الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 07 / مايو 16:02

د.رفيق حاج :القائمة السوداء للفنانين وجهة نظر معارض

كل العرب
نُشر: 21/07/11 15:10,  حُتلن: 15:20

 د.رفيق حاج في مقاله:

اذا تطرقنا الى كون الفنان مدينًا لنا شهرته، هل يا ترى هذا الدين حقيقي ام وهمي؟

الفنان الحقيقي هو ذلك الذي يساهم في رفع شأن الفن في بلده وليس من يُساهم في تحريره او تغيير نظام حكمه

مقاطعة الفنانين الذين نددوا بالثوار واشادوا بالنظام الحاكم هو عمل غير ديمقراطي وغير حضاري مهما بدا لنا أمرا موجبا وعادلا

ثورة 25 يناير وضعت عددا من الفنانين المصرين وصحافيين وإعلاميين، ورياضيين، ومشاهير المجتمع ضمن "القائمة السوداء"

حاولوا مراجعة سيرة الفنانين تجدون ان أغلبهم بدأوا حياتهم كاناس بسطاء ومنهم من ذاق طعم الفقر والجوع وتنكيل زوج الام، وقد وصلوا الى ما وصلوا اليه بسبب مثابرتهم

ان القيام بمقاطعة الفنانين "المتخاذلين" الذين لم يقفوا الى جانب الثوار في أحلك الظروف والمدينين لنا بشهرتهم وعظمتهم هو اول ما يتبادر الى أذهاننا. لكن تحليلا أوسع للأمور ورؤيا أشمل قد يفرزان مواقف أقل تطرّفا من تلك التي اتخذناها في بداية سماعنا للخبر.

ثورة 25 يناير
لقد قرأت في موقع صحافي خبرا يقول أن ثورة 25 يناير وضعت عددا من الفنانين المصرين وصحافيين وإعلاميين، ورياضيين، ومشاهير المجتمع ضمن "القائمة السوداء" التي نشرها ناشطو الثورة على الإنترنت، وعُرضت في جميع وسائل الأعمال نتيجة لمواقفهم المتخاذلة والمناوئة للثورة، وتأييدهم لبقاء مبارك ونظامه في الحكم” وشملت القائمة السوداء المطرب تامر حسني، وعادل امام، وزينه، ومي كساب، ومحمد هنيدي، وسماح أنور، ونبيلة عبيد، وصابرين، ومحمد صبحي وشمس البارودي وأخرين.
أما القائمة السوداء في سوريا فقد شملت كوكبة من الفنانين المعدودين على الصف الأول في مختلف المجالات والأجيال مثل بسام كوسا، وجمال سليمان، ونجدت أنزور، وسلاف فواخرجي، ودريد لحام، وميادة الحناوي، وجورج وسوف، وسوزان نجم وأيمن زيدان وغيرهم الذين وصفوا الثوار بالدخلاء والمتآمرين على سوريا وهللوا وكبّروا لعدالة ووطنية وحصافة النظام القائم وعلى رأسه بشار الأسد.

ثوار الحرية والكرامة
بما اننا مؤيدون ومعجبون بل "مسحورون" بما قام به ثوار الحرية والكرامة في الدول العربية فإن اول ما يتبادر الى أذهاننا هو الوقوف الى جانبهم وتلبية دعوتهم بمقاطعة هؤلاء الفنانين “المتخاذلين” المدينين لنا بشهرتهم وعظمتهم والذين لم يقفوا الى جانب الثوار في أحلك الظروف. على ما يبدو إن أقلّ ما يمكن فعله هو مقاطعة أعمالهم وإدارة ظهورنا لهم، ولو استطعنا جرّهم للمحاكم وتقديم اللوائح ضدهم لما تأخّرنا عن ذلك، لكن تحليلا أوسع للأمور ورؤيا أشمل قد يفرزان مواقف أقل تطرّفا من تلك التي اتخذناها في بداية سماعنا للخبر. هل مقاطعة الفنانين الذين أشادوا بالنظام السابق هي خطوة صائبة ومن الرابح من وراء ذلك ومن هو الخاسر؟
اذا تطرقنا الى كون الفنان مدينًا لنا شهرته، هل يا ترى هذا الدين حقيقي ام وهمي؟ هل نحن الذين أوصلنا الفنان الى الشهرة والتألق والنجومية؟ أم مواهبه وعبقريته وعمله الدؤوب؟. حاولوا مراجعة سيرة الفنانين تجدون ان أغلبهم بدأوا حياتهم كاناس بسطاء ومنهم من ذاق طعم الفقر والجوع وتنكيل زوج الام، وقد وصلوا الى ما وصلوا اليه بسبب مثابرتهم وطموحهم وقدراتهم الفنية الفائقة. ان الناس التي تدعي انها هي التي اوصلتهم الى القمم هي نفس الناس التي كانت تسخر منهم وتعاديهم وتقذفهم بالبندورة والبيض لو لم يكونوا موهوبين او مدّعين للموهبة. واذا كانت هذه طريقة تفكيرنا، فلماذا لا نبني قائمة سوداء بالحدادين والنجارين واصحاب المتاجر الذين لم يقفوا الى جانب الثوار فهم ايضا يعتمدون على الناس لكسب أرزاقهم؟!

تقييم الأوضاع والسياسات
في نهاية الأمر، الفنان هو انسان من لحم ودم وقد يخطئ في فهم ما يدور حوله وتقييم الأوضاع والسياسات والتحركات الذي تمر بها بلدَهُ وقد يكون بحاجة الى بعض الوقت لبلورة موقفه. اذا اتفقنا ان الفنانين هم بشر مثلنا فقد تجد بينهم الشجاع والجبان والمستهتر والمتحفّظ والمتحرّر وقد تنعدم الشجاعة لدى البعض منهم لدرجة المصارحة المعلَنة في موقفهم المؤيد للثورة، فكيف يمكن ان نلومهم على ذلك؟ انا شخصيا لا يهمني “الوجه الآخر” للفنان غير ذلك الذي يخص فنّه. قد يكون فناننا المحبب بخيلا او جبانا او متملقا او متحذلقا او يبول في سرواله في الليل. كل ذلك لا يعنيني ولا يمت للفن بأية صلة؟ ولو اردت الاختيار بين فنان عظيم وجبان وبين فنان هابط وشجاع لاخترت الأول.
ان المعايير الوحيدة التي ينبغي ان نستعملها لتقييم الفنانين هي معايير مهنية صرف والتي تخص المجال الفني الذين يتعاملون معه. الفنان الحقيقي هو ذلك الذي يساهم في رفع شأن الفن في بلده وليس من يُساهم في تحريره او تغيير نظام حكمه. عندما حاول مساعدو جمال عبد الناصر اقناعه بإقصاء ام كلثوم من “الساحة” بحجة انها غنت للملك فاروق والنظام السابق، فأجاب بأن الهرم كان ايضا في عهد الملك فاروق هل يصحّ ان نُقصيه ايضا؟

هموم وآمال وطموحات
هنالك اجماع من الحائط الى الحائط بأن الفنان الحقيقي هو ذلك الذي يحمل هموم وآمال وطموحات الناس ويجسّد ذلك في اعماله الفنية، ان كان في مجال الموسيقى ام التمثيل ام الغناء ام الرقص ام الرسم وهنالك فعلا بعض الفنانين الذين واكبوا التاريخ ودونوه في اعمالهم. لكن لا توجد شهادات او اثباتات تاريخية تؤكد انه كان لهم دور في المرحلة الانتقالية التي يتغير بها الحكم من نظام ملكي الى جمهوري او من نظام دكتاتوري الى ليبرالي والخ..
ان مقاطعة الفنانين الذين نددوا بالثوار واشادوا بالنظام الحاكم هو عمل غير ديمقراطي وغير حضاري مهما بدا لنا أمرا موجبا وعادلا، ولا هدف له سوى الانتقام من اشخاص عارضونا الرأي ومشوا ضد التيار مجبرين او مخيرين. ان الخاسر الرئيسي من المقاطعة هو الفن ذاته الذي سيفتقد لاعبين مركزيين لهم بصمات على عالم الفن وعلى المجتمع. تخيلوا سوريا بدون دريد لحام ومصر بدون عادل امام. انا اتخيلها كفريق كرة قدم بدون هدّاف او بدون حارس مرمى.
لا تدعوا غرائز الانتقام تسيطر على أذهانكم، فالفنانون منكم واليكم. اعطوهم فرصة لتقييم الوضع من جديد ولإعادة النظر في مواقفهم وافصلوا الفن عن السياسة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 
 
 

مقالات متعلقة