدبية
فغالباً ما يُضبط المحرّر الثقافي وهو منحاز إلى عشيرته وإقليميته وشلّته، وبوتيرة أعلى إلى نفسه كنرجسي ممتاز وفائق الجودة. وهو هناك في منصبه باسم قضية ما، ثقافية أو أيديولوجية. يتعيّن علينا معرفة المقاييس التي تحدّد عمر الأجيال الأدبية، كي تتسنّى لنا معرفة صلاحية استمرار وظيفة المحرّر الثقافي في الجريدة نفسها أو الوزارة أو دار النشر، كي لا يتحوّل بعد أكثر من عشرين عاماً في وظيفته صنماً، أو سليلاً من سلالة القدّيسين، نكتب لأجله وكما يشتهي. أعود إلى سؤالي الذي منه ابتدأتُ: ماذا يفعل المبدع أمام طغيان المحرّر الثقافي؟المبدع الذي تراوده نفسه الكف عن الكتابة، ألا يشبه المواطن الذي يفكر بالهجرة عن وطنه؟أليست النتيجة، في الحالتَين، من فعل الطغيان السلطوي؟ هل نتوقف عن الكتابة كمبدعين؟ هل نفرّغ الوطن كمواطنين؟ الثورة الشعبية ابتدأت في الوطن العربي وبدأت تعطي ثمارها... فمتى نمتلك ثورة ثقافية تُنهي عهوداً طويلة من استبداد دعاة الثقافة بالجسد الثقافي، وتحرّر الإبداع من سجون المحرّر الثقافي الذي ما عادت صنعتُه إلا البطش بالمبدعين.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة