الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 19:02

ربيع إبريق من أبو سنان يكتب: نهاية أفعى رقطاء

كل العرب-الناصرة
نُشر: 10/08/11 15:19,  حُتلن: 18:42

- سيدة شهيرة، علينا الدخول إلى الغرفة من اجل إجراء بعض التمارين العلاجية لك ، فالمُمرض المختص بالعلاج الطبيعي في انتظارك ...
- عفوا ، اتركيني لوحدي الآن وعودي بعد قليل ، فأنا أرغب بالاختلاء بنفسي قليلا!
- حسنا ، كما تشائين، سأعود بعد نصف ساعة!

دخلت الممرضةُ إلى بناية المستشفى ألتأهيلي ، تاركة شهيرة لوحدها في الحديقة . أخذت شهيرة تنظر إلى الإزهار والورود المزركشة الجميلة وإلى الأشجار الباسقة، ولكن تفكيرها كان مُنصب في مكان آخر وزمان آخر : إنها تحاول جاهدة استيعاب ما جرى لها في الآونة الأخيرة منذ أن تعرضت لذلك الحادث الأليم . لقد مرت فترة طويلة تجاوزت الثلاثة أشهر على دخولها المستشفيات ، في البداية أدخلت إلى مشفى اعتيادي ومن ثم تمّ نقلها إلى هذا المشفى ألتأهيلي من اجل إجراء التمارين العلاجية الطبيعية. خلال كل هذه الفترة كانت تتساءل دائما: هل من الممكن حقا أن أشفى؟ هل من الممكن أن أرجع لوضعي الطبيعي كما كنت في السابق قبل تعرضي للحادث؟ تتساءل وتقول مُذنبة ذاتها: "أنا السبب!!! هذا عقاب من رب العالمين على..."
أخذت شهيرة تستذكر وتراجع شريط حياتها قبل تعرضها للحادث: لقد كانت تعمل في أحد المصانع في القرية المجاورة منذ أكثر من عشرين عاما . أغدق الله عليها من فائض نعمه وأوسعها، فكان وضعها المادي جيدا للغاية ، وأنعم الله عليها بزوج صالح وبأولاد بارين ، ولكنها كانت تعاني من داء خطير ، داء يُعتبر أنفلونزا العقول والقلوب ، لا يُصيب الجسد ، أنما ينخر في التفكير ، إنه داء الثالوث الخبيث - الحسد والغيرة والنميمة ... هذا الداء أصاب عقل شهيرة وأفسد قلبها ، فلقد كان الحسد يشتعل في قلبها اشتعال النار في الهشيم ـ فسيطر عليها هذا المرض القلبي الخطير ،الذي إذا استقر في قلب إنسان أنهكه وإذا سرى بين مجموعة شتتها وفرقها ، فهو ينهك الجسد ويفسد الود ويولد العداوة . لقد استشرى هذا المرض في كيان شهيرة واستفحل أمره حتى باتت لا تفرح لأحد في قلبها ،مُظهرة دائما ابتسامة صفراء اصفرار العشب اليابس من القيظ . كانت مريضة بحب الذات والأنانية العمياء، فتريد إن تحصل على كل شيء لذاتها ولنفسها ، ضاربة عرض الحائط برغبات وطموحات الآخرين . فعندما تدرك ،على سبيل المثال، أن احد زملائها على وشك التقدم في عمله في المصنع وسيحصل على ترقية معينة - عندها يجن جنونها ، فتعمل على الوشي وكيد المكائد والتخريب من اجل منع هذا الترقية . لقد سيطر الحسد على عقلها وتغلبت الغيرة على تفكيرها فيجن جنونها ، أيضا، إذا تقدم احدهم لخطبة بنت من بنات زميلاتها أو إذا قٌبل ابن زميل أو زميلة لها للجامعة ... كانت تغار من كل شيء، حتى إنها كانت تتأمل بحقد ملابس زميلاتها وما يلبسن من حلي ومجوهرات ...
ويبدو إن الحسد والغيرة اللذان سيطرا على عقل وقلب شهيرة كانا بحاجة إلى ضلع ثالث حتى يكتمل هذا الثالوث الخطير في شخصيتها ، لذلك فلا عجب أنها كانت طعّانة ، قتّاتة ونمّامة ، تسمع الكلام بين زملائها فتبادر إلى نقله حُبا في الهدم والإفساد ، لأنه لا يروق لها علاقة الزمالة والصحبة فتعمل على الخلاف والاصطياد في المياه العكرة ، هادفة إلى إحداث القطيعة وتمزيق الجماعة وإحداث التفرقة بين القرناء ، ملقحة الشر بين الخلطاء.لقد سعت دائما لإثارة البلبلة بين الناس والقذف وإشاعة البغضاء والشحناء بين الأصحاب .

علم كل من عاشر شهيرة بصفاتها هذه فأصبحوا يتوخون الحذر منها ويتعاملون معها بنوع من الشك والريبة ، حتى إنهم أضحوا ينعتوها بلقب "الأفعى الرقطاء " ، تلك الأفعى السامة التي تنشط في كل مكان وتلدغ فريستها بمساعدة أنيابها السامة الموجودة في فكها العلوي ، بحيث يؤدي السم إلى موت الفريسة بسرعة فتبتلعها الأفعى الرقطاء بأكملها. وهكذا كانت شهيرة ، إنها تماما كتلك الأفعى التي تبث سمومها في كل مكان ، فلا يوجد لها صاحب ، وبالرغم من تظاهرها بالتقرب إلى بعض الأشخاص إلا إنها مستعدة بالتضحية بالجميع من اجل شهرتها وتقدمها وبروزها ، إنها على استعداد بان تلدغ وتسمم اقرب الناس لديها - إذا اقتضى الأمر ذلك!!!
وهكذا ظل هذا الثالوث الخطير مُسيطر عليها وعلى تفكيرها وعلى حدسها ليلا ونهارا حتى أضحى كداء مزمن خطير لا علاج له ...
قبل ثلاثة اشهر وإثناء عودتها من عملها وبينما كانت أفكارها الشيطانية تُسيطر على تفكيرها وتشل تركيزها بحيث كانت غارقة في التفكير في برامجها الملعونة وإذ بها تفقد انتباهها أُثناء قيادتها للسيارة فتنتقل إلى المسار الآخر من الشارع فتصدمها سيارة بشكل قوي .استيقظت شهيرة فوجدت نفسها في المشفى . لقد كان الحادث قويا فأبقى آثاره الأبدية على جسدها.

- سيدة شهيرة ، هل أنت مُستعدة الآن للدخول إلى غرفة الممرض؟
- نعم ، نعم ، أنا مُستعدة لكل شيء!!!
أدخلت الممرضة شهيرة إلى غرفة التمرين ، بحيث جرتها على كرسي المقعدين الذي أصبح رفيقا لها منذ أن فقدت القدرة على السير على رجليها . دخلت إلى غرفة الممرض الذي بادرها بالابتسامة ، سائلا إياها:
- كيف تشعرين اليوم يا سيدة شهيرة؟
- اشعر؟ أشعر بأنني أفعى رقطاء مقطوعة الرأس!!!

لم يفهم الممرض ما قصدته شهيرة في إجابتها وبادر إلى تمارينه وعمله ، أما هي فكانت تُردد جملة واحدة في قلبها : الحسود لا يسود ، الحسود لا يسود ، الحسود لا يسود...

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة