الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 18 / مايو 05:01

ياسر عبد ربه إذ يعود إلى هوايته


نُشر: 30/08/06 15:01

لا تكاد الساحة الفلسطينية بصراعاتها الفصائلية ومناكفاتها السياسية تلتقط أنفاسها وتستجمع قواها للدفع بنفسها للخروج من عنق الزجاجة، إلا ويبرز مباشرة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، بدبوس يحمله باليد اليمنى لتنفيس كل تلك الجهود، وزيت باليد اليسرى لسكبه على نار مشتعلة أصلا ليضمن بقاء استعارها.
ياسر عبد ربه، والذي لا يملك أي صفة تنظيمية أو نضالية داخل الساحة الفلسطينية، باستثناء عضويته "القيصرية" في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ليس له من دور في الساحة الفلسطينية اللهم إلا ضمان بقاء التوتر والدفع بأي بادرة خير أو أفق مبشر إلى الانسداد ووأده قبل ولادته. أقول هذا الكلام، وبين يدي تلك التصريحات المقززة التي أطلقها عبد ربه في مؤتمر صحفي في رام الله يوم الأحد (27-8-2006)، حول إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية يناط بها انتشال الوضع المزري للشعب هناك، جراء حصار إسرائيل وتواطأ بعض المحيط العربي، وطعنات الظهر القادمة من قبل بعض وجوه الأزمة داخل الفصيل الفلسطيني المهزوم والذي لا زال يصر، حتى بعد الهزيمة الانتخابية، على أن يصف نفسه بـ"الأكبر". عبد ربه، نمط آخر من وجوه الأزمة، فهو لا يكتفي بالطعن بالظهر، وإنما يوجه أيضا طعناته برماح مسمومة غادرة، يطلقها من كل الاتجاهات وعلى كل بقعة من الجسم. لم يعجب عبد ربه، والذي ليس له أي قاعدة شعبية أو مؤيدين بين الفلسطينيين، باستثناء ممن هم على شاكلته، وقليل ما هم، أن تسير فتح وحماس باتجاه اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وظهور بوادر إيجابية في أفق السماء الفلسطينية الملبدة بالغيوم، فبادر إلى هوايته المفضلة بالتحريض والتهويش والتهريج والتحريش. عبد ربه، شكك في تصريحاته غير طيبة الذكر، بإمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، واصفا الحديث الجاري بشأنها بأنه ليس سوى "أكذوبة" يجرى التلهي بها لكسب الوقت وإلهاء الرأي العام، وأنه لا أحد يريد لهذه الحكومة الظهور. متهما حماس بوضع اشتراطات لهذه الحكومة، ثم غيرت المصطلح-حسبما يزعم-من اشتراطات إلى محددات، بحيث تكون هذه الحكومة برئاستها وتحظى بأغلبية، ومضيفا بأن تلك الحركة تريد مشاركة شكلية لبقية الفصائل. وفي سياق ذات التصريحات، يعلي عبد ربه من شأن وجود خلافات فلسطينية داخلية حول تشكيل حكومة الوحدة، تتعلق بوظيفة الحكومة وكذلك الإصلاح الداخلي والبرنامجين الأمني والسياسي. ومشددا على أنه إذا لم يكن هناك اتفاق على الشقين السياسي والأمني وإنهاء المليشيات المسلحة، فإن أي حكومة قادمة ستلحق بغيرها. وفيما يتعلق بما يسمى مشروع مبادرة السلام الجديدة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني التي فوضت اللجنة المركزية لحركة فتح، الرئيس محمود عباس تقديمها للجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس مبادرة القمة العربية، رأى عبد ربه أن الآفاق ربما تفتح أمام عقد مؤتمر دولي "لكننا إذا لم نكن مؤهلين داخليا فإن هذه الفرصة ستضيع علينا". متهما الحكومة الحالية التي شكلتها حماس بأنها لا تنشغل سوى بتوظيف موظفين جدد من أنصارها في مؤسسات السلطة. وأضاف "حماس تمارس ذات السياسة التي مارستها حركة فتح في التوظيف".  وقال إن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تعكف حاليا على صياغة برنامج سياسي يتناول الوضع الفلسطيني الداخلي والسياسي الدولي، مشددا على ضرورة تبني أي حكومة قادمة لهذا المشروع وإلا فإنه يتعين على الرئيس عباس تحمل مسؤولياته.
وتحمل "مسؤولياته" التي يحض بها عبد ربه عباس، تعني حل الحكومة الفلسطينية المنتخبة بإرادة الشعب الفلسطيني الحرة، والانقلاب على الخيار الشعبي، والزج بالساحة الفلسطينية في أتون حرب أهلية، لن يكتوي أمثاله بنيرانها، لأن حقائب أمثاله محزومة مسبقا وتذاكر سفره جاهزة لأخذه في رحلة في اتجاه واحد للعيش في تل أبيب أو واشنطن، وذلك بعد أن يكون أدى المهمة الملقاة على عاتقه.
أمثال ياسر عبد ربه لا يعيشون إلا على الفتن والنيران المشتعلة، وأمثاله لا يقتاتون إلا على أشلاء شعوبهم، ولا يروون ظمأهم إلا من دمائهم. عبد ربه لم يكن في تاريخه كله رجل مبدأ. أتى به الرئيس المغتال ياسر عرفات من الصفوف الخلفية للجبهة الديمقراطية وشق به تلك الجبهة ليشكل فصيلا ليس له من تواجد ولا أدوات حياة، إلا بترياق من عرفات. ولذلك عاش هذا الرجل الذي وجد نفسه فجأة بفضل مهندس الانشقاقات، عرفات، مسؤولا في منظمة التحرير وبعدها في السلطة الفلسطينية، دون مقومات قيادة حقيقية يمتلكها.. عاش رجلا بلا مهمة، اللهم إلا تلك المتمثلة بالدوس على كل الثوابت والمقدسات، وفي ظل الآخرين الكبار، وذلك في سبيل الحفاظ على مكانة أوهن من بيت العنكبوت نفسه. ولذلك وجدنا عبد ربه يلتصق بعرفات ويتحالف معه وذلك عندما حوصر هذا الأخير في المقاطعة. تحالف معه ضد رئيس الوزراء في ذلك الوقت محمود عباس (نيسان/أبريل-أيلول/سبتمبر 2003). وحسب تقارير صحفية عديدة، فإن العلاقة بين أبو مازن، وذلك عندما كان رئيسا للوزراء، وعبد ربه كانت متوترة جدا، وذلك بناء على أن العلاقة بين عرفات وعباس كانت متوترة، حيث أن تعيين الأخير رئيسا للوزراء جاء رغما عن عرفات وبضغوط عربية ودولية لنزع الصلاحيات من "الختيار". بل وتناقلت الصحف في ذلك الوقت خبرا مفاده أن أبا مازن صفع عبد ربه بحضرة عرفات. ومع ذلك وبعد وفاة عرفات وجدنا هذا الرجل ينتقل إلى ظل أبي مازن ويندرج تحت ردائه (جلباب الكبار الذي لا يقدر على العيش بدونه)، ويبدأ من جديد حملة الهمز واللمز والدفع باتجاه إهراق دماء الشعب الفلسطيني بأيد فلسطينية، لأن الحكومة الحالية بقيادة حماس لا تقبل برؤاه وآراءه والاتفاقيات الفاسدة التي عقدها، كما في "اتفاقية جنيف" لتصفية دماء القضية الفلسطينية، والتي كانت سببا لطرده من فصيله الهلامي، المسمى "فدا".
كنت قبل أشهر قليلة قد كتبت عن هذا الشخص ذاته، وتحديدا في (26-5-2006)، مقالا جاء فيه:
 "قبل أسابيع قليلة كان اثنان من تلك الوجوه الكالحة (عبد ربه ونبيل عمرو) التي انكشفت شعبيا يدوران في أروقة واشنطن يحرضان على حكومة شعبية منتخبة في فلسطين ويطلبان المدد والعون على إسقاطها. الأول لا يمثل أي شيء، حتى نفسه، وهو قد طرد من "فصيله" الذي كان يمثله في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وعلى الرغم من أن كل أعضاء "فصيله" يمكن استيعابهم في باص صغير (ميكروبص)، إلا أن سياسات ياسر عرفات (مهندس الإنشقاقات)، كانت تتطلب حينئذ تسمين اللجنة التنفيذية بدمى ليسهل عليه قيادة المركب. هذا الشخص المسمى ياسر عبد ربه، وفي ندوة مفتوحة دعت لها "المؤسسة الأمريكية لفلسطين"، في واشنطن، أسهب وأطنب في كل الاتجاهات التحريضية ضد حكومة شعبه المنتخبة. كان يطلب الدعم من "الأصدقاء" في واشنطن لتمكين "المعتدلين" أمثاله من تغيير المعادلة، أو قل "الانقلاب" على الخيار الشعبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لم يكتف هذا الشخص، الذي هو بلا قاعدة شعبية كانت أم حزبية، بذلك، بل هو لا يوفر حتى الله من استهزائه، وذلك عندما استهزأ بمن يؤمن "بقوة عظمى" وهو يشير في ذات الوقت بسبابته إلى السماء (...) هذه الشخصيات الكالحة الثلاثة (عبد ربه عمرو وعلي أبو شاهين) ما هي إلا غيض قليل من فيض كثير من طوابير "قيادات" الفساد والتسلط التي انكشف حجمها في الشارع عند أول فرصة سنحت للفلسطينيين للتنفس. وهم اليوم وبعد أن عجزوا عن إسقاط هذه الحكومة بالطرق "القانونية" الملتوية، كمحاولة البرلمان المنصرم في جلسته الأخيرة تجريد البرلمان المنتخب حينئذ حينها، والحكومة القادمة (الحالية) من كل صلاحيتهما القانونية، يسعون إلى الزج بالساحة الفلسطينية في أتون حرب أهلية، علهم يتمكنون من العودة إلى منطق التسلط بدعم "البسطار" الإسرائيلي. معركة الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة معركة مصطنعة، وذلك لأنها استحدثت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي كرست حماس كمنتصر أول. فذات الصلاحيات التي يسعى محمود عباس ومن لف لفه لسحبها من يد هذه الحكومة، كانت عنوان الصراع الأبرز بينه، عندما كان رئيسا للوزراء، والرئيس الراحل ياسر عرفات. حينها استقوى عباس بدعم أمريكي-إسرائيلي-مصري-أردني لنزع هذه الصلاحيات من يد عرفات (الرئاسة) لصالح حكومته، والآن يريد أن ينزعها بدعم ذات المحاور لصالح الرئاسة (...) وعودة أخيرة إلى الندوة التي شارك فيها عبده ربه (...) ففي تلك الندوة طالب عبد ربه الإدارة الأمريكية بالجلوس إلى الرئاسة الفلسطينية للاتفاق على "الحد الأدنى" من الحاجات الرئيسية للشعب الفلسطيني، وتمريرها عبر الرئاسة لتقوية موقفها شعبيا، وإضعاف موقف الحكومة. لا حظ هنا أنه يريد الحديث عن "الحد الأدنى" من الحاجات الرئيسية للشعب، وليس حاجات الشعب وذلك ليقولوا فيما بعد، بأن حماس فشلت، رغم أنهم هم فعليا من استدعى هذا الحصار. إن الحصار الممارس على الشعب الفلسطيني هو مطلب فلسطيني داخلي لوجوه الحقبة البائدة، وهو قد توافق مع رغبات المحتل وأعداء حرية الشعوب في المنطقة وفي العالم، ولذلك فإن مسؤولية أي حرب أهلية ستقع-لا قدر الله-ستكون على أكتاف أولئك النفر السيء، وإن التاريخ لن يذكرهم إلا بلعنة سابقة أو لاحقة، أما الشعب الفلسطيني فلن يوفر لهم إلا البصاق، كما يريدون هم أن يدفعوا به إلى مرحلة التسول والأكل من خشاش الأرض".
تذكرت هذه الأسطر-بتصرف بسيط جدا-من ذلك المقال السابق، لأنها عادت وثبتت لي كل ما قيل فيها. يومها اتصل علي أحد محبي هذه الرجل في أمريكا، غاضبا ومنددا بالمس بمقام "المناضل" عبد ربه، ولكن تنديده واحتجاجه لم يكن له أي معنى عندي، والأمر الوحيد الذي أزعجني تمثل بسؤال: هل فعلا أن ثمة في صفوف هذا الشعب من يرى في هذا الرجل مناضلا؟ يبدو أن الجواب نعم، ولكن الأمر الإيجابي أنهم من طينته وقليل ما هم، وهذه من نعم الله على الشعب الفلسطيني.
وعودة إلى موضوع حكومة الوحدة الوطنية المأمولة. ففتح لا تريدها لوجه الله، وهي تشترط على حماس قبل تشكيلها الاعتراف بإسرائيل وبكل الاتفاقيات الموقعة معها فلسطينيا والالتزام بها. بمعنى آخر تفريغ حماس من محتواها، وجعلها نسخة كربونية عن فتح، وبعد ذلك الادعاء بأنها (أي حماس) لم تتمسك بثوابتها التي انتخبت على أساسها والانقضاض عليها شعبيا. ومع ذلك يبقى ثمة أمل في أن تسود أصوات التعقل والاعتدال والوطنية داخل فتح، وتعلوا على أصوات أولئك المأزومين، من أمثال محمد دحلان وأبو علي شاهين. وهذا لن يكون إلا إذا تخلت حماس عن منطق الاستضعاف الذي تتعاطى به مع مؤسسة رئاسة فتح، والتخلي كذلك عن الانسحاب التكتيكي من كل نقطة من نقاط الاحتكاك بين الفصيلين ومؤسستي الرئاسة والحكومة. ينبغي أن تدرك حماس أن الأخلاقية السياسية لا مكان لها إلا في خلوات العبادة والصوامع، أما في الساحات التي تسود فيها قوانين الغاب، فلا مفر من أن تكون سبعا وإلا أكلتك الذئاب. وإن لم تكن حماس قوية وموحدة ومتماسكة وثابتة ومتنبهة في مفاوضاتها مع فتح، فإن انجرار الساحة إلى حرب داخلية فلسطينية-فلسطينية تصبح ما هي إلا مسألة وقت، وذلك لأن فتح لن ترعى عهدا ولا ذمة، إن رأت في حماس ضعفا وهوانا ومثالية أخلاقية كاذبة ومضللة في عالم السياسة. عبد ربه وفتح يهاجمان حماس اليوم لتمسكها برئاسة الحكومة والوزارات السيادية وأغلبية المقاعد الوزارية ويتهمانها بالأنانية.. عفوا من الذي فاز بالأغلبية البرلمانية أهي حماس أم فتح!!؟ أما عبد ربه فليس له محل من الإعراب في هذا السؤال.
الشعب والقضية الفلسطينية الآن بحاجة إلى تفاهم حماس وفتح، والتفاهم لا يكون إلا بين ندين قويين، لا بين خبيث نوايا وحسن نوايا، لأن صاحب النوايا الحسنة عندما يدرك أنه استغفل لن يجد ردا إلا بالرصاص والدم، وهو ما لا يريده أحد، ولكم عبرة في الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام، والتي في مثل تربتها ينمو أمثال عبد ربه وأشباهه، وفي مثل أجوائها يشتد شوكه ويغلظ، بل ويطور سمَّأ قاتلا. 

أسامة أبو ارشيد-كاتب ومحلل سياسي مقيم في واشنطن

 

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.70
USD
4.04
EUR
4.71
GBP
247996.81
BTC
0.51
CNY