الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 18:02

ابراهيم صرصور:إنقلاب الصورة (داود) الفلسطيني في مواجهة (جوليات) الصهيوني

كل العرب
نُشر: 29/07/11 15:51,  حُتلن: 19:48

 أبرز ما جاء في المقال:

القضية الفلسطينية منتصرة لأنها أولا وقبل كل شيء قضية القدس والأقصى المبارك، والدفاع عنها مشروع أمة يجب أن يأخذ بالإعتبار

الجرأة على إنتهاك الحقوق وإرتكاب أفظع الجرائم ضد الإنسانية، والتلذذ بإذلال وإهانة الآخر، كلها شواهد على "الروح الشريرة " التي تسكن جسد السياسة الإسرائيلية

القوانين هي أعراضاً لمرض عضال أصاب العقلية والنفسية الإسرائيلية، فحجبها عن رؤية الحقائق، ودفعها في إتجاه النار على إمتداد تاريخ طويل ذاق فيها اليهود الويلات

في إطار بحث الكنيست لقانون المقاطعة سيئ السمعة، وما أكثر القوانين الإسرائيلية من هذا النوع، قدمت لخطابي بآيات من أول سورة الإسراء، إبتداء من قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرً)، إلى قوله تعالى: (عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم عدنا، وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا )... كنت صريحاً في حديثي إليهم، مشيراً إلى أن هذه القوانين ليست إلا أعراضاً لمرض عضال أصاب العقلية والنفسية الإسرائيلية، فحجبها عن رؤية الحقائق، ودفعها في إتجاه النار على إمتداد تاريخ طويل ذاق فيها اليهود الويلات ... وإلى هذا أشارت الآيات ... " العلو الكبير " هو إسم اللعبة الخطرة ... حب السيطرة، الكبرياء الأجوف، التسلط، التوسع، الإعتقاد بتميز العرق اليهودي، إلغاء الآخر، إمتلاك مفاتيح التأثير في السياسات العالمية سياسياً ومالياً وإعلامياً، الجرأة على إنتهاك الحقوق وإرتكاب أفظع الجرائم ضد الإنسانية بدم بارد، والتلذذ بإذلال وإهانة الآخر حتى لو كان أكبر الحلفاء، كلها شواهد على "الروح الشريرة " التي تسكن جسد السياسة الإسرائيلية، تدعمها قطاعات واسعة من الرأي العام المتطرف، وهي نفسها التي توجه الساسة إلى تبني أنماط سلوكية لا يمكن تفسيرها، إلا على أنها "جنون العظمة / العلو الكبير"، خصوصا وأنها تأتي متعارضة مع منطق الأشياء، وبالتالي لن تصب في مصلحة الإسرائيليين لا في الحاضر ولا في المستقبل ...

تناول قرآني لملف اليهود
ليس غريبا أن يتوسع القرآن الكريم بالحديث عن بني إسرائيل وأحوالهم عبر فترات التاريخ المتلاحقة، حيث طالت هذه التغطية القرآنية الفريدة كل جوانب حياتهم، وسلطت الأضواء على كل التفاعلات النفسية والإجتماعية، والفكرية التي وجهت سلوكهم وصبغت حياتهم سلباً أو إيجاباً، سواء في علاقتهم مع الله والأنبياء، أو مع أنفسهم ومع الشعوب الأخرى التي شاءت الأقدار أن يتصلوا بها ويتعاملوا معها، هذا التناول القرآني المسهب " للملف الإسرائيلي" فيه إشارة إلى ما ستكون عليه الأوضاع مستقبلا، وإستشراف رباني لصورة العلاقة المفترضة بين المسلمين والإسرائيليين إلى قيام الساعة، ولا يمكن لدارس حيادي ونزيه لهذا الملف الشائك إلا أن يلمس ( عدالة) الإسلام في تعاطيه مع هذه القضية رغم مأساويتها، ودعوته للمسلمين أن يضعوا كل ملف فرعي من ملفاتها في موضعه دون إفراط أو تفريط، هذا التناول القرآني الفريد لهذا الملف يدعونا إلى ألا نفقد البوصلة الصحيحة فتزل قدم ما كان يجب أن تزل، فنصدر الأحكام جزافا على كل ما عدانا بالجملة أعني يهودا ونصارى، مع أن مشكلتنا ليست إلا مع الصهيونية ومن والاها، التي ما زالت منذ قرن من الزمان تُعْمِلُ سكينها في عنق شعبنا ومقدساتنا دون رحمة.

المشهد الطبيعي للظالم والمظلوم
من خلال تأثري بهذه المعاني وقفت ملياً أمام آيات كريمة من سورة القصص، والتي تروي لنا مشهداً من حياة نبي الله موسى عليه السلام، وقد ضاق صدره بما وقع لقومه في مصر من ظلم وقهر، فجاء تصرفه تجسيداً واقعياً لما يعيشه المظلوم وللتفاعلات النفسية التي تعتريه، ولوسائل المقاومة التي قد يضطر إليها تعبيراً عن رفضه وتمرده ... دُهِشْتُ لهذا المشهد القرآني الفريد ومدى إرتباطه بالواقع الفلسطيني اليوم، فكأن الآيات تتنزل طرية ندية، وفي مشهد تبدّلت فيه الأدوار والشخصيات، إلا أن الأطراف ما زالت هي هي، والوقائع تعيد نفسها ولكن من مواقع مختلفة، تبدأ هذه الآيات بقوله تعالى: ( وَدَخَـلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ... ). إلى آخر الآيات ...ويكشف هذا المشهد طبيعة العلاقة بين الظالم والمظلوم، كما ويحدد الوسائل التي يمكن أن يلجأ إليها المظلوم والمقهور في سبيل ردع الظالم، ويكشف المشهد أيضاً جوانب العنف والقوة في هذا الصراع خصوصاً حينما تكون القوة والبطش في صالح الظالم بينما يقف المظلوم مكشوفاً إلا من "جسده" "ويده".

ظلم ونقمة على بني إسرائيل
عدت إلى ظلال القرآن لألمس عبقرية شهيد الفكر الإسلامي (سيد قطب) رحمه الله، في تعليقه على هذا المشهد، وكأنه يعيش نكبة الشعب الفلسطيني المتدحرجة، والتي يمثلها موسى في هذا المشهد، وذلك في صراعها مع الإحتلال الإسرائيلي الغاشم والذي يمثله فرعون وزبانيته في نفس المشهد، سأدعكم تنصتون إلى هذه الفتوحات الربانية من خلال ما يقوله في تفسيره لهذه الآيات: (وبينما هو في هذا القلق والتوجس إذا هو يطلع "فإذا الذي بالأمس يستصرخه"! إنه صاحبه الإسرائيلي الذي طلب نصرته بالأمس على المصري إنه هو مشتبك مع مصري آخر، ولعله يريد منه أن يقضي على عدوهما المشترك بوكزة أخرى"، قال له موسى: "إنك لغوي مبين" ... غوى بعراكه هذا الذي لا ينتهي وإشتباكاته التي لا تثمر، إلا أن تثير الثائرة على بني إسرائيل وهم عن الثورة الكاملة عاجزون، وعن الحركة المثمرة ضعفاء، فلا قيمة لمثل هذه الإشتباكات التي تضر ولا تفيد، لكن الذي حدث أن موسى بعد ذلك إنفعلت نفسه بالغيظ من المصري، فإندفع يريد أن يقضي عليه ... ولهذا الإندفاع دلالته على تلك السمة الإنفعالية، وعلى مدى إمتلاء نفس موسى - عليه السلام – بالغيظ من الظلم والنقمة على البغي والضيق بالأذى الواقع على بني إسرائيل والتحفز لرد الطغيان ... إنه يقع حينما يشتد الظلم، ويفسد المجتمع، وتختل الموازين ويخيم الظلام، أن تضيق النفس الطيبة بالظلم الذي يشكل الأوضاع والقوانين والعرف، ويفسد الفطرة العامة حتى يرى الناس الظلم فلا يثورون عليه، ويرون البغي فلا تجيش نفوسهم لدفعه، بل قد يقع أن يصل الفساد في الفطرة إلى حد إنكار الناس على المظلوم أن يدفع عن نفسه ويقاوم، ويسمون من يدفع عن نفسه أو غيره "جباراً في الأرض" كما قال المصري لموسى، ذلك أنهم ألِفوا رؤية الطغيان يبطش وهم لا يتحركون، حتى وهموا أن هذا هو الأصل، وأن هذا هو العقل، وأن هذا هو الحق، فإذا رأوا مظلوما يدفع الظلم عن نفسه فيحطم السياج الذي أقامه الطغيان لحماية الأوضاع التي يقوم عليها لولوا ودهشوا وسموا هذا المظلوم "سفاكاً أو جباراً، وصبوا عليه لومهم ونقمتهم، ولم ينل الظالم الطاغي من ذلك إلا القليل، ولم يجدوا للمظلوم عذرا " حتى على فرض تهوره – من ضيقه بالظلم الثقيل..) ... إنتهى ...

نقمة الشخصيات المعروفة على إسرائيل
لسنا وحدنا الذين نضع هذا التوصيف للحالة الإسرائيلية، فهنالك الكثير من العقلاء ممن لم يخل منهم المجتمع الإسرائيلي منذ أمد بعيد، الذين قرأوا الواقع قراءة متعمقة خلصوا على إثرها إلى نتائج مخالفة لما يسمى " الإجماع /الكونسنسوس " الإسرائيلي ... هذه الشرائح العقلانية ليست في نظري يسارا أو يمينا ، إنما هم جماعة اقتنعت بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تتمتع بالأمن والإستقرار، ولن تتخلص من أعباء وكلفة المواجهة المستمرة مع الواقع المر، إلا إذا وبشكل نهائي من كابوس إحتلالها لفلسطين والشعب الفلسطيني، مهما كان تأثير هؤلاء محدودا في ظل طغيان اليمينية المتطرفة، فلا شك عندي في أنهم يشكلون جبهة سيكون لها تأثيرها في يوم من الأيام ... ( حركة الأمهات الأربعة ) وتأثيرها للخروج من لبنان، ( حركة ضباط الإحتياط ) الرافضون للخدمة في فلسطين المحتلة، الفنان (أوري سيجال) وغيرهم الذين يرفضون إحياء أمسيات موسيقية في إسرائيل " طالما أنها دولة محتلة، قمعية وعنصرية"، والصحفي ( جدعون لبفي ) الذي صرح يوما بكل شجاعة " أنا أكره إسرائيل .. أعترف"، الصحفية ( أميرة هيس ) التي تكشف في تقاريرها المستمرة " المظالم والتنكيل وغلظة القلب " التي تتصف بها سياسة الإحتلال، مؤرخون كبيني موريس، إيلان بابه، إسرائيل شاحاك، توم سيغيف، زئيف شترنهل، تيدي كاتس، نورمن فنكلشتيان، وغيرهم، علماء إجتماع كيشعياهو ليفوفيتس، باروخ كيمرلنغ، بنيامين بيت هالحمي، أوري رام، غيرشون شافير، وإيان لوستيك، كلهم ممن قضوا أو ما زالوا أحياء، يقفون بشجاعة نادرة مع ( داود ) الفلسطيني في مواجهة ( جوليات ) الإسرائيلي، يمكن استثمار مواقفهم بذكاء في دعم الحق الفلسطيني ، وكشف زيف الدعاوي الإسرائيلية ...

نقاط أساسية لإنتصار القضية الفلسطينية
القضية الفلسطينية منتصرة لأنها أولا وقبل كل شيء قضية القدس والأقصى المبارك، والدفاع عنها مشروع أمة يجب أن يأخذ بالإعتبار ما يلي: أولاً: إن الحق في مقاومة الظلم ثابت ومركوز في الفطرة الإنسانية أقرته الأديان والشرائع والقوانين الدولية، ومارسته الشعوب عبر تاريخها الطويل، ثانيا: إن أشكال المقاومة تتغير حسب الظروف والأوضاع التي تمر بها الأمم الواقعة تحت الإضطهاد والإحتلال والظلم، وأن تجاهل المظلومين لهذه السنن التي لا تأخذ موازين القوى بعين الإعتبار يمكن أن تؤخر النصر وهزيمة الظالمين . ثالثا :الظلم بأشكاله وأنواعه سواء كان إحتلالا أو غزوا أو إستعمارا مرفوض وهو وضع طارئ لا بد أن يزول وأن حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير هو الأصل . رابعا : قد يضطر المقهورون إلى ارتكاب مخالفات لا تتفق مع العدالة والقيم مدفوعين إلى ذلك بسب أن الظالمين لم يبقوا لهم أي خيار، فإندفاعهم إلى إرتكاب المخالفات هو تعبير عن السخط والغيظ أكثر منه تعبيرا عن قناعات وإيمان، ولو إنتبه الظالمون إلى ذلك فرفعوا ظلمهم وكفوا أيديهم لما وجد المقهورون سببا لدخولهم فيما لا يحبون، خامسا : إن القوة - مع الأسف – في منطق معظم الأمم مقدم على دواعي العدالة والإنصاف، حتى يصل الحال بأمم الأرض إلى إقرار الظالم والسكوت عن ظلمه، في الوقت الذي يوجه فيه اللوم إلى المظلوم المقهور الذي يُحَمِّلُهُ العالم المسؤوليةَ الكاملةَ لمجرد أنه رفع رأسه ومارس حقه المشروع في دفع الظلم . سادسا : انقلاب الصورة واختلاط الأوراق، والتي يصبح معها الظالمون في حِلٍّ من عقاب القانون الأرضي، بل قد يحظوا بالدعم والتأييد، بينما يضطر المظلوم وفي معمعة دفاعه عن حقه أن يحمل يافطات ( الإرهاب) و ( العنف )، إلى غير ذلك مما نعتبره مساً خطيراً بأسس العدالة في الأرض . ثامنا : حتمية انتصار المظلومين لا شك فيها ، مهما بلغت التضحيات، وعظمت الإبتلاءات ... هذه سنة الله في الخلق، وهذا هو قانونه الذي لا ينخرم ...

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il
  

مقالات متعلقة