المستشار والخبير جورج عكروش:

العرب بما فيهم السعودية لا يقدمون إلا أقل القليل فيما يعتبر المانح الأميركي من المعادين لتطلعات الشعب الفلسطيني
 
السلطة الفلسطينية تحت رحمة المال الأجنبي لتوفير رواتب لأكثر من 174 ألف موظف فلسطيني في الأمن والقطاعات الحكومية الأخرى

مجتمع المانحين بات متضخما الى درجة التبعية له، وأنه في حالة إنسحابه من المشهد الفلسطيني سوف تحدث خلخلة في الأعمدة الأساسية والبنيوية

وصف المستشار والخبير في التخطيط التنموي الإستراتيجي جورج عكروش الشعب الفلسطيني بأنه من أكثر الشعوب براعة في العالم في تجنيد الأموال رغم أنه رسم صورة قاتمة للواقع التنموي في فلسطين من جراء الظروف الإستثنائية، وغير الطبيعية التي يمر بها الشعب الفلسطيني الواقع عملياً تحت نير الحصار.

وأوضح عكروش في لقاء صحفي لنادي الصحافة المقدسي برعاية مقهى الكتاب الثقافي: "أن الحجة التي تساق في هذا الإطار هي أن 1% من كل مئة دولار تصرف للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، عدا عن اللاجئين الفلسطينيين في العالم، أي أن 1% من التجنيد العالمي الحكومي للأموال يأتي إلى فلسطين، وبمعادلة بسيطة تأخذ عدد سكان العالم (7 مليارات) من بينهم أربعة مليون فلسطيني في الضفة وغزة يتبين أننا نحصل تقريبا على 17 ضعف حجمنا الحقيقي من الدعم العالمي"، وأشار عكروش الى أن صورة الدعم التي كانت تقدم قبل أوسلو من خلال التنظيمات وإطرها ومؤسساتها الشعبية والخدمية قد إختلفت بعد أوسلو، ووجود السلطة الوطنية الفلسطينية حيث تضاعف الدعم للشعب الفلسطيني ستة أضعاف، بحيث وجد كيان ضخم جداً يعادل كيان الأونروا الذي وجد بعد اللجوء عام 1948، وبات مجتمع المانحين متضخما الى درجة التبعية له، وأنه في حالة إنسحابه من المشهد الفلسطيني سوف تحدث خلخلة في الأعمدة الأساسية والبنيوية، وما يفرضه ذلك من شروط المال السياسي في أغراض الإبتزاز في ظل غياب أو ندرة المال التنموي الشريف أو النظيف. 
 
تنمية  فلسطين بعد أوسلو
وذكر عكروش أن قرابة عشرين مليار دولار قد صرفت من لحظة أوسلو حتى الآن، 90% منها تذهب للسلطة و10% تذهب لمنظمات المجتمع المدني "الان جي أوز"، ونوه إلى خطة مارشال التي هدفت الى تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية قد لا تضاهي رغم جبروتها ما صرف لإعادة إعمار وتنمية فلسطين بعد أوسلو ..! وصنف المانحين حسب مساهماتهم حيث يحتل الإتحاد الأوروبي المركز الأول الذي قدم 7-8 مليار دولار خلال العشرين عاماً، والعرب حوالي خمسة مليارات، 3.4 مليار من " ال يو اس ايد"، 1.5 مليار من الدول الإسكندنافية والدول الأخرى مليارا ونصف من اليابان والصين وماليزيا، وحسب نظرة سريعة على الأرقام تظهر أن العرب بما فيهم السعودية لا يقدمون إلا أقل القليل فيما يعتبر المانح الأميركي من المعادين لتطلعات الشعب الفلسطيني من خلال سلسلة الفيتوهات التي يتخذها ضدنا في مجلس الأمن الدولي، كما ضرب بعض الأمثلة على توظيف أموال التبرعات للفلسطينيين من أجل الضغط السياسي والإبتزاز، كما أن 80% من الأموال الأميركية تصرف عن طريق شركات خاصة ربحية أمريكية.؟؟؟ وتطرق إلى بعض الأمثلة في هذا المجال.

رحمة المال الأجنبي
وقال: "إننا فشلنا في التواصل مع القطاع الخاص الغربي الأمريكي بوجه خاص، وذلك من خلال نظرة على خارطة التمويل العالمية لذلك تبقى السلطة الفلسطينية تحت رحمة المال الأجنبي لتوفير رواتب لأكثر من 174 ألف موظف فلسطيني في الأمن والقطاعات الحكومية الأخرى"، وأشار الى وجود تباين في العدد الحقيقي للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية على ضوء عدم تسجيلها في الوزارات الرسمية إلا أن عددها يتجاوز عتبة ال 3000 منظمة تتنازع على 10% من قيمة التبرعات التي ترسلها الدول المانحة، وتطرق بشكل سريع إلى طبيعة المشاريع التي توافق الجهات المانحة على تمويلها وكيف ولماذا وأهداف المانحين من وراء ذلك ؟ ودعا الى أن تكون هناك دائما خطة إستراتيجية تشتمل على مجموعة من المشاريع والبرامج القابلة للتنفيذ والإستدامة، وإعتبر أن التمويل غير المشروط ضعيف إن وجد ؟ وأنه يجب العمل على تشجيع وتقوية هذا التمويل من خلال فتح خطوط مع القطاع الخاص أو الإستثمار العائلي، وذلك في سياق المسؤولية الإجتماعية العامة. 

لغة المانحين
وركز على أهمية فهم لغة المانحين أو الممولين، وإكتساب مهارات التعامل معهم ومعرفة مصطلح دورة حياة المشروع PCM كمقياس أو معيار لصياغة مقترح مشروع، وأن مجند الأموال يجب أن يتصف بالثقافة العامة والذكاء، وأن يكون بمثابة محام بارع للدفاع عن برامج ومشاريع المؤسسة وقارئ ومستمع وكاتب جيد .. ووصف مهمة مجند الأموال مثل مهمة الصحافة من حيث المتاعب مع أهمية مراعاة العلاقات الإنسانية والشخصية.

زاد الدعم زاد التخلف
وأشاد الكاتب محمد خليل عليان بالمعلومات القيمة التي قدمها عكروش، وطالب بالعمل على أن نصبح مجتمعا منتجا، وتمنى على السلطة الفلسطينية الناشئة الإعتماد قدر الامكان على إنتاجنا المحلي رغم كل الصعوبات والمعيقات في هذ المجال، وعدم التوقف عن تقوية قوانا الذاتية والإستثمار من خلال إمكاناتنا الذاتية المحضة حفاظا على قرارنا الوطني المستقل وكرامتنا الإنسانية.
وإعتبر إيهاب الشنطي أن المعلومات المقدمة قيمة جدًا ومهمة، مشيراً الى أن المأساة في الوضع القائم  أنه أزال الأعباء عن الإحتلال وألقاها على كاهل السلطة الفلسطينية، ووصف ما يقدم من مساعدات عبارة عن إبر تخدير وتنفيس للوضع القائم ولكن التنمية الحقيقية والتخطيط السليم يجب إن يأخذ بعين الإعتبار، مئة مليون شاب عربي بحاجة الى فرص عمل وتأهيل حتى يمكن الحديث عن قلب الموازين بصورة جذرية وكلية وبدون ذلك لن تقوم لمجتمعاتنا قائمة، وركز على أن هناك علاقة وطيدة بين الدعم والتخلف .. فكلما زاد الدعم زاد التخلف ..؟؟

الدول المانحة تهدف للتخريب
ورأى خالد زكي الحسيني أن فن تجنيد الأموال هو علم وإختصاص وفن قائم بذاته، وأنه يجب إستحداث آلية ضغط شعبي لتأمين الدعم الحقيقي القادر على صنع تنمية حقيقية ومستدامة، وأن المطلوب في نهاية المطاف أن تجند أموال كبيرة وكافية لإصلاح وضع كارثي كالذي تعيشه فلسطين اليوم على أن يكون الهدف الأسمى أن نتعلم كيف نصطاد السمك، وليس كيف يمنحنا الأخرون إياه ..؟ وعبر الكاتب نبيل الجولاني عن شكوكه في أن الدول المانحة تهدف الى التخريب والتجهيل والى إركاع شعبنا في نهاية المطاف من خلال تقديم هذه الأموال وحملات الإبتزاز المفضوحة التي تقوم بها بين الفينة والأخرى من أجل إرغامنا على تقديم المزيد من التنازلات . وتساءل الكاتب محمد موسى سويلم فيما إذا كنا وصلنا الى الشخص القادر على تجنيد الأموال بالصورة الصحيحة والسليمة ؟ وهل مثل هذا الشخص موجود على رأس مؤسساتنا ام لا ؟ ونوه عماد منى صاحب الصالون الثقافي الى ما يشاع عن ظاهرة الفساد المالي وما الى ذلك، ومدى واقعيتها وكيف لنا أن نعرف الحقائق ونفرزها عن الإشاعات والمبالغات في هذا الإطار؟ وأكد عكروش في نهاية الحديث وردا على بعض المداخلات أن الشعب الفلسطيني يمتلك من الكفاءات والشهادات العليا بحيث أنه يشكل المرتبة الثانية بعد بريطانيا في العالم وأن لديه الإرادة والإمكانات لصنع الإنجازات التنموية العظيمة وبناء دولة عصرية حديثة اذا اطلقت امكاناته وتمكن من تجسيد حلمه في الإستقلال والسيادة على أرض وطنه، وادار اللقاء الممتع والحيوي محمد زحايكة رئيس نادي الصحافة المقدسي .