الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 19:02

ابراهيم صرصور: فلسطين بين الحقيقة والوهم

كل العرب
نُشر: 15/09/11 15:52,  حُتلن: 14:14

الشيخ إبراهيم صرصور :

بنى اليهود نظريتهم حول الحق اليهودي الديني في أرض فلسطين بناء على وعد الله لإبراهيم عليه السلام

يميز القرآن الكريم بين بني إسرائيل وقوم موسى واليهود . أما بنو إسرائيل فيخاطبهم الله باسمهم ، كقوله تعالى ، ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم ... )

قد يسأل سائل ، هل سيطرة اليهود وليس بنو إسرائيل على فلسطين في العام 1948 ، يعني انهم الأفضل عند الله من العرب والمسلمين بمن فيهم الفلسطينيين . الجواب ببساطة لا ؟

اطلعت مؤخرا على موجز لادعاءات عالمة نووية مصرية هربت إلى إسرائيل تدعى ( نهى حشاد ) ، تدعي ( أن أرض إسرائيل كلها غير محتلة ، على العكس فإننا نحن الفلسطينيين والعرب والمسلمين بموجب البحث الذي قامت به ، هم المحتلون ... وان " اختيار الله " هو الحل الأمثل للنزاع في الشرق الأوسط ... وقد كانت أرسلت هذا الحل إلى أوباما بفاكس من عشرة صفحات قبل أن يحدد زيارته لمصر مباشرة .... وأنها شاركت في مؤتمر إعلان " السلطة اليهودية " في المستوطنة اليهودية " نوفيم " في الضفة الغربية المحتلة.. ترفض توصيف " المستوطنين" الذين صفقوا لها... و"أرض إسرائيل" أكبر من حدود فلسطين.. وإسرائيل ليست دولة محتلة.. لذا، فهي تدعو العرب لإعادة دراسة الموضوع والنظر في موقفهم برمته إذا كانوا يريدون سلاماً حقيقياً مبنياً على العدل.) ... انتهى ...

( 1 )

رأيت في هذه المرحلة بالذات والتي كثر فيها اللغط حول مستقبل فلسطين لا من المنظور السياسي فقط ، وإنما تجاوزه إلى الموروث الديني ، أن أرد على ما جاء على لسان سيدة مصرية ( عالمة نووية ) ، جاءت إلى إسرائيل تحمل مخزونا متهافتا من الادعاءات ذات العلاقة بحق اليهود في فلسطين ، وأنه لا حق للعرب فيها ، تحسب أن هذا سيضعها في مقام محمود عند اليهود ، وما الذي تحمله في الحقيقة إلا سرابا يحسبه الظمآن من أمثالها ماء ، فإذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده ...

بنى اليهود نظريتهم حول الحق اليهودي الديني في أرض فلسطين بناء على وعد الله لإبراهيم عليه السلام . لتحقيق هذه الغاية اعتبرت المصادر اليهودية أن خليل الله إبراهيم كان يهوديا ، وهو ادعاء مخالف للوقائع التاريخية ولتطور الظاهرة اليهودية ، كما انه مخالف لما جاء صريحا في القرآن الكريم من ان إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ولكن حنيفا مسلما . والسؤال البسيط الذي يُطرح هنا ، كيف يمكن لإبراهيم عليه السلام ان يكون يهوديا وقد عاش قبل أن يعرف التاريخ جماعة تسمي نفسها ( يهود ) بحوالي 1300 عاما ؟؟ هذه الحقيقة تنسف من الأساس الأصل الذي بنت عليه المصادر اليهودية حقها الديني المزعوم في فلسطين ، والمتحدده في ان الله قد وعد إبراهيم أرض كنعان ، ( وعدا إلهيا قاطعا وأبديا !!! ) .. وعليه ما بني على باطل فهو بالضرورة باطل . وكذا يقال في النبي إسحاق عليه السلام ، وابنه يعقوب ( إسرائيل ) وأبنائه ، الذي هجروا ( أرض كنعان ) التي عاشوا فيها في ضيافة القبائل العربية التي عمرت فلسطين لآلاف السنين قبل وصول إبراهيم عليه السلام ، وأقاموا فيها المدنية والحضارة والمدن وعلى رأسها ( يبوس / القدس ) ، هجروها إلى مصر بدعوة من نبي الله يوسف عليه السلام في قصة معروفة ، وظلوا هنالك لا تربطهم عاطفة ولا وشيجة مهما كان نوعها مع فلسطين ، حتى بعث الله فيهم موسى عليه السلام .

( 2 )

يميز القرآن الكريم بين بني إسرائيل وقوم موسى واليهود . أما بنو إسرائيل فيخاطبهم الله باسمهم ، كقوله تعالى ، ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم ... ) . بعد نزول شريعة موسى ، فقد أصبح اسمهم قوم موسى او الموسويون ، وهكذا جاء خطاب موسى لقومه هكذا ، ( يا قوم إنكم ظلمتم انفسكم ... ) ، و ( يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم ... ) ، و ( وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم .. ) .. وجاءت بعدها مرحلة اخرى انحرف فيها قوم موسى عن نهجه وحرفوا التوراة ، وأصبح اسمهم ( اليهود ) ، كما يقول الله تعالى ، ( الذين هادوا " أي اليهود " يحرفون الكلم عن مواضعه ،ويقولون سمعنا وعصينا .. ) و ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين . ) ، وكقوله تعالى ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا ، سماعون للكذب ، سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من يعد مواضعه .. ) .. الملاحظ من هذا الاستعراض أن القرآن يستعمل اسمين لهؤلاء القوم ، فلا يطلق اسم ( بنو إسرائيل ) إلا في حالات الرضا ، وهذا المنسجم مع الحقيقة التاريخية، فهم الذين فضلهم الله تعالى على العالمين في وقتهم إذ كانوا هو الموحدين دون غيرهم من الأمم عبدة الأوثان ، وهم ببساطة ليسوا اليهود ، الذين لا يذكرون في القرآن إلا في حالات السخط والغضب . فمن غير المعقول أن يعد الله تعالى قوما غضب الله عليهم بسبب جرائمهم ، أرضا ووطنا كما تدعي المصادر اليهودية ، ومن باع نفسه لأوهامها . لعل ما يذكره ( فرويد ) العالم النفساني اليهودي ، في معرض تحليله لمحاولات كتبة التوراه إدخال الآباء الأولين في ديانتهم بشكل تعسفي ، واعتبروهم اسلافهم ، من انهم أرادوا بذلك إعطاء دليل على أن اليهود ليسوا غرباء عن المنطقة ، وبخاصة عن ارض كنعان ، ويقول في ذلك ( انهم لجاوا إلى هذه الحيلة الماهرة ، وهي ان الههم يَهْوَه قد وعدهم بالأرض التي كان يحتلها أسلافهم بالفعل ) .. وهذا كما هو واضح محض افتراء وتزييف للحقائق ...

( 3 )

قد يفهم البعض من قوله تعالى ( ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم خاسرين ) ، على أنها تؤيد دعوى اليهود بالحق على فلسطين ، وأنه وعد الله لإبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام من قبل ، فهي " أرض الميعاد " . وهذا فهم قاصر لاعتبارات . اولها ، ان الله إن كان وعد إبراهيم وعدا ، فإبراهيم ليس يهوديا ولا من بني إسرائيل ، كما ان يعقوب واسحق واولادهم كانواعلى الحنيفية السمحة دين إبراهيم ، ولم يكونوا يوما يهود كما ذكرنا سابقا . وثانيا ، على افتراض صحة هذا الادعاء وهو غير صحيح ، فإن إبراهيم لم يكن أبا لإسحاق فقط والذي انجب يعقوب ، وإنما كان أبا لإسماعيل عليه السلام باعتراف التوراه والمصادر اليهودية . هذه الحقيقة تقتضي على الأقل ان تكون التركة التي ورثها إبراهيم عليه السلام لأولاده جميعا من بعده ، وليس لطرف واحد كما تدعي السيدة ، وهذا دليل على تهافت هذا الادعاء .. أما ثالثا ، فالله عز وجل لا يعطي شيئا من اجل ( سواد العيون !! ) او لأسباب ( عنصرية او عرقية !!! ) ، أو ( لعاطفة !! ) تجذبه لجهة دون أخرى ، فعدالة الله تقتضي ان يكون تمكينه لأمة من الأمم قائمة على مبادئ وأصول وقواعد وسنن ثابتة ( ثوابت ) لا تتبدل ولا تتغير ، تحكم الجميع دون تمييز . من ذلك ان الله تعالى يعد عباده الصالحين بكل خير ، في كل امة ، وفي كل زمان ومكان ، سواء كانوا من بني إسرائيل أم من غيرهم ، فالله سبحانه يقول : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عابدي الصالحون ) ، ويقول على لسان موسى ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ) ... فالأرض لله ، ليست لبني إسرائيل وليست لليهود ، وهو الذي وعدها عباده الصالحين ، لا على التأبيد ولكن شرط التزام المنهج الرباني ، وإلا فالحرمان والطرد والتهجير . فالحق على الأرض ليس مرتبطا بعرق يهوديا كان او عربيا ، وإنما بمدى التزام الأمة بمنهاج ربها . لهذا السبب بالذات طرد اليهود من فلسطين بعد ان أقاموا لهم فيها كيانا ، وكذا لنفس الأسباب طرد المسلمون من الاندلس بعد 800 عام . فتمكين الله لهم لم يكن بسبب عرقهم العربي ، فقد رأيناهم كعرب قبل الإسلام اقواما متناحرين لا وزن لهم ، ولكن دخولهم وسيادتهم كانت وستبقى مرتبطة برسالة الإصلاح التي بشروا بها ، وبالإضافة الحضارية والمدنية النوعية التي صبغوا بها البلاد التي فتحوها ، فلما تخلوا عن الرسالة ، زال ملكهم وطاح سلطانهم .

( 4 )

قد يسأل سائل ، هل سيطرة اليهود وليس بنو إسرائيل على فلسطين في العام 1948 ، يعني انهم الأفضل عند الله من العرب والمسلمين بمن فيهم الفلسطينيين . الجواب ببساطة لا ؟ ولتوضيح الجواب ، نسأل ، هل سيطرة الصليبيين / الفرنجه على فلسطين لمائتي عام تقريبا ( فترات متفرقة ) ، يعني أفضيلتهم على المسلمين ؟ طبعا لا ... إذا ما هو التفسير لهذه الظاهرة ؟؟ التفسير أيضا بسيط ... نحن نؤمن ان الإسلام نسخ ما قبله ، وان السيادة في النهاية للإسلام . أدوات السيادة هم المسلمون عربا كانوا او عجما ، ولكن لا لأسباب عنصرية وعرقية وقومية ، فقاعدة ( شعب الله المختار ) العنصرية ليست إلا بدعة سمجة من اليهود ، فهي التي أباحت لهم فعل كل الجرائم بدعوى ان الله قد اختارهم مهما فعلوا ومهما انتهكوا. لذلك فعقاب الله للمسلمين بنزع سيادتهم عن ارض مقدسة كفلسطين لمصلحة اليهود ، ليست لأن اليهود قوم اتقياء ، ولكنها لم تأت إلا بسبب تخلي المسلمين عن دورهم ورسالتهم ، فكان الحسم لعناصر المعركة المادية ، والتي تفوق اليهود وحلفاؤهم الغربيون فيها اكثر من العرب ، فكان لهم النصر ... ألقى المسلمون الفرنجة إلى ما وراء البحار حينما عاد إليهم وعيهم ، فقلبوا الموازين ودانت لهم اوطانهم من جديد ، وكذا سيحدث في كل أرض انسحبت عنها سيادة المسلمين .. ما يوضح ذلك ، ما جاء في خطاب لموسى عليه السلام لبني إسرائيل ، كما ورد في الأثر ، في لحظة يأس من صلاحهم ، ( سيأتي زمان تنصرون فيه على قوم ، لن تكونوا حينها خيرا منهم ، ولكن سيكونون حينها أكثر منك فسادا . ) ... ولعل ما جاء في وصية أحد الخلفاء لجيوش الإسلام وهي تستعد لغسل وجه الأرض من أرجاس وأنجاس وأدناس الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية ، مذكرا بأنهم سيواجهون جيوشا أكثر عددا وعدة ، فلن يتم النصر عليهم إلا ( بالإيمان ) ، فإن تساووا في المعصية ، عاد النصر ليكون حليف الأكثر عددا وعدة ، يعني ، عادت الأسباب المادية وحدها سيدة الموقف .

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة