الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 19:02

محمود عودة يكتب: كي يبقى الكنز في القفص

كل العرب
نُشر: 04/08/11 22:32,  حُتلن: 14:21

محمود صالح عودة:

محاكمة حسني مبارك يجب أن تذكّر الشعب المصري خاصة والشعب العربي عامة بالأسباب التي أدّت به إلى قفص الاتهام،

يجب أن يبقى "كنز" إسرائيل في القفص، ليس بجسده وببُعده المادي فحسب، بل بالأسباب والمعاني التي جعلت منه "كنزًا استراتيجيًا" للإسرائيليين وحلفائهم

تفجير كنيسة "القدّيسَين" في الإسكندرية، الذي ثبت أن النظام كان المسؤول المباشر عنه بتشغيله خلية إجرامية لتنفيذه، وكان مخططًا أن تنشب حربًا أهلية بين المسلمين والمسيحيين

هو مشهد مثير للارتياح أن ترى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في قفص الاتهام، ذات القفص الذي كان يقبع فيه أبناء مصر الشرفاء الذين عارضوا نظام المخلوع وسياساته الظالمة في السابق.

مستنقعات الفساد
ما يحفّزني إلى قول ذلك هو أنّ مبارك الذي يحاكم اليوم هو ذات الرئيس الذي قاد أكبر وأهمّ دولة عربية إلى مستنقعات الفساد والذلّ والهوان، والتبعية العمياء لإسرائيل والأمريكان. فمحاكمته بمثابة محاكمة لكل الرؤساء العرب الفاسدين المستبدّين، الذين آثروا أن يكونوا في صف أعداء العرب والمسلمين، وأن يكونوا "معتدلين" وفق المفهوم الأمريكي-الصهيوني للاعتدال، بدلاً من أن يستجيبوا لإرادة الشعوب على مرّ العقود الماضية، التي سئمت المذلّة والفساد وسلب الحقوق والحريّات، حتى وصل بها الحد إلى الانفجار المطلق في وجه الأنظمة الفاسدة.

الضغوط الشعبية
تأخرت محاكمة مبارك قليلاً، ولكنها جاءت أخيرًا بعد الضغوط الشعبية المستمرة على الحكومة الحالية والمجلس العسكري، فلولا هذه الضغوط المستمرة للإسراع في محاكمة رموز النظام السابق لربما تأخرت رؤية مبارك وأبناؤه وأعوانه في قفص الاتهام.
وهي نقطة لو ركزنا عليها سنجد أنها بالغة الأهمية في الثورة العربية، إذ أنّ نجاح الثورة يعتمد على قوة وصبر وإصرار الثوّار بكل اختلافاتهم وانتماءاتهم الحزبية والطائفية والأيديولوجية، فهم بمثابة المراقب والمحاسب للمسؤولين، بل إنهم هم المسؤولون كذلك، في ظل الفوضى قبل الاستقرار، وفي ظل دولة تحتكم إلى مبادئ وقوانين معبّرة عن الشعب بعد الاستقرار.

محاكمة حسني مبارك
إنّ محاكمة حسني مبارك يجب أن تذكّر الشعب المصري خاصة والشعب العربي عامة بالأسباب التي أدّت به إلى قفص الاتهام، لعل أهمها الاستبداد المادي والمعنوي؛ من احتكار نخبة من الناس لثروات البلاد، حتى كمّ الأفواه المعارضة للنظام والزج بها في السجون. ممّا أدى بالتالي إلى فقر نسبة كبيرة من المجتمع، وإلى إشعال حالات من العنف والتطرف. وهو ما يتطلب تقسيم ثروات البلاد بالعدل، وإتاحة المجال للاختلاف والاحترام المتبادل وعدم إقصاء الآخر.

أسفل المستويات السياسية والاجتماعية والإنسانية
ثم الإفساد؛ من جرّ البلد إلى أسفل المستويات السياسية والاجتماعية والإنسانية، حتى محاولات زرع الفتن بين أبناء الشعب الواحد؛ كالتضييق الخانق على الحركات الإسلامية مقابل السكوت عن تجاوزات الكنيسة، وهو ما أنشأ جوًّا مشحونًا بالطائفية (هذا لا يعني التمييز الديني لأن المسيحيين في مصر ظُلموا كما المسلمين)، وأضرب مثلاً بسيطًا تواطؤ النظام الساقط مع الكنيسة بأسر سيدتين أسلمتا هما كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، مقابل هدم مستشفى خيري لأن الإخوان المسلمين قاموا ببنائه. أضف إلى ذلك تفجير كنيسة "القدّيسَين" في الإسكندرية، الذي ثبت أن النظام كان المسؤول المباشر عنه بتشغيله خلية إجرامية لتنفيذه، وكان مخططًا أن تنشب حربًا أهلية بين المسلمين والمسيحيين - أبناء البلد الواحد وأصحاب التاريخ المشترك - خدمة لأصحاب الأجندات المهووسة والمشاريع الاستعمارية الحديثة.

كنز
لكن الله قدّر للشعب المصري شيئًا آخر بعدها بأسابيع، فقامت ثورة 25 يناير المباركة وبدّدت أوهام الواهمين داخل مصر وخارجها. وحتى تكتمل المسيرة لا بدّ من الاتعاظ بمشهد حسني مبارك وهو في قفص الاتهام، وعدم تكرار أي من أخطائه بحق الوطن والمواطنين، لا سيما أن مصر - وغيرها - تشهد حالة تجاذب بين أبنائها.
ذلك وأنه يجب أن يبقى "كنز" إسرائيل في القفص، ليس بجسده وببُعده المادي فحسب، بل بالأسباب والمعاني التي جعلت منه "كنزًا استراتيجيًا" للإسرائيليين وحلفائهم.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il
  

مقالات متعلقة